المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : هل للإمام أحمد روايتان في جلود الميتة ؟



أهــل الحـديث
12-04-2014, 02:30 AM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


بعيدا عن الخلاف في طهارة جلود الميتة بالدباغ وما هو الراجح في ذلك نريد التحدث عن مسألة محددة وهي مدى صحة ثبوت رواية طهارة جلود الميتة بالدباغ عن الإمام أحمد .
بداية نقول : ذكر كثير من الحنابلة أن للإمام أحمد رحمه الله روايتان في جلود الميتة :
الأولى : أنها لا تطهر بالدباغ .
الثانية : أنها تطهر بالدباغ .
وذكر ابن تيمية ـ كما في مختصر الفتاوى المصرية ـ أن آخر الروايتين عن أحمد أن الدباغ مطهر ، ولعله استند في هذا إلى قول القاضي أبي يعلى : ( رجع الإمام أحمد (http://library.islamweb.net/newlibrary/showalam.php?ids=12251)عن الرواية الأولى في رواية أحمد بن الحسين (http://library.islamweb.net/newlibrary/showalam.php?ids=12225)، وعبد الله ، والصاغاني ) ذكره في الإنصاف .
فهؤلاء ثلاثة من أصحابه رووا عنه أنه رجع عن قوله الأول ، وهم : عبد الله بن الإمام أحمد ، وأحمد بن الحسين الترمذي ، ومحمد بن إسحاق الصاغاني .
فلننظر هذه الروايات لنرى مدى صحة الاعتماد عليها في نسبة القول بطهارة جلود الميتة بالدباغ إلى الإمام أحمد ، وجعلها آخر الروايتين عنه .
أولا : رواية أحمد بن الحسين الترمذي نقلها الإمام الترمذي في جامعه حيث قال :
( سمعت أحمد بن الحسين يقول : كان أحمد بن حنبل يذهب إلى هذا الحديث ، لِمَا ذكر فيه قبل وفاته بشهرين ، وكان يقول : كان هذا آخر أمر النبي ﷺ ، ثم ترك أحمد هذا الحديث لما اضطربوا في إسناده حيث روى بعضهم وقال : عن عبد الله بن عكيم ، عن أشياخ من جهينة )
والجواب عن هذه الرواية : أن أحمد بن الحسين ذكر ترك الإمام أحمد لهذا الحديث ، وتركه للحديث لا يعني رجوعه عن القول بعدم طهارة جلود الميتة بالدباغ ، لأن هذا الترك الذي ذكره أحمد بن الحسين إنما هو ترك الاستدلال بالحديث ، لأن عمدة الإمام أحمد في الاستدلال على عدم طهارتها بالدباغ ليس هذا الحديث ، بل عموم قوله تعالى ( حرمت عليكم الميتة ) والجلد جزء منها ، وهذا هو ظاهر كلام الإمام ، كما في رواية صالح : ( الله قد حرم الميتة فالجلد هو من الميتة )
وأما عبد الله ـ وهو ابن الإمام أحمد كما يُفهم من إطلاقه ـ فلم أجد له رواية عن أبيه في طهارة جلد الميتة بالدباغ بل روى عنه عدم طهارتها .
وأما محمد بن إسحاق الصاغاني فقد ذكر الخطابي في الانتصار كلامه فقال : كان أحمد يذهب إلى حديث ابن عكيم ، فلما بلغه حديث ميمونة قال : هذا حديث حسن وأذهب إليه )
والجواب عليه :
( 1 ) : حديث ميمونة هو الحديث الذي يرويه ابن عباس ، وله عنه عدة طرق ، وقد طعن فيه الإمام من جهة سنده ومتنه :
أما السند فقد طعن فيه من جهتين :
الأولى : من جهة اضطرابه :
ففي رواية ابن وعلة عن ابن عباس أن ابن عباس قال : سمعت النبي ﷺ ، وفي رواية عكرمة عنه أنه قال : عن سودة ، وفي رواية ابن عيينة عنه أنه قال : عن ميمونة .
الثانية : تضعيف عبد الرحمن بن وعلة : ففي رواية ابن الشافعي قال : ( وذكر أحمد حديث ابن وعلة عن ابن عباس : " أيما إهاب دبغ فقد طهر " ، وذكر ابن وعلة فضعَّفه )
أما المتن فطعن فيه أيضاً من جهتين :
الأولى : اضطرابه : فلم يذكر فيه الدباغ في رواية مالك ، ومعمر ، ويونس ، والأوزاعي ، وعقيل ، عن الزهري ، وقال ابن عبد البر : (وهو الصحيح فيه عن ابن شهاب , وبه كان يفتي )
وقد ذكر فيه الدباغ في رواية ابن عيينة عنه ، وقد قال أحمد في رواية عبد الله : ( أراه وهم ) أي : ابن عيينة .
وقال الامام في رواية ابن الشافعي : ( الخبر فيه اضطراب ، كلهم لا يذكرون فيه الدباغ إلا ابن عيينة وحده ، وقد خافه مالك وغيره )
الثانية : من جهة اللغة : ففي رواية عائشة ( دباغها ذكاتها ) وفي رواية ابن المحبِّق ( ذكاة الأديم دباغه ) ، قال أحمد في رواية ابن الشافعي : ( كيف يكون الدباغ ذكاة ؟ يعقل هذا العرب ؟ أرأيت لحم الميتة يذكيه الدباغ ؟ إنما الدباغ قرظ وما أشبهه ) .
فقال له ابن الشافعي : ( ليس يعقل هذا في اللغة ، ولكن الخبر الذي روي فيه .
فقال : دع الخبر ، الخبر فيه اضطراب ....
وقد سئل الإمام عن الأحاديث التي ذكر فيها الدباغ فلم يرتضيها :
ـ قال عبد الله : سألت أبي عن حديث سلمة بن المحبق في دباغ الميتة ؟
فقال : لا . أُجريه حديث ابن عكيم : ( أتانا كتاب رسول الله قبل وفاته بشهر أو شهرين : لا تنتفعوا من الميتة بإهاب ولا عصب ) .
ـ وقال ابن هانئ : سمعت أبا عبد الله وسئل عن حديث ابن عباس : ( أيما إهاب دبغ فقد طهر ) ، فقال : ( قد اختلفوا فيه ......وأما حديث ابن عكيم فهو الذي أذهب إليه ؛ لأنه آخر أمر النبي ﷺ ، أحرى أن يتبع الآخر ، فالآخر من أمر رسول الله ﷺ يُتَّبع )
ـ وقال ابن بدينا : وسمعت أبا عبد الله وسأله رجل فقال : يا أبا عبد الله ، أثبتُ عندك حديث ابن عباس أو حديث عبد الله بن عكيم ؟
فقال : حديث ابن عكيم في جلود الميتة .
ـ وقال صالح : قلت : جلود الميتة إذا دبغت ؟
قال : لا يعجبني ، وأذهب فيه إلى حديث عبد الله بن عكيم .
ولعل كلام الإمام أحمد السابق في رواية الصاغاني كان قبل أن يظهر له اضطراب حديث ميمونة ، فلربما ذهب الإمام إلى أحاديث ثم ظهر له ضعفها .
ومما يُرجِّح أن ليس للإمام إلا رواية واحدة :
( 1 ) : أن ابن بدينا وهو من آخر الرواة عن الإمام وفاة لم يرو عن الإمام إلا رواية واحدة وهي عدم طهارة جلود الميتة بالدباغ .
( 2 ) : أن الرواة المقاربون للصاغاني في سنة الوفاة لم يرووا عن الإمام رواية تخالف روايته الأولى .
هذا والله أعلم .