المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : تحذير أهل الإسلام من كثرة المـُزاح في الكلام



أهــل الحـديث
15-04-2014, 08:00 PM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم



بسم الله الرحمن الرحيم

هذه أيها الأحبة مقالة جديدة لشيخنا أبي عبد الله حمزة النايلي (وفقه الله)، نفعنا الله وإياكم بها.


تحذير أهل الإسلام من كثرة المـُزاح في الكلام

الحمد لله رب العالمين و الصلاة والسلام على أشرف المرسلين،نبينا محمد و على آله،وصحبه أجمعين.
أما بعد:
إن التلطف في الكلام عند التحدث مع الأهل والأنام أيها الكرام مطلوب في دين العزيز العلام! لما فيه من كسب للقلوب وتقريب الناس من دين علام الغيوب.
فهذا نبينا صلى الله عليه وسلم رسول رب العالمين،و هو أفضل الأنبياء والمرسلين كان يُمازح أهله ،ويداعب أصحابه رضي الله عنهم أجمعين، فعن أنس -رضي الله عنه- :( أن رجلا من أهل البادية كان اسمه زاهرا وكان يهدي إلى النبي صلى الله عليه وسلم هديةً من البادية، فيُجهزُهُ النبي صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يَخرج فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إنَّ زاهرًا بَادِيَتُنَا وَنَحْنُ حَاضِرُوهُ"،وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُحبُّه، وكان رجلا دميمًا، فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم يوما وهو يبيع متاعه فاحتضنه من خلفه وهو لا يُبصره، فقال: من هذا؟! أرسلني، فالتفت فعرف النبي صلى الله عليه وسلم فجعل لا يألُو ما ألصَقَ ظهره بصدر النبي صلى الله عليه وسلم حين عرفه، فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يقول :"من يشتري هذا العبد؟" فقال الرجل: يا رسول الله إذا والله تجدني كاسدا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"لَكِنْ عِنْدَ اللَّهِ لَسْتَ بِكَاسِدٍ " أو قال "أنت عند الله غَالٍ ").رواه الترمذي في الشمائل(240)،وصححه الشيخ الألباني -رحمه الله- كما في مختصر الشمائل ( 204)
يقول الملا علي قاري -رحمه الله- :"ووجه تسميته عبداً ظاهر، فإنه عبد الله، ووجه الاستفهام عن الاشتراء الذي يُطلق لغة على مقابلة الشيء بالشيء تارة، وعلى الاستبدال أخرى، أنه أراد من يقابل هذا العبد بالإكرام ، أو من يستبدله مني بأن يأتيني بمثله ".مرقاة المفاتيح ( 9 /111)
لكنَّ نبينا صلى الله عليه وسلم كان أيها الأفاضل،لا يقول في مزاحه إلا حقا وصدقا، فعن ابن عمر-رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إني لأمزح، ولا أقول إلا حقاً".رواه الطبراني في المعجم الكبير (12/391)، وصححه الشيخ الألباني - رحمه الله – في صحيح الجامع (2494).
يقول المناوي –رحمه الله- :"( إني لأمزح)أي:بالقول وكذا بالفعل وتخصيصه بالأول ليس عليه معول(ولا أقول إلا حقا ) لعصمتي عن الزلل في القول والعمل". فيض القدير ( 3 /13)
فالأصل في الـمُزاح أيها الأحباب أنه جائز وقد يكون مندوب إليه أحيانا بين الأهل والأصحاب بشرط أن لا تكون فيه مخالفة للدين، أو يؤدي إلى مفسدة بين المسلمين،يقول أبو البركات الغزي –رحمه الله- :"المزاح مندوب إليه بين الإخوان ، والأصدقاء والخلان، لما فيه من ترويح القلوب، والاستئناس المطلوب،بشرط أن لا يكون فيه قذف ولا غيبة،ولا يحرك الحقود الكمينة ". المراح في المزاح لأبي البركات الغزي ( ص 35)
فإذا كان في المزاح ما يُؤذي الآخرين، ويُورث الشحناء والبغضاء بين المسلمين، ويُشغل ويصرف عن عبادة أرحم الراحمين فيصبح حكمه التحريم .
يقول الإمام النووي –رحمه الله- :" قال العلماء المزاح المنهي عنه، هو الذي فيه إفراط ويُداوم عليه، فإنه يُورث الضحك وقسوة القلب، ويشغل عن ذكر الله تعالى، والفكر في مهمات الدين، ويؤول في كثير من الأوقات إلى الإيذاء، ويُورث الأحقاد، ويُسقط المهابة والوقار، فأما ما سَلِم من هذه الأمور فهو المباح الذي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعله، فإنه صلى الله عليه وسلم إنما كان يفعله في نادر من الأحوال، لمصلحة وتطييب نفس المخاطب ومؤانسته، وهذا لا مانع منه قطعا بل هو سنة مستحبة إذا كان بهذه الصفة". الأذكار (ص258)
فعلى المسلم أيها الأحبة الكرام أن يُقيد مُزاحه بضوابط شرعية ويبتعد فيه عن كل ما يُغضب رب البرية،ومن ذلك:
1-أن يبتعد أشد البعد عن المزاح الذي قد يجره إلى الاستهزاء بالدين أو بسنة خير المرسلين أو بعباد الله الصالحين وذلك باستنقاص هديهم الظاهر كالاستهزاء بالحجاب أو اللحية أو رفع الثوب أو السواك أو غير ذلك ممن هم اتبعوا فيه تعاليم دين الإسلام وهدي خير الأنام ، فإن ذلك من نواقض الإسلام وهو من أخطر الآثام،قال تعالى:(ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون(65) لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم) [ التوبة:65-66]
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله- :" الاستهزاء بالله وآياته ورسوله كفر، يُكفر به صاحبه بعد إيمانه".مجموع الفتاوى (7 / 273)
ويقول الشيخ السعدي-رحمه الله-:"إن الاستهزاء بالله ورسوله، كفر مخرج عن الدين، لأن أصل الدين مبني على تعظيم الله وتعظيم دينه ورسله، والاستهزاء بشيء من ذلك مناف لهذا الأصل ومناقض له أشد المناقضة".تفسير السعدي(ص 342)
2-وكذلك عليه أن يجتنب المزاح فيما لا يجوز فيه التهاون كالتلفظ بالطلاق!، فإن حكمه يستوي فيه القاصد والهازل عند الله عز وجل،فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"ثَلَاثٌ جِدُّهُنَّ جِدٌّ وَهَزْلُهُنَّ جِدٌّ، النِّكَاحُ، وَالطَّلَاقُ والرجعة". رواه أبو داود (2149)،وحسنه الشيخ الألباني-رحمه الله-.
قال الخطابي –رحمه الله-:"اتفق عامة أهل العلم على أن صريح لفظ الطلاق إذا جرى على لسان البالغ العاقل، فإنه مؤاخذ به،ولا ينفعه أن يقول كنت لاعباً أو هازلاً أولم أنو به طلاقاً،أو ما أشبه ذلك من الأمور". معالم السنن(3/243)
و ليجتنب كذلك المزاح الذي يكون فيه رفع السلاح،أو الإشارة بحديدة أو نحوهما في وجه أخيه المسلم، فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" لا يُشِيرُ أحدكم إلى أَخِيهِ بِالسِّلَاحِ، فإنه لَا يدرى أحدكم لَعَلَّ الشَّيْطَانَ يَنْزِعُ في يَدِهِ فَيَقَعُ في حُفْرَةٍ من النَّارِ ".رواه البخاري (6661) ومسلم (2617) واللفظ له.
يقول الحافظ ابن حجر –رحمه الله- :"وفي الحديث النهي عما يفضي إلى المحذور ،وإن لم يكن المحذور محققا سواء كان ذلك في جد أو هزل ". فتح الباري (13/ 25)
3- وليحذر المسلم أشد الحذر من الكذب في المزاح من أجل إرضاء الناس أو إضحاكهم! فإن هذا الفعل ليس بحميد! و الوعيد فيه شأنه شديد، فعن معاوية بن حيدة –رضي الله عنه- قال:سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:" وَيْلٌ لِلَّذِي يحدث فَيَكْذِبُ لِيُضْحِكَ بِهِ الْقَوْمَ، وَيْلٌ له، وَيْلٌ له ".رواه أبو داود(4990)، وحسنه الشيخ الألباني –رحمه الله-
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله- :" المتحدث بأحاديث مفتعلة ليضحك الناس أو لغرض آخر فإنه عاص لله ورسوله ".مجموع الفتاوى (32/256)
ويقول المناوي –رحمه الله- :"كرره إيذانا بشدة هلكته، وذلك لأن الكذب وحده رأس كل مذموم وجماع كل شر" . التيسير بشرح الجامع الصغير (2/ 484)
ويقول الإمام الصنعاني –رحمه الله- :" الحديث دليل على تحريم الكذب لإضحاك القوم، وهذا تحريم خاص ، ويحرم على السامعين سماعه إذا علموه كذبا، لأنه إقرار على المنكر بل يجب عليهم النكير أو القيام من الموقف".سبل السلام (4/202)
4-وليجتنب كثرة المزاح الذي يجر إلى كثرة الضحك الذي ينتج عنه قسوة القلب وموته ، وضيق الصدر، فعن أبي هريرة –رضي الله عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" لا تُكْثِرْ الضَّحِكَ، فإن كَثْرَةَ الضَّحِكِ تُمِيتُ الْقَلْبَ ".رواه الترمذي (2350) ، وحسنه الشيخ الألباني –رحمه الله- .
يقول المباركفوري –رحمه الله- :" أي تصيره مغمورا في الظلمات بمنزلة الميت الذي لا ينفع نفسه بنافعة، ولا يدفع عنها مكروها ".تحفة الأحوذي (6/487)
ويقول المناوي-رحمه الله-:"الضحك المميت للقلب ينشأ من الفرح والبطر بالدنيا،وللقلب حياة وموت،فحياته بدوام الطاعة،وموته بإجابة غير الله من النفس والهوى والشيطان،بتواتر أسقام المعاصي تموت الأجسام بأسقامها،واقتصر من أسباب موته على كثرة الضحك،وهو ينشأ عن جميعها لانتشائه من حب الدنيا،وحبها رأس كل خطيئة".فيض القدير(5/ 52)
ويقول الإمام ابن القيم –رحمه الله- :"قسوة القلب من أربعة أشياء إذا جاوزت قدر الحاجة الأكل والنوم والكلام والمخالطة كما أن البدن إذا مرض لم ينفع فيه الطعام والشراب فكذلك القلب إذا مرض بالشهوات لم تنجع فيه المواعظ".
الفوائد ( ص 97)
فعلى العبد المسلم أن يمازح ويداعب أهله وأصحابه وإخوانه أحيانا لكسب مودتهم وجلب محبتهم لكن دون أن يقع في محاذير شرعية تُخالف تعاليم دين رب البرية.
وعليه أن يحذر أشد الحذر أيها الكرام من أن ينشغل بالمزاح ولهو الكلام عما خُلق من أجله وأُمر بتحقيقه وهو عبادة العزيز العلام، (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون (56)ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون(57)إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين(58) [الذاريات:56-58].
يقول الإمام النووي-رحمه الله-:"وهذا تصريح بأنهم خلقوا للعبادة، فحق عليهم الاعتناء بما خلقوا له، والإعراض عن حظوظ الدنيا بالزهادة،فإنها دار نفاد لا محل إخلاد،ومركب عبور لا منزل حبور، ومشروع انفصام لا موطن دوام، فلهذا كان الأيقاظ من أهلها هم العباد، وأعقل الناس فيها هم الزهاد". رياض الصالحين(ص3).
فينبغي علينا جميعا أيها الأحبة أن لا نضيع أوقاتنا فيما لا يعود علينا بالنفع !فإن الأعمار تنقضي والساعات تمضي،ولا يدري أحدنا متى تأتيه منيته! وينزل الموت بساحته!، والله المستعان.
يقول ابن الجوزي-رحمه الله-:"ينبغي للإنسان أن يعرف شرف زمانه، وقدر وقته، فلا يضيع منه لحظة في غير قربة، ويقدم الأفضل فالأفضل من القول والعمل". صيد الخاطر ( ص2)
فالله أسأل بأسمائه الحسنى وصفاته العليا أن يوفقنا جميعا إلى مرضاته، وأن يجنبنا ما يُصرفنا ويُشغلنا عن عبادته، فهو سبحانه ولي ذلك والقادر على توفيقنا لكل ما يعيننا على طاعته.


وصلِّ اللهم وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.


أبو عبد الله حمزة النايلي