المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : قاعدة في أصول العقيدة متعلقة بالعلاقة بين العقل والنقل



أهــل الحـديث
24-04-2014, 11:30 PM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


قاعدة في أصول العقيدة متعلقة بالعلاقة بين العقل والنقل:

1. تقديم العقل على النقل في باب الخبر يؤدي إلى بدع الاعتقادات ومن أمثلة ذلك .
أولا: بدعة المعتزلة في إثبات الأسماء ونفي الصفات .
الأصول الخمسة، ابتدع أهل الاعتزال معني جديدا للتوحيد غير ما عرف بين الصحابة والتابعين وعلماء السلف فقالوا التوحيد إثبات الأسماء ونفي الصفات، فجعلوا القرآن عضين يقبلون منه ما يوافق آراءهم الفاسدة ويعطلون ما يخالفها .
ومعني قولهم بإثبات الأسماء ونفي الصفات أنهم أثبتوا وجود ذات الله فقط بلا أي صفة لها، وجعلوا أسماء الله الدالة عليها أسماء فارغة من الأوصاف بلا مسمي، فقالوا: هو العليم لكن لا يتصف بصفة العلم .ولتبسيط فكرتهم نقول: فلان اسمه سعيد، لكن لو بحثت عن صفة السعادة فيه، فربما يكون سعيدا أو شقيا، فإن كانت الأولى قلنا: سعيد اسم على مسمي، وذاته متصفة بصفة السعادة، وإن كانت الثانية قلنا: سعيد اسم فارغ من المسمي وذات بلا صفة لأنه شقي .
فأسماء الله عند السلف أسماء على مسمي، فهو الغني الذي يتصف بالغني لا الفقر، وهو القوي الذي يتصف بصفة القوة لا الضعف، وهو السميع يتصف بصفة السمع تعالى الله عن ضدها، وهكذا في سائر الأسماء والصفات، ولهذا كانت أسماؤه حسني وعظمي، ولا تكون حسني وعظمي بغير ذلك، قال تعالى: } وَلِلهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَي فَادْعُوهُ بِهَا {، فدعاء الله بها أن يقول الفقير: يا غني أغنني بفضلك عمن سواك، ولولا يقين الداعي الفقير أن الله غني ولا نظير له في غناه ما دعاه، وأن يقول الضعيف: يا قوي قوني، فلولا يقينه أنه سبحانه لا شبيه له في قوته ما دعاه .
وهكذا يعلم أصحاب الفطرة السليمة أن الله يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء بسسب العظمة في أوصافه كما قال: } أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الأَرْضِ أَءلَهٌ مَعَ الله قَلِيلا مَا تَذَكَّرُونَ { [الأعراف:180].
فعلم العقلاء أنه لا يجيب المضطر إذا دعاه، وهو عاجز لا صفة له مطلقا، فمن يجيب أهل الاعتزال إذا كان معبودهم بلا صفة عندهم وأسماؤه فارغة بلا مسمي .
وهذا المذهب الخبيث يترتب عليه أن قوله تعالى: } وَلِلهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَي فَادْعُوهُ بِهَا { [النمل:62]، لا قيمة له عندهم، وكذلك تعداد الأسماء الحسني في قوله صلي الله عليه وسلم: ( إِنَّ لِلهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمًا مِائَةً إِلا وَاحِدًا مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الْجَنّةَ )، لأن تعداد الأسماء الحسني أو الدعاء بها مبني على إثبات .
وأي نقص في حق الله أعظم من أن يكون الله عز وجل لا صفة له عند المعتزلة - تعالى الله عن قولهم علوا كبيرا- إن الواحد منا لا يقبل هذا على نفسه، فلو قال لك قائل: أنت لا صفة لك عندي، ربما خاصمته دهرا، لأن الفطرة مجبولة على إثبات الأوصاف الحميدة، فمن العجب أن يثبتوا لأنفسهم أجود الأوصاف، وينفون عن الله الذي ليس كمثله شيء سائر أوصاف الكمال، ومن ثم لا بد من الإيمان بصفات الله جميعها، كالإيمان بوجود ذاته، فالقول في الذات كالقول في الصفات سواء بسواء .
ثانيا: بدعة الأشعرية في إثبات بعض الصفات ورد البعض:
ابتدعوا تقسيما عجيبا في صفات الله على أهوائهم، فقالوا: الوجود صفة نفسية، والقدم والبقاء والمخالفة للحوادث والقيام بالنفس والوحدانية صفات سلبية، والقدرة والإرادة والعلم والحياة والكلام والسمع والبصر صفات معاني أو معنوية، وبقية الصفات الواردة في القرآن والسنة خبرية تدل على التشبيه وظاهرها غير مراد لأنه باطل قبيح لا يثبته العقل، حتى قال قائلهم كما سبق:
وكل نص أوهم التشبيه : أوِّله أو فوِّض ورم تنزيها .
ولو سألناهم: لم أثبتم قدرته سبحانه وإرادته وعلمه وحياته وكلامه وسمعه وبصره مع أنها وردت في الكتاب والسنة ونفيتم صفة المحبة والرضي والغضب والاستواء والعلو والمجئ وسائر الصفات الخبرية مع أنها أيضا وردت في الكتاب والسنة ؟ قالوا: لأن الصفات التي أثبتناها لا تدل على التشبيه، أما الصفات التي نفيناها تدل على التشبيه، فيقال لهم: العقلاء لا يقرون هذا، فالقول في الصفات كالقول في بعض، فإما أن تقولوا بالتمثيل الباطل في الذات وجميع الصفات كما فعل الممثل وقال: إرادة الله مثل إرادة المخلوق، ومحبته ورضاه وغضبه واستواءه وعلوه وسائر الصفات الخبرية مثل أوصاف المخلوق، ومعلوم أن هذا كذب على الله وقياس باطل محرم .
وإما أن تقولوا كما قال أهل التوحيد: إرادة الله تليق به، وإرادة المخلوق تليق به والله ليس كمثله شيء في إرادته ومحبته ورضاه وغضبه واستواءه وعلوه وسائر الصفات الثابتة في الكتاب والسنة كما هو اعتقاد أهل الحق .
أما أن يأتي صاحب المذهب الأشعري بحجج عقلية سقيمة ينفي بها ما يشاء ويثبت من صفات الله فالعقل لن يسأم من مقارعة الحجة بالحجة، فإن قال: نفيت الغضب لأنه غليان دم القلب لطلب الانتقام، وهذا لا يجوز على الخالق سبحانه وتعالى، قيل له: والإرادة التي أثبتها ميل القلب إلي جلب منفعة أو دفع مضرة، وهذا لا يجوز على الخالق سبحانه وتعالى، فإن قال: هذه إرادة المخلوق، أما إرادة الخالق فليست كذلك، قيل له: وهذا الغضب الذي وصفته غضب المخلوق، أما غضب الخالق فليس كذلك، وهذا لازم في كل صفة أثبتها أو نفاها .
· تقديم العقل على النقل في باب الأمر يؤدي إلى بدع العبادات.
وقال شيخ الإسلام أَبو عثمان إِسماعيل الصابوني رحمه الله : (وعَلاماتُ أَهلِ البدَعِ عَلى أَهلها بادية ظاهرة ، وأَظهرُ آياتهم وعَلاماتهم شدَةُ مُعاداتهم لحمَلة أَخبار النبِيِّ- صلى الله عليه وعلى آله وسلم- واحتقارهم لهُم ، وتَسميتهم حَشويَّة ، وجَهلة ، وظاهرية ، مُشبهة ؛ اعتقادا منهُم في أَخبار رسول الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم- أَنَّها بمعزل عن العلم ، وأَن العلم ما يُلقيهِ الشيطانُ إِليهِم من نتائجِ عُقولهم الفاسدة ، ووساوس صُدورهم المُظلِمَة) .
وقد بينَ الإِمام الشافعي حكم أَهل البدع والأَهواء ، في قوله : (حُكْمي في أَصْحابِ الكَلامِ أَنْ يُضرَبوا بالجريد ، ويُحْمَلوا عَلَى الإِبلِ ، ويُطاف بهم في العشائرِ والقَبائلِ ؛ ويقال هذا جَزاءُ مَنْ تَرَك الكتابَ والسنة ، وأَخَذَ في الكَلام ).
قال الإمام أَحمد بن سنان القطان رحمه الله تعالى : ( لَيْسَ في الدنيا مُبْتَدع ؛ إِلا وهو يُبْغضُ أَهلَ الحَديث ، فإِذا ابْتَدَعَ الرجُلُ نُزِعَتْ حَلاوَةُ الحَديثِ من قَلْبِه) التذكرة للإمام النووي .
قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : (يَأتِي أنَاس يُجادلونكُم بشُبُهات القرآن ؛ خُذوهُم بالسنَنِ ؛ فإِن أَصْحابَ السّنَنِ أَعْلمُ بكتِاب اللهِ) شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة .
وقال الفضيل بن عياض: (صاحبُ بدعَة لا تَأمَنْه عَلى دينِكَ ، ولاَ تُشَاورهُ في أَمْرِكَ ، ولاَ تجلس إِليه ، ومَنْ جَلَسَ إِلى صاحِبِ بدعة أَوْرثَهُ اللهُ العَمَى) يعني في قلبه .
وقال عبد الله بن المبارك: (اللَّهُمَ لاَ تَجْعَلْ لِصَاحِبِ بِدْعَة عِنْدي يَدا ؛ فَيُحبه ) .
وقال سفيان الثوري رحمه الله : (مَنْ أصغى سَمْعَهُ إِلَى صَاحب بِدْعَة وهُو يَعْلَمُ أَنهُ صاحِبُ بِدْعَةٍ ؛ نُزِعَتْ مِنْهُ العِصْمَةُ ، ووُكِل إلَى نَفْسِه ) .
وقال الأَوزاعي رحمه الله تعالى : (لاَ تُمكنوا صاحِبَ بِدْعَةٍ منْ جَدَلٍ ؛ فَيورثَ قُلوبَكُم منْ فِتْنَتِهِ ارْتيابا) .
وعن الإِمام الشافعي رحمه الله تعالى : أَنهُ رأَى قوما يتكلمون في شيء من الكلام فصاح ، وقال : (إِما أَنْ تُجاورونا بِخَيْر ، وَإمَا أَنْ تَقُوموا عنا) .

وقال إِمام أَهل السُّنَة أَحمد بن حنبل رحمه الله تعالى : (إِن أَهلَ البدَعِ والأَهْواءِ ؛ لاَ يَنْبَغي أَنْ يُسْتَعانَ بِهِم في شَيء مِنْ أمورِ المُسْلميَنَ ؛ فإن في ذَلِكَ أَعْظَم الضرر علَى الدين) .
وقال الإمام عبد الرحمن بن مهدى رحمه الله تعالى : (إِنه لَيْسَ في أَصْحاب الأَهْواءِ شَر مِنْ أَصْحابِ جَهم ؛ يُريدون عَلى أَنْ يَقُولوا : لَيسَ في السَماءِ شَيء : أَرى وَاللهِ أَلا يُنَاكَحُوا ، وَلاَ يُوَارثُوا).
وقال أَبو قلابة البصري رحمه الله تعالى : (لاَ تُجالسوا أَهلَ الأَهْواء ؛ فَإِنكم إن لَمْ تَدْخلوا فيما دَخَلوا فيه لبسوا عَلَيْكُم مَا تَعْرِفون).
وقال أَبو محمد الحسين بن مسعود ابن الفرَّاء البغوي : (قَدْ مَضىَ الصحابةُ والتابعونَ وأَتْباعُهم وعُلماءُ السُّنَةِ عَلَى معُاداةِ أَهلِ البِدَعِ ومُهاجَرَتهِم..كلّ عبادة لم يَتَعبدْ بها أَصْحابُ رَسُولِ اللهِ- صلى الله عليه وآله وسلم- فلاَ تَتَعبَّدوا بها ؛ فإِن الأَوَّلَ لَمْ يَدع للآخِر مَقالا ؛ فاتَّقوا اللهَ يا مَعْشَر القرَّاء ، خُذوا طَريقَ مَنْ كان قَبلكُم)
وعن ابن الماجشون ، قال : سمعت مالكا يقول : (مَن ابْتَدَعَ في الإِسلام بدعة يَراها حَسَنة؛ فَقَدْ زَعَمَ أَن مُحمّدا - صلى الله عليه وعلى آله وسلم- خانَ الرّسالةَ ؛ لأَن اللهَ يقولُ : الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ ، فما لَم يَكُنْ يَوْمَئذ دينا فَلا يكُونُ اليَوْمَ دينا) .



مقتبس من محاضرة العقل والنقل بين السلف والخلف للشيخ العلامة الدكتور الرضواني المصري وفقه الله.