المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : شرح كتاب البلاغة



ريتشارد
05-09-2007, 07:18 AM
السلام عليكم

إنَّ الحمدَ لله نحمدُه، ونستعينُه، ونستغفرُه، ونعوذُ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهدهِ اللهُ فلا مُضل له ومن يُضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.


مقدمة: أهمية اللغة العربية:-
ينال هذا العلم الشرف الأعلى لكون مادته القرآن الكريم فما نالت العربية هذا الشرف إلا بشرف مادتها وهو القرآن الذي جاء بهذا اللسان فارتقت العربية وعلت وقد قال النبي من حديث عثمان " خيركم من تعلم القرآن وعلمه " أخرجه أبو داوود
فلا يمكن أن يوصل إلى أحكام القرآن وفهم دقائقه ومعانيه وفقه لغته والعلم بها وضبط قواعده والوقوف على علوم معانيها وبيانها وبديعها ومعرفة مفاتيح التنزيل إلا باللغة العربية, فاللغة العربية هي علم الآلة ، وذروة سنام العربية ولبها وتاجها وجوهرها البلاغة وقد عدها العلماء علماً قرآنياً لأن نشأتها أساساً كان في أحضان فهم التنزيل وإدراك أسباب الإعجاز ومعرفة طرائقه ومسالكه .
ويعد القرآن الكريم (الوحي المتلو) هو ذروة سنام الفصاحة فمن عرف إعجازه ومسائله ودقائقه وقواعده فما دونه من الفصاحة كان أعلم به, ويلي القرآن في الفصاحة سنة النبي صلى الله عليه وسلم (الوحي المعنوي) وكلاهما بلسان عربي مبين، فمن أراد تعلم الوحيين فعليه تعلم العربية، ثم يلي الوحيين كلام العرب وإدراكه أيضاً لا يتم إلا بتعلم العربية والبلاغة.
يعد تعلم العربية وفهم دقائقها وضبط قواعدها تعبداً، لأنه مربوط بالدين فبذل الجهد في تعلمها يعد عبادة وقد قال عمر رضي الله عنه "تعلموا العربية فإنها من دينكم ", فعلى كل من يتعلم العربية أن يكون غرضه ونيته هو فهم ذلك الدين وفقه ما أنزل الله عز وجل وليس لذات العربية .
وابن كثير رحمه الله كانت له كلمة رائعة عندما شرع في تفسير سورة يوسف وفي قوله تعالى {إنا أنزلناه قرآناً عربياً لعلكم تعقلون} فقال " لغة العرب أفصح اللغات وأبينها وأوسعها وأكثرها تأدية للمعاني التي تقوم بالنفوس فلهذا أنزل الله عز وجل أشرف الكتب بأشرف اللغات على أشرف الرسل بسفارة أشرف الملائكة وكان ذلك بأشرف بقاع الأرض وبدأ نزوله في أشرف شهور السنة فكمل من كل الوجوه" .
ضل من ضل بسبب عدم فهمه للعربية وعدم وقوفه على معانيها ولم يحذقها ولم يدرك بيانها .
وارتقت العربية وعلت بالقرآن الكريم ثم نالها من بركة كلام الله فقد قال الله عز وجل في سورة (ص) {كتابٌ أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولو الألباب} والآية الكريمة فيها أربعة فوائد:-

1- أنه كتاب عظيم واستفدنا ذلك من تنكير كلمة {كتاب} وعظمته في قيمته وبركته وأحكامه.

2- أنه كتاب منزل من عند الله عز وجل {كتاب أنزلناه} وهو منزل على محمد الرسول الخاتم .

3- كتاب مبارك بالوصف {مبارك} فمن عمل به واشتغل بعلومه ومادته تدركه تلك البركة، ومن بركته على لغة العرب أنه حفظها إلى قيام الساعة {إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون} الحجر (9), وبالنظر إلى بعض اللغات الأخرى نجدها قد اندثرت كاللاتينية والإنجليزية القديمة بعكس اللغة العربية المحفوظة إلى قيام الساعة لأن النص والأسلوب مضبوط بضبط القرآن, ومن هنا يتضح الخلل الواقع فيه من يدعو إلى العامية لكن الله تعهد بحفظ كتابه فقيض العلماء لذلك وإن كانوا أعاجم كسيبويه الفارسي المتوفى سنة (108 هجرية) الذي قعَّد العربية بعد طلبه للحديث ولما ألحن في العربية ولامه شيخه حماد بن سلمة فقال " لأطلبن علما لا يلحن لي فيه أحد " فعقد العزم في نفسه على تعلم العربية وتعلمها على يد شيخه الخليل بن أحمد الفراهيدي .

4- الغرض من إنزال القرآن هو التدبر والتفكر والعمل به وليس فقط التلذذ والبكاء ولن يتم الوصول لذلك إلا بتعلم اللغة والبيان وعلم المعاني والله عز وجل بين أن كتابه ميسر فقال " وَلََََََََقد يَسَّرْنَا القُرْآَنَ لِلْذِكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَكِر "(القمر) وهذا استفهام مجازي بمعنى إدكروا, والمعاني تبنى على النحو فسلامة العربية تكون بالجملة النحوية ثم يترقى الإنسان بتفعيل القواعد فينتهي إلى الدقائق واللطائف في علم المعاني، ثم التصوير في البيان، ثم البديع وهي الحلية ثم يصل إلى الأسرار واللطائف في كلام الله عز وجل .
وقد نص الزمخشري على أن التفسير هو من أعظم العلوم وأنه لا يمكن تعاطيه والوصول إلى لطائفه إلا من خلال علمين هما علم البيان وعلم المعاني ( أول الإشارات الصريحة بتسمية العلمين البلاغة والمعاني فقد كانت مترادفة قبل ذلك كما قال شيخ البلاغيين الشيخ عبد القاهر في كتابيه أسرار البلاغة ودلائل الإعجاز).

حكم تعلم العربية:-
حكمها تعلمها فرض كفاية ويعد تعلمها وحذقها صاحبها مأجور بإذن الله .

كتاب الدراسة:-
كتاب البلاغة الواضحة ودليل البلاغة الواضحة المشتمل على التطبيقات وتحليل النصوص لعلي الجارم ومصطفى أمين وهما كتابان في كتاب, وهو كتاب مختصر ويسير ومبسط و جمع بين التقعيد الموجز والشرح التطبيقي المطول .

تاريخ التأليف البلاغي: -
نشأ هذا العلم في أحضان القرآن الكريم ومحاولة الإجابة عن سر إعجازه, فالمؤلفات البلاغية أحيانا ترتبط باسم القرآن, ومن المؤلفات في هذا العلم:-
1- أول مؤلف هو كتاب " مجاز القرآن " لأبي عبيدة معمر بن مثنى المتوفى سنة (208أو 209 أو 210 هجرية) والمقصود بكلمة مجاز هي بيان معنى الآية وتفسيرها.
2- كتاب "البيان والتبيين" للجاحظ المتوفى سنه 255 هجرية وهو مستودع ضخم لنصوص البيان العربي (قرآن وسنة وأشعار العرب وخطبها وأمثالها).
3- كتاب " تأويل مشكل القرآن " لابن قتيبة المتوفى سنه 276 هجرية.
4- كتاب " البديع " للشاعر عبد الله بن المعتز المتوفى سنة 296هجرية وسبب تأليفه للكتاب هو الرد على القائلين بأن البديعيات انفرد بها شعراء البديع فألف الكتاب ليثبت أن البديع وأنواعه موجود في القرآن وفي كلام العرب.
5- كتاب "نقد الشعر" لقدامة بن جعفر المتوفى سنة 337 هجرية وكان نصرانياً وأسلم ومال في مؤلفه إلى المنطقة والفلسفة لتأثره باليونانيين.
6- كتاب "النكت في إعجاز القرآن " للرماني المتوفى سنة 386 هجرية وهو مؤلف اقترب من لمس إعجاز القرآن.
7- كتاب "الوساطة" للجرجاني المتوفى سنة 392 هجرية.
8- كتاب "صاحب الصناعتين " لأبي هلال العسكري المتوفى سنة 395هجرية والكتاب لبنة رائعة وتجديدية في تاريخ البلاغة لأنه بدأ التمايز في كتابه بين قضايا البلاغة وقضايا النقد.
9- كتاب "إعجاز القرآن" للباقلاني المتوفى سنة 403هجرية.
10- كتاب " صاحب العمدة" في صناعة الشعر ونقده لابن رشيق القيرواني المتوفى سنة 466هجرية.
11- كتاب "سر الفصاحة" للخفاجي المتوفى سنة 466هجرية والكتاب يعتبر تجديد وتعميق في دراسات الأصوات والكلمة من حيث قبولها.
12- كتاب "أسرار البلاغة" وكتاب "دلائل الإعجاز" لشيخ البلاغيين عبد القاهر الجرجاني المتوفى سنة 471 هجرية الذي أصَّل البلاغة إلى حد ما وقعَّدها و تذوقها وكتاب الأسرار معظمه في التشبيهات والاستعارات والكنايات وكتاب الدلائل معظمه في نظرية إعجاز النظم، ويعتبر الشيخ عبد القاهر صاحب الفضل بعد الله عز وجل في تقعيد نظرية النظم وبين أن القرآن معجز بنظمه ليس باستعاراته وبديعه وتشبيهاته فقط, وكلمة النظم تعني التأليف والجمع والضم، فكل كلمة في القرآن لها تأثيرها كما قال ابن عطية "كتاب الله لو نزعت منه لفظة ثم أدير لسان العرب على أفضل منها لم توجد".
13- كتاب "الكشاف" للزمخشري الذي أعجب بكتابي عبد القاهر الذي لم يسعفه الوقت فأراد الزمخشري التطبيق فجاور مكة أربع سنوات وألف كتابه ذلك الذي بين فيه أسرار الإعجاز و دقائق التنزيل, والزمخشري ينسب له مقولة " الفنقلة" وهي أسلوب يتعرف المطالع من خلاله اللطائف والدقائق في كتاب الله عز وجل، وهي كلمة مشتقة من قول الشيخ "فإن قلت لم عبر بكذا دون كذا" فيحدث سؤالاً في تفسيره ليدغدغ القارئ ثم يستثيره ليشرأب للبحث عن الجواب, ولكن الزمخشري كان على مذهب المعتزلة فمن يقرأ كتابه يكون من التخصصي ويقرأ النسخة التي عليه تعليقات ابن المنير الذي يقول" لقد تتبعن الزمخشري وإعتزالياته بالمناقيش".
14- كتاب " نهاية الإيجاز في دراية الإعجاز " للفخر الرازي المتوفى سنة 606هجرية، وقد حاول أن يعتصر فلسفة عبد القاهر ومنطقه وتذوقه في صورة قواعد وضوابط وقد استفاد منه السكاكي.
15- كتاب "مفتاح العلوم" لشيخ البلاغيين في التقعيد والتأصيل والتشعيب والتفريع أبو يعقوب يوسف السـكاكي المتوفى سنة 626هجرية، والكتاب ثلاثة أقسام الأول في الصرف، والثاني في النحو والثالث في البيان والمعاني، وذيله بالكلام عن الفصاحة، وألحق به بالكلام عن القافية والعروض، والكتاب أشتهر بالقسم الثالث، والسكاكي من المتكلمين والفلاسفة والمناطقة.
16- كتاب "تلخيص المفتاح " للخطيب القزويني وهو تلخيص القسم الثالث لكتاب "مفتاح العلوم " والقزويني متوفى سنة 739هجرية وهو مثل السكاكس من المتكلمين والفلاسفة, ثم إنه رأى أن تلخيصه متن محدود موجز فألف كتابه " الإيضاح " وفيه تفصيل وهو من أشهر كتب البلاغة في المدرسة المتأخرة والخطيب يعتبر زعيم مدرسة المتأخرين.

أسئلة المتصفحين:
1-أيهما أولى لطالب العلم النحو أم البلاغة؟
الإجابة: يعد علم البلاغة قائم على علم النحو فالنحو هو الأساس وكلمة نحو تعني أنك سائر نحو لغة العرب فتعني بسلامة النطق أما التحليل والتعليل والوصول إلى الدقائق فمن خلال البلاغة, والبلاغي يبدأ من حيث انتهى النحوي, ولا يحذق البلاغة من كان جاهلاً بالنحو.

2-لم لم يكن العرب قبل الإسلام على قدر من البلاغة ؟
الإجابة: البلاغة من حيث الضبط والتقعيد والتأصيل لم تظهر إلا بعد نزول القرآن عند احتياج الناس أجمعين إلى فهم القرآن وعندما خيف على اللسان العربي أن تتطرق إليه العجمة, أما العرب قبل الإسلام فتدرجت لغتهم في النضج وبلغت ذروتها إبان النزول عند بعثة المصطفى r والقرآن نزل بلغة قريش السائدة في ذلك الوقت، ولما نزل القرآن بلغتهم أعجزهم واندهشوا به, ولم يكن قبل القرآن علوم ولا قواعد ولا ضوابط، وإنما كان هناك حس ذوقي سماعي يهتز له العربي عند السماع, وعندما نزل القرآن الكريم بفصاحته وقوة بلاغته بهرهم فكان كالشمس وشعراؤهم كالسرج.

ريتشارد
05-09-2007, 07:19 AM
الدرس الثاني

مـقـدمـة:-
كما ذكرنا في الدرس السابق أن الباعث الحثيث في التأليف في البلاغة هو محاولة فهم القرآن الكريم والتعرف على إعجازه وتدبر أسراره فلذلك علم البلاغة يعد علما قرآنيا قبل كل شيء فعلومه الثلاثة (المعاني والبيان والبديع) متغلغلة في الإعجاز ومتمكنة في البديع.
تابع تأريخ التأليف البلاغي:-
كما ذكرنا في الدرس الماضي أن أشهر من تناول قضية الإعجاز وتناول النظم بالتحليل والتقعيد هو الجرجاني في كتابيه "أسرار البلاغة" و"دلائل الإعجاز" ثم تلاه الفخر الرازي المتوفى سنة ٦۰٦هجرية وألف كتابه" نهاية الإيجاز في دراية الإعجاز " وقد بدأ في التعريفات والتحديدات البلاغية.
ثم جاء السكاكي وألف كتابه "مفتاح العلوم" وهو فعلاً كمسماه مفتاح للعلوم وقسمه ثلاثة أقسام، الأول في الصرف، والثاني في النحو، والثالث في البيان ،والمعاني وذيله بالكلام عن الفصاحة وألحق به بالكلام عن القافية والعروض والكتاب اشتهر بالقسم الثالث، والسكاكي قعَّد وأحسن الاستدلال وشعب وتفرع ويعد معظم كتابات البلاغيين المتأخرين أشبه بالعالة على منهجه.
ثم جاء الخطيب القزويني وألف كتاب "تلخيص المفتاح" وهو تلخيص القسم الثالث لكتاب "مفتاح العلوم" والقزويني متوفى سنة 739هجرية، وهو مثل السكاكي من المتكلمين والفلاسفة, ثم إنه رأى أن تلخيصه متن محدود موجز فألف كتابه " الإيضاح " وفيه تفصيل وهو ليس شرحا للتلخيص وإنما كما قال " جعلته كالشرح" لأنه قدم وأخر وبدل وغير وطعمه بتحليلات الجرجاني واستنباطات الزمخشري في الكشاف وضوابط السكاكي وأضاف شيئاً من منطقه وتحليلاته وتحديداته فكان الكتاب أشبه بالكتاب المدرسي المتأخر في البلاغة ولذلك يعتمده كثير من كليات اللغة العربية في تدريسه والخطيب يعد زعيم مدرسة المتأخرين.
لكن كتاب "تلخيص المفتاح " استهوى كثيراً من الدارسين بمنطقه وإيجازه فأقبل الشراح عليه أكثر من "الإيضاح" لكونه متناً يتحمل التحليل والتفصيل, ومن أفضل الشروح التي تناولته كتاب سمي " شروح التلخيص " وهو مكون من عدة شروح مجموعة في كتاب واحد ومنها "عروس الأفراح لشرح تلخيص المفتاح" لأحمد بن علي السبكي المتوفى سنة ٧٧۳ هجرية, وهناك أيضاً شرح يسمى " المطول " و"المختصر" لسعد الدين مسعود بن عمر التفتازاني المتوفى سنة ۷۹۱هجرية, وهناك أيضاً شرح يسمى" الأطول" لعصام الدين إبراهيم بن محمد عرب شاة الإسرائيلي المتوفى منتصف القرن العاشر الهجري, وهناك أيضاً شرح يسمى "مواهب الفتاح في شرح تلخيص المفتاح" لابن يعقوب المغربي المتوفى سنة 1110هجرية, وكل هذه الشروح جمعت في كتاب واحد طبعته رديئة ولكن بالنسبة للمتخصص تعينه وتفتح له الأبواب وتمتع ناظره وتثري معرفته بالبلاغة لأنها مجموعة في كتاب واحد، ويوجد في الكتاب أيضاً حاشية للدسوقي في الهامش جيدة وفيها تحقيقات, إلا أن هذه الكتب بشكل عام تنفع المتخصص.
الكتب البلاغية في العصر الحديث:-
من الكتب المختصرة:-
كتاب " البلاغة في ثوبها الجديد " للدكتور بكري شيخ أمين.
كتاب " البلاغة الواضحة " وهو المقرر دراسته.
من الكتب المتوسطة:-
كتاب " علوم البلاغة (المعاني و البيان و البديع)" لأحمد مصطفى المراغي.
كتاب "جواهر البلاغة" للسيد أحمد الهاشمي.
من الكتب التي تصلح للمتخصصين :-
كتاب "علم المعاني" و"علم البيان" و"البديع" للدكتور بسيوني عبد الفتاح فيوض والكتاب فيه نوع تجديد وتعليلات وتحليلات وترجيحات من وجهة نظر المؤلف.
كتاب "المفصل في علوم البلاغة العربية" للدكتور عيسى علي العاكوب، والكتاب فيه تجديد وهو جيد في عربيته وتقسيماته واستفاد من القزويني وعنده تجديد خاصة في البديع.
وللدكتور عبد العزيز العتيق مؤلفات فقد خصص لكل فن في البلاغة كتاباً فألف في المعاني وفي البيان وفي البديع.
كتاب "دلالات التراكيب" لشيخ البلاغيين المعاصرين الدكتور محمد محمد أبو موسى والكتاب جيد وهو في المعاني, وله في البيان كتاب "التصوير البياني" والكتاب فيه إشراقات وتجرئة لطالب العلم على الاجتهاد والاستنباط وحسن التفنن في العرض البلاغي.
هناك دراسات طيبة جدت في العصر الحديث في المادة البلاغية العلمية عن طريق المعجم فألفت معاجم في البلاغة على طريقة معاجم اللغة، ومن أشهرها "معجم المصطلحات البلاغية وتطورها" للدكتور أحمد مطلوب، وهو مؤصل فيذكر الفن البلاغي وبداياته ثم التعريف اللغوي له ثم تطوره ونشأته ثم مصطلحه المستقر عليه وأبرز شواهده.
وللدكتور بدري أحمد طبانة معجم يسمى "معجم البلاغة العربية" وهو على نسق سابقه ولكن أقل نفساً.
وللدكتورة إنعام فوال عكاوي معجم يسمى "المعجم المفصل في علوم البلاغة" وهو أقل نفساً من سابقيه، ويتناول المصطلحات البلاغية من حيث نشأتها وتطورها وما استقرت عليه.
أبرز كتب التفسير التي تناولت كلام الله عز وجل من الناحية البلاغية:-
"الكشاف" للزمخشري مع الحذر من اعتزالياته.
" البحر المحيط" لأبي حيان الأندلسي المتوفى سنة ٧٥٤هجرية، والكتاب على مسماه فهو كالبحر فذكر فيه أسباب النزول وشرح الآيات شرحاً لغوياً ويذكر أعاريبها التي ينبني عليها المعاني ثم يذكر الدقائق واللطائف التي تنقدح له وأحيانا يستدرك على الزمخشري اعتزالياته.
تفسير البيضاوي وحواشيه، ومن أبرزها حاشية الشهاب الخفاجي وحاشية محيي الدين الشيخ زاده وحاشية القونوي فهي ثرية بالمعاني القرآنية.
تفسير أبي السعود وكان قاضياً للدولة العثمانية في القرن التاسع الهجري وكتب كتابه الرائع "إرشاد العقل السليم إلى مزايا القرآن الكريم" والكتاب عباراته جزلة إلا أنه أحياناً تجد نوع عسر في بعض جمله ولكنه مفيد.
"روح المعاني" للآلوسي وهو يحسن النظر والتقليب وتوليد المعاني من خلال ما ينظر وله رأيه الذي كثيراً ما يكون موفقاً فيه.
"تفسير التحرير والتنوير" للطاهر بن عاشور التونسي وهو مالكي المذهب ومجتهد في مذهبه والكتاب لا يستغني عنه الطالب المتخصص، ولاسم كتابه أثر على تفسيره فهو تحرير للعبارة وتنوير للذهن، والكتاب مطبق لكثير من مسائل البلاغة على التنزيل مع الحذر من بعض الأشعريات في الصفات التي قد يزل بها القلم، وهو يعد زمخشري عصره وتوفي سنة ۱۳۹۳هجرية وله كتاب في البلاغة يسمى "الموجز في البلاغة العربية".
"التفسير القرآني للقرآن" لعبد الكريم الخطيب والكتاب لغته مشرقة وأسلوبه وافي وتكسب قارئه ضرباً من حسن التعبير.
"في ظلال القرآن" لسيد قطب وهو توسع في عباراته وتناول القرآن من منظار أدبي لأنه كان أديباً وينبغي على من يحكم على جمله أن يحكم في ضوء تخصصه وفي ضوء بيانه, وقد حمل عليه بعض المعاصرين وحملت ألفاظه أكثر مما تتحمل وهو كغيره وقع في خطأ وزلل ولكن العبرة باستقامة النهج العام وغلبة الحسنات على السيئات, وألفاظ كتابه اجتزئت من سياقها وبالتالي أدَّت غير المراد منها كـ "ويل للمصلين" وهذا ليس من العدل ولكن ينبغي الأخذ بكلامه حسب المقام والسياق وإن أخطأ يبين خطؤه بدليل كذا وكذا ونسوق له الحجة إن كان حياً وإن كان ميتاً نحسن له التأويل ونبين للناس وجهة الخلل ولكن لا نصرفهم عن الكتاب كله.
"تفسير كلام المنان" للشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي والمتوفى سنة 1376هجرية وشيخ الشيخ ابن عثيمين رحمهما الله، وهو كتاب مختصر في لغة سهلة وتوجه سليم ويصلح للقراءة على الجماعة في المساجد وغيرها لما فيه من لفتات لغوية وإشراقات بيانية وينصح به للعوام والمتوسطين.

ريتشارد
05-09-2007, 07:19 AM
منهج أهل السنة هو منهج العدل على كل البشر قال تعالى: (يَا أَيّهَآ الّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوّامِينَ للّهِ شُهَدَآءَ بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَىَ أَلاّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتّقْوَىَ وَاتّقُواْ اللّهَ إِنّ اللّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) [سورة: المائدة - الأية: 8] فهذا هو الميزان الشرعي, لذلك أهل السنة عدلوا مع المعتزلة وغيرهم فأخذوا من خيرهم وردوا ضلالاتهم, وكل إنسان يقع منه الخطأ وكل كاتب مما ذكرنا يؤخذ من كلامه و يرد إلا النبي صلى الله عليه وسلم كما قال الإمام مالك، ولكن العبرة بغلبة الصواب على الخطأ وغلبة الإيجابيات على السلبيات.
أبرز كتب الحديث التي تناولت كلام المصطفى صلى الله عليه وسلم من الناحية البلاغية:-
"فتح الباري" لابن حجر العسقلاني والكتاب على اسمه وقد ألفه في ۲٨عاماً، وهو مستودعٌ ضخمٌ من العلم العام والاستنباطات الحسنة وأقوال العلماء كابن البطال وغيره وفيه من علم العربية والدقائق واللطائف المتعلقة بالحديث الذي يورده, وعموم شراح الحديث عندما يتناولون الحديث ينظرون إلى لغته وما فيه من تشبيهات وكنايات وغيره.
"إرشاد الساري" لبدر الدين العيني خاصة في ربعه الأول الذي فاق فيه "فتح الباري" لكنه تضاءل بعد ذلك.
"شرح صحيح مسلم" للنووي والكتاب لغته مجملة لكن دقيقة وله إشارات ذكية يستفيد منها طالب العربية.
"التصوير الفني في الحديث النبوي" للدكتور محمد الصباغ وهو من الكتب المعاصرة الجيدة وهو مجلد يتجاوز ثمانمائة الصفحة وعرض فيه طائفة من الأحاديث وشرحها شرحاً لغوياً بلاغياً وركز على التصوير النبوي فيها, وللدكتور محمد الصباغ كتاب يسمى"الحديث النبوي" تعرض فيه لطائفة من الأحاديث وشرحها وبين وجوه البلاغة فيها.
"الحديث النبوي الشريف من الوجهة البلاغية" للدكتور عز الدين علي السيد وهو كتاب قيم و متوسع.
"البيان النبوي" للدكتور محمد رجب البيومي وهو مختصر وفيه لمحات وإشارات طيبة.
"في ظلال الحديث النبوي" للدكتور نور الدين العتر وفيه تقسيمات جيدة إشراقات تعين طالب العربية على استخراج اللطائف من الحديث النبوي.
"من أسرار البيان النبوي" للدكتور أحمد محمد علي وهو موجز مختصر ويعطي للطالب ضرباً من الدربة على النظر في الحديث.
من أبرز الكتب التي تبين أهمية العربية وقيمتها في استنباط الحكم الشرعي:-
"أثر العربية في استنباط الأحكام الفقهية من السنة النبوية" للدكتور يوسف العيساوي وهي رسالة دكتوراة مطبوعة والكتاب قيم ويعطي للناظر فيه قيمة العربية وبأنها مفتاح التنزيل.
"الصعقة الغضبية على منكري العربية" للطوفي الحنبلي المتوفي سنة716هجرية وقد حققه الدكتور محمد بن خالد وهو مطبوع ويبين قيمة العربية مع ذكر شواهد من السلف وأمثلة على ذلك.
أسـئـلـة المتصفحين
1. ما هي أنسب الكتب لغير المتخصصين؟
الإجابة: كتاب "البلاغة فنونها وأفنانها" للدكتور فضل عباس حسن والكتاب يتميز بسهولة عربيته وسهولة عرض المصطلح البلاغي واقترب بالمصطلح البلاغي من التنزيل فأعادها إلى أحضانها الأولى والكتاب لم يهمل جانب تخريج الأحاديث من مظانه المعتمدة وجعل بعد كل فن مستقل فصلاً خاصاً بالتشبيهات القرآنية كالكناية والاستعارة وغيرها, ثم درس سورة السجدة في خاتمته ودقق في نظمها ولطائف البلاغة فيها ثم أتبع كتابه بأسئلة تطبيقية .
هناك كتاب آخر"شرح دروس في البلاغة" لمجموعة من المؤلفين في الأزهر وقد شرحه الشيخ ابن عثيمين رحمه الله وقد فرغته إحدى الدور وهو مختصر.
2. من أول من استعمل مصطلح البلاغة تخصيصاً لهذا العلم؟
الإجابة: ألفاظ البلاغة والبيان والبديع والنظم والمعاني عدها الشيخ عبد القاهر الجرجاني على سبيل الترادف, أما أول من أطلق على علمي البيان والمعاني بوصف العلم هو الزمخشري في "الكشاف" عندما ذكر "أنه لا يتصدى في التفسير إلا رجل برع في علمين مختصين بالقرآن هما علم المعاني وعلم البيان" وسار العلماء نهجه.
ثم جاء بدر الدين الناظم في كتابه "المصباح في علوم البلاغة" فجمع ما ذكر السكاكي فأطلق على البديع علماً فصارت علوم البلاغة ثلاثة (البيان والمعاني والبديع) واستقر الوضع على ذلك.
3. هل يعد تفسير الشعراوي من الكتب التي عنيت بالبلاغة في القرآن؟
لاشك أن الشيخ الشعراوي قد برع في عرض معاني القرآن عرضاً منطقياً فلسفياً لغوياً بلاغياً وإن كان استعمل اللهجة العامية لمقام من حوله وللتبسط, وفي كلامه روائع وهو يلمس التنزيل والإعجاز فيه والكتاب المطبوع محكي عنه وفيه لهجته العامية بين قوسين ولا شك أنه من خيرة من يستفاد منه في اللطائف والأسرار مع الأخذ بمنهج السلف في الصفات.
4. هل البلاغة فن أم علم؟
الإجابة: البلاغة هي علم متفنن أو فن علم متذوَق وهي ليست كالنحو يغلب عليه جانب الحد المنطقي والقواعد إنما هي تبدأ من حيث انتهى النحوي مع ما فيها من تذوق وتحليل.
5. هل هناك فرق بين علم البلاغة والنقد؟
الإجابة: هذان الفنان ظلا متصاحبين أو ممتزجين في أصل نشأة البلاغة العربية والنقد الأدبي لأن النقد يقوم على قواعد البلاغة وضوابطها والناقد بشكل عام لا يستغني عن فصاحة الكلمة من حيث عربيتها وعجمتها أو من حيث وضوحها وتعقيدها وكذلك الكلام من حيث مخالفته أو موافقته أو غرابته وكذلك ينظر الناقد عموماً في النص من حيث تأكيداته إذا كان خبراً ومن حيث دلالاته إذا كان إنشاءً وكذلك الفصل والوصل وكذلك الإيجاز والإطناب وغير ذلك وكلها ضوابط بلاغية يوظفها الناقد في خدمة النص الأدبي فهناك تعاضد بينهما وتعتبر البلاغة علماً والنقد فناً.
6. ما هو الهدف من علم البلاغة؟
الإجابة: التعرف على النص العربي والتعرف على دلالاته وتصويراته وظلاله البلاغية وكان ذلك ذوقياً عند العرب فلما نزل القرآن أقبلوا عليه ليتعرفوا على مظاهر هذا الإعجاز، لذلك البلاغة هي مفتاح النص العربي من حيث تذوقه واستنطاقه واستنباط الدلالات اللغوية منه سواء في تشبيهاته واستعاراته وكناياته أو في تأكيداته أو في قسمه وتعجبه, فالبلاغة هي الكشاف للنص العربي الذي يسلط على النص العربي فتجعل الباحث يلتقط الدرر والروائع منه لذلك لا يستغني عنها المفسر ولا شارح الحديث ولا الناظر في النص الشعري أو النثري.
وينصح شيخنا الفاضل بحفظ كلام الله عز وجل وتوجيه الأبناء لذلك لأن الحفظ فيه فوائد عظيمة منها:-
1. قمة البلاغة و البيان هو كلام الله عز وجل.
2. حافظ القرآن تسيل قريحته وحافظته وتنطلق وتتدفق.
3. تفصح عربيته ويقوى لسانه ويصح نطقه للكلمة.
4. تزيد الذاكرة بثروة لغوية هائلة.

ريتشارد
05-09-2007, 07:20 AM
الدرس الثالث


مـقـدمـة عـن الفصـاحـة والبـلاغـة:-
كانت مصطلحات الفصاحة والبلاغة والبيان والبديع والنظم عند المتقدمين وخاصة عند شيخهم الجرجاني مترادفة.
يعد السكاكي هو أول من أفردها وفرق بين هذه المصطلحات في كتابه "المفتاح" وذلك عندما تكلم عن علمي البيان والمعاني ثم ذيل ذلك بكلام عن البلاغة والفصاحة. ولكن الذي أصَّل ذلك وقرره هو أبو سليمان الخفاجي المتوفى سنة466هجرية في كتابه "سر الفصاحة", فقد تكلم عن الفصاحة وضوابطها وشروطها وغير ذلك.
يعد بدر الدين بن مالك هو من نقل الكلام عن الفصاحة والبلاغة من ذيل المعاني والبيان إلى مقدمة علمي البيان والمعاني والبديع وسار على منواله الخطيب القزويني في كتابيه "تلخيص المفتاح" و"الإيضاح" واستقر الوضع على ذلك.
مقـدمـة كتـاب البـلاغـة الـواضحـة:-
عنوان المقدمة هو {الفصاحة-البلاغة-الأسلوب} وذلك يعد تجديدا لأن عادة ما يُعَنْوِن البلاغيون بالفصاحة والبلاغة فقط ويبدو أنهما أرادا أن من برع في الفصاحة والبلاغة سينتج عن ذلك أسلوب رائع يمكن أن يصنف بحسب تخصص الكاتب.
المؤلف "الفصاحة: الظهور و البيان, تقول أفصح الصبح إذا ظهر"
معنى الفصاحة في اللغة: الظهور والانكشاف والنصاعة والبيان والوضوح.
قال العرب: أفصح الصبح إذا بان وظهر من الليل.
أفصح الطفل إذا أبان عن حاجته بلغة مفهومة.
أفصح الأعجمي إذا تخلص من رطانته الأعجمية.
واللبن فصيح إذا كانت طبقته ظاهره وزالت عنه الرغوة التي تعلوه عند حلبه وأصبح جلياً.
فالفصاحة تعني الخلوص من الشوائب و الوضوح.
المؤلف "والكلام الفصيح ما كان واضح المعنى سهل اللفظ جيد السبك, ولهذا وجب أن تكون كل كلمة فيه جارية على القياس الصرفي, بينة في معناها, مفهومة عذبة سلسة"
الكلام الفصيح هو ما كان واضح المعنى ليس فيه غموض, سهل اللفظ ليس فيه صعوبة ولا ثقل, جيد السبك ليس مفككاً ولا قلقاً ولا غير واضح الدلالة.
شـروط الكلمـة الفصيحــة:-
الشرط الأول: جارية على الميزان والقياس الصرفي.
فمخالفة القياس الثابت عن العرب في الميزان الصرفي الذي حدده النحاة والصرفيون يعد قدحاً في الفصاحة, فيجب أن تكون الكلمة معناها واضحاً ودالاً ولا تكون مخالفة للقياس الصرفي مثل:-
فك الإدغام في الحرفين المتماثلين.
- مثال1:
رد (من فك الحرفين المتماثلين وهما الدال يقول) ردد.
عد (من فك الحرفين المتماثلين وهما الدال يقول) عدد.
كد (من فك الحرفين المتماثلين وهما الدال يقول) كدد.
مثال2:
قول أبي النجم "الحمد لله العلي الأجلـل"
فكان عليه أن يقول "العلي الأجل"
مثال 3: قول الشاعر
مهلا أعادل قد جربت للخلق # أني أجود لأقوام وإن ظننوا
هنا الشاعر فك إدغام حرفي النون وقياسه أن يقول "وإن ظنوا".
المؤلف" وإنما تكون الكلمة كذلك إذا كانت مألوفة الاستعمال بين النابهين من الكتاب والشعراء, لأنها لم تتداولها ألسنتهم, ولم تجر بها أقلامهم إلا لمكانها من الحسن بإستكمالها جميع ما تقدم من نعوت الجودة وصفات الجمال"
الشرط الثاني: خالية من الغرابة عند العرب الفصحاء.
ولا تعد غربة العوام للكلمة ميزاناً دقيقاً, وإنما تكون مألوفة الاستعمال عند المتخصصين والنبهاء والكتاب العرب الذين حذقوا العربية, واستعمال بعض الكلمات المهجورة التي لا توجد إلا في القواميس يعد قدحاً وغرابة ونوعاً من الغموض.
مثال1:
كلمة تكأكأ وهي تعني تجمعتم في قوله "مالكم تكأكأتم عليَّ كتكأكئكم على ذي جنة افرنقعوا عني" وكلمة افرنقعوا تعني بتعدوا.
مبحث: هل غريب القرآن والسنة يعد غريباً؟
لا غرابة في ألفاظ القرآن و السنة لأن القرآن يتلى ليلاً ونهاراً وغرائبه تذهب من خلال التلاوة والاستماع وتتكشف من خلال كتب التفسير فتصبح ألفاظه متداولة بين العلماء وطلاب العلم وكذلك بالنسبة للسنة وما كان غريباً فهو غريبٌ على العوام الذين لا يعتد بقياسهم في الغرابة.
المؤلف"والذوق السليم هو العمدة في معرفة حسن الكلمات وسلاستها" إلى قول المؤلف "وأمثال ذلك كثير في مفردات اللغة تستطيع أن تدركه بذوقك"الشرط الثالث: خالية من تنافر الحروف.
الذوق مبني على صحة سلامة العربية والذوق يرفع الغربة والكلمة لكي تكون مستساغة يجب أن تكون خالية من تنافر الحروف.
مثال1:
قد يكون تنافر الحروف بسبب بعد مخرج حروف الكلمة
كأن يكون حرف مخرجه شفويا والآخر من الحلق مثل كلمة "بعاق" تطلق على المطر فالباء مخرجه من الشفة والعين من الحلق.
مثال2:
قد يكون تنافر الحروف بسبب تقارب مخرج حروف الكلمة
مثل كلمة "الهعخع" وهو نبت تتضرر منه الإبل, فالهاء والعين والخاء كلها حلقية فأورث الكلمة ثقلاً وعسراً.
كذلك أخذوا على امرئ القيس في قوله:
غدائرها مستشزرات إلى العلا # تضل العقاص في مثنى ومرسل
امرؤ القيس يصف شعر صاحبته أنه غزير وخصاله بعضه منخفض وبعضه مرتفع, فكلمة مستشزرات ثقيلة وتعني مرتفعات.
لكن بعض المعاصرين ومنهم الدكتور بكري شيخ أمين في كتابه "البلاغة العربية في ثوبها الجديد" قال أنه وُفِّق في اختياره لهذه الكلمة وعدها تفنناً ونجاحاً لأن عند نطق الكلمة يرتفع اللسان وينخفض فيصور شعر المرأة في ارتفاعه وانخفاضه.
وعلى ذلك فالذوق السليم هو العمدة بدليل أنه في الذكر الحكيم بعض الكلمات تقاربت حروفها ومع ذلك هي فصيحة وبينة ودالة ومن أمثلة ذلك :-
1-مثل قوله تعالى: (أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَبَنِيَ آدَمَ أَن لاّ تَعْبُدُواْ الشّيطَانَ إِنّهُ لَكُمْ عَدُوّ مّبِينٌ) [سورة: يس - الأية: 60].
فكلمة أعهد حروفه الهمزة والعين والهاء كلها حلقية.
2-كذلك قوله تعالى: (يَأَيّهَا الّذِينَ آمَنُواْ مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انفِرُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ اثّاقَلْتُمْ إِلَى الأرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدّنْيَا مِنَ الآخرة فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدّنْيَا فِي الآخرة إِلاّ قَلِيلٌ) [سورة: التوبة - الأية: 38]
فكلمة "اثّاقَلْتُمْ" تصور تثاقل القوم و تباطؤهم.
3- قوله تعالى: (قَالَ يَقَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَىَ بَيّنَةٍ مّن رّبّيَ وَآتَانِي رَحْمَةً مّنْ عِندِهِ فَعُمّيَتْ عَلَيْكُمْ أَنُلْزِمُكُمُوهَا وَأَنتُمْ لَهَا كَارِهُونَ) [سورة: هود - الأية: 28]
كلمة " أَنُلْزِمُكُمُوهَا " فيها ثقل لكنه يعبر عما هم فيه من ثقل وشدة.
المرد في هذا هو الذوق ومقام الحال الذي استخدمت فيه الكلمة فإذا استدعى المقام هذه الكلمة بحيث لا يسد غيرها مكانها كان صاحبها موفقاً وهذا مقتضى البلاغة.

ريتشارد
05-09-2007, 07:38 AM
المؤلف"ويشترط في فصاحة التركيب" إلى قوله "فالبيت غير فصيح"
انتقل المؤلف من فصاحة الكلمة إلى فصاحة التركيب.
شـروط فصـاحـة التـركيـب :-
الشرط الأول: نفس الشروط المشروطة في فصاحة الكلمة, لأن التركيب مكون من كلمات فإذا كانت الكلمة معيبة انتقل العيب إلى التركيب والكلام.
الشرط الثاني: خالٍ من ضعف التأليف.
وهو خروج الكلام على قواعد اللغة المطردة المجمع عليها كأن ينصب الفاعل ويرفع المجرور ويعد ذلك فساداً وخطأً ولحناً.
ومن ذلك أيضاً: رجوع الضمير على متأخر لفظاً ورتبة.
مثال1: قول حسان:
ولو أن مجداً أخلدَ الدهرَ واحداً # من الناسِ أبقى مجدُهُ الدهرَ مُطْعِما
الضمير في "مجده" راجع إلى ( مطعماً ) وهو متأخر في اللفظ ومتأخر في الرتبة لأن رتبة المفعول به أن يأتي متأخراً عن الفعل ثم عن الفاعل, فالضمير هنا لما كان معرفة لابد أن يعود على معرفة معروف في أول الكلام وليس في آخره كقوله تعالى: (وَإِذِ ابْتَلَىَ إِبْرَاهِيمَ رَبّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمّهُنّ) [سورة: البقرة - الأية: 124]
فالضمير في ربه عائد على إبراهيم فهو متقدم ومعروف.
وصحة بيت حسان أن يقول:
ولو أن مجداً أخلدَ الدهرَ واحداً # من الناسِ أبقى مُطْعِماً مجدُهُ الدهرَ
مثال2: "ضربَ غلامهُ زيداً"
يعد ضعف في التأليف لأن الضمير في "غلامه" عائد على متأخر في اللفظ وفي الرتبة لأنه مفعول به وصحة الكلام " ضربَ زيداً غلامهُ " فالذي ضرب زيداً هو غلامه.
المؤلف"ويشترط أن يسلم التركيب من تنافر الكلمات" إلى قوله "كانت غير مستكرهة ولا ثقيلة"
الشرط الثالث: أن يسلم التركيب من تـنـافر الكلمات.
مثال 1: قول الشاعر:
وقبر حرب بمكان قفر # وليس قرب قبر حرب قبر
كل كلمة في البيت فصيحة ولكن إذا نظمتها ونطقت بها مع أختها تجد صعوبة في النطق ولابد أن تتعثر في نطقها وذلك لقرب مخارج حروف الكلمات أو وقوع بعضها حول بعض وتتردد فتصبح ثقيلة في النطق.
مثال 2: قول أبي تمام:
كريم متى أمدحه أمدحه والورى معي # وإذا ما لمته لمته وحدي
فتردد كلمة أمدحه يؤدي إلى ثقل.
المؤلف"(3) ويجب أن يسلم التركيب من التعقيد اللفظي...."
الشرط الرابع : يسلم التركيب من التعقيد اللفظي .
والتعقيد اللفظي هو ما يتعلق بالألفاظ من تقديم وتأخير أو إعادة الضمائر كما مثلنا في الشرط الثالث.
مثال 1: قول الشاعر :
فأصبحتْ بعد خط بهجتها # كأن قفراً رسومها قلماً
البيت ترتيبه غير واضح فهو يصف دارا بالية بعد بهجتها والترتيب الصحيح للبيت:
فأصبحت بعد بهجتها قفراً # كأن قلماً خط رسومها
يتضح من ذلك المثال أن التعثر في الترتيب وعدم ضبط دقائق النحو يؤدي إلى الفساد اللغوي وعدم الوضوح وفقدان الفصاحة.
المؤلف"(4) و يجب أن يسلم التركيب من التعقيد المعنوي ...."
الشرط الرابع: يسلم التركيب من التعقيد المعنوي.
والتعقيد المعنوي معناه خفاء دلالة العبارة أو اللفظة أو التركيب بشكل عام عن المراد بدقة.
مثال 1: قال تعالى: (وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن رّسُولٍ إِلاّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيّنَ لَهُمْ فَيُضِلّ اللّهُ مَن يَشَآءُ وَيَهْدِي مَن يَشَآءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) [سورة: إبراهيم - الأية: 4]
واللسان المقصود به اللغة وهذا من حكمة الله تعالى حتى يفهم المبَلَغ ولا تكون له حجة.
وبالقياس من قال "بث الحاكم ألسنته في المدينة" كان مخطئاً لأن الدلالة خافية ولو قال"بث الحاكم عيونه في المدينة" صح لأن العين ترى وتبحث وتدقق.
مثال 2:- قول امرئ القيس :
وأركب في أروع خيفانة # كسا وجهها سعف منتشر
الكريم من الخيول أن يكون وجهها واضحاً بحيث تنظر مواطن أقدامها أما إذا كان عليه شعر فقد تتعثر ويقل نشاطها وتضعف فاستعماله هنا غير دقيق ونال من الفصاحة.
الخلاصة: لو استوفى المتكلم شروط فصاحة الكلمة والتركيب أصبح المتكلم فصيحاً وفصاحة المتكلم هي ملكة يُقْتَدر بها على التعبير عن المقصود بلفظ فصيح.
أسـئـلـة الـمتصفحين:-
1. هل يعد السجع و الإتيان بالكلمات الغريبة من التعقيد اللفظي وعدم الفصاحة؟
الإجابة: ليس بالضرورة أن يكون السجع فيه تعقيد لفظي وخفاء إنما بحسب المقتضى, فإن ظهر على الكلام تكلف على حساب المعنى كان ذلك قدحاً, ولذلك تكلم العلماء على بعض شعراء العصر العباسي الثالث الهجري كأبي نواس وبشار وأبي تمام ومسلم بن الوليد ويسمونهم بشعراء البديع الذين تكلفوا الصنعة فصاروا يقصدون السجع والجناس لذاته حتى صار عملهم تكلفاً ونال ذلك من بيانهم, لأن الأصل في البيان أن يكون مشرقاً سلساً طلقاً ولا يكون المقصود هو اللفظ لذاته وإنما يقصد المعنى واللفظ ويكون مدلول اللفظ على معناه واضحاً جلياً من غير تكلف فإن سجع فطيب من غير تكلف, والشعر لما كان في صورة أوزان وقواف صار محفوظاً بعكس النثر فلما لم يكن مسجوعاً ولا منظوما اندثر وضاع كثير منه.
2. هل يصح نقد شعر امرئ القيس وزهير وحسان وغيرهم من أهل الفصاحة واللغة ومن يصح له النقد؟
الإجابة: المنزه عن ذلك هو كلام الله تعالى أما البشر فيصيبون ويخطئون, وهؤلاء وإن تكلموا يقع منهم أخطاء إذا خالفوا المشهور المضبوط عن العرب ومخالفة المشهور المضبوط عن العرب يعد خروجاً عن النسق.
3. هل يعاب على المتكلم إن نزل إلى مستوى سامعيه ويتخلى عن بعض فصاحته؟
الإجابة: هذا السؤال يجرنا إلى الكلام عن البلاغة وهي كما عرفها الخطيب مطابقة الكلام لمقتضى الحال مع فصاحته, أما استعمال العامية والكلمات المحلية أو اللهجات الأعجمية ضمن كلام عربي فصيح لاشك يعد قدحاً في قواعد الفصاحة, ولكن بحسب المقامات فالأم مع طفلها ينبغي أن تنزل إلى مستوى إدراكه مستخدمة ألفاظ عربية صحيحة, كذلك الخطيب عندما يخاطب العوام يلاحظ مداركهم وعقولهم فينزل بلهجته وألفاظه العربية (ولا نقول العامية) إلى مستوى مداركهم فيرفع مستوى مداركهم ليفهموه وينزل هو في مستوى عربيته وألفاظه لتكون مناسبة لمداركهم, لذا قال الإمام علي رضي الله عنه"خاطبوا الناس على قدر عقولهم أتريدون أن يكذب الله و رسوله" وقول علي هذا يعد تعريفا للبلاغة, فمن خاطب من أمامه على حسب منزلته وسخر لغته الفصيحة في مستوى ذلك المخاطب كان بليغاً, ومن لم يكن قادرا على ذلك وإن استخدم ألفاظاً فصيحة إلا أن مستوى المعاني وعربيته أعلى من الذي أمامه كان فصيحاً ولم يكن بليغاً لأن المهم هو فهم من أمامك, وكل ذلك مع المحافظة على فصاحة الألفاظ وعربيتها بدون كلمات أعجمية أو عامية لأن في ذلك خدشا لألفاظ القرآن ولكلام العرب وفيه تدليسا لمن تخاطب خاصة إذا كان صغيراً.
4. هل يقوم بالدعوة إلى الله من لا يتقن العربية؟
الإجابة: إتقان العربية لا يتيسر لكل أحد والنبي صلى الله عليه وسلم يقول"بلغوا عني ولو آية", فمن عرف حكماً شرعياً وحذقه فعليه أن يبلغه مثل من رأى من يشرب الخمر أو رأى من لا يصلي فعليه الإنكار.
أسـئـلـة الـدرس:-
1- ما الفرق بين فصاحة الكلمة وفصاحة الكلام؟
2- هل يمكن أن يكون الكلام فصيحاً وبعض كلماته أعجمية أو عامية؟
انتهى الدرس الثالث

ريتشارد
05-09-2007, 07:38 AM
إجابة أسئلة الدرس الماضي:

1- ما الفرق بين فصاحة الكلمة وفصاحة الكلام؟

الإجابة: شـروط الكلمـة الفصيحــة:-

الشرط الأول: جارية على الميزان والقياس الصرفي.

الشرط الثاني: خالية من الغرابة عند العرب الفصحاء.

الشرط الثالث: خالية من تنافر الحروف.

شـروط فصـاحـة التـركيـب:-
الشرط الأول: نفس الشروط المشروطة في فصاحة الكلمة, لأن التركيب مكون من كلمات فإذا كانت الكلمة معيبة انتقل العيب إلى التركيب والكلام فلا بد أن تسلم كل كلمة في التركيب من العيوب القادحة فيها.
الشرط الثاني: خال من ضعف التأليف.
الشرط الثالث: أن يسلم التركيب من تـنـافر الكلمات.
الشرط الرابع: يسلم التركيب من التعقيد اللفظي.
الشرط الخامس: يسلم التركيب من التعقيد المعنوي.

2- هل يمكن أن يكون الكلام فصيحاً وبعض كلماته أعجمية أو عامية؟
الإجابة: لا يمكن أن يكون الكلام فصيحاً وبعض كلماته أعجمية أو عامية بل يعد ذلك قدحاً في فصاحة الكلام.


الـدرس الجـديـد

تعريف البلاغة:
البلاغة لغة مأخوذة من بـلـغ أي وصل وتعني الوصول والانتهاء إلى الشيء.
يقال بلغ فلان إلى المكان الفلاني أي وصل إليه وانتهى إليه.
قال تعالى: (حَتّىَ إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السّدّيْنِ وَجَدَ مِن دُونِهِمَا قَوْماً لاّ يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلاً) [سورة: الكهف - الأية: 93]
قال تعالى: (إِنّ اللّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللّهُ لِكُلّ شَيْءٍ قَدْراً) [سورة: الطلاق - الأية: 3] أي منتهية.

مناسبة المعنى اللغوي بالاصطلاحي:
أن المتكلم يبلغ ما في نفسه من معاني إلى الآخرين وينهيها إليهم في أقصر عبارة وأجود أسلوب, فإذا بلغ مراده بغير غموض ولا لبس يعد بليغاً.

تعريف البلاغة للقزويني:
هي مطابقة الكلام لمقتضى الحال مع فصاحة ألفاظه.
نبه القزويني في تعريفه على شرط أساسي وهو فصاحة الألفاظ مفردة ومركبة من العيوب القادحة, فإذا كان كذلك ووظفها المتكلم في المقام أصبح كلامه الفصيح بليغاً.
أما إذا كان هناك قادح من قوادح الكلمة أو التركيب فيدل ذلك على أن هناك خارم من خوارم البلاغة.
توظيف المتكلم كلامه حسب المقام تعني أنه إذا اقتضى المقام إيجاز فإن البلاغة في الإيجاز وإذا اقتضى المقام إطناب فإن البلاغة في الإطناب وهكذا فالمقام هو الحكم والفيصل.
هناك دواعي داخل الكلام نفسه من حيث التوكيد والقسم والأمر والنهي والتعجب وغير ذلك, فإذا اقتضى الكلام أياً منها فالبلاغة في ذلك.



المؤلف "أما البلاغة فهي تأدية المعنى الجليل واضحاً بعبارة صحيحة فصيحة, لها في النفس أثر خلاب مع ملائمة كل كلام للموطن الذي يقال فيه والأشخاص الذين يخاطبون" ◄ ذكر المؤلف المعنى الاصطلاحي للبلاغة .

قول المؤلف "بعبارة صحيحة فصيحة" يشير إلى الشروط الواجب توافرها في الكلمة والكلام الفصيح .
قول المؤلف"لها في النفس أثر خلاب" يعود إلى انتقاء الألفاظ .
قول المؤلف" مع ملاءمة كل كلام للموطن الذي يقال فيه" يشير إلى مطابقة الكلام لمقتضى الحال وهو ما أشار إليه الخطيب القزويني في تعريفه وهي تعني المراعاة والملائمة للمقام الذي قيل فيه الكلام حتي يحقق مراده .

قول المؤلف"والأشخاص الذين يخاطبون" تعني ملاحظة نفسيات وثقافة المخاطبين وقدراتهم وعقولهم وهذا المعنى الذي أشار إليه الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه في قوله"خاطبوا الناس على قدر عقولهم أتريدون أن يكذب الله ورسوله", فإذا استطاع المتكلم أن يصل بكلامه إلى مدارك وعقول من يخاطبهم وفِق وكان بليغاً, أما إن علا بكلامه أو انخفض به عن المخاطبين لم يوفق وإن كان كلامه فصيحاً.
قال تعالى: (ادْعُ إِلِىَ سَبِيلِ رَبّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنّ رَبّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) [سورة: النحل - الآية: 125] فبدأ الله تعالى بالحكمة قبل الموعظة و الجدال لأن من الحكمة أن تنظر إلى عقول من أمامك وأسلوب الخطاب المناسب له, ويصح أن يقال أن الحكمة هي البلاغة والبلاغة هي الحكمة فالحكمة هي وضع الشيء في موضعه المناسب.

المؤلف "فليست البلاغة قبل كل شيء إلا فناً من الفنون" إلى قوله"وأن يكون له من الثقة بنفسه ما يدفعه إلى الحكم بحسن ما يراه حسنا وبقبح ما يعده قبيحاً"



كيف الوصول إلى البلاغة:-

القراءة في أساليب البلغاء و النظر في بيانهم لأنه يحتاج إلى مثال يحتذي به وإلى نماذج يقلدها ويقدم ذلك على التمرين, وأبلغ أسلوب هو القرآن الكريم ثم يليه سنة النبي صلى الله عليه وسلم ثم كلام الشعراء والأدباء فهذه الأساليب تنشط القارئ وتدرب لسانه وتكسب لغته ثراءً, وأشار المؤلف لذلك بقوله"ولابد للطالب إلى جانب ذلك قراءة طرائف الأدب والتملؤ من نميره الفياض".
ثم بالتمرين والتدريب على أساليب البيان والبلاغة فهو السبيل الذي لابد أن يسلكه السائل عن البلاغة وأشار المؤلف لذلك في قوله"وللمرانة يد لا تجحد في تكوين الذوق الفني".

المؤلف "وليس هناك فرق بين البليغ والرسام" إلى قوله"ثم أقواها أثراً في نفوس سامعيه وأروعها جمالاً".
في هذه الفقرة وازن المؤلف بين البليغ و الرسام فمثل البليغ برسام يرسم لوحة فيوازن بين ما يرسم وما في الطبيعة فيشكلها وينتقي الألوان اللائقة بها كذلك البليغ عندما يأتي لموضوع ما يفكر فيه ومقامه ودواعيه فيختار وينتقي الألفاظ المناسبة التي تلائم المقامات .

المؤلف "فعناصر البلاغة إذا لفظ ومعنى وتأليف للألفاظ يمنحها قوة و تأثيراً حسناً ثم دقة في اختيار الكلمات والأساليب على حسب مواطن الكلام ومواقعه وموضوعاته وحال السامعين والنزعة النفسية التي تتملكهم وتسيطر على نفوسهم" إلى قوله"ورب كلام كان في نفسه حسنا خلابا حني إذا جاء في غير مكانه, وسقط في غير مسقطه, خرج عن حد البلاغة, وكان غرضاً لسهام الناقدين".
أمثلة لكلمات فصيحة ومتسقة لكن أصحابها لم يوفقوا في تلبية المقام فغدت عليهم سقطات ومن أمثلة ذلك:-
قول المتنبي لكافور الإخشيدي في أول قصيده مدحه بها:

كَفى بِك داءاً أن ترى الموتَ شافيا *****وحَسْبُ المنايا أن يَكُنَّ أَمانيا
والبيت يعني أنه قد بلغ بك الأمر وشدته أن ما بك من ألم وحسرة لا يكاد يشفيها إلا الموت وصار الموت أمنية ومطلب.
لا شك أن المتنبي لم يوفق وإن كان البيت فصيحاً إلا أنه غير بليغ.
وقوله في مدحه أيضاً:
ومـا طَربي لمَّا رأيتُك بدعـةً ***** لقد كُنتُ أَرْجو أَن أراكَ فَأَطْرَبُ
والبيت يعني أنه لما رآه طرب كأن الأمير من المضحكات, وقال الواحدي:هذا البيت يشبه الاستهزاء, وقال ابن جني: لما قرأت على أبي الطيب البيت قلت له: ما زدت على أن جعلت الرجل قرداً, فضحك (المتنبي كان يغلي صدره حقداً على كافور وعلى الأيام التي ألجأته إلى مدحه).
ومن أمثلة ذلك: فقد حكوا أن أبا النجم دخل على هشام بن عبد الملك وأنشده:
صفراءُ وقد كادت ولمَّا تفْعل ***** كأنَّها في الأفْقِ عيْنُ الأَحول
وكان هشام أحول فأمر بحبسه.
والبيت في وصف الشمس عند غروبها فهي صفراء وتستقل وعين الأحول يراها غير مستقرة فظن الخليفة أنه يقصده فحبسه ولاشك انه لم يوفق في بيته.
قول جرير عندما دخل على عبد الملك بن مروان فقال:
أتصحو أم فؤادك غير صاح ***** عشية هم صحبك بالرواح
فقال الخليفة: "بل فؤادك أنت".
جرير في قصيدته انتهج أسلوب التجريد وهو أسلوب من أساليب العرب وهو أن يجرد المتكلم من نفسه ذاتاً أخرى يخاطبها ويخلع عليها النعوت والصفات ليكون أعذر له فهو يقصد نفسه وذاته في قوله"أتصحو".
ومثل ذلك الأسلوب قول الأعشى في قصيدته اللامية فهو يريد نفسه:
ودع هريرة إن الركب مرتحل ***** وهل تطيق وداعاً أيها الرجل
غراء فرعاء مصقولٌ عوارضها ***** تمشي الهوينى كما يمشي الوجي الوحل
كأن مشيتها من بيت جارتها ***** مر السحابة لا ريثٌ و لا عجل

المؤلف"ونعى علماء الأدب على البحتري أن يبدأ قصيدة ينشدها أمام ممدوحه بقوله:

"لك الويل من ليل تقاصر آخره"
فمخاطبة ممدوحه بالويل والثبور غير موفق.

المؤلف"وعابوا على المتنبي قوله في رثاء أم سيف الدولة:

صلاةُ اللهِ خالِقِنا حَنوطٌ ***** على الوجهِ المكفَّنِ بالجَمال

فالمقام مقام موت ورثاء ولا دخل للجمال في هذا البيت في وصف أم سيف الدولة بالجمال.

المؤلف"إذن لابد للبليغ أولاً من التفكير في المعني" إلى قوله"ولكنها أثر لازم لسلامة تأليف هذين وحسن إنسجامهما"

لا بد للبليغ ان يضع في اعتباره الآتي:-

1-البلاغة ليست في اللفظ وحده.

2- البلاغة ليست في المعنى وحده فالبلاغة أثر لازم لسلامة تأليف هذين الشرطين وحسن انسجامهما.

3- المواءمة والمطابقة للمقام.



الفرق بين الفصاحة و البلاغة:-

1- الفصاحة تُعنى بسلامة الألفاظ وبعدها عن الغرابة ومن مخالفة القياس النحوي والصرفي وكذلك بعد الألفاظ عن القلق والركاكة والغموض أما البلاغة فتُعنى بالمعاني والمقامات.

2- الفصاحة أعم من البلاغة لأنها معنية بثلاث عناصر(الكلمة والكلام والمتكلم), أما البلاغة فهي أخص لأنها معنية بعنصرين(الكلام والمتكلم), فالكلمة لا توصف بأنها بليغة لأن الكلمة لا تظهر دلالتها بشكل مؤثر إلا في كلام منتظم متسق.

3- يمكن أن يقال "كل كلام بليغ فهو فصيح وليس كل كلام فصيح بليغ"

لأن من شرط بلاغة الكلام أن تكون كلماته مفردة ومركبة فصيحة, والكلام الفصيح إن طابق المقام كان بليغا وإلا يبقى فصيحاً وغير بليغ, فبينهما عموم وخصوص كالإسلام والإيمان إذا اجتمعا افترقا وإذا افترقا اجتمعا.
فلو قيل "ألقى فلان كلمة فصيحة مؤثرة" معنى ذلك أنها بليغة لأن سياق الإشارة يدل على أثرها وقوة بلاغتها.
ولو قيل "ألقى فلان كلمة بليغة" معنى ذلك أنها فصيحة لأنها لم تصل إلى مستوى التأثير من خلال وصفها بالبلاغة إلا من خلال فصاحة ألفاظها وجودة أسلوبها.

ريتشارد
05-09-2007, 07:39 AM
المؤلف"وأنواع الأساليب ثلاثة: ..."

انتقل المؤلف إلى ذكر أنواع الأساليب التي ينتهجها الكتاب في كتاباتهم, وذلك لأنه إذا تم شرط الفصاحة والبلاغة يخرج عن المتكلم أسلوب لا يخلو أن يكون علمي أو أدبي أو خطابي وكل واحد منهم له صفاته.

المؤلف"(1) الأسلوب العلمي: وهو أهدأ الأساليب...."

أنواع الأساليب:

1- الأسلوب العلمي: وهو أسلوب دقيق معني باختيار الألفاظ بحيث تكون دالة ولا يختار كلمة إلا لمكانها بحيث تؤدي مرادها, والألفاظ الخيالية والعاطفية تكاد تكون معدومة فيه وأبرز مثال على ذلك الأسلوب الكتب المنهجية الدراسية.

المؤلف"(2)الأسلوب الأدبي: والجمال أبرز صفاته..."

2- الأسلوب الأدبي: وهو عكس الأسلوب العلمي وهو عامر بالأخيلة والصور والمؤثرات والعواطف وأبرز مثال على ذلك القصائد والكتب الأدبية والشعرية والقصص والروايات العامرة بالأساليب الخيالية المصطنعة.

- بعض العلماء يمزج بين الأسلوبين, ويمكن أن يقال عليه أسلوب علمي متأدب ومن أبرز أمثلته كتابات ابن القيم فأسلوبه مشرق علمي يكسوه الأدب وينزع إلى الأدبي, أما الجاحظ فأسلوبه يجنح إلى الأدبي, أما شيخ الإسلام ابن تيمية أسلوبه علمي متأدب وإن كان يجنح إلى الأسلوب العلمي الجاد ويلبس بعض عباراته وشاحاً أدبياً فهو عكس تلميذه ابن القيم.



المؤلف"(3)الأسلوب الخطابي: هنا تبرز قوة المعاني و الألفاظ...."

3- الأسلوب الخطابي: فالخطبة لها أثر وينبغي أن يكون الخطيب على مستوى من اللغة العربية من حيث صحة التعبير وسلامته وبعده عن اللحن, وخطب الجمعة بالذات ينبغي أن يكون الخطيب فيها حصيفاً حكيماً في إيراده لجمله وانتقائه لموضوعاته التي ينبغي أن تكون مناسبة لعصره وللمقام, وأن يكون غرضه بيان الأحكام الشرعية التي تناسب أحوال الناس, وألا يستغل منبره فلا يطيل على السامعين, فإذا قالوا "ليته قصَّر" معيار للفشل, وإذا قالوا"ليته أطال" معيار على النجاح, والنبي صلى الله عليه و سلم كانت خطبته قصداً, ولابد للخطيب أن ينوع في أسلوبه ويحسن الاستشهاد وأن لا يطيل على الناس كما قال النبي صلى الله عليه وسلم من حديث عمار "إن طول صلاة الرجل وقصر خطبته مئنة من فقهه فأطيلوا الصلاة وأقصروا الخطبة" رواه مسلم.


بعض الأخطاء الأسلوبية الشائعة:-

1- تكرار كلمة "كلما".
كقولهم "كلما ارتفعت الشمس كلما زاد الحر"
والصحيح "كلما ارتفعت الشمس زاد الحر" لأن كلمة "كلما"شرطية تفتقر إلى فعل وجواب.

2- اقتران أل التعريف بكثير أو غير.
كقولهم "جاء الكثير من القوم" أو "ذهبت إلى الغير" فذلك خطأ من حيث السماع عن العرب فلم يؤثر عنهم ذلك.

4- عطف مضاف على مضاف آخر لم يستوف الأول حقه من الإضافة.
كقولهم "قامت الشركة بإنتاج وتوزيع وبيع كذا" والصحيح "قامت الشركة بإنتاج الصحف وتوزيعها وبيعها"

5- إدخال الباء في أسلوب الاستبدال بغير المتروك.

كقولهم "استبدلت الصحيفة مراسلها بمراسل آخر" الباء هنا لم تدخل على المتروك والصحيح هو دخول الباء على المتروك كقوله تعالى(أَتَسْتَبْدِلُونَ الّذِي هُوَ أَدْنَىَ بِالّذِي هُوَ خَيْرٌ) [سورة: البقرة - الأية: 61]
وقوله تعالى: (أُولَـَئِكَ الّذِينَ اشْتَرَوُاْ الضّلاَلَةَ بِالْهُدَىَ وَالْعَذَابَ بِالْمَغْفِرَةِ فَمَآ أَصْبَرَهُمْ عَلَى النّارِ) [سورة: البقرة - الآية: 175] فالمتروك في الآية هو الهدى والمغفرة.

6- عدم التفريق بين الاسم والمسمى.
كقولهم "تغير مسمى جامعة الرياض إلى جامعة الملك سعود" والصحيح "تغير اسم جامعة الرياض" لأن المسمى هو الذات والاسم هو العنوان المطلق على الذات.

7- قولهم "تجارُب" بضم الراء والصحيح "تجارِب" بكسر الراء.

8- قولهم "فلان لَغوي" بفتح اللام والصحيح "لُغوي" بالضم أي مشتغل بعلم اللغة.

9- قولهم "فلان محمد العبد الرحمن" فيكون العبد موصوف بالرحمن, والصحيح "آل عبد الرحمن" فتفصل آل ولا تكتب ملتصقة وهي بمعنى يؤول ويرجع.

10- قولهم "استلم فلان البضاعة" والصحيح "تسلم فلان البضاعة" لأن كلمة الاستلام للحجر.

- من الكتب النافعة في هذا المقام "تثقيف اللسان وتلقيح الجنان" لابن مكي الثقلي.

- "معجم الأغلاط اللغوية المعاصرة" لمحمد العدناني.

- "الأخطاء الشائعة " لماجد الصائغ.

- "أخطاء اللغة العربية المعاصرة عند الكتاب والإذاعيين" للدكتور أحمد مختار عمر.

- "مدخل لتقويم اللسان" لابن هشام اللخمي المتوفى سنة 577هجرية.


أسئلة المتصفحين :-

1- ما الفرق بين الفصاحة والبلاغة؟

2- متى يكون الكلام الفصيح بليغاً؟

3- أيهما أعم الفصاحة أم البلاغة ولماذا؟

ريتشارد
05-09-2007, 07:40 AM
إجابة أسئلة الدرس الماضي:

۱- ما الفرق بين الفصاحة والبلاغة؟
الإجابة: الفصاحة تُعنى بسلامة الألفاظ وبعدها عن الغرابة ومن مخالفة القياس النحوي والصرفي وكذلك بعد الألفاظ عن القلق والركاكة والغموض أما البلاغة فتُعنى بالمعاني والمقامات.

۲- متى يكون الكلام الفصيح بليغاً؟
الإجابة: من شرط بلاغة الكلام أن تكون كلماته مفردة ومركبة فصيحة, والكلام الفصيح إن طابق المقام ووفاه والتأم معه كان بليغاً وإلا يبقى فصيحاً وغير بليغ.

۳- أيهما أعم الفصاحة أم البلاغة ولماذا؟
الإجابة : الفصاحة أعم من البلاغة لأنها معنية بعناصر ثلاثة (الكلمة والكلام والمتكلم), أما البلاغة فهي أخص لأنها معنية بعنصرين(الكلام والمتكلم) , فالكلمة لا توصف بأنها بليغة لأن الكلمة لا تظهر دلالتها بشكل مؤثر إلا في كلام منتظم متسق ويمكن أن يقال "كل كلام بليغ فهو فصيح وليس كل كلام فصيح بليغا".



الـدرس الـجـديـد

مقدمة عن علوم البلاغة :-
علوم البلاغة الثلاثة هي (المعاني والبيان والبديع) وهي مرتبة بهذا الترتيب من حيث تأسيس الجملة ومن حيث التأثير ومن حيث الحلية.

فعلم المعاني يتعلق بالتأسيس بحسب المقامات فهو أقرب ما يكون من النحو وإن شئت أن تقول إن علم المعاني بشكل خاص أو علم البلاغة بشكل عام هو نحو معلل.

- تعريف الخطيب البغدادي لعلم المعاني
هو علم يعرف به أحوال اللفظ العربي التي بها يطابق مقتضى الحال.
فهو علم يعرف به المتكلم كيف يقدم أو يؤخر ,كيف يؤكد أو لا يؤكد, متى يحذف ومتى يذكر ,....وغير ذلك.

أما علم البيان فهو علم التصوير بشكل عام فهو يتعلق بالصورة المؤثرة وكيفية إيرادها بطرق مختلفة.

تعريف علم البيان
هو علم يعرف كيفية إيراد المعنى الواحد بطرق مختلفة في وضوح الدلالة عليه.

مثال : المعنى الواحد كالجود مثلاً أو الكرم أو الشجاعة يمكن أن يورد بعدة طرق كالتشبيه أو الاستعارة أو المجاز المرسل أو الكناية .

تعريف علم البديع
هو علم يعرف به وجوه تحسين الكلام سواء من جهة لفظه أو من جهة معناه الموافق للمقام حتى يكون بديعاً.

أولا : علم البيان :-
المؤلفان قدما التشبيه بمعنى آخر قدما علم البيان على علم المعاني, وهذا لافت للنظر لأن أكثر البلاغيين قد قدموا علم المعاني بوصفه تأسيس للجملة العربية ثم ثنوا بعلم البيان ثم ثلثوا بعلم البديع.
وسبب ذلك (والكلام من اجتهاد الشيخ الشارح حفظه الله) هو أن المؤلفين إنما قدما التشبيه وهو أبرز فنون البيان وذلك قد يكون مراعى فيه النظر إلى الفصاحة أي الوضوح والبيان والإشراق, فعلم البيان مبني على الإبانة والإظهار وعلم المعاني مبني على تعريف البلاغة نفسها وهي مطابقة الكلام وأحوال اللفظ العربي من حيث مطابقته لمقتضى الحال، فقدما البيان على المعاني بالنظر إلى مباحث الفصاحة مع البلاغة.
ومن وجه آخر قد يكون المؤلفان نظرا إلى عمل الشيخ الجرجاني في تأليفه لكتاب "أسرار البلاغة" قبل تأليفه لكتاب "دلائل الإعجاز" , ومعلوم أن كتاب الأسرار معظم مباحثه في أصول علم البيان ثم ثنى بالدلائل الذي أدار عليه نظرية النظم في الإعجاز القرآني.

تعريف علم البيان:
هو علم يعرف به كيفية إيراد المعنى الواحد بطرق مختلفة في وضوح الدلالة على ذلك المعنى.

مثال۱ : أمام الأديب عدة طرق حتى يظهر معنى الكرم منها التشبيه كقول الشاعر:

هو البحر من أي النواحي أتيته ***** فلجته المعروف والجود ساحله

تراه إذا مـا جئتـه متهـللاً ***** كأنك تعطيه الذي أنت سائله

ولو لم يكن في كفه غير روحه ***** لجاد بهـا فليتق الله سـائله

فشبه ممدوحه بالبحر .

مثال۲ : قد يسلك سبيل الاستعارة كقول المتنبي:
تَعرَّضَ لي السَّحابُ وقدْ قَفَلْنا***** فَقُلْتُ إِلَيْـكَ إنَّ مَعِي السَّحابا

السحاب الأول هو المعروف في آفاق السماء، أما الثاني هو مجاز على سبيل الاستعارة التصريحية وهو العطاء المتدفق فشبه ممدوحه بالسحاب .

ومن الأمثلة أيضاً بطريق الإستعارة "جئت من بحر لا يرد السائلين" فقد شبهت الممدوح بالبحر على سبيل الاستعارة التصريحية وكلمة لا يرد السائلين قرينة تمنع من إيراد المعنى إلى معناه الأصلي.

مثال ۳: من الطرق المجاز المرسل كأن تقول:

"لفلان عليَّ أيادٍ في حياتي " فتريد النعم والأفضال.

وكقول المتنبي :
لـه أيـادٍ عليَّ سابغــاتُ ****** أعُـد منهـا ولا أعددهـا
كلمة "أياد" المقصود بها النعم فسلك سبيل المجاز المرسل فأطلق اليد وأراد أثرها.

مثال ٤: ومن الطرق الكناية كما قال الشاعر:

فما جازه جود ولا حل دونه ***** ولكن يسير الجود حيث يسير
فكنى عن كرم ممدوحه بهذه الصورة

وكذلك قول القائل "فلان لا تغلق أبوابه" كناية عن كرمه.
أو"فلان كثير رماد القدر" كناية عن الكرم وما تعلق به.



أبرز فنون علوم البيان:-
۱- التشبيه .
۲- المجاز (لغوي , عقلي)
واللغوي يدخل فيه المجاز المرسل والاستعارة.
۳-الكناية ويدخل فيه التعريض والرمز والإيحاء والإيماء.

قول المؤلف " علم البيان: التشبيه: القواعد:التشبيه هو بيان أن شيئا أو أشياء شاركت غيرها في صفة أو أكثر, بأداة هي الكاف أو نحوها ملفوظة أو ملحوظة"

- التشبيه لغة من قولهم شُبِه الشيء بالشيء أي مُثِّل به والشبيه هو المثيل والنظير.

- التشبيه اصطلاحا كما عرفه المؤلف وقوله "بيان أن شيئا" لعله أراد أن التشبيه هو أحد فروع البيان وأولها , والتشبيه مقصده الأساسي هو التوضيح والبيان.

- التعريف الدارج للتشبيه هو تعريف الخطيب وهو:
إلحاق أمر بأمر آخر في صفة أو أكثر بأداة ملفوظة أو ملحوظة.

- من تعريف الخطيب يتبين أركان التشبيه وهي:-

۱-المشبه, وأشار إليه في قوله "إلحاق أمر"

۲-المشبه به, وأشار إليه بقوله "بأمر آخر"

۳-وجه الشبه, وأشار إليه بقوله"في صفة أو أكثر".

٤-أداة التشبيه, وأشار إليها بقوله "بأداة ملفوظة أو ملحوظة".

- لابد أن يشار بعد التعريف أن ذلك كله لغرض بلاغي لأنك لو نظرت إلى القرآن والسنة أو أساليب الشعراء فتجد أن كل تشبيه خلفه غرض بلاغي.

- بالرجوع إلى تعريف المؤلف وقوله "بأداة هي الكاف" لأن الكاف هي أكثر الأدوات دورانا على الألسنة, ومن الأدوات أيضا كأن.

الفرق بين الكاف وكأن:
بعد الكاف يأتي المشبه به مباشرة .
مثال: زيد كالأسد.

بعد كأن يأتي المشبه ثم المشبه به.
مثال: كأن زيداً أسد.



قول المؤلف في التعريف"شارك غيرها صفة أو أكثر"

وذلك احتراز من أن تكون المشاركة في كل الصفات , فالمشاركة في كل الصفات لا تكون تشبيها إنما هو عين الشيء .

أشار إلى ذلك المعنى قدامة بن جعفر في "نقد الشعر" ,وكذلك ابن رشيق القيرواني في "العمدة" فقال"المشاركة إنما تكون في صفة أو أكثر من صفة أما المطابقة في جميع الصفات يكون المشارك عين الشيء"


المؤلف" أركان التشبيه أربعة هي: المشبه والمشبه به ويسميان طرفي التشبيه, وأداة التشبيه ووجه الشبه, ويجب أن يكون أقوى وأظهر في المشبه به منه في المشبه"

كما ذكرنا سابقا لكل تشبيه أربعة أركان:
طرفان رئيسيان: المشبه والمشبه به ويسميان ركنين أيضاً ولا يمكن حذفهما.
ركنان يمكن الاستغناء عنهما: أداة التشبيه ووجه الشبه.

مثال: زيد كالأسد في الشجاعة.
المشبه: زيد.
المشبه به: الأسد.
الأداة: الكاف.
وجه الشبه: الشجاعة.



وجه الشبه لابد أن يكون لائقاً مناسباً بين طرفي التشبيه لأنه هو الرابطة الحقيقية لإلحاق المشبه بالمشبه به.
إذا تم حذف المشبه به أو المشبه فلا يعد ذلك تشبيهاً.
إذا حُذِفت الأداة ووجه الشبه سمي تشبيهاً بليغاً.
مثال: "أحمد أسد"
إذا حُذِفت الأداة ووجه الشبه وأحد الركنين انتقل المقام من كونه تشبيها إلى كونه استعارة ولهذا عرفت الاستعارة بأنها "تشبيه حُذِف أحد طرفيه"
فإذا كان المحذوف المشبه كانت استعارة تصريحية.
وإذا كان المحذوف هو المشبه به كانت استعارة مكنية.

قول المؤلف " ويجب أن يكون أقوى وأظهر في المشبه به منه في المشبه"
لأن المشبه به هو الأصل وهو المعول عليه في التشبيه وجيء به ليوضح حال المشبه فيجب أن يكون معلوماً في الذهن ظاهراً بيناً أظهر في ذهن المخاطب.
أما إذا كان المشبه به مجهولاً لم يكن لذلك معنى في التشبيه إلا في المقام الذي يستدعى أمور مجهولة للتهويل أو التفخيم كما في قوله تعالى : (طَلْعُهَا كَأَنّهُ رُءُوسُ الشّيَاطِينِ) [سورة: الصافات - الأية: 65]
هذه الآية سئل عنها أبو عبيدة معمر بن المثنى شيخ البصرة فقيل له كيف يقع المشبه به(رُءُوسُ الشّيَاطِينِ ) مجهولاً؟
فأجاب أبو عبيدة قائلاً: يا هذا إن الله قد أنزل كتابه على بيان العرب وعلى سنن كلامها ألم تسمع لقول إمرئ القيس :

أيقتلني والمشرفي مضاجعي ***** ومسنونةٌ زرق كأنياب أغوال

والغول لم تعرفها العرب ولم ترها فوقع المشبه به مجهولاً لأن المقام مقام تهديد ووعيد ليذهب الذهن كل مذهب فكان أبلغ.
ثم ألف أبو عبيدة كتابه "مجاز القرآن" و يعني تأويل الآية وتفسيرها وليس المجاز الذي هو قسيم الحقيقة.

ريتشارد
05-09-2007, 07:40 AM
المؤلف" أقسام التشبيه:
القواعد :
1/ التشبيه المرسل ما ذكرت فيه الأداة.
2/ التشبيه المؤكد ما حذفت منه الأداة.
3/ التشبيه المجمل ما حذف منه وجه الشبه.
4/ التشبيه المفصل ما ذكر فيه وجه الشبه.
5/ التشبيه البليغ ما حذفت منه الأداة ووجه الشبه."

القسم الأول: التشبيه المرسل والإرسال من الإطلاق وهو ما ذكرت فيه الأداة.
مثال: زيد كالأسد في الشجاعة.
الأداة مذكورة وهي الكاف .

القسم الثاني: التشبيه المؤكد وهو منا حذف منه الأداة.
مثال: زيد أسد في الشجاعة.
وسمي مؤكد لأنه لما حذفت الأداة كان هناك التصاق بين الخبر والمبتدأ فأدى ذلك إلى تأكيد أسدية زيد.

القسم الثالث: التشبيه المجمل وهو ما حُذِف منه وجه الشبه.
والإجمال تعني الاختصار والإيجاز.
مثال: زيد أسد أو زيد كالأسد.

القسم الرابع: التشبيه المفصل وهو ما ذكر فيه وجه الشبه.
مثال: زيد كالأسد في الشجاعة.

القسم الخامس: التشبيه البليغ ما حذفت منه الأداة ووجه الشبه.
مثال: زيد أسد أو محمد بحر.

وهذا النوع هو أبلغ أنواع التشبيه من حيث إنه قائم على الإيجاز وفي الوقت ذاته داخل في الإخبار والتوكيد فحذفت منه الأداة فتأكد وحذف منه وجه الشبه فأصبح مجملاً محبوكاً, كأنك تخبر في المثال عن زيد كونه أسد بغير فاصل فهو أسد مطلق من غير تقييد بشجاعة أو أي شيء.


ترتيب أبلغية التشبيه :- تدريجياً بثلاثة مراتب:

۱-كون التشبيه مرسلاً مفصلاً (زيد كالبحر في العطاء).
٢-كون التشبيه مرسلاً مجملاً (زيد كالبحر).
أو مؤكداً مفصلاً (زيد بحر في العطاء).
٣- كون التشبيه مؤكداً مجملاً (زيد أسد ) وهو التشبيه البليغ.
مثل قوله تعالى: (وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرّ مَرّ السّحَابِ صُنْعَ اللّهِ الّذِيَ أَتْقَنَ كُلّ شَيْءٍ إِنّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ) [سورة: النمل - الأية: 88]
تشبيه مرور الجبال كمرور السحاب فحذفت الأداة وحذف وجه الشبه فهو تشبيه بليغ.

وكذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم من حديث أبي هريرة "المؤمن مرآة المؤمن، والمؤمن أخو المؤمن، يكف عليه ضيعته، ويحوطه من ورائه".
تشبيه المؤمن بالمرآة تشبيه بليغ حيث ذكر المشبه وهو المؤمن وذكر المشبه به وهو المرآة وحذف الأداة ووجه الشبه , والحديث يعكس حقيقى المؤمن فينبغي أن يكون مرآة لأخيه إن رأى فيه اعوجاجاً أو انحرافاً فعليه أن ينصحه.

المؤلف" تشبيه التمثيل:- القواعد: يسمى التشبيه تمثيلاً إذا كان وجه الشبه فيه صورة منتزعة من متعدد, وغير تمثيل إذا لم يكن وجه الشبه كذلك"
تشبيه التمثيل هو من أجود أنواع التشبيه وأروعها ,ووجه الشبه فيه بين المشبه والمشبه به صورة منتزعة من عدة أمور يضم بعضها إلى بعض فتعطي صورة رائعة كقوله تعالى في حق من يتعلم العلم ولا يعمل به فإن الله قد مثله بال**** وذلك أخذاً من تمثيل اليهود بال**** نفسه , قال تعالى: (مَثَلُ الّذِينَ حُمّلُواْ التّوْرَاةَ ثُمّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الّذِينَ كَذّبُواْ بِآيَاتِ اللّهِ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظّالِمِينَ) [سورة: الجمعة - الأية: 5]

- الله عز وجل مثل حالة اليهود وقد أوتوا من الأحكام ما أوتوا في التوراة ولكنهم لم يعملوا بها فمثلهم كمثل ال**** البليد الذي حُمِّل كتبا وأسفارا فيها أنواع متعددة من الأحكام الشرعية وغيرها وهو لا يعلم عنها شيئاً, فنصيبه التعب والعرق والكدح فقط وليس له استفادة مما يحمله.

- والصورة في الآية لليهود ولغيرهم فهي تحذير للعلماء وطلاب العلم وغيرهم ممن يعلم شيئا ولا يعمل به فحذاري أن يكون كذلك.

- والصورة في الآية منتزعة من بين أمور نافعة متعددة فهي صورة قوم نزل عليهم التنزيل وفيه مصالحهم الدنيوية والأخروية ومع ذلك لم ينتفعوا بما فيه ولم يستفيدوا منه والغرض من التشبيه التمثيل والتحذير من مثل هذه الحالة.

فوائد من أسئلة المشاهدين:-
لو سئل سائل عن فلان فأجبت وقلت أسد, فيدخل ذلك في التشبيه على التقدير لأن إعراب كلمة أسد خبر لمبتدأ محذوف تقديره هو, فالمقدر المحذوف كالمذكور فيكون تشبيها بليغاً وليس استعارة.

استعمال القرآن للألفاظ الأعجمية يعد تعريباً لها لأن القرآن أعلى طبقات اللغة وأعلى أساليب البيان, وقد أجرى عليها ظواهر الإعراب كالرفع والنصب والجر وغير ذلك.



أسئلة الدرس :

1- رتب درجات التشبيه من حيث الأبلغية مع التعليل لذلك؟

2- أورد شاهداً بليغاً على التشبيه البليغ مع بيان سر بلاغته؟



انتهى الدرس الخامس

وصلِّ اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله و صحبه أجمعين.

منقول مع تصحيح الأخطاء الإملائية

ريتشارد
05-09-2007, 07:41 AM
المؤلف" تشبيه التمثيل:- القواعد: يسمى التشبيه تمثيلاً إذا كان وجه الشبه فيه صورة منتزعة من متعدد, وغير تمثيل إذا لم يكن وجه الشبه كذلك"

كما ذكرنا في الدرس الماضي أن تشبيه التمثيل وجه الشبه فيه صورة منتزعة من عدة أمور(متعدد) يضم بعضها إلى بعض وغير التمثيل يكون وجه الشبه فيه مفرداً.

مثال1: بيت بشار المشهور:
كأن مثار النقع فوق رؤوسنا ** ** وأسيافنا ليلٌ تهاوى كواكبه

الشاعر في هذا البيت مع أنه أعمى إلا أنه شبه صورة بصورة فهو يصور المعركة التي خاضها قومه وهو معهم تخيلاً والغبار قد تطاير فوقهم وسيوفهم تهوي على رؤوس أعدائهم وهي تلمع يميناً ويساراً، فشبه ذلك بليل بهيم مظلم تهاوت كواكبه يميناً ويساراً, والجمع بين الصورتين هو أشياء دقيقة بيضاء في شيء أسود ضخم مظلم ومجموع الصورة هو تشبيه التمثيل فوجه الشبه صورة منتزعة من عناصر متعددة ضمت بعضها إلى بعض فأعطت الصورة الكاملة.

مثال 2: قوله تعالى: (إِنّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدّنْيَا كَمَآءٍ أَنزَلْنَاهُ مِنَ السّمَآءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الأرْضِ مِمّا يَأْكُلُ النّاسُ وَالأنْعَامُ حَتّىَ إِذَآ أَخَذَتِ الأرْضُ زُخْرُفَهَا وَازّيّنَتْ وَظَنّ أَهْلُهَآ أَنّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَآ أَتَاهَآ أَمْرُنَا لَيْلاً أَوْ نَهَاراً فَجَعَلْنَاهَا حَصِيداً كَأَن لّمْ تَغْنَ بِالأمْسِ كَذَلِكَ نُفَصّلُ الاَيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكّرُونَ) [سورة: يونس - الأية: 24]

في الآية تمثيل للحياة الدنيا وزينتها وبهرجها بغيث نزل على أرض فكثر نبات الأرض وتنوع ومع الأيام اخضر حتى استوى ثم هاج وأصبح مصفراً ثم أصبح هشيماً وانتهى, ففي الآية تشبيه تمثيل للحياة الدنيا وبهرجها ثم انتهائها كما يحصل للعشب بينما الناس مبتهجون به فإذا به يهيج ويصبح لا شيء كأنه لم يكن شيئاً مذكوراً.

مثال3: قوله تعالى : (وَالّذِينَ كَفَرُوَاْ أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظّمْآنُ مَآءً حَتّىَ إِذَا جَآءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً وَوَجَدَ اللّهَ عِندَهُ فَوَفّاهُ حِسَابَهُ وَاللّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ) [سورة: النور - الأية: 39]

في الآية تشبيه تمثيل فشبه أعمال الكفار من حيث ظنهم أنها تغنيهم وتنفعهم بظمآن نظر في الأفق فرأى سراباً يلتمع فكلما ذهب إليه لم يجده شيئاً , فكذلك أعمال الكفار لأنها لم تقم على التوحيد .

المؤلف" التشبيه الضمني : القاعدة: تشبيه لا يوضع فيه المشبه والمشبه به في صورة من صور التشبيه المعروفة بل يلمحان في التركيب , وهذا النوع يُؤتَى به ليفيد أن الحكم الذي أُسنِد إلى المشبه ممكن."

هذا النوع من التشبيه سمي ضمنياً لأن طرفي التشبيه (المشبه والمشبه به) لا يصرح بهما على الطريقة المعتادة وكذلك الأداة ووجه الشبه , وإنما يلمح التشبيه في الكلام لمحاً, والغرض البلاغي كما قال المؤلف يُؤتَى به ليفيد أن الحكم الذي أُسنِد إلى المشبه ممكن.

من بواعث استعمال التشبيه الضمني التفنن والتنوع في أساليب التعبير والنزوع إلى التجديد والابتكار في طريقة التشبيه وإقامة البرهان إلى أن الذي أسند إلى المشبه أمر ممكن ومقنع وقائم , كذلك رغبة الأديب في إخفاء معالم التشبيه لأنه كلما خفي ودق كان هذا ألطف وأبلغ في النفس.

مثال 1: بيت أبي تمام المشهور:
لا تنكري عطل الكريم من الغنى ** ** فالسيل حربٌ للمكان العالي

في البيت يريد أن يبين أن الكريم لا يستقر في يده المال فهو ينفقه في وجوه الإحسان ومثاله الجبل الأشم إذا هطل عليه المطر لا يستقر الماء عليه ولا يعلوه وإنما ينزل إلى أسفل , فجاء بالمشبه به ليكون برهانا للسامع ليعلم أن ما نُسِب إلى المشبه واقع وما استدل به حقيقة مرئية.

مثال2: قول أبي العتاهية:
ترجو النجاةَ ولم تسْلك مسالكها * * إنّ السفينةَ لا تجري على اليَبَس

في البيت يخاطب كل من يرجو النجاة ولم يسلك طرقها , فلا يمكن ان يتحقق له النجاة والدليل السفينة لا يمكن أن تجري على اليابسة ولكن إن نزلت إلى الماء جرت , فمن يـُرد النجاة ويـُرد أن يكون صالحا مصلحا وعاقلا فعليه أن يأخذ بأسباب الصلاح والنجاة والسعادة.

مثال 3 : قول المتنبي ولعله يخاطب سيف الدولة:
وَمِنَ الخَيرِ بُطءُ سَيبِـكَ عَنّـي ** ** أَسرَعُ السُحبِ في المَسيرِ الجَهامُ

معنى البيت: إذا تأخر عطاؤك عني فإني متفائل فهو أشبه بالسحب الهائلة الثقيلة المصحوبة بالبرق والرعد فهي ثقيلة في جريانها لكنها غزيرة بمائها بإذن الله, كذلك عطاؤك إن تأخر فهو كثير أما الجهام وهي السحب الخفيف فهي سريعة في سيرها وليس فيها ماء , فقدم دليلا على تفاؤله بتأخر عطاء سيف الدولة فشبهه بالسحب الثقال المتأخرة في سيرها ولكنها كثيرة في عطائها .

مثال 3: قول أبي تمام:
اصبر على حسد الحسو ( م ) # د فإن صبرك قاتله
فالنار تأكل بعضها # إن لم تجد ما تأكله

معنى البيتين :إذا رأيت حاسداً فاصبر وتجلد والدليل أن النار تأكل بعضها إن لم تجد ما تأكله فتصبح رمادا , وكذلك الحسود فاصبر واستعن بالله عليه بقراءة الأوراد ولا تقم لحسده اعتباراً.

المؤلف" التشبيه المقلوب : القاعدة: التشبيه المقلوب هو جعل المشبه مشبها به بإدعاء أن وجه الشبه فيه أقوى وأظهر"

التشبيه المقلوب كاسمه بأن يجعل الأديب المشبه مشبها به والمشبه به مشبها بادعاء أن وجه الشبه في المشبه الذي صار مشبها به أظهر وأقوى وأمكن والقاعدة أن وجه الشبه في المشبه به أقوى وأمكن.

مثال 1: الأسد كزيد في الشجاعة
ادعاء أن الشجاعة وظهورها في زيد أقوى وأتم من الأسد , ومبنى الادعاء هو المبالغة في إظهار شجاعة زيد .

مثال 2 : قال تعالى: (ذَلِكَ بِأَنّهُمْ قَالُوَاْ إِنّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرّبَا وَأَحَلّ اللّهُ الْبَيْعَ وَحَرّمَ الرّبَا [سورة: البقرة - الأية: 275]
فهم بنوا كلامهم على التشبيه المقلوب لأنهم رأوا أن مسألة حل الربا لا نقاش فيها , وإنما الشك في البيع فشبهوا البيع بالربا , فرد الله عز وجل عليهم بالإسناد الصريح (إسناد فعل الحل للبيع , وإسناد فعل الحرمة للربا).

مثال 3 : قول البحتري في وصف بركة المتوكل:
كأنّها حين لجّت في تدفّقها ** ** يدُ الخليفة لماّ سال واديها

البحتري قلب التشبيه فشبه البركة حينما يتدفق ماؤها بيد الخليفة في عطائه وإكرامه على سبيل التشبيه المقلوب ادعاء أن وجه الشبه في عطاء الخليفة أقوى وأمكن من مياه البركة.

مثال 3: قول محمد بن وهب الحميري :
وبدا الصباح كأنّ غرته ** ** وجه الخليفة حين يُمتدحُ

شبه الصباح في إسفاره وضوئه بوجه الخليفة في تهلله واستبشاره حين مدحه والعكس هو الصحيح ولكنه قلب التشبيه ادعاءا بأن التهلل والإسفار في وجه الخليفة أظهر وأمكن على سبيل الإدعاء والمبالغة.

المؤلف" أغراض التشبيه كثيرة منها ما يأتي:

1- بيان إمكان المشبه : وذلك حين يسند إليه أمر مستغرب لا تزول غرابته إلا بذكر سببه. "

غالبا ما يكون ذلك في التشبيه الضمني كقول الشاعر:
فإن تفُق الأنام وأنت منهم ** ** فإن المسك بعض دم الغزال

ليس مستغرباً أن تكون متميزاً بين الخلق فهذا ممكن والدليل بأن المسك بعض دم الغزال فالغزال في أسفل بطنه صرة يجتمع فيها دم وحينما يعطى الغزال بعض أنواع المأكولات يصبح الدم مميزا له رائحة رائعة يستخرج منه المسك, فأنت مميز بين الناس والدليل المسك الذي هو بعض دم الغزال مميز بين سائر الدماء.

ريتشارد
05-09-2007, 07:41 AM
فوائد من أسئلة المشاهدين:-

1- اللطائف البلاغية في قوله تعالى : (وَقِيلَ يَأَرْضُ ابْلَعِي مَآءَكِ وَيَسَمَآءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَآءُ وَقُضِيَ الأمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيّ وَقِيلَ بُعْداً لّلْقَوْمِ الظّالِمِينَ) [سورة: هود - الأية: 44]

معلوم أن الفعل هو ما دل على حدث , وفي الآية وقع سبعة أفعال وبالنظر إلى مدلول النداء فإنها تنوب مناب فعل تقديره أدعو أو أنادي , فيصبح المجموع تسعة أفعال في الآية وهي (َقِيلَ ,ُ ابْلَعِي , أَقْلِعِي , َغِيضَ , َقُضِيَ , َاسْتَوَتْ , َقِيلَ , يَا أَرْضُ , يَا سَمَآءُ ) وقد صورت هذه الأفعال التسعة الحدث الهائل العظيم الذي ذكره الله عز وجل في الآية.

أربعة أفعال من تلك الأفعال لم يسم فاعلها ولا نقول مبني للمجهول لأن الفاعل معلوم وهو الله عز وجل , وذلك لتركيز الذهن على الحدث نفسه فإذا ظهرت عظمة الحدث بانت عظمة فاعله بأسلوب الاستنتاج والنظر فقوله (َقِيلَ) لاشك أن القائل هو الله عز وجل وكذلك بقية الأفعال(َغِيضَ , َقُضِيَ ).

التقابل اللطيف بين الأرض وخصوصياتها والسماء وخصوصياتها في قوله تعالى (وَقِيلَ يَأَرْضُ ابْلَعِي مَآءَكِ وَيَسَمَآءُ أَقْلِعِي) فالمعاني بأضدادها تتمايز.

الجناس اللاحق في قوله عز وجل (ابْلَعِي) و(أَقْلِعِي) , والجناس هو تشابه الكلمتين في اللفظ واختلافهما في المعنى , وهو جناس ناقص لأن هناك اختلافاً في الحرف ففي كلمة (ابلعي) حرف الباء مخرجه شفوي, وفي كلمة (أقلعي) حرف القاف مخرجه حلقي وذلك يضفي على التنزيل بديعاً وجرساً وحسناً في اللفظ.

التجوز في النداء والتوسع فيه , والأصل في النداء يكون لعاقل يسمع النداء ,والنداء في الآية وقع على الأرض والسماء وهما جمادان ,وذلك توسع في استعمال دلالة حرف النداء, ويمكن أن يقال إن النداء موجه على سبيل الحقيقة لأن الله عز وجل هو الذي أمرها وهو الذي يملكها وهو الذي خلقها وقادر على أن ينطقها قال تعالى: (تُسَبّحُ لَهُ السّمَاوَاتُ السّبْعُ وَالأرْضُ وَمَن فِيهِنّ وَإِن مّن شَيْءٍ إِلاّ يُسَبّحُ بِحَمْدَهِ وَلَـَكِن لاّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً) [سورة: الإسراء - الأية: 44]
فيكون أمره لها حقيقة ولا صارف للفظ عن الحقيقة , وفي الآية شبهت الأرض بإنسان أو كائن بإمكانه بلع الماء ثم حُذِف المشبه به وأتي بلازم من لوازمه وهو البلع .

إضافة الماء إلى الأرض في قوله تعالى (يَأَرْضُ ابْلَعِي مَآءَكِ ) فكأن الأرض تملك الماء ولكن الحقيقة أن الماء يجري على الأرض أو يكون في جوفها , فالإضافة هنا على سبيل الملابسة وعلى سبيل أن الأرض محله ومكانه على سبيل المجاز المرسل.

التعريف في الأمر في قوله تعالى (وَقُضِيَ الأمْرُ ) , ويعني الاستغراق في جميع أنواع الأمر وتعظيم لشأنه فيشمل أمر تعذيب القوم ويشمل أمر بلع الأرض لمائها ويشمل أمر توقف السماء عن المطر ويشمل غيض الماء.

عدم ذكر المسند إليه في قوله تعالى (وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيّ) فلم يذكر ما الذي استوى وهو ظاهر , فالمقصود هو استواء السفينة , فحذف السفينة هنا لتفخيم شأنها فكأنما لا يوجد إلا هي , وكذلك الإيجاز وهو من أنواع البلاغة.

في قوله تعالى (بُعْداً لّلْقَوْمِ الظّالِمِينَ) دلاله على التبكيت والسخرية من الكافرين فمع تكبرهم لم يكونوا شيئاً مذكوراً أمام قدرة الله عز وجل وأمام هذا العذاب الهائل والحدث العظيم بل صاروا غثاء , وفي الآية تعريض لمن شابههم من الطغاة .

الإظهار في موضع الإضمار في قوله تعالى(وَقِيلَ بُعْداً لّلْقَوْمِ الظّالِمِينَ) على مقتضى الظاهر أن يقال (وقيل بعداً لهم) فهم معروفون من السياق السابق , فعدل عن الضمير إلى الاسم الظاهر لتسمية الظلم والنص عليه لإشعار أن الظلم هو سبب تعذيبهم , ففي الآية إنذار بعظم شأن الظلم وخطورته فهو سبب للعذاب , وفي الآية تحذير لكل ظالم.



2- لعل اللطائف البلاغية في تقديم ذكر الإناث على الذكور وتعريف الإناث في قوله تعالى : : (لِلّهِ مُلْكُ السّمَاوَاتِ وَالأرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَآءُ يَهَبُ لِمَن يَشَآءُ إِنَاثاً وَيَهَبُ لِمَن يَشَآءُ الذّكُورَ) [سورة: الشورى - الأية: 49] .

تقديم الإناث مع تنكيرهم لأنهم أكثر من حيث الخلق والعدد وقد ورد في الحديث أنه في آخر الزمان يكثر النساء فيكون مقابل كل رجل خمسين امرأة فالتقديم هنا للأكثرية والغرض من التنكير التكثير أيضا (إناثا كثيرات) , ومعلوم أن الذي يلد هو المرأة فهي محل الحمل والولادة فكثرة الإناث دليل على كثرة الجنس البشري إلى قيام الساعة.

ولعل من أغراض التقديم تطييب لقلوب النساء وقلوب آبائهن , ولا شك أن تقديم الشيء على غيره تكريم له , وفي ذلك تعريض لأهل الجاهلية الذين كانوا لا يتفاءلون بالأنثى , فلا ينبغي أن يكون من بين المسلمين من لا يتفاءل بالإناث لأن ذلك من صفات الجاهلية , وقد قال بعض السلف إن من يمن المرأة أن تبكر بأنثى لان الله تعالى بدأ بالإناث في الآية.

ولعل تقديم الإناث في الآية إشارة إلى الإحسان إليهن.

ولعل تعريف الذكور في الآية لأنهم الأعرف والأشهر في عرف الناس أو لأن أباهم آدم كان ذكراً فكان معروفاً , ولأنهم في أذهان المخاطبين أعرف وأكثر ذكرا.

وقيل لما قُدِّم وأُشعر بتكريمهن وشرفهن ,عُوِّض الذكور عندما أخرهم الله تعالى بالتعريف , والتعريف تنويه و تشهير ,فيكون كالتوازن في الحقوق بين الجنسين.

3- إذا اقتضى المقام ذكر كلمات أعجمية حين إلقاء كلمة كذكر أسماء أشخاص أو شركات فتذكر كما هي لأن هذا من باب العلم بهم والتعامل معهم , والبلاغة بحسب المقام فإذا اقتضى المقام ذلك فإن البلاغة في ذكرهم .



أسئلة الدرس :

1- لمَ سمي التشبيه الضمني بذلك ؟ مع ذكر شاهد عليه؟

2- مَثِّل لتشبيه مقلوب من فصيح القول مع التعليل لماذا جيء به مقلوباً والغرض البلاغي لذلك؟







انتهى الدرس السادس

وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله و صحبه أجمعين.

منقول مع تصحيح الأخطاء الإملائية

أم تركي
11-09-2007, 11:59 PM
مشكووووووور الله يعطيك العافيه

ريتشارد
23-11-2007, 02:37 AM
العفو اختي ام تركي

شاكرة ومقدرة مروركـِ الكريمـ

arjwan
02-11-2008, 11:03 AM
جعل الله جزاء كاتب و ناقل هذا الموضوع الجنة
arjwan

الوفاء المجروح
01-12-2009, 10:45 PM
جزيت جنة الفردوس على هذا العمل المميز