المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : ماحدث في الباص



مهنا صالح الدوسري
14-09-2007, 10:54 PM
رَكِبا ( الباص ) 00عجوزان أكل عليهما الدهر وشرب00المرأة كانت تبدو أكثر توهجا وتوددا وتماسكا وهما يشقان طريقهما بتؤدة وحذر, بين الركاب المندفعين نحو مقاعدهم00 بينما بدا الرجل متأففا من يداها الممسكتان بمنكبيه الغائرين كالطفل النزق 00جلسا بتثاقل بمحاذاتي مباشرة , كنتُ متحكما على كرسيين احدهما فارغا إلا من بعض الجرائد والمجلات مما أتاح لهما بُعداً مريحا من ملاصقتي 00تنفسا الصعداء عندما احتوتهما المقاعد الوثيرة , ساد الصمت بينهما لمدة وجيزة, لكن سرعان مأخذا يتلاسنان بعصبية ظاهرة ونفور مصطنع : أسكتهما الباص عندما أنطلق بقوة وحده زائدة , التصق بعضهما ببعض كالعصفورين الوجلين00أخذ العجوز يربت على الشعر الأبيض مهدئا من روع جليسته 00 أحسستُ في قرارة نفسي أن تهور( السائق ) أعاد للعجوز بعضا من الكرامة التي انتزعته قسرا يد السنون00 ولكن هي لم تستلم طويلا لهذه المهادنة الطارئة , أزاحت يداه الواهنتين بهدوء فطن وأخذت تعبث داخل حقيبتها الصغيرة : أخرجت بعضا من الدواء وناولته إياه وهي ترقب في عينيه المندهشتين قليل من الشرر 00لم تدعه ينبس ببنت شفة بل أومأت له بالساعة : على مضض أبتلع الحبات المعطاة إليه الواحدة تلو الأخرى دونما رشفة ماء , لم يعيرها اهتماما وهي تقرصه كالمنبه , بل مال بوجهه نحو النافذة وأخذ يلوك مرارة الدواء بعناد وصمت مطبق ينذر ببلوغ السيل الزبى , ماجعلها تستكين وتغفوا تاركة إياه يسبر أغوار الطريق بعينين معذبتين0
عند أول محطة استراحة حثت العجوز خطاها لتكون عونا له في النزول00 لم يبد أي مقاومة وهي تتلقفه بلهفة وابتسامة جسورة أنسته ماحدث بينهما في الباص 00 بحميمية الماضي وعبق الحاضر التحمتا اليدان المرتعشتان من جديد 00كانا يبتعدان عن مرمى ناظري بخطاهما الوئيدة وهما يتهامسان بندية طفلين متشاكسين 00 آثرت المكوث في الباص كان الجو باردا جدا استشعرت لسعاته عندما فتح السائق الأبواب على مصرعيها لنزول الركاب , ماجعلني التحف قطعة قماش صغيرة وأغط في نوم عميق لم يفقني منه سوى (( الصوت الجهوري )) معلنا وصولنا وانتهاء الرحلة 00هممت بالنزول ولكن تذكرت العجوزين التفت بعجالة من أمري نحوهما فوجد كرسيهما خاويين 00 ظننت أنهما سبقاني , لكن سرعان ماستدركت أن الباص مازال يهدئ سيره استعدادا للوقوف 00 هل كنت أحلم تساءلت ؟؟ 00 قبل أن يودع جسدي الباص ملت بفضول نحو السائق أسأله بتحفظ عن العجوزين وسر اختفائهما من المقعدين , قال والابتسامة تتقاطر من كلماته : لقد اختلفا مجددا وتراضيا وقرقرا فجأة !! وهما بكامل أهليتهما العاطفية إشهار الصلح بتمضية يومهما في أحد دور الاستراحة لذا لا تقلق عليهما , فهما يدركان مايفعلان جيداً 00 مضيتُ بعدها في طريقي مخترقا جموع السابلة بنشوة عارمة متمنيا لهما السعادة في قرارة نفسي وأن يحدث لي ذات يوم ماحدث لهما في الباص , ولكن بعد عمر طويل , ومن غير دواء أتجرعه بمرارة يحسدني عليه الآخرين 0 2/9/1428

شمعتهم
24-10-2007, 09:30 PM
شكرااااااااااااااااااااا على الجهود