المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : ذكر ما يتعلق برجب من أحكام



أهــل الحـديث
30-04-2014, 05:00 PM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم



قال ابن رجب في لطائف المعارف فيما المواسم العام من الوظائف : ذكر ما يتعلق برجب من أحكام

ويتعلق بشهر رجب أحكام كثيرة فمنها ما كان في الجاهلية واختلف العلماء في استمراره في الإسلام كالقتال وقد سبق ذكره وكالذبائح فإنهم كانوا في الجاهلية يذبحون ذبيحة يسمونها العتيرة واختلف العلماء في حكمها في الإسلام فالأكثرون على أن الإسلام أبطلها وفي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : لا فرع ولا عتيرة " ومنهم من قال : بل هي مستحبة منهم ابن سيرين وحكاه الإمام أحمد عن أهل البصرة ورجحه طائفة من أهل الحديث المتأخرين ونقل حنبل عن أحمد نحوه و في سنن أبي داود و النسائي و ابن ماجه عن خنف بن سليم الغامدي أن النبي صلى الله عليه و سلم قال بعرفة : إن على كل أهل بيت في كل عام أضحية أو عتيرة " و هي التي يسمونها الرجبية و في النسائي عن نبيشة أنهم قالوا : يا رسول الله إنا كنا نعتر في الجاهلية يعني في رجب ؟ قال : اذبحوا لله في أي شهر كان و بروا لله و أطعموا " وروى الحرث بن عمرو : أن النبي صلى الله عليه و سلم سئل عن الفرع والعتائر ؟ فقال : من شاء فرع ومن شاء لم يفرع و من شاء عتر و من شاء لم يعتر " وفي حديث آخر قال : " العتيرة حق " و في النسائي عن أبي رزين قال : قلت يا رسول الله كنا نذبح ذبائح في الجاهلية يعني في رجب فنأكل و نطعم من جاءنا ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : لا بأس به " وخرج الطبراني بإسناده عن ابن عباس قال : استأذنت قريش رسول الله صلى الله عليه و سلم في العتيرة ؟ فقال : اعتر كعتر الجاهلية ولكن من أحب منكم أن يذبح لله فيأكل ويتصدق فليفعل "وهؤلاء جمعوا بين هذه الأحاديث وبين حديث : " لا فرع ولا عتيرة " بأن المنهي عنه هو ما كان يفعله أهل الجاهلية من الذبح لغير الله وحمله سفيان بن عيينة على أن المراد به نفي الوجوب ومن العلماء من قال : حديث أبي هريرة أصح من هذه الأحاديث وأثبت فيكون العمل عليها دونها وهذه طريقة الإمام أحمد و روى مبارك بن فضالة عن الحسن قال : ليس في الإسلام عتيرة إنما كانت العتيرة في الجاهلية كان أحدهم يصوم رجب ويعتر فيه ويشبه الذبح في رجب اتخاذه موسما وعيدا كأكل الحلوى و نحوها وقد روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه كان يكره أن يتخذ رجب عيدا وروى عبد الرزاق عن ابن جريج عن عطاء قال : كان النبي صلى الله عليه و سلم ينهى عن صيام رجب كله لئلا يتخذ عيدا " وعن معمر عن ابن طاوس عن أبيه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : لا تتخذوا شهرا عيدا و لا يوما عيدا " وأصل هذا : أنه لا يشرع أن يتخذ المسلمون عيدا إلا ما جاءت الشريعة باتخاذه عيدا وهو يوم الفطر ويوم الأضحى وأيام التشريق وهي أعياد العام ويوم الجمعة وهو عيد الأسبوع وما عدا ذلك فاتخاذه عيدا وموسما بدعة لا أصل له في الشريعة

ومن أحكام رجب ما ورد فيه من الصلاة والزكاة والصيام والإعتمار فأما الصلاة فلم يصح في شهر رجب صلاة مخصوصة تختص به والأحاديث المروية في فضل صلاة الرغائب في أول ليلة جمعة من شهر رجب كذب وباطل لا تصح وهذه الصلاة بدعة عند جمهور العلماء ومن ذكر ذلك من أعيان العلماء المتأخرين من الحفاظ أبو إسماعيل الأنصاري وأبو بكر بن السمعاني وأبو الفضل بن ناصر وأبو الفرج بن الجوزي وغيرهم إنما لم يذكرها المتقدمون لأنها أحدثت بعدهم وأول ما ظهرت بعد الأربعمائة فلذلك لم يعرفها المتقدمون ولم يتكلموا فيها وأما الصيام فلم يصح في فضل صوم رجب بخصوصه شيء عن النبي صلى الله عليه و سلم ولا عن أصحابه ولكن روي عن أبي قلابة قال : في الجنة قصر لصوام رجب قال البيهقي : أبو قلابة من كبار التابعين لا يقول مثله إلا عن بلاغ و إنما ورد في صيام الأشهر الحرم كلها حديث مجيبة الباهلية عن أبيها أو عمها : أن النبي صلى الله عليه و سلم قال له : صم من الحرم و اترك قالها ثلاثا " خرجه أبو داود و غيره و خرجه ابن ماجه و عنده : " صم أشهر الحرم " وقد كان بعض السلف يصوم الأشهر الحرم كلها منهم ابن عمر و الحسن البصري و أبو اسحاق السبيعي وقال الثوري : الأشهر الحرم أحب إلي أن أصوم فيها وجاء في حديث خرجه ابن ماجه أن أسامة بن زيد كان يصوم الأشهر الحرم فقال له رسول الله صلى الله عليه و سلم : صم شوالا " فترك أشهر الحرم و صام شوالا حتى مات وفي إسناده انقطاع وخرج ابن ماجه أيضا بإسناد فيه ضعف عن ابن عباس : أن النبي صلى الله عليه و سلم نهى عن صيام رجب "

والصحيح وقفه على ابن عباس ورواه عطاء عن النبي صلى الله عليه و سلم مرسلا و قد سبق لفظه و روى عبد الرزاق في كتابه عن داود بن قيس عن زيد بن أسلم : ذكر لرسول الله صلى الله عليه و سلم قوم يصومون رجبا فقال : أين هم من شعبان " وروى أزهر بن سعيد الجمحي عن أمه أنها سألت عائشة عن صوم رجب فقالت : إن كنت صائمة فعليك بشعبان و روي مرفوعا و وقفه أصح و روي عن عمر رضي الله عنه : أنه كان يضرب أكف الرجال في صوم رجب حتى يضعوها في الطعام ويقول : ما رجب ؟ إن رجبا كان يعظمه أهل الجاهلية فلما كان الإسلام ترك و في رواية كره أن يكون صيامه سنة و عن أبي بكرة : أنه رأى أهله يتهيأون لصيام رجب فقال لهم أجعلتم رجب كرمضان وألقى السلال و كسر الكيزان

وعن ابن عباس : أنه كره أن يصام رجب كله وعن ابن عمر و ابن عباس أنهما كانا يريان أن يفطر منه أياما وكرهه أنس أيضا و سعيد بن جبير وكره صيام رجب كله يحيى بن سعيد الأنصاري والإمام أحمد وقال : يفطر منه يوما أو يومين و حكاه عن ابن عمر و ابن عباس وقال الشافعي في القديم : أكره أن يتخذ الرجل صوم شهر يكمله كما يكمل رمضان واحتج بحديث عائشة : ما رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم استكمل شهرا قط إلا رمضان قال : وكذلك يوما من بين الأيام وقال : إنما كرهته أن لا يتأسى رجل جاهل فيظن أن ذلك واجب وإن فعل فحسن وتزول كراهة إفراد رجب بالصوم بأن يصوم معه شهر آخر تطوعا عند بعض أصحابنا مثل أن يصوم الأشهر الحرم أو يصوم رجب و شعبان و قد تقدم عن ابن عمر و غيره صيام الأشهر الحرم و المنصوص عن أحمد أنه لا يصومه بتمامه إلا من صام الدهر و روي عن ابن عمر ما يدل عليه فإنه بلغه أن قوما أنكروا عليه أنه حرم صوم رجب فقال : كيف بمن يصوم الدهر وهذا يدل على : أنه لا يصام رجب إلا مع صوم الدهر وروى يوسف بن عطية عن هشام بن حسان عن ابن سيرين عن عائشة : أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يصم بعد رمضان إلا رجبا و شعبان

ويوسف ضعيف جدا وروى أبو يوسف القاضي عن ابن أبي ليلى عن أخيه عيسى عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن عائشة : أن النبي صلى الله عليه و سلم كان يصوم من كل شهر ثلاثة أيام وربما أخر ذلك حتى يقضيه في رجب و شعبان ورواه عمرو بن أبي قيس عن ابن أبي ليلى فلم يذكر فيه رجبا وهو أصح

وأما الزكاة فقد اعتاد أهل هذه البلاد إخراج الزكاة في شهر رجب ولا أصل لذلك في السنة ولا عرف عن أحد من السلف ولكن روي عن عثمان أنه خطب الناس على المنبر فقال : إن هذا شهر زكاتكم فمن كان عليه دين فليؤد دينه وليزك ما بقي خرجه مالك في الموطأ وقد قيل : إن ذلك الشهر الذي كانوا يخرجون فيه زكاتهم نسي ولم يعرف وقيل : بل كان شهر المحرم لأنه رأس الحول و قد ذكر الفقهاء من أصحابنا وغيرهم أن الإمام يبعث سعاته لأخذ الزكاة في المحرم وقيل بل كان شهر رمضان لفضله وفضل الصدقة فيه وبكل حال فإنما تجب الزكاة إذا تم الحول على النصاب فكل أحد له حول يخصه بحسب وقت ملكه للنصاب فإذا تم حوله وجب عليه إخراج زكاته في أي شهر كان فإن عجل زكاته قبل الحول أجزأه عند جمهور العلماء و سواء كان تعجيله لاغتنام زمان فاضل أو لاغتنام الصدقة على من لا يجد مثله في الحاجة أو كان لمشقة إخراج الزكاة عليه عند تمام الحول جملة فيكون التفريق في طول الحول أرفق به وقد صرح مجاهد بجواز التعجيل على هذا الوجه وهو مقتضى إطلاق الأكثرين و خالف في هذه الصورة اسحاق نقله عنه ابن منصور وأما إذا حال الحول فليس له التأخير بعد ذلك عند الأكثرين وعن أحمد يجوز تأخيرها لانتظار قوم لا يجد مثلهم في الحاجة وأجاز مالك وأحمد في رواية نقلها إلى بلد فاضل فعلى قياس هذا لا يبعد جواز تأخيرها إلى زمان فاضل لا يوجد مثله كرمضان ونحوه و روى يزيد الرقاشي عن أنس : أن المسلمين كانوا يخرجون زكاتهم في شعبان تقوية على الإستعداد لرمضان وفي الإسناد ضعف

وأما الإعتمار في رجب فقد روى ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه و سلم اعتمر في رجب فأنكرت ذلك عائشة عليه وهو يسمع فسكت واستحب الإعتمار في رجب عمر بن الخطاب وغيره وكانت عائشة تفعله و ابن عمر أيضا ونقل ابن سيرين عن السلف أنهم كانوا يفعلونه فإن أفضل الانساك أن يؤتى بالحج في سفرة و العمرة في سفرة أخرى في غير أشهر الحج و ذلك جملة إتمام الحج و العمرة المأمور به كذلك قاله جمهور الصحابة : كعمر وعثمان وعلي وغيرهم

وقد روي : أنه في شهر رجب حوادث عظيمة ولم يصح شيء من ذلك فروي : أن النبي صلى الله عليه و سلم ولد في أول ليلة منه وأنه بعث في السابع والعشرين منه وقيل : في الخامس والعشرين ولا يصح شيء من ذلك وروى بإسناد لا يصح عن القاسم بن محمد : أن الإسراء بالنبي صلى الله عليه وسلم كان في سابع و عشرين من رجب و انكر ذلك إبراهيم الحربي و غيره وروي عن قيس بن عباد قال : في اليوم العاشر من رجب : ( يمحو الله ما يشاء و يثبت ) وكان أهل الجاهلية يتحرون الدعاء فيه على الظالم وكان يستجاب لهم ولهم في ذلك أخبار مشهورة قد ذكرها ابن أبي الدنيا في كتاب مجاب الدعوة وغيره وقد ذكر ذلك لعمر بن الخطاب فقال عمر : إن الله كان يصنع بهم ذلك ليحجز بعضهم عن بعض وإن الله جعل الساعة موعدهم والساعة أدهى وأمر و روى زائدة بن أبي الرقاد عن زياد التميمي عن أنس قال : كان رسول الله صلى الله عليه و سلم إذا دخل رجب قال : اللهم بارك لنا في رجب وشعبان وبلغنا رمضان وروي عن أبي إسماعيل الأنصاري أنه قال : لم يصح في فضل رجب غير هذا الحديث وفي قوله نظر فإن هذا الإسناد فيه ضعف وفي هذا الحديث دليل على استحباب الدعاء بالبقاء إلى الأزمان الفاضلة لإدراك الأعمال الصالحة فيها فإن المؤمن لا يزيده عمره إلا خيرا وخير الناس من طال عمره وحسن عمله و كان السلف يستحبون أن يموتوا عقب عمل صالح من صوم رمضان أو رجوع من حج وكان يقال : من مات كذلك غفر له كان بعض العلماء الصالحين قد مرض قبل شهر رجب فقال : إني دعوت الله أن يؤخر وفاتي إلى شهر رجب فإنه بلغني أن لله فيه عتقاء فبلغه الله ذلك ومات في شهر رجب

شهر رجب مفتاح أشهر الخير والبركة قال أبو بكر الوراق البلخي : شهر رجب شهر للزرع وشعبان شهر السقي للزرع ورمضان شهر حصاد الزرع وعنه قال : مثل شهر رجب مثل الريح ومثل شعبان مثل الغيم ومثل رمضان مثل القطر وقال بعضهم : السنة مثل الشجرة وشهر رجب أيام توريقها وشعبان أيام تفريعها ورمضان أيام قطفها والمؤمنون قطافها جدير بمن سود صحيفته بالذنوب أن يبيضها بالتوبة في هذا الشهر وبمن ضيع عمره في البطالة أن يغتنم فيه ما بقي من العمر

( بيض صحيفتك السوداء في رجب * بصالح العمل المنجي من اللهب )

( شهر حرام أتي من أشهر حرم * إذا دعا الله داع فيه لم يخب )

( طوبى لعبد زكى فيه له عمل * فكف فيه عن الفحشاء و الريب )

انتهاز الفرصة بالعمل في هذا الشهر غنيمة واغتنام أوقاته بالطاعات له فضيلة عظيمة

( يا عبد أقبل منيبا واغتنم رجبا * فإن عفوي عمن تاب قد وجبا )

( في هذه الأشهر الأبواب قد فتحت * للتائبين فكل نحونا هربا )

( حطوا الركائب في أبواب رحمتنا * بحسن ظن فكل نال ما طلبا )

( وقد نثرنا عليهم من تعطفنا * نثار حسن قبول فاز من نهبا )