المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : تاريخ الفكر الادارى



dr_mohamedabdelazeem
03-10-2007, 03:58 PM
تطور الفكر الإدارى
إن الإدارة قديمة قدم الإنسان, وقد عرفت الحضارات القديمة الإدارة والعرض التالى يوضح تطور الفكر الإدارى عبر تلك العصور.
السومريون :
من اقدم الوثائق المكتوبة فى العالم ما عثر عليه الباحثون فى تراث الحضارة السومرية التى يرجع تاريخها الى خمسة الاف سنة مضت، وفى بعض هذه الوثائق ما يدل على ان السومريين قد مارسوا لونا من الرقابة الادارية , فلقد وجد الكهنة السومريون انفسهم يديرون امر ثروة دنيوية زائلة يملكها تنظيم دينى باق على الزمن ... فلو مات كاهن مثلا يعج ان يكون اقرض احدهم قرضا من اموال الدنيا , فكيف يتسنى لخليفة الكاهن المتوفى ان يسترد الدين دون نظام مستقر للرقابة الادارية .
ولعلاج مثل هذا الموقف ابتدع الكهنة السومريون نظام الكتابة او تسجيل البيانات المتعلقة بكافة المعاملات التى يمارسها مختلف الكهنة المسئولين عن الثروات الضخمة التى تملكها المؤسسة الدينية ، ونظرا لإدراك أولئك القوم هذه الحاجة الى الرقابة الادارية فانه لا غرابة فى ان تكون اولى الوثائق المكتوبة فى العالم عبارة عن كشوف حسابات الجرج التى اعدها السومريون من خمسة الاف سنة ، ومن الراجح ان تكون الاحتياجات الادارية التى استشعرتها هذه الحضارة الاولى هى التى اوحت بابتكار الكتابة السومرية ، ورغم ان الكهنة هم الذين ابتدعوا الكتابة فان استخدماتها الاولى كانت تستهدف الرقابة الادارية لا الطقوس الدينية .
المصريون :
إن بناء الأهرام باستخدام المصريون وسائل تكنولوجية بدائية بمقاييس العصر الحديث لدليل قاطع على القدرات الادارية والتنظيمية التى تهيات لمصر القديمة , من ذلك ان هرم خوفو الاكبر يقوم على قاعدة مساحتها ثلاثة عشر فدانا ويتكون من ( 2300000) قطعة من الحجر تزن كل منها فى المتوسط ما بين طنين ونصف طن .
ويعتبر العلماء ان عملية بناء هذا الهرم قد استنفذت جهد ما ينيف على مائة الف ( 100000) رجل واستغرفت 20 عاما ، وهذا يعنى فى ضوء معايير العصر الحديث ادارة وتوجيه جهود مدينة قوامها مائة الف نسمة خلال فترة تزيد على عشرين عاما ، وهذه والحق يقال مهمة ادارية مترامية الابعاد متناهيه الضخامة .
فإذا تأملنا ما يقضيه انجاز كهلذا من ممارسة عمليات التخطيط والتنظيم والرقابة اتضح لنا المفاهيم والاساليب الادارية التى نعرفها ليست وليدة القرن العشرين , ناهيك عن المشاكل المذهلة مثل تيسير الماكل والمسكن والنقل لهذا العدد المهول من الناس .
ولقد تمكن قدماء المصريين من إنجاز مهام ما زالت تبهرنا آثارها بفضل استخدامها لأعداد الكبيرة من العمالة المنظمة ، ولئن بدا إن أسلوبهم فى التنظيم تنقصه الدقة والسلامة أو ينطوى على أسباب العطل أو ضياع الجهد والوقت , فلم يكن لديهم فى واقع الأمر ما يدفعهم إلى التزام جانب التدبير والاقتصاد فى استخدام القوى العاملة , ذلك لان أعداد ضخمة من الفلاحين والجنود المرتزقة والعبيد دائما متوفرة وهن الإشارة ، فإذا كانوا قد تمكنوا من إنجاز العمل المطلوب بالمواد المتوافرة لديهم فان هذا يشهد ببراعتهم، أما ما تبقى من آثارهم فهو دليل قاطع على كفاءتهم ومعرفتهم الإدارية .
كذلك أدرك المديرون من قدماء المصريين قيمة التخطيط والائتناس بمشورة المستشارين على نحو ما تدل عليه الفقرة التالية من احدى المخطوطات بعنون نصيحة والد لولده، " صارح القوم بمهمتك دون مواراة ...... على المرء ان يقول بصراحة ما يعرف ويعترف بصراحة بما لا يعرف" وينبغى على القائد ان يدخل فى حسبانه الايام القادمة..... وما اعظم العظيم الذى يانتس بمستشارين عظماء .
كذلك نجد أن المصريين القدماء كانوا على علم بكثير من المبادئ والمفاهيم الادارية السليمة , من ذلك مثلا انهم عرفوا السلطة والمسئولية بالمفهوم الادارى , كما انهم ادركوا اهمية تحديد وتوصيف الوظائف بالتفصيل . ومن الامثلة الدالة على هذا كله هذه التعليمات التى كانت تصف عقد تعيين اى وزير او مدير:
* وفوق ذلك فان عليه ان يطلب المشورة حول امور الرعية حيث ترفع اليه شئون القطرين فى داره كل يوم .
* انه المسئول عن حضور موظفى الاقليم كما انه المسئول عن صرفهم و وعليهم ان يبلغوه بشئون اقليمهم .
* على صاحب الالتماس ان يقدمه مكتوبا ولا يسمح بتقديمه شفاهة , وكل من يتقدم بالتماس التى الملك يحدد له موعد لمقابلة بعد ان يدونه كتابة .
* على المسئولين ان يبلغوه بمجريات امروهم فى اليوم الاول من كل موسم على ان يكون ذلك كتابة بحيث يجيئون اليه مع مجلستهم المحلى حاملين ما دونوه
* لكل موظف صغير كان او كبير الحق فى ان يتوجه الى ديوان الوزير ملتمسا مشورته
وإذا درسنا نظام الحكومة المصرية خلال عهود المملكة الوسطى والامبراطورية الحديثة اتضح لنا من الادلة ما يثبت ان قدماء المصريين قد عرفوا مبدا الرقابة على عملية مترامية الاطراف عن طريق تنظيم مركزى فقد بدلوا باقامة شكل من اشكال الحكم اللامركزى المتحلل فى امبراطوريتهخم يتهم , وكانت الحكومة فيما بين 2160 – 1788 قبل المبلاد على درجة عالية من اللامركزية وولاياتها وكان ولاة هذه الولايات يدينون بطبيعة الحال بالولاء لفرعون مصر، غير أن رقابة الحكومة المركزية على هذه الولايات بلغت من التحلل درجة يمكن معها مضاهاتها بسهولة بالدويلات الاقطاعية فى تاريخ القرون الوسطى باوربا .
ولما تبين لحكام عصر الامبراطورية الجديدة ان هذه الرقابة المتسيبة قد نجم عنها انخفاض فى الدخل وتراخ فى الولاء بداوا قرابة عام 1600 قبل الميلاد اعادة تركيز السلطة فى ايديهم عن طريق الاستيلاء العسكري، وترتب على الاستيلاء العسكرى تدخل ضباط الجيش فى الحكم وتقلدهم المناصب الادارية فاعادوا تنظيم الحكومة المركزية وكان من نتيجة هذه المركزية ان وضع امراء الملك وعلى راسهم فرعون مصر ايديهم علىالارض جميعها وتركزت السلطة فى يد فرعون الذى فوض السلطة المحلية للاقاليم عن طريق حكام او ولاة تعينهم الحكومة المركزية، فلم يكون الحكام الجدد مستقلين عنها كما كان حكام المملكة القديمة، بل كانوا مجرد اداة تنفيذ تعليمات فرعون واصبحت الحكومة المركزية تحتفظ بالجيش وتجبى الضرائب, واتخذ فرعون مصر رئيس وزراء ليعاونه , وكن هذا يقوم فى واقع الامر بدور فعال فى ادارة الدولة ويقوم بحملات التفتيش المتكررة على الاقاليم .
وهكذا يتبين ان قدماء المصريين قد عرفوا – بعد قرابة 1000 سنة – ان الممتلكات المبعثرة التى تتطلب حكما لا مركزيا لا يمكن ان تنجح كتنظيم ادارى الا فى ظل رقابة مركزية فعالة، وسرعان ما اختفت كلية بعد ذلك ابان الدولة الحديثة – فيما بين 1530 ق 1050 ق . م – الحكومات الاقليمية التى شهدتها الدولة القديمة , واصبحت السلطة الملكية قائمة فعلا , اذا باتت اسما على مسمى , فقد تمت مركزية الحكومة ابان حكم الهكسوس الذين طردوا الغزاة الاجانب الى الاقاليم وتقلدوا السلطة الكاملة , اصبح الملك هو صاحب كل الممتلكات فى مصر يتقاضى الايجار السنوى وهو فى العادة 20% ويحصله قمحا.
واذا كانت الرقابة عن طريق السجلات والدفاتر هى دليل التقم الحضارى فان قدماء المصريين من ابناء الدولة الحديثة يعتبرون راس الحضارة , فقد شغلوا كتابهم بتدوين السجلات المفصلة، أما فى مجال النجارة وشئون الحكم فقد احتفظوا بوثائق على وجه الدقة مقدار الوارد واسم المرسل وتاريخ الاستلام مع تفاصيل اسلوب التصرف فى الصادر والوارد , وكل مصرف يقوم به جهاز حكومى يستند الى وثائق محفوظة , وهذه الان فقرة نقتطفها من كتاب رسمى يشهد بحرص مصر فى العصور القديمة على هذا اللون من التوثيق :
اكتب هذا لك ليكون شاهدا بيننا , وعليك ان تحتفظ بهذا الكتاب حتى يكون فى مستقبل الايام بمثابة شاهد دليل، كذلك أدرك المصريون القدماء اهمية التخصص فى التنظيم الكلى , كما يشهد بذلك سنهم لقوانين تحرم على كل صاحب حرفة ان يحترف حرفة اخرى غير تلك التى خلفهاس له اباؤه , وبهذه الطريقة كانت كل حرفة فى حالة منافسة مسترمرة من اجل التفوق وبلوغ الكمال كذلك حرم اصحاب الحرف من اشتراك فى الشئون السياسية حتى لا يصرفهم عن متابعة حرفهم الاصلية ويشتت جهودهم الاساسية .
بابـــل :
كأي حضارة عريقة خلقت بابل ورائها طابعها المميز, فالمعاملات التجارية كانت توثق توثيقا محكما على اقراص او الواح كوسيلة للرقابة , وهذه الاقراص تزودنا ايضا لحسن الحظ بباكورة من بواكير الاعتراف بمبدا عدم امكان تفويض المسئولية ويتضح هذا من كتاب للملك يعترف او يامر فيه عشرة من رجاله يشق قناة وينص الكتاب على انه اذا لم يتم العمل المطلوب على صورة سليمة فان العقاب سينزل بالمشرف على العمال لا بالعمال. تعتبر " الاشنونة" بما تتضمنه من مواد الرقابة على الاسعار وعقوبات الجرائم اقدم قانون عرفته بابل والمعتقد انه يسبق قانون حمور ابى يزيد عن 150 سنة .
ولعل ابرز ما اسهمت به حضارة بابل فى مجال الفكر الادارى كان قانون حمور ابى الذى يقع حكمه بسن عام 2000 و 1700 قبل الميلاد, ويعتبر هذا القانون من اقدم القوانين المعروفة فىس العالم ويزودنا بمرجع امين فى مجال افكر الادارى منذ فجر التاريخ, وهذه بعض المقتطفات التى لها دلالاتها:
عن الحد الادنى للاجور:
* إذا استأجر الإنسان عاملا من اعمال الحقول وجب عليــه ان
يدفع له ثمانية مكاييل من القمح كل عام .
عن الرقابة :
* إذا دفع احد الناس لشخص اخر تامينات فى صورة ذهب او فضة او اى شئ اخر ’ فان عليه ان يريه لشاهد ويدون العقود اللازمة .
* اذا اعطى تاجر عميلا له غلالا او اصوافا او زيتا او اية سلعة تجارية , فان على العميل ان يدون قيمة السلعة كتابة ويرد المال الى التاجر وللعميل ان يتسلم من التاجر ايصالا مختوما بالمال الذى يسلمه للتاجر فاذا اهمل العميل ولم يتسلم من التاجر ايصالا بالمبلغ الذى دفعه له , فان المال الذى لم يتسلم عنه ايصالا لا يحتسب له.
عن المسئولية :
* إن البناء الذى يبنى بيتا يتهدم على ساكنه ويقتله , جزاؤه الموت
* اذا سمح تاجر مخمور لرجال مشاغبين بالاجتماع فى داره ولم يطردهم كان جزاؤه القتل .
* اذا عهد رجل بابنه الى مربية لرعايته ومات الطفل بعد ان تكون المربية قد عهدت به الى مربية اخرى دون موافقته من ابويه, كان جزاء المربية بتر ثدييها.
وبعد فترة من الاضمحلال تزيد على 1000 عام فى اعقاب حكم حمورابى , اصبح نبوخذ نصر ملكا على البلاد فى عام 604 ق.م وشهدت بابل فى عهده حقبة أخرى من الازدهار، ونجد أمثلة للرقابة على الانتاج والمكافاة التشجيعية فى مصانع النسيج , فقد استخدمت الالوان مثلا كوسيلة للرقابة على سير العمل , فتعرف المدة التى تستغرقها خامة معينة حتى يتم تصنيعها , وقد استخدمت نفس الحيلة فى مطاحن الغلال فى عهد نبوخذ نصر فعند حصد القمح يعبا فى جرار ضخمة فى الطين ويثبت فى فوقها قصبة ملونة يغير لونها عاما بعد عام , وبذا يتضح على الفور للعين المجردة سنة حصاد القمح المخزون فى كل جرة واخيرا كانت الاجور تصرف للنساء العاملات فى الغزل والنسيج فى صورة طعام , وتتوقف كمية الطعام الذى يصرف لكل امراة على قدر انتاجها فياله من حافز اساسى فعال.
العبرانيون :
ابرز ما اسهم به العبرانيون هو مبدا التفويض الادارى ومبدا الاستثناء بهذا النص : كل الدعاوى الكبيرة يجيئون بها اليك , وكل الدعاوى الصغيرة يقضون هم فيها، هذا النص الوصفى الإنجيلي الذى جاء فى الاصحاح 18 يزودنا يمرجع من اقدم وايسر المراجع فى مجال التنظيم فلسفة وتخطيطا.
الصينيون :
إن تراث فلاسفة الصين من امثال منشيوس وتشاو – من عام 1100 الى قرابة عام 500 ق. م – انما يدل على ان الصينين كانوا على علم ببعض المبادئ الادارية فى مجال التنظيم والتخطيط والتوجيه والرقابة، من ذلك أن دستور تشاو الذى كتب على الارجح عام 1100ق.م عبارة عن دليل ادارى لجميع موظفى الدولة الى الامبراطور , من رئيس الوزارء الى خدم المنازل , مع قوائم دقيقة بواجباتهم ومهام وظائفهم .
ويتنازل الدليل سلطات رئيس الوزراء ويضمنها فى ثمانية سلطات تعين الملك على معاملة مختلف ضباطه, وفى يده ثمانى قواعد يحكم بها مختلف مرافق الحكومة , وفى يده ثمانية اساليب لحكم البلاد، واثر عن الإمبراطور الذى تقول عنه الاساطير انه تربع على عرش الصين من عام 2350 الى 2256 ق.م انه داب على التماس مشورة مستشاريه فى كل امر كبير .
كذلك عمل شن بمبدا الشورة بحيث كان يلتقى بوزراته وكبار اعوانه فى انحاء المملكة ملتمسا نصحهم فى كيفية فتح جميع ابواب الاتصالات بين البلاط والإمبراطورية، وجاء بعد ذلك – 1766 – 1754 ق.م تانج مؤسس اسرة شانج فتبع مبدا الشورى باطلاق يد الاكفاء من وزرائه فى ادارة دفة الحكم حتى يستفيد اسعادة كاملة بما لديهم من حكمة وموهبة.
وقد حض الملك وو 1122 – 1116 ق.م – مؤسس اسرة تشاو ولاة الاقاليم على استخدام هيئات استئارية , بل لقد نص فى قرار تعيين الامير تشنج على ان يعقد مجالس للشورى قبل اتخاذ اى قرار هام.
بالرجوع الى ما كتبه منشيوس نجد انه كان يعتقد ان القوانين وحدها لا تكفى لادارة الاعمال , وان اى منشاة ناجحة لابد ان تلتزم بمستوى من الاداء الذى تشاؤه القدرة الالهية ويستخدم كنموذج للحكم، وكتب منشيوس عام 500ق.م ليبرر الحاجة الى وجود نظم واساليب ونماذج لنجاح الادارة فقال: كل من يؤدى عملا فى هذا العالم لابد ان يكون لديه نظام , ولا وجود لعمل ناجح دون نظام . ولكل عامل نظام, من الوزراء وقادة الجيش الى المئات من ذوى الحرف ... فاذا ما حكمنا امبراطورية او دولة كبيرة دون نظام نقتدى به كنموذج , افلا نكون بذلك اقل ذكاء من الرجل العادى صاحب الحرفة ؟
كذلك أكد الصينيون مبدأ التخصص حيث كانت الحف وراثية كلها وكل حرفى مرتبط بمهنته طوال عمره , وكان ذوو الحرف يعيشون سويا فى احياء خاصة بهم مستقلين عن سائر المواطنين حتى يسهل عليهم تعلم حرفهم دون تعويق وبعثرة للأذهان، ويعالج منشيوس ذلك بقوله : " أن للناس صغيرهم وكبيرهم عملهم الصحيح الخاص بهم , ولابد لكل انسان من ان يتزود بنتاج صنعه غيره من الناس اما اذا اضطر الى ان يصنع بنفسه كل ما يحتاج اليه فلن نجد انسانا فى انحاء الابراطورية يجيد عملا" كتب صن ترو قرابة عام 500 ق.م اقدم بحث عسكرى فى العالم نقتطف منها الفقرتان التاليتان
عن التخطيط :
إن القائد الذى يكسب المعرفة انما يمارس عمليات حسابية فى مقر قيادته قبل المعركة اما القائد الذى يخسر المعرفة فى يكاد يمارس اية عمليات حسبية مقدما، فإذا أخذت هذا فى الاعتبار بوسعى ان اعرف من يرجع له النصر ومن ترجع له الهزيمة
عن التوجية :
إذا لم تكن كلمات الامر واضحة ظاهرة المعنى , واذا لم تكن الاوامر مفهومه تماما وقع اللوم على القائد، أما إذا كانت أوامر واضحة ومع ذلك لا يطعيها الجنود كان الخطا خطا ضباطه، وأخيرا فانه منذ اكثر من الفى سنة تحدث تزو عن التنظيم , وقال محذرا : " اذا كان القائد ضعيفا لا سلطة له , واذا كانت اوامره غير واضحة وظاهرة المعنى , وحينما لا تكون ثمة واجبات محددو موزعة على الضابط والجنود تكون النتبجة هى الاخلال التام بالتنظيم "
اما اختيار العمال بالاسلوب العلمى عن طريق الاختبارات فقد اخذت به الحكومة الصينية قرابة عام 120 ق.م فعند ما تبين ان الكتبة والضباط كانوا عاجزين عن قراءة قرارات الحكزمة واحكامها انشا رئيس الحكومة كونج صن هونج نظاما للاختبارات لا يعين فى مناصب الحكومة الا من يجتازه بنجاح وفى عام 219 بعدالميلاد توسعت الحكومة فى هذا النظام بتقسيم الناجحين الى تسع مرتبات مختلفة طبقا للقدرة والمعرفة والخبرة والاخلاق, وكان يقوم على هذا التقسيم او التصنيف قاض محايد نزيه, على ان القاضى لم يكن دائما محايدا نزيها كما ينبغى . ولذلك فقد استبدل هذا النظام عام 606 ميلادية بامتحان تعقده الحكومة.
الإغريق :
نشأت فى بلاد الاغريق حكومة ديمكقراطية بكل ما تقتضيه مثل هذه الحكومة من مشاكل ادارية . وراح الاغريق يمحصون كل الوان المعرفة والافكار حتى اهتدوا الى فكرة البحث العلمى وادخلوا العلم فى كثير من مجالات الفكر الإنساني، ونشأ على أيدي الإغريق طراز جديد من حكومة المدينة يدعى " بوليس" شجع على حرية تبادل الافكرا , وهيا خبرة فى ممارسة المناقشة الطليقة .
أدرك الإغريق مبكرين مبدأ بلوغ الحد الأقصى من الإنتاج وبهذا ادخلوا النغم الرتيب والحركات الموحدة ومدى السرعة باداء العمل على النغم الموسيقى واذا اضفنا الى هذه المزايا الاثر النفسى القاطع للموسيقى تيسر لنا ان ندرك السر فى ان تكون النتيجة زيادة فى الانتاج وخفضا فى الجهد الضائع والاجهاد .
وكانت الحرف فى بلاد الاغريق شانها سائر الحضارات وراثية , كما كان التخصص هو لغة العصر، وبلغ من الاغراق فى التخصص ان كان البناء لا يشحذ ( يسن ) ادوات البناء بنفسه، بل لقد نص افلاطون فى احكامه على انه لا ينبغى لاحد ان يشتغل بالخشب والحديد كليهما فى ان واحد حتى لا يعجز عن التفوق والحق إن أفلاطون قد زود العلوم الاقتصادية فى كتاب الجمهورية باول نظرياتها فى التخصص او توزيع العمل .
ويستعرض سقراط واجبات رجل الاعمال الناجح والقائد الناجح ليبين فى حقيقة الامر انها واحدة : فمن واجب كل منهما ان يبث الطاعة والحماس فى نفوس مرؤسيه , وان يضع الشخص المناسب فى المكان المناسب، وفوق ذلك ينبغى على كل منهما ان يعاقب المقصر ويكافء المجد، وكلاهما يحسن صنعا اذا كسب رد مرؤسيه، ومن صالح كل منهما ان يجتذب الحلفاء والانصار والأعوان، وينبغى على كل منهما ان يخافظ على ما لديه ويكون فى عمله محبا مجتهد .
كذلك دل اكسينوفون بوضوح علتى انه عرف وامن بان الادارة فن مستقل يتميز عن غيره من الفنون بقوله : ( هل الادارة المحلية اسم لفن او مهمة مثل الطلب او نقش النحاس او البناء ؟؟ لقد قال كريتو بولوس " ان من يبرع فى البناء يمكن ان يبرع فى مهنة اخرى, وكذلك الحال بالنسبة لم يبرع فى الادارة ...... لكنها عنصر مشترك بين كافة المهن زراعية او سياسية او محلية او عسكرية فان يتفوق فيها لابد ان يكون قادرا على توجيه الاخرين ")
الهند :
فى الهند ظهر كوتيليا البراهمى الذى كان يسمى ايضا باسم فيشنو جوبتا وكان عالما كبيرا لعب دورا رائدا فى نشاة الامبراطورية الهندية ونموها وتدعيم اركانها خلال القرن الرابع قبل الميلاد .
أهم مؤلفات كوتيليا كتاب " ارنا سترا " وعلم السياسة الذى دبجه قرابة عام 321 ق.م والفكرة الاساسية فيه ادراة دفة الدولة سياسيا واجتماعيا واقتصاديا، وتناول مؤلفه موضوعات متعددة فيكاد يغطى كافة جوانب نظرية الحكومة , فيناقش واجبات الملك ووزرائه ومستشاريه , كما يتناول الحوار فيه اجتماعات المجالس والمصالح الحكومية والدييلوماسيين وشئون الحرب والسلام.
والى جانب ذلك يتناول تنظيم وادارة التجارة والصناعة والقانون والمحاكم والحكم المحلى والعادات الاجتماعية وشئون الزواج والطلاق وحقوق المراة والضرائب والدخل القومى والزراعة والمناجم والمصانع والاسواق والمؤسسات ......
سيراس :
بدرت من الجانب العسكرى امثلة عديدة للفكر الادارى المبكر، من ذلك ان حياة سيراس كقائد عسكرى وكحاكم تزودنا ببضع لمحات عن التفكير الادارى المتقدم فى ذلك العصر . فقد كان سيراس يدرك الحاجة الى عنصر التحديد والتخصيص فى توزيع العمل، كما عرف أهمية وضوح التعليمات، يضاف إلى ذلك انه ادرك قيمة كفاءة الافراد او العلاقات الانسانية كما انه عرف الحاجة الى النظام , ووضع كل شئ فى موضعه , ونمطية الافعال . فكان من اوائل الرواد الممارسين فى تاريخ دراسة الحركة وترتيب موقع العمل وتناول المهمات . كم ادرك الحاجة الى العمل بروح الفريق والتنسيق ووحدة الهدف فى التنظيمات.
الاسكندر الاكبر :
إن أول مثل واضح على استخدام نظام اركان الحرب حدث فى عهد الاسكندر الاكبر ( 336 – 323 ق.م) فقد قاد اكبر جهاز حربى عرفه التاريخ خلال 13 سنة من الحملات والغزاوات المستمرة، ورغم أن قيادته كانت تتسم بالسمة الشخصية البارزة فان تنظيمه كان قوامه مجموعة من الضباط تاتمر بامره مباشرة , ويمكن ان نسميهم بلغة العصر رؤساء اركان الحرب , او ملحق عسكرى , او مدير المكتب القائد , ورغم انه ليس لدينا وصف محدد لواجباتهم فان الدلائل تدل بشكل واضح على ان كلا منهم كان مكلفا بتخصص معين, من ذلك ان هيفا يستبون كان مكلفا بشئون التموين , وديادس سهو مهندس الجيش , ولوميدون قائد الشركة العسكرية , فكما يقول تارن : كان من حول الاسكندر هيئة من ذوى المناصب الرفيعة , كانوا بمثابة مجلس حربى غير رسمى .


روما :
فى عام 284 ميلادية اصبح جيوكلتيان امبراطور لروما, وادخل اسلوبا جديدا فى التنظيم يرتكز على تفويض مطرد متتابع السلطة , واذا ادرك انه لا يمكنه احكام الرقابة على المناطق النائبة من الامبراطورية دون تفويض المزيد من سلطته , قسم الامبراطورية الى 101 اقليم , جمعها لتشكل بدروها 23 قدما وهذه ضمها فى اربعة قطاعات جغرافية رئيسية , وعين ثلاثة من معاونيه احدهم بقلب "اوغسطس" والاخران بقلب " قيسر" امتكسوا ثلاثة من هذه القطاعات محتفظا لنفسه بالقطاع الرابع , وعين وتكتب الاقسام " ومحافظين" ليحكموا الاقاليم وفوض لكل منهم من السلطة ما تعلق بالحكم المحلى فحسب دون ان يسمح لهم بالسيطرة على القوات العسكرية المرابطة داخل اقاليمهم عن الامبراطور يمستريين من الرئاسة .
وكان هدف يروكليتان تقويةس السلطة الامبراطورية وتدعيم اركانها , متوسعا بذلك فى مبدا التنظيم التدريجى او الهرمى , فاختفى من الوجود محافظوا الاقاليم القدامى الذين يخضعون للسلطة المباشرة ليحل محلهم تنظيم هرمى من السلطة المفوضة وكان الفرض النهائى فى تدعيم اركان التنظيم بالتقليل من اهمية الاقليم كوحدة من وحدات الحكومة.
بين كاتو الذى عاش بين سنة 234 , 149 ق.م انه عندما يريد صاحب مزرعة ان يفتش الحقول ينبغى عليه ان يلاحظ مدى تقدم العمل وماذا تم انجازه منه وماذا ينبغى ان يتم , وينبغى عليه بعد ذلك ان يستدعى ناظر زراعته ويطلب منه تقريرا عما تم انجازه , ويسال لماذا لم يتم انجاز الباقى , واخيرا ينبغى على صاحب المزرعة ان يصدر الاوامر لاتمام العمل الذى اهمل اخيرا وينبغى ان تكون الاوامر واضحة ومفهومة تماما امام ناظر المزرعة .
ويقول كاتو انه لابد من مراجعة حساب الاموال والمؤن والمواد الغذائية ليتعرف على ما تد بيعه من خمور وزيت وباى سعر والسلع الباقية المطلوب بيعها. واخيرا يذكر كاتو ان الملك ينبغى ان يعطى ناظر المزرعة خطة عمل للسنة كلها، ويستطرد كاتو فى حديثه عن ناظر الزراعة فينص فى قائمة واجباته على البنود التالية :-
ينبغى ان يحافظ على النظام .
ينبغى أن يحسم جميع المنازعات بين الأيدي العاملة , فإذا تبين من هو المخطئ وجب عليه أن يوقع عليه العقاب الرادع، ينبغى أن يحرص على أن يشغل دائما وقت الأيدي العاملة، ينبغى أن يبدى اعظم التقدير للرعاة الذين يعتنون بماشيتهم على خير وجه هذا إضافة إلى واجبات أخرى ذكرها كاتو.
وعن حسن اختيار العاملين ووضع الشخص المناسب فى المكان المناسب كتب فارو الذى عاش بين عام 116 و 28 ق.م فى موضوع اختيار عمال الحقول ، ودعا إلى أن يتم اختيار العاملين الذين يصلحون للعمل الشاق , بالاضافة الى وجوب توفر عنصر القدرة اى لهم القدرة على الزراعة، بدا يتبلور الفكر الادارى الاسلامى منذ ان انزل الله سبحانه وتعالى رسالته على محمد خاتم الانبياء والمرسلين .
وكان الفكر الإداري الإسلامي يستند إلى نصوص القران الكريم وتوجيهات السنة النبوية الشريفة , والاجتهاد بالراى من العلماء المتخصصين , ويقوم على اساس من القيم الانسانية التى كانت تسود المجتمع الاسلامى فى ذلك الوقت.
وسنتناول الادارة فى الاسلام من خلال استعراضنا للواقع التاريخى للادارة فى الدولة الاسلامية ثم نزكز على العملية الادارية فى الفكر الادارى الإسلامي.

عطر طيبه
04-10-2007, 12:47 AM
وكان الفكر الإداري الإسلامي يستند إلى نصوص القران الكريم وتوجيهات السنة النبوية الشريفة , والاجتهاد بالراى من العلماء المتخصصين , ويقوم على اساس من القيم الانسانية التى كانت تسود المجتمع الاسلامى فى ذلك الوقت

عندما يكون الفكر الاداري يستند الي نصوص القران الكريم وتوجيهات السنةالنبوية سوف تكون النجاحات مبهرة ومضمونة لانها تعتمد على العدل والانصاف

ღ حمــ الـ H ــورد ـــرة ღ
04-10-2007, 03:40 AM
كلام ممتاز ورائع

هذه الاداره سياسه وفن ومهاره

لمياء الديوان
04-10-2007, 04:19 AM
د.محمد

بارك الله فيك

فعلا لابد ان نطلع على تاريخ الفكر الاداري

لك تحياتي

ندى الحروف
04-10-2007, 09:44 PM
يعطيك العافيـه

dr_mohamedabdelazeem
04-10-2007, 10:15 PM
شكرا لكم على قراءة هذا المقال

طيبه عجام
22-10-2007, 03:17 AM
دائماً تأتي بالأفضل

جزاك الله خيراً

جهد مبارك جعله الله في موازين حسناتك