المباني المدرسية ..تساؤلات محيرة
-------------------------------------------------------
أ.د. عبد الرحمن بن سليمان الطريري - * أكاديمي تربوي سعودي. 21/09/1428هـ
[email protected]
لقد سبق أن كتب الكثير من المقالات وقدمت الكثير من الأطروحات بشأن المباني المدرسية, كما عقدت ندوات, ومناقشات حول هذا الموضوع نظراً لأهميته في العملية التربوية. من المفرح أن نقرأ في الصحف بين فترة وأخرى تصريحاً لمسؤول يتحدث عن مبالغ مالية رصدت لإنجاز مبان مدرسية في هذه المدينة, أو في تلك المحافظة, كما يسر النفس ويزيدها فخراً أن نقرأ أخبار تسلم الوزارة لمبان مدرسية أنجزت وأصبحت جزءاً من منظومة المدارس العاملة في الميدان في هذه المنطقة أو تلك.
وما دعاني لتناول هذا الموضوع ما لاحظته في مدن عدة من مدن بلادنا العزيزة, حيث رأيت كثرة انتشار المدارس الأهلية خاصة في المدن الكبيرة, وما لفت انتباهي ليس كثرة المدارس الأهلية, فهذا رافد أساسي في العملية التعليمية والتربوية في كل أنحاء العالم وليست بلادنا استثناءً في هذا الشأن, لكن ما يلفت الانتباه هو المباني التي تشغلها هذه المدارس من حيث وضعها وهيئتها, ولعله من المناسب أن نضع النقاط على الحروف ونحدد الملاحظات التي تلفت الانتباه نظراً لوضوحها ولا تحتاج إلى متخصص تربوي أو مهندس كي يكشفها.
مواقع المدارس كثيراً ما تكون غير مناسبة إذ قد تكون المدرسة في تقاطع أو على شارع تجاري وبصورة مباشرة دون أن يكون هناك أي ارتداد يفصل بين مبنى المدرسة والشارع. ووضع كهذا فيه خطورة على مبنى المدرسة, ومن بداخله في حال ارتطام سيارة به ـ لا سمح الله ـ, إضافة إلى عدم مناسبته من الناحية التربوية، إذ إن الإزعاج وحركة السيارات والمارة تشتت انتباه الطلاب, وتعوقهم عن التركيز, كما أن وجود المباني في مكان تنبعث فيه وبكثرة غازات السيارات وما فيه من رصاص له أكبر الأثر في صحة الطلاب خاصة الجهاز التنفسي والحساسية. وغني عن التذكير، أن وجود المدرسة في التقاطعات يربك حركة السير ويحدث الزحام ويعوق دخول الطلاب وخروجهم مما يسبب الحوادث المرورية وكم حدث مثل هذا بسبب سوء موقع المدرسة.
ومن الملاحظات نوع المبنى الذي تشغله المدرسة إذ إن عدداً كبيراً, ولا أقول كل المدارس الأهلية تكون في فيلا أو عمارة مكونة من مجموعة شقق ولم تعد مسبقاً لتكون مدرسة. وفي هذا الوضع كثير من الملاحظات أهمها افتقاد المبنى للساحات المناسبة والكافية والتي لا بد منها لممارسة النشاطات اللا صفية, إضافة إلى أهميتها الصحية حيث الشمس, والهواء. ولذا نلاحظ أن المدارس التي تكون في مثل هذه المباني تضطر لتغطية الارتدادات المحدودة إن وجدت بالخشب أو بالحديد أو بمظللات بلاستيكية أو قماشية, وهذا يعرض سلامة الطلاب للخطر خاصة حين تهب الرياح أو تسقط الأمطار. أما الملمح التربوي على هذه المباني فهو أنها تفتقد أبسط الشروط التربوية التي تساعد الطالب على التفكير الجيد, والهادئ, فالمبنى بضيق غرفه, وقلة تهويته الطبيعية لا يشجع على ذلك, كما أن جزءاً مهماً من شخصيته قد لا تتحقق في مثل هذا النوع من المدارس فالمهارات الحركية, والتفاعل الاجتماعي الجيد قد لا يتحقق لأن المبنى ووضعه الرديء لا يساعد على ذلك.
أما اكتظاظ المباني بالطلاب, وعدم توافر أبسط الاحتياجات التربوية من مختبرات، معامل, مكتبة, وأجهزة حاسب فهذا أمر مسلم به إذ إن مباني لم تصمم في الأساس كمدارس يصعب تطويعها, وتكييفها لهذا الغرض. لقد شاهدت مدارس في مدن عدة ورثيت لوضعها بل حزنت, وشعرت بالأسى, والخوف على الطلاب الدارسين في هذه المدارس, وقد تساءلت عدة مرات, ولا أزال أتساءل كلما مررت بمدرسة من هذا النوع: لماذا يعطى الترخيص لهذه المدارس من الأساس؟ أعلم ويعلم الجميع أنه توجد إدارة كاملة في وزارة التربية والتعليم تشرف على التعليم الأهلي, وهي المناط بها الترخيص من عدمه. في محاولة للإجابة على سؤال: لماذا يعطى الترخيص؟ تداعى لذهني بعض الاحتمالات, أولها أنه قد توجد جماعات ضغط قوية لها نفوذ اجتماعي لا يمكن مقاومته, أو رفض طلبه, مما يترتب عليه إعطاء الترخيص دون الحاجة إلى توافر المبنى المناسب صحياً وتربوياً, ومثل هذا الاحتمال وارد, وبصورة قوية. كما وقد يكون السبب في الترخيص لهذه المدارس مع عدم توافر المبنى المناسب, هو تساهل القائمين على الترخيص وعدم إدراكهم خطورة الوضع, مما يؤدي بهم إلى التساهل في هذا الشرط خاصة عندما تكون هناك مصلحة مشتركه أو تأتي مكالمة من هنا أو هناك.
من الاحتمالات بشأن وضع مباني بعض المدارس الأهلية هو كثرة الطلب على التعليم الأهلي, بل وكثرة الطلب على التعليم بشكل عام سواء الحكومي, أو الأهلي منه, وعدم قدرة الوزارة على مواجهة هذا الطلب مما يؤدي إلى التساهل في شروط الترخيص للتعليم الأهلي, وذلك تفادياً لتكدس الطلاب في المدارس الحكومية وأخذاً بالقاعدة التي تقول إن الناس قادرون على التمييز بين المناسب, وغير المناسب من المدارس, ومن ثم لن يكون هناك إقبال على المدارس التي لا تتوافر لها مبان جيدة لكن هذه القاعدة قد لا تكون صحيحة فما نراه أنه مع سوء المباني المدرسية يوجد إقبال على هذا النوع من المدارس.
الافتراض الآخر الذي سقته بشأن إعطاء الترخيص هو أن الوزارة تدرك أن جزءاً من مبانيها ليس بأحسن حال من مباني المدارس الأهلية إذ إن الوزارة تستأجر فللاً وعمائر وتستخدمها مدارس, ولذا فلا يمكنها منع الآخرين مما تمارسه وكأن لسان الحال يقول: كلنا في الهوى سوى.
أما الاحتمال الأخير فهو أنه قد لا يوجد شرط يلزم أصحاب المدارس الأهلية بتوفير مبان مدرسية وفق شروط محددة ولذا ما يقومون به لا يعد مخالفة على الإطلاق, لكني أشك بعدم وجود هذا الشرط وأعتقد أن الوزارة لا تخفى عليها معايير وضوابط المباني المدرسية لكن الخلل في تطبيق هذه المعايير والضوابط.
أعلم جيداً أن الوزارة فيها إدارات هندسية وفيها مهندسون ولديها تاريخ طويل في الإشراف على التعليم الأهلي, ولذا لا مبرر من استمرار هذه المدارس في هذا الوضع خاصة أنها تأخذ رسوماً من الطلاب, ولا أقل من أن يدرس الطالب, ويتعلم في مبنى لا يشكل خطراً على حياته, وصحته, ويكون حافزاً له على التعلم الجيد لبناء مستقبله بصورة تنفعه وتنفع وطنه, كما لا يفوتني أن أشير إلى ضرورة أن تمارس الجهات الأخرى ذات العلاقة بالترخيص دورها مثل الدفاع المدني والذي أعتقد أنه إحدى الجهات التي تكون ضمن من يقرر صلاحية المبنى من عدمه فهل نمارس دورنا بدلاً من أن نترك الحبل على الغارب ونجد الأمر قد تفاقم وترتب عليه ما لا يحمد عقباه؟
أكاديمي تربوي سعودي
http://www.aleqt.com/article.php?do=show&id=7002