المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : إفساد اليهود في الأرض وهلاكهم



أهــل الحـديث
15-04-2014, 12:50 PM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم



بسم الله الرحمن الرحيم


قال تعالى (وَقَضَيْنَا إِلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا *فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولَاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَّنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلَالَ الدِّيَارِ ۚ وَكَانَ وَعْدًا مَّفْعُولًا * ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا * إِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لِأَنفُسِكُمْ ۖ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا ۚ فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا * عَسَىٰ رَبُّكُمْ أَن يَرْحَمَكُمْ ۚ وَإِنْ عُدتُّمْ عُدْنَا ۘ وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيرًا ) (الإسراء: 4-8).

يُخبر الله سبحانه وتعالى اليهودَ ويُعلِمهُم في التوراة بأنه قضى إليهم وقَدَّرَ لهم أن يُفسدوا في الأرض مرتين مع علوٍ كبيرٍ فيهما، فالواو حرف عطف يُقرِنُ العُلوَ مع الفسادِ في المرتين الإثنتين. فالفسادُ الأولُ كان معاونةُ اليهودَ للفرسِ على إستيلائهم على القدسِ وتدميرها وقتلِ عددٍ كبيرٍ من النصارى فيها وتدميرِ كنيسةَ القيامةِ، فَقتلُ النصارى بغير حقٍ هو الإفسادُ الأولِ في الأرضِ والتجبر بهم والطغيانُ والعلوُ عليهم بغير حقٍ هو العلو الأول. لقوله تعالى (وَإِذَا تَوَلَّىٰ سَعَىٰ فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ ۗ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ ) (البقرة: 205)، فالإفساد في الآية الكريمة هو إهلاكُ الزرعَ وقتلُ الناس ِ والأنعامِ بغير حقٍ، ما يفيد بكل وضوح بأن قتل الناسِ بغير حقٍ هو فسادٌ عظيمٌ وهنا الواو حرف عطف تعطف الخاص على العام أي إهلاك الحرثَ والنسلَ هو نوع من أنواع الإفساد في الأرض كقوله تعالى (وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنكَ وَمِن نُّوحٍ ) (الأحزاب: 7)، وكذلك لقوله تعالى عن الملائكة المُطَّهرون (قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ) (البقرة: 30)، ففي الآية الكريمة سفكُ الدماءِ هو من الإفساد في الأرض. وكذلك لقوله تعالى ( أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا ) (المائدة: 32) فهنا أو حرف عطف يفيد التسوية بين الإفسادُ في الأرض وقتلُ النفسِ بغير حقٍ.

ثم يقول تعالى فإذا جاء موعدُ عقابُ الإفسادُ الأول، كقوله تعالى (هَٰذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ) (يس: 63)، بعث وسلَّط عليهم النصارى الذين كانوا ذوي قوةٍ وبطشٍ شديدٍ في الحروب ففتحوا القدسَ بقيادة هرقل وأعادوا بناءَ كنيسةِ القيامةِ وذهبوا وجاءوا وترددوا بين المساكن وتمكنوا وطردوا اليهودَ منها وقتلوا منهم فكان ذلك عقاباً لهم على ما أفسدوه في المرة الأولى. ثم بعث اللهُ المسلمين على النصارى ففتحوا القدس ودخلوا المسجد الأقصى في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه ومنعوا اليهود من السكن مع النصارى بإيليا (القدس) بطلبٍ من أهلها من النصارى بموجب العهدة العمرية. فكان تسليطُ اللهَ المسلمين على النصارى هو تسليطٌ لهم على اليهود، لأن اللهَ سَّلطَ النصارى على اليهود لأنهم أكرم عنده من اليهود في الدنيا أما في الآخرة فكلاهما مستويان في عدم الإيمان بالله. ثم سلَّطَ المسلمين على النصارى لأنهم أكرمُ عند الله من النصارى واليهود في الدنيا والآخرة. وقد أنكر بعضُ المفسرين أن يكون المقصود بقوله تعالى (بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَّنَا) غيرَ المسلمين بحجةِ أن عبادَ أُضيفت إلى اللهِ تشريفاً وتكريماً وهذا لا يكون إلا للمسلمين. وأقول أن هذا لا يتعارض مع تسليطِ اللهِ النصارى على اليهود لأنه سنةٌ ربانية وحكمٌ إلهي مبرمٌ لقوله تعالى (إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَىٰ إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ ۖ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ) (آل عمران: 55). فبعضُ المفسرين قالوا أن الله عزوجل جعل المسلمين ظاهرين فوق النصارى واليهود لأن النصارى كفروا بالله بزعمهم الأُلوهية إلى عيسى عليه السلام واليهود كفروا بالله بتكذيبهم عيسى عليه السلام وبالهمِ بقتله وصلبه ولكن اللهَ نجاه وطهره منهم. وقال آخرون أن اللهَ عزوجل جعل النصارى ظاهرين على اليهود لأنهم كفروا بنبوة عيسى عليه السلام وكذبوه. وأقول الجمع بين التفسرين مفادهُ أن اللهَ عزوجل جعل المسلمين ظاهرين على النصارى واليهود وجعل النصارى ظاهرين على اليهود، ما يعني أن تسليط النصارى على اليهود وتسليط المسلمين على النصارى هو سنةٌ ومشيئةٌ إلهية وربانية، فإضافة اللهُ كلمةَ (عباد) له عزوجل هو ليس تشريفاً وتكريماً للنصارى لذاتهم وإنَّما تشريفاً وتكريماً للنصارى على اليهود فقط لأنه هو عزوجل من قضى أن يكونَ النصارى ظاهرين وفاضلين على اليهود المفضولين.

ثم يقول تعالى أنه بعد ذلك أعطى اللهُ اليهودَ وأمدهم بالأموال والبنين فصاروا أكثرَ نفوذاً وسلطانًا ومكانةً من النصارى والمسلمين، فالمقصودُ بضمير (عليهم) هم النصارى والمسلمون لأنَّ النصارى هم من سلطهم الله على اليهود ولأنَّ المسلمين هم من آلَتْ الغلبةُ والنصرُ في المرة الأولى إليهم من النصارى بعدما كانت للنصارى على اليهود، فكَرَّة لُغةً تعني الغلبةُ والنفوذ. فإذا أحسنَ اليهودُ إستعمالَ الأموالَ والبنين في طاعةِ اللهِ أحسنوا بذلك لأنفسهم لأنَّ اللهَ غني عن العالمين وإن أساءوا إستعمالها فإنهم يظلموا أنفسَهم ولكنَّ اليهودَ عملوا بمعدنهم الرديء والدنيء فأفسدوا للمرة الثانية والقرينة الدالة على إفسادهم في المرة الثانية هو قوله تعالى (إِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لِأَنفُسِكُمْ ۖ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا ۚ فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا)، فإذلالُ عدوُهم لهم وقَهرُهم وتدميرُ ما يملكوه في المرة الآخرة أي المرة الثانية يقتضي ويستلزم أنهم أفسدوا فسلَّط اللهُ عدوهمَ عليهم عقاباً لهم كما حصل في المرة الأولى، وإفسادهم في المرة الثانية هو ظاهرٌ في زماننا هذا بقتل المسلمين وتعذيبهم والتنكيل بهم وبنشر الفساد في العالم كُلِه. وأما مكان إفسادهم الثاني فهو في فلسطين، أرض الأنبياء، وفي الأرضِ كُلِها لقوله تعالى (وَقُلْنَا مِن بَعْدِهِ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ اسْكُنُوا الْأَرْضَ فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفًا) (الإسراء: 104). فالآية الكريمة تُخبر بأنَّ اللهَ عزوجل شاء لبني إسرائيل السكنَ في أرض فلسطينَ قادمين من مصر مع نبيهم موسى عليه السلام ليرجعَهم إلى موطن أبيهم وجدهم يعقوب وإسحاق عليهما السلام الذي كان فيه قبائل كنعان قبلهما. فأقاموا مملكتهم في أرض فلسطين كما في عهد داود وإبنِه سليمان عليهما السلام ثم تشتتوا وتفرقوا في الأرض كُلِها ثم جاء بهم الله عزوجل بمشيئته من جميع أنحاء الأرضِ إلى أرضِ فلسطينَ لفيفاً مجتمعين ومختلطين في المرة الثانية من إفسادهم وهي الآخرة كما هو حاصلٌ في زماننا هذا. فيبدو واضحاً كيف أن كلمةَ (الأرض) تحمل معنيان وهما الأرضُ كلُها وأرضُ فلسطين، فكلاهما معرفةٌ وتفسيرٌ لكلمة الأرضِ.

أما عدوهم المسلَّطُ عليهم في المرة الثانية فهم المسلمون والقرينةُ على ذلكَ قوله تعالى ( فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ)، فالله عزوجل يُخبر في الآية الكريمة أن أعداء اليهودُ في المرة الثانية سوف يدخلوا المسجد الأقصى عنوةً كما دخلوه أولَ مرةً صُلحاً لأنَّ دخولهم في المرة الثانية للمسجد الأقصى يكون مقترنٌ بقهر وبإذلال وبخزِيٍ لليهود، ما يفيدُ بأن أعداءَهم في المرة الثانية هم المسلمون لأنَّ اللهَ عزوجل خصهم بدخول المسجد وتحديداً كما دخلوه أول مرة والذي دخل المسجدَ أول مرةٍ هم المسلمون. وفي هذا تظهر لطيفةٌ هامة وهي أنه عندما سلَّطَ اللهُ أعداءَ اليهودِ عليهم في المرة الأولى لم يَذكر اللهُ دخول المسجد لأن المقصود في المرة الأولى النصارى وهم ليسوا مخصوصين بدخول المسجد لأنهم غير مُسلمين وإنما ذكر سبحانه تمكُنَ النصارى في المساكن والذهاب والمجيء بينهم. بينما في المرة الثانية ذَكر اللهُ سبحانه وتعالى دخول المسجد لأن المقصود في المرة الثانية المسلمون وهم مخصوصون بدخول المسجد للتعبد فيه. وكذا تظهر لطيفةٌ أخرى هامةٌ وهي أنَّ اللهَ عزوجل جعل عقابَ اليهودِ من نفسِ جنسِ العملِ، فعندما طغوا وتجبروا بالنصارى بمساعدة الفرس في المرة الأولى بعث اللهُ عليهم النصارى ليعاقبوهم على ما فعلوه بهم، وعندما طغوا وتجبروا بالمسلمين في المرة الثانية يبعثُ اللهُ عليهم المسلمين ليعاقبوهم على ما فعلوه بهم إن شاء الله تعالى.

ثم يُخاطب سبحانه وتعالى اليهود وهو القوي العزيز الغني عن العالمين بخطاب ترجي الأمر المحبوب وهو ترجي توبة اليهود عن كفرهم وإفسادهم في الأرض والدخول في دين الله الإسلام بقول (عسى ربكم أن يرحمكم)، ما يعني أن المسلمون لن يبيدوا ويستأصلوا اليهود في المرة الثانية والآخرة. ثم يُخبرهم بأنهم إذا عادوا إلى الكفر والإفساد ومحاربة الإسلام سوف يكون مصيرهم جهنم خالدين فيها بقول (عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيرًا ) وكما هو معلوم فإن الخلود في جهنم لا يتحقق ويثبت للكافر إلا عند موته على الكفر. فعندما يعودوا إلى الإفساد بإتباعهم الدجال، كما رُوي في الحديث عن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (يتبعُ الدجالَ من يهودِ أصبهانَ سبعونَ ألفًا عليهم الطَّيالِسَةُ) ( الراوي: أنس بن مالك المحدث: مسلم - المصدر: صحيح مسلم - الصفحة أو الرقم : 2944 خلاصة حكم المحدث : صحيح)، ينزل عيسى عليه السلام عند المنارة البيضاء شرقي دمشق فيقتلُ الدجالَ عند باب اللد الشرقي في فلسطين فيُهزم اليهودُ ويقتلهم المسلمون ويطهروا الأرض من شرهم عندئذ، كما في رواية أبو أمامة الباهلي عن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: ( ... قيل : فأين العربُ يَوْمَئِذٍ ؟ قال : هم يَوْمَئِذٍ قليلٌ ، . . . وإمامُهم رجلٌ صالحٌ ، فبَيْنَما إمامُهم قد تَقَدَّم يُصَلِّي بهِمُ الصُّبْحَ ، إذ نزل عليهم عيسى ابنُ مريمَ الصُّبْحَ ، فرجع ذلك الإمامُ يَنْكُصُ يَمْشِي القَهْقَرَى ليتقدمَ عيسى ، فيضعُ عيسى يدَه بين كَتِفَيْهِ ، ثم يقولُ له : تَقَدَّمْ فَصَلِّ ؛ فإنها لك أُقِيمَتْ ، فيُصَلِّى بهم إمامُهم ، فإذا انصرف قال عيسى : افتَحوا البابَ، فيَفْتَحُون ووراءَه الدَّجَّالُ ، معه سبعونَ ألفَ يهوديٍّ ، كلُّهم ذو سيفٍ مُحَلًّى وسَاجٍ ، فإذا نظر إليه الدَّجَّالُ ذاب كما يذوبُ المِلْحُ في الماءِ . وينطلقُ هاربًا ، … فيُدْرِكُه عند بابِ لُدٍّ الشرقيِّ ، فيقتلُه ، فيَهْزِمُ اللهُ اليهودَ ، فلا يَبْقَى شيءٌ مِمَّا خلق اللهُ عَزَّ وجَلَّ يَتَواقَى به يهوديٌّ ، إلا أَنْطَقَ اللهُ ذلك الشيءَ ، لا حَجَرٌ ولا شجرٌ ولا حائطٌ ولا دابةٌ ، إلا الغَرْقَدَةُ ، فإنها من شَجَرِهِم لا تَنْطِقُ ، إلا قال : يا عبدَ اللهِ المسلمَ هذا يهوديٌّ فتَعَالَ اقتُلْه ...) ( . الراوي: أبو أمامة الباهلي المحدث: الألباني - المصدر: صحيح الجامع - الصفحة أو الرقم: 7875 خلاصة حكم المحدث: صحيح ). وقد يقول قائل لماذا لم يصف اللهُ عزوجل إفسادَ اليهودِ مع الدجال بإحدى الإفسادين المذكورين في سورة الإسراء؟!!. الجواب هو رُغم أنَّه إفسادُ اليهودِ مع الدجال هو أعظمُ فتنةً في تاريخ البشرية إلا أنَّ فتنةَ الدجالِ هي ليست من صُنعِ اليهودِ كما هما الإفسادان الإثنان رغم أنهم يتبعونه ويشاركونه في فتنة الناسِ ولكن هي فتنةٌ لشخصٍ شاء اللهُ أن يبتلي ويمتحن العبادَ به، فأقدره على أعمال خارقةٍ من مقدورات اللهِ تعالى من إحياء الميت الذي يقتله، ومن ظهور زهرة الدنيا والخصب معه، وجنته وناره، ونهريه، وإتباع كنوز الأرض له، وأمره السماء أن تمطر فتمطر، والأرض أن تنبت فتنبت، فيقع كلُ ذلكَ بقدرة الله تعالى ومشيئته إبتلاءاً وإمتحاناً للناسِ.

وهنالك بعض المفسرين المعاصرين فسروا الإفساد الثاني لليهود بأنه هو إفسادهم مع الدجال، وأقول أن هذا غير صحيح لثلاثةِ موانعٍ:
الأول: بعد الإفساد الثاني يَمنحُ اللهُ عزوجل اليهودَ فرصةً أخرى للتوبة، لقوله تعالى ( فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا * عَسَىٰ رَبُّكُمْ أَن يَرْحَمَكُمْ ۚ وَإِنْ عُدتُّمْ عُدْنَا ۘ وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيرًا ). فالله الرحمن الرحيم يمنحُ اليهودَ فرصةً أخرى للتوبة بقوله تعالى (عَسَىٰ رَبُّكُمْ أَن يَرْحَمَكُمْ ۚ)، ما يعني أنه يستحيل أن تكون فتنةُ المسيحَ الدجالِ هي الإفساد الثاني لأنه بعد الإفساد الثاني تكون هنالك فرصةٌ لليهودِ للتوبةِ، بينما فتنةُ المسيحَ الدجال لا يكون بعدها فرصةٌ لليهودِ للتوبة وإنَّما يَقتلُهم المسلمون فيخلصون العالمَ كُلَّهُ من شرِهم.

الثاني: عندما يأتي موعدُ الإفسادِ الثاني يجيءُ اللهُ باليهودِ إلى أرض فلسطين مختلطين مجتمعين من جميع أنحاء العالم كله، لقوله تعالى (وَقُلْنَا مِن بَعْدِهِ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ اسْكُنُوا الْأَرْضَ فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفًا). بينما في فتنة المسيح الدجال اليهودُ لا يكونون مجتمعين في مكانٍ واحدٍ وإنما يطوفون ويجولون العالمَ كُلَّه مع متبوعهم المسيح الدجال بإستثناء مكة والمدينة، قال الرسول صلى الله عليه وسلم (ليس من بلدٍ إلا سيطؤُه الدَّجَّالُ، إلا مكةَ والمدينةَ، ليس له من نقابِها نَقبٌ إلا عليه الملائكةُ صافِّين يحرسونَها، ثم ترجفُ المدينةُ بأهلِها ثلاثَ رجفاتٍ، فيُخرِجُ اللهُ كلَّ كافرٍ ومنافقٍ.) ( الراوي: أنس بن مالك المحدث: البخاري - المصدر: صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم : 1881خلاصة حكم المحدث: صحيح ). ما يعني أنه يستحيل أن تكونَ فتنةُ المسيحَ الدجال هي الإفساد الثاني لعدم إجتماع اليهودُ في أرض فلسطين.

الثالث: عندما يأتي موعدُ الإفساد الثاني يبعثُ اللهُ المسلمين على اليهود فيستنقذون ويحررون المسجد الأقصى من بين أيديهم لقوله تعالى (فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا)، بينما في فتنة المسيح الدجال لا يستطيعُ اليهود أن يستولوا على بيت المقدس وإنما يحاصرونه لما أخرجه الحاكم وصححه عن أبي الطفيل قال: كنت بالكوفة فقيل: قد خرج الدجال فأتينا حذيفة بن أسيد فقلت: هذا الدجال قد خرج؟ فقال اجلس فجلست، فنودي أنها كذبة صباغ فقال حذيفة: ( إن الدجال لو خرج زمانكم لرمته الصبيان بالخزف، ولكنه يخرج في نقص من الناس، وخفة من الدين، وسوء ذات بين، فيرد كل منهل، وتُطْوَى له الأرض طيّ فروة الكبش، حتى يأتي المدينة فيغلب على خارجها ويمنع داخلها، ثم جبل إيليا فيحاصر عصابة من المسلمين، فيقول لهم الذي عليهم: ما تنتظرون بهذا الطاغية أن تقاتلوه حتى تلحقوا بالله أو يفتح لكم، فيأتمرون أن يقاتلوه إذا أصبحوا، فيصبحون ومعهم عيسى ابن مريم، فيقتل الدجال ويهزم أصحابه(. ما يعني أنه يستحيل أن تكونَ فتنةُ المسيحُ الدجال هي الإفساد الثاني لعدم إستيلاءِ اليهودِ على المسجد الأقصى. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

المؤلف: خالد صالح أبودياك.