المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : مهمات في تارك العمل



أهــل الحـديث
06-04-2014, 01:40 AM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه

أما بعد :

فمن المسائل التي أرقتني سنين مسألة ( تارك أعمال الجوارح بالكلية ) أصابني بها كلف حتى صرت أقرأ كل ما يقع بين يدي فيها ، وكتبت في ذلك كتابة أبقيتها عندي سنين حتى ضاعت ، ورأيت اليوم أن أعيد كتابتها ونشرها نصحاً للمسلمين

ويعلم الله أنني ما كتبت هذا إفادة لإخواني لا تزلفاً لأحد ، ولا تسجيلاً لموقف وأعلم جيداً أنه بقدر ما كنت أنعت بالغلو سيأتي من يصفني بالإرجاء بعد قراءة هذا البحث

وأنا هنا أنتصر لما أراه حقاً لا أريد بذلك إرضاء أحد ولا إسخاط أحد ، فمن كان يرضيه ظهور الحق لأنه حق فأهلاً وسهلاً ، ومن كان يسخطه ظهور الحق لهوى في نفسه فبعداً بعداً ، وإلا فأنا في البحث الفقهي أميل بقوة إلى تكفير تارك الصلاة

والآن مع المهمات

المهمة الأولى : حقيقة الخلاف بين المكفرين وغير المكفرين

الواقع أن الخلاف بين مكفري تارك العمل بالكلية ، ومن لا يكفره من القائلين بأن الإيمان يزيد وينقص وأنه قول وعمل خلاف أضيق مما يتصور

فإن مسائل الإيمان تسمى مسائل ( أسماء وأحكام ) فأما الأسماء فهي كقولك ( مؤمن كامل الإيمان ) و ( مؤمن ناقص الإيمان ) و ( مسلم ) و ( كافر ) وغيرها

وأما الأحكام فهي كقولك ( في الجنة حالاً أو مآلاً ) وقولك ( في النار ) وقولك ( تحت المشيئة )

فلنأتي إلى هذه المسألة من جهة الأسماء ، فالأسماء إنما أخذت أهميتها من نزولها على أعيان ، ولا يمكننا الجزم بأن فلاناً بعينه تارك لأعمال الجوارح بالكلية ، وهذا محل اعتراف بين الفريقين وعلى هذا يتلاشى الخلاف في الأسماء

وأما الخلاف في الأحكام فالمكفرون يقولون بأن تارك العمل بالكلية لا يكون منافقاً

وينقلون في ذلك قول شيخ الإسلام ابن تيمية كما في مجموع الفتاوى (7/611) :" وَمِنْ الْمُمْتَنِعِ أَنْ يَكُونَ الرَّجُلُ مُؤْمِنًا إيمَانًا ثَابِتًا فِي قَلْبِهِ بِأَنَّ اللَّهَ فَرَضَ عَلَيْهِ الصَّلَاةَ وَالزَّكَاةَ وَالصِّيَامَ وَالْحَجَّ وَيَعِيشُ دَهْرَهُ لَا يَسْجُدُ لِلَّهِ سَجْدَةً وَلَا يَصُومُ مِنْ رَمَضَانَ وَلَا يُؤَدِّي لِلَّهِ زَكَاةً وَلَا يَحُجُّ إلَى بَيْتِهِ فَهَذَا مُمْتَنِعٌ وَلَا يَصْدُرُ هَذَا إلَّا مَعَ نِفَاقٍ فِي الْقَلْبِ وَزَنْدَقَةٍ لَا مَعَ إيمَانٍ صَحِيحٍ"

وغير المكفرين لا ينازعون أن من كان في قلبه نفاق وزندقة أن مآله إلى جهنم خالداً مخلداً فيها ، ولو كان مظهراً للإيمان والصلاة والزكاة والجهاد وغيرها ، فكيف بالتارك ؟

فهنا يتلاشى الخلاف في الحكم !

فإن قيل : بل الخلاف موجود نحن نعتبر ترك العمل بالكلية علامة على النفاق القلبي وكفر بذاته

فيقال : قد قلنا لك لا يمكنك الجزم بأن أحداً بعينه تارك للعمل بالكلية ، فما فائدة العلامة التي لا تظهر ؟

وبناءً على هذا يظهر أن كثيراً ممن أدمنوا ( إرجاء ) و ( مرجئة ) قد أعطوا هذه المسألة أكبر من حجمها بكثير

وهنا لا بد إيضاح مهم ، وهو أن قول شيخ الإسلام عن الخلاف مع مرجئة الفقهاء أكثره لفظي ، لا يريد به أن الخلاف معهم ليس حقيقياً ، كيف وهو ينقل الاتفاق على تبديعهم ، وإنما يظهر من سياق كلامه أن الخلاف معهم أكثره في ( الأسماء ) لا ( الأحكام )

قال شيخ الإسلام كما في مجموع الفتاوى (7/297) :" مِمَّا يَنْبَغِي أَنْ يُعْرَفَ أَنَّ أَكْثَرَ التَّنَازُعِ بَيْنَ أَهْلِ السُّنَّةِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ هُوَ نِزَاعٌ لَفْظِيٌّ وَإِلَّا فَالْقَائِلُونَ بِأَنَّ الْإِيمَانَ قَوْلٌ مِنْ الْفُقَهَاءِ - كَحَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ وَهُوَ أَوَّلُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ وَمَنْ اتَّبَعَهُ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ وَغَيْرِهِمْ - مُتَّفِقُونَ مَعَ جَمِيعِ عُلَمَاءِ السُّنَّةِ عَلَى أَنَّ أَصْحَابَ الذُّنُوبِ دَاخِلُونَ تَحْتَ الذَّمِّ وَالْوَعِيدِ وَإِنْ قَالُوا : إنَّ إيمَانَهُمْ كَامِلٌ كَإِيمَانِ جِبْرِيلَ فَهُمْ يَقُولُونَ : إنَّ الْإِيمَانَ بِدُونِ الْعَمَلِ الْمَفْرُوضِ وَمَعَ فِعْلِ الْمُحَرَّمَاتِ يَكُونُ صَاحِبُهُ مُسْتَحِقًّا لِلذَّمِّ وَالْعِقَابِ كَمَا تَقُولُهُ الْجَمَاعَةُ . وَيَقُولُونَ أَيْضًا بِأَنَّ مِنْ أَهْلِ الْكَبَائِرِ مَنْ يَدْخُلُ النَّارَ كَمَا تَقُولُهُ الْجَمَاعَةُ ، وَاَلَّذِينَ يَنْفُونَ عَنْ الْفَاسِقِ اسْمَ الْإِيمَانِ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّهُ لَا يُخَلَّدُ فِي النَّارِ "

وشرح كلامه أن مرجئة الفقهاء إذا قالوا في الزاني ( هو مؤمن كامل الإيمان ) وهذا مخالف لقول أهل السنة في الأسماء ، فإنهم يوافقون أهل السنة في حكمه وهو أنه ( تحت المشيئة )
بخلاف الخوارج فإنهم يخالفون في الاسم فيقولون ( كافر ) وفي الحكم فيقولون ( خالد في النار )

وبخلاف مرجئة الجهمية والأشعرية الذين أثبتوا إيمان من لم يتلفظ بالشهادتين وإن وافقوا على تسميته كافراً في الدنيا فإنهم يجعلونه مؤمنا في الآخرة لوجود التصديق في قلبه

فقوله لفظي يساوي في المعنى قولنا ( اسمي لا حكمي ) ، وشيخ الإسلام قال ( أكثره ) ولم يقل كله

وإلا فشيخ الإسلام ينص على تبديعهم قال شيخ الإسلام كما في مجموع الفتاوى (10/ 748) :" بِخِلَافِ الْمُرْجِئَةِ مِنْ الْفُقَهَاءِ الَّذِينَ يَقُولُونَ : هُوَ تَصْدِيقُ الْقَلْبِ وَاللِّسَانِ ؛ فَإِنَّ هَؤُلَاءِ لَمْ يُكَفِّرْهُمْ أَحَدٌ مِنْ الْأَئِمَّةِ وَإِنَّمَا بَدَّعُوهُمْ"

وهذا الاتفاق على تبديع مرجئة الفقهاء الذي نقله شيخ الإسلام سبقه إليه ابن عبد البر

قال ابن عبد البر في كتابه الانتقاء (1/ 149 ) :كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ اسْتَجَازُوا الطَّعْنَ عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ لِرَدِّهِ كَثِيرًا مِنْ أَخْبَارِ الآحَادِ الْعُدُولِ لأَنَّهُ كَانَ يَذْهَبُ فِي ذَلِكَ إِلَى عَرْضِهَا عَلَى مَا اجْتَمَعَ عَلَيْهِ مِنَ الأَحَادِيثِ وَمَعَانِي الْقُرْآنِ فَمَا شَذَّ عَنْ ذَلِكَ رَدَّهُ وَسَمَّاهُ شَاذًّا وَكَانَ مَعَ ذَلِكَ أَيْضًا يَقُولُ الطَّاعَاتُ مِنَ الصَّلاةِ وَغَيْرِهَا لَا تُسَمَّى إِيمَانًا وَكُلُّ مَنْ قَالَ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ الإِيمَانُ قَوْلٌ وَعَمَلٌ يُنْكِرُونَ قَوْلَهُ وَيُبَدِّعُونَهُ بِذَلِكَ وَكَانَ مَعَ ذَلِكَ مَحْسُودًا لِفَهْمِهِ وَفِطْنَتِهِ"

ونص شيخ الإسلام على أن قول مرجئة الفقهاء ( أهل الإيمان في أصله سواء ) من أفحش الخطأ

قال شيخ الإسلام كما في مجموع الفتاوى (7/566) :" وَ " السَّلَفُ " اشْتَدَّ نَكِيرُهُمْ عَلَى الْمُرْجِئَةِ لَمَّا أَخْرَجُوا الْعَمَلَ مِنْ الْإِيمَانِ وَقَالُوا إنَّ الْإِيمَانَ يَتَمَاثَلُ النَّاسُ فِيهِ وَلَا رَيْبَ أَنَّ قَوْلَهُمْ بِتَسَاوِي إيمَانِ النَّاسِ مِنْ أَفْحَشِ الْخَطَأِ بَلْ لَا يَتَسَاوَى النَّاسُ فِي التَّصْدِيقِ وَلَا فِي الْحُبِّ وَلَا فِي الْخَشْيَةِ وَلَا فِي الْعِلْمِ ؛ بَلْ يَتَفَاضَلُونَ مِنْ وُجُوهٍ كَثِيرَةٍ . وَ " أَيْضًا " فَإِخْرَاجُهُمْ الْعَمَلَ يُشْعِرُ أَنَّهُمْ أَخْرَجُوا أَعْمَالَ الْقُلُوبِ أَيْضًا وَهَذَا بَاطِلٌ قَطْعًا فَإِنَّ مَنْ صَدَّقَ الرَّسُولَ وَأَبْغَضَهُ وَعَادَاهُ بِقَلْبِهِ وَبَدَنِهِ فَهُوَ كَافِرٌ قَطْعًا بِالضَّرُورَةِ وَإِنْ أَدْخَلُوا أَعْمَالَ الْقُلُوبِ فِي الْإِيمَانِ أَخْطَئُوا أَيْضًا ؛ لِامْتِنَاعِ قِيَامِ الْإِيمَانِ بِالْقَلْبِ مِنْ غَيْرِ حَرَكَةِ بَدَنٍ . وَلَيْسَ الْمَقْصُودُ هُنَا ذِكْرُ كُلِّ مُعَيَّنٍ"

فلا يجوز بعد هذا اتهامه بأنه هون من شأن الخلاف مع مرجئة الفقهاء

المهمة الثانية : هل المسألة أصلية أم فرعية ؟

وهذه مكلمة للتي قبلها ، الحقيقة أن مسألة تارك أعمال الجوارح بالكلية هي فرع عن مسألة التلازم بين الظاهر والباطن

وعامة فروع مسألة التلازم بين الظاهر والباطن محل اتفاق بين الفريقين

فالمؤمن قوي الإيمان لا يتصور أن يكون بلا عمل ، وهذا محل اتفاق بين الفريقين خلافاً للمرجئة الذين يتصورون وجود مؤمن كامل الإيمان بدون عمل جوارح وغلاتهم يتصورونه بدون تكلم باللسان

والمؤمن المقتصد لا يتصوره الفريقان إلا بعمل يتناسب مع اقتصاده ، والمرجئة لا يتصورون إيماناً ناقصاً أصلاً

والمؤمن الضعيف له عمل يتناسب مع ضعف إيمانه

فبقيت صورة ضعيف الإيمان جداً ، وهي صورة تارك أعمال الجوارح بالكلية ، فبان أن المسألة فرعية وليست أصلية وعاد الأمر إلى أنها يمكن إنزالها على أعيان مع كونها فرعية فاستبان أن الخلاف ليس بذلك الحجم الذي يصوره بعض من ينسخ أحدهم بحث الآخر ثم يزيد قليلاً وينقص ويخرجه للسوق

والمرجئة الذين كان السلف يردون عليهم ما كان أحدهم منهم يقر بتفاضل الإيمان لا شبابة ولا غيره ، فما كان أحد يبحث معهم في ( تارك العمل بالكلية هل ناقص إيمان أو كافر) فهم لا يقرون بنقص الإيمان أصلاً

المهمة الثالثة : هل في المسألة إجماع حقاً ؟ ( وهذه أهم المهمات )

الذين لا يكفرون تارك أعمال الجوارح بالكلية يذهبون إلى أن لهم سلفاً فيما قالوا

قال الخلال في السنة 1089- وَأَخْبَرَنِي زَكَرِيَّا بْنُ الْفَرَجِ , عَنْ أَحْمَدَ بْنِ الْقَاسِمِ , قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ , يَقُولُ : حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ , عَنْ مَعْمَرٍ , عَنِ الزُّهْرِيِّ , عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ , عَنْ أَبِيهِ , عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فِي الرَّجُلِ الَّذِي مَنَعَهُ , قَالَ سَعْدٌ : ( وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي لأَرَاهُ مُؤْمِنًا , فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَوْ مُسْلِمًا ) , قَالَ : رَوَاهُ ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ وَمَعْمَرٌ جَمِيعًا. قَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ : وَقَالَ مَعْمَرٌ : قَالَ الزُّهْرِيُّ : فَنَرَى الإِسْلاَمَ الْكَلِمَةَ وَالإِيمَانَ الْعَمَلَ , فَاسْتَحْسَنَهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ.

قول الزهري ( الإسلام الكلمة والإيمان العمل ) العمل هنا عمل الجوارح يدل على أن المرء يثبت إسلامه بالكلمة ، ويثبت إيمانه بالعمل فتارك عمل عنده لا يسمى مؤمناً ولكنه مسلم ، وهذا ما فهمه محمد بن نصر المروزي في تعظيم قدر الصلاة

قال المروزي في تعظيم قدر الصلاة (2/ 172) :" وقالت طائفة أخرى أيضا من أصحاب الحديث بمثل مقالة هؤلاء ، إلا أنهم سموه مسلما لخروجه من ملل الكفر ، ولإقراره بالله وبما قال ، ولم يسموه مؤمنا وزعموا أنه مع تسميتهم إياه بالإسلام كافر لا كافر بالله ، ولكن كافر من طريق العمل ، وقالوا : كفر لا ينقله عن الملة ، وقالوا : محال أن يقول النبي صلى الله عليه وسلم : « لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن » والكفر ضد الإيمان فيزيل عنه اسم الإيمان إلا واسم الكفر لازم له لأن الكفر ضد الإيمان إلا أن الكفر كفران : كفر هو جحد بالله وبما قال فذلك ضده الإقرار بالله والتصديق به وبما قال ، وكفر هو عمل ضد الإيمان الذي هو عمل ، ألا ترى ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : « لا يؤمن من لا يأمن جاره بوائقه » قالوا : فإذا لم يؤمن فقد كفر ، ولا يجوز غير ذلك إلا أنه كفر من جهة العمل إذ لم يؤمن من جهة العمل ، لأنه لا يضيع المفترض عليه ، ويركب الكبائر إلا من خوفه ، وإنما يقل خوفه من قلة تعظيمه لله ، ووعيده فقد ترك من الإيمان التعظيم الذي صدر عنه الخوف والورع عن الخوف فأقسم النبي صلى الله عليه وسلم أنه : « لا يؤمن إذا لم يأمن جاره بوائقه » ثم قد روى جماعة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : « قتال المسلم كفر » وأنه قال : « إذا قال المسلم لأخيه يا كافر ولم يكن كذلك فقد باء بالكفر ، فقد سماه النبي صلى الله عليه وسلم بقتاله أخاه كافرا ، وبقوله له : يا كافر كافرا وهذه الكلمة دون الزنا والسرقة وشرب الخمر . قالوا : وأما قول من احتج علينا فزعم أنا إذا سميناه كافرا لزمنا أن نحكم عليه بحكم الكافرين بالله فنستتيبه ونبطل الحدود عنه لأنه إذا كفر فقد زالت عنه أحكام المؤمنين وحدودهم وفي ذلك إسقاط الحدود وأحكام المؤمنين عن كل من أتى كبيرة فإنا لم نذهب في ذلك إلى حيث ذهبوا ، ولكنا نقول : للإيمان أصل وفرع ، وضد الإيمان الكفر في كل معنى فأصل الإيمان الإقرار والتصديق وفرعه إكمال العمل بالقلب والبدن ، فضد الإقرار والتصديق الذي هو أصل الإيمان الكفر بالله وبما قال وترك التصديق به وله ، وضد الإيمان الذي هو عمل وليس هو إقرار كفر ليس بكفر بالله ينقل عن الملة ، ولكن كفر يضيع العمل كما كان العمل إيمانا ، وليس هو الإيمان الذي هو إقرار بالله فكما كان من ترك الإيمان الذي هو إقرار بالله كافرا يستتاب ومن ترك الإيمان الذي هو عمل مثل الزكاة والحج والصوم أو ترك الورع عن شرب الخمر والزنا فقد زال عنه بعض الإيمان ، ولا يجب أن يستتاب عندنا ولا عند من خالفنا من أهل السنة وأهل البدع ممن قال : إن الإيمان تصديق وعمل إلا الخوارج وحدها فكذلك لا يجب بقولنا كافر من جهة تضييع العمل أن يستتاب ، ولا يزول عنه الحدود وكما لم يكن بزوال الإيمان الذي هو عمل استتابته ، ولا إزالة الحدود عنه إذ لم يزل أصل الإيمان عنه ، فكذلك لا يجب علينا استتابته وإزالة الحدود والأحكام عنه بإثباتنا له اسم الكفر من قبل العمل إذ لم يأت بأصل الكفر الذي هو جحد بالله ، أو بما قال . قالوا : ولما كان العلم بالله إيمانا ، والجهل به كفرا ، وكان العمل بالفرائض إيمانا ، والجهل بها قبل نزولها ليس بكفر وبعد نزولها من لم يعملها ليس بكفر لأن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أقروا بالله في أول ما بعث الله رسوله صلى الله عليه وسلم إليهم ، ولم يعملوا الفرائض التي افترضت عليهم بعد ذلك فلم يكن جهلهم ذلك كفرا ، ثم أنزل الله عليهم هذه الفرائض فكان إقرارهم بها والقيام بها إيمانا ، وإنما يكفر من جحدها لتكذيبه خبر الله ، ولو لم يأت خبر من الله ما كان بجهلها كافرا ، وبعد مجئ الخبر من لم يسمع بالخبر من المسلمين ، لم يكن بجهلها كافرا ، والجهل بالله في كل حال كفر قبل الخبر وبعد الخبر قالوا : فمن ثم قلنا : إن ترك التصديق بالله كفر به ، وإن ترك الفرائض مع تصديق الله أنه أوجبها كفر ليس بكفر بالله إنما هو كفر من جهة ترك الحق كما يقول القائل : كفرتني حقي ونعمتي ، يريد ضيعت حقي ، وضيعت شكر نعمتي ، قالوا : ولنا في هذا قدوة بمن روى عنهم من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والتابعين إذ جعلوا للكفر فروعا دون أصله ، لا تنقل صاحبه عن ملة الإسلام كما ثبتوا للإيمان من جهة العمل فرعا للأصل لا ينقل تركه عن ملة الإسلام من ذلك قول ابن عباس في قوله : ( ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون ) "

فاختصار قول هذه الطائفة من أهل الحديث ، أنها يسمون من لا يعمل مسلماً ولا يسمونه مؤمناً ، ولا يكون المرء عندهم كافراً بترك الفرائض لأن الصحابة كانوا كفاراً لما كانوا يجهلون القول ( أعني الشهادتين ) ، وما صاروا كفاراً لما كانوا يجهلون الفرائض

وهذا واضح جداً في عدم تكفير تارك أعمال الجوارح على قول هؤلاء ، وقد سماهم محمد بن نصر طائفة من أهل الحديث ، وظاهر كلام الزهري يدل على هذا المعنى

وهذا القول رواية عن أحمد

قال الخلال في السنة 1008- أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ , قَالَ : حَدَّثَنَا صَالِحٌ , أَنَّ أَبَاهُ قَالَ : الإِيمَانُ بَعْضُهُ أَفْضَلُ مِنْ بَعْضٍ , يَزِيدُ وَيَنْقُصُ , وَزِيَادَتُهُ فِي الْعَمَلِ , وَنُقْصَانُهُ فِي تَرْكِ الْعَمَلِ ؛ لأَنَّ الْقَوْلَ هُوَ مَقْرَبَةٌ.
قَوْلُهُ : الإِيمَانُ يَزِيدُ وَيَنْقُص.

وقوله ( ونقصانه في ترك العمل ) يفيد المعنى الذي ذكرته

فإن قيل ( الألف واللام هنا للعهد الذهني وليست للجنس )

فيقال بل ظاهرها أنها للجنس ، إذ ليس ترك بعض العمل ينقص الإيمان وبعضه لا ينقص حتى يقال للعهد الذهني

وهذا ظاهر قول من يقول من أهل السنة ( الاستثناء في الإيمان دون الإسلام ) فلو كان الإسلام لا يصح إلا بعمل لصح فيه الاستثناء

قال الخلال في السنة 1065- أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي هَارُونَ , أَنَّ إِسْحَاقَ حَدَّثَهُمْ قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ , يَقُولُ : اذْهَبْ إِلَى حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ فِي الاِسْتِثْنَاءِ فِي الإِيمَانِ , لأَنَّ الإِيمَانَ قَوْلٌ , وَالْعَمَلُ الْفِعْلُ , فَقَدْ جِئْنَا بِالْقَوْلِ , وَنَخْشَى أَنْ نَكُونَ قَدْ فَرَّطْنَا فِي الْعَمَلِ

قال شيخ الإسلام كما في مجموع الفتاوى (7/416) :" وَلَمَّا كَانَ كُلُّ مَنْ أَتَى بِالشَّهَادَتَيْنِ صَارَ مُسْلِمًا مُتَمَيِّزًا عَنْ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى تَجْرِي عَلَيْهِ أَحْكَامُ الْإِسْلَامِ الَّتِي تَجْرِي عَلَى الْمُسْلِمِينَ كَانَ هَذَا مِمَّا يَجْزِمُ بِهِ بِلَا اسْتِثْنَاءٍ فِيهِ فَلِهَذَا قَالَ الزُّهْرِيُّ : الْإِسْلَامُ الْكَلِمَةُ . وَعَلَى ذَلِكَ وَافَقَهُ أَحْمَد وَغَيْرُهُ وَحِينَ وَافَقَهُ لَمْ يُرِدْ أَنَّ الْإِسْلَامَ الْوَاجِبَ هُوَ الْكَلِمَةُ وَحْدَهَا فَإِنَّ الزُّهْرِيَّ أَجَلُّ مَنْ أَنْ يَخْفَى عَلَيْهِ ذَلِكَ ؛ وَلِهَذَا أَحْمَد لَمْ يُجِبْ بِهَذَا فِي جَوَابِهِ الثَّانِي خَوْفًا مِنْ أَنْ يَظُنَّ أَنَّ الْإِسْلَامَ لَيْسَ هُوَ إلَّا الْكَلِمَةَ ؛ وَلِهَذَا لَمَّا قَالَ الْأَثْرَمُ لِأَحْمَدَ : فَإِذَا قَالَ : أَنَا مُسْلِمٌ فَلَا يَسْتَثْنِي ؟ قَالَ نَعَمْ : لَا يَسْتَثْنِي إذَا قَالَ : أَنَا مُسْلِمٌ . فَقُلْت لَهُ أَقُولُ : هَذَا مُسْلِمٌ وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { الْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ } وَأَنَا أَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يَسْلَمُ النَّاسُ مِنْهُ فَذَكَرَ حَدِيثَ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ : فَنَرَى أَنَّ الْإِسْلَامَ الْكَلِمَةُ وَالْإِيمَانَ الْعَمَلُ . فَبَيَّنَ أَحْمَد أَنَّ الْإِسْلَامَ إذَا كَانَ هُوَ الْكَلِمَةَ فَلَا اسْتِثْنَاءَ فِيهَا فَحَيْثُ كَانَ هُوَ الْمَفْهُومَ مِنْ لَفْظِ الْإِسْلَامِ فَلَا اسْتِثْنَاءَ فِيهِ"

فإن قيل : هناك إجماعات منقولة في المسألة !

فيقال هذه الاجماعات إما أن تحمل على عدم علم ناقليها بالخلاف ، وقد علم عندك الآن ، وإما أن تحمل على نفي الإيمان الذي ينفى ويبقى الإسلام

وأنا مع قولي بتكفير تارك الصلاة أريد إيضاح أن هذه المسألة لا تستوجب التبديع وأن القائل بهذا مع أدلته من الكتاب والسنة وأقوال السلف

وعامة ما ينقله المخالفون ينازعون في فهمه كما هم ينازعون هؤلاء في فهم أدلتهم ، ولم أرَ هذه المسألة مطروحة في كتب السلف هكذا ( حكم تارك أعمال الجوارح بالكلية ) ، وما رأيتها في كتب الفقه وإنما يبحثون في تارك الصلاة وتارك الزكاة وتارك الصيام وتارك الحج

قال شيخ الإسلام كما في مجموع الفتاوى (7/644) :" فَأَصْلُ الْإِيمَانِ فِي الْقَلْبِ وَهُوَ قَوْلُ الْقَلْبِ وَعَمَلُهُ وَهُوَ إقْرَارٌ بِالتَّصْدِيقِ وَالْحُبِّ وَالِانْقِيَادِ وَمَا كَانَ فِي الْقَلْبِ فَلَا بُدَّ أَنْ يَظْهَرَ مُوجِبُهُ وَمُقْتَضَاهُ عَلَى الْجَوَارِحِ وَإِذَا لَمْ يَعْمَلْ بِمُوجِبِهِ وَمُقْتَضَاهُ دَلَّ عَلَى عَدَمِهِ أَوْ ضَعْفِهِ"

فتأمل قوله ( أو ضعفه ) في تارك العمل ، وشيخ الإسلام في نفسه يكفر تارك العمل لأنه يكفر تارك الصلاة فقط ، ولكن يبدو أنه قال هذا احترازاً للمذهب الآخر من مذاهب أهل السنة

المهمة الرابعة : ما دليل الإجماع ؟

إذا كان هناك إجماع في مسألة عقدية فلا بد أن هناك دليل واضح بين عليها ، وغاية ما يستدل به المكفرون أدلة تكفير تارك الصلاة ، وأدلة تكفير تارك الصلاة ليست محل اتفاق بين أهل السنة ، ولم يزل الخلاف بين أهل السنة ، فما وصف المكفرون غير المكفرين بأنهم مرجئة ، ولا وصف غير المكفرين من كفر أنه خارجي أو تأثر بالخوارج

لذا اضطر بعضهم إلى القول بإرجاء من لا يكفر تارك الصلاة فقط ، وأوقع نفسه في هوةٍ سحيقة شرحت وجهها في الرد على عادل آل حمدان

وغير المكفرين يزعمون أن عندهم أدلة من السنة كحديث الشفاعة والبطاقة وغيرها

فكما أنه لا يجوز وصف من كفر بترك صلاة واحدة بأنه خارجي ، لأن مقدمته أثرية غير مقدمة الخوارج ، فكذلك من لم يكفر تارك الصلاة ثم لم يجد دليلاً قوياً على تكفير تارك أعمال الجوارح بالكلية الصلاة وغيرها لمقدمة أثرية لا يجوز اتهامه بالإرجاء

واتهام من لا يكفر تارك الصلاة - كسلاً - بأنه مرجئ تهمة قديمة، وفرية غير جديدة، قد نطق بها بعض المبتدعة ، كما نقل السكسكي عن الطائفة المنصورية أنها سمت أهل السنة والجماعة مرجئة ؛ لقولها:إن تارك الصلاة إذا لم يكن جاحداً لوجوبها مسلم على الصحيح من المذهب . ويقولون : هذا يؤدي إلى أن الإيمان عندهم قول بلا عمل ا.هـ البرهان في معرفة عقائد أهل الأديان ص95-96 .

وبعضهم اجتهد فاستدل بحديث (أَلَا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ أَلَا وَهِيَ الْقَلْبُ) والمخالفون له يقرون بمعنى الحديث في الجملة ويقولون بأن قلب تارك أعمال الجوارح بالكلية أفسد قلوب الموحدين ، فلا يصلح حجةً عليهم بنفسه


المهمة الخامسة : جدلية الألف واللام ؟

مما يستدل به المكفرون قول إسحاق الذي ذكره حرب في مسائله (3/ 1053) : "غلت المرجئة حتى صار من قولهم: إن قومًا يقولون: من ترك المكتوبات، صوم رمضان، والزكاة، والحج، وعامة الفرائض من غير جحود بها إنا لا نكفره يرجأ أمره إلى الله بعد إذ هو مقر فهؤلاء المرجئة الذين لا شك فيهم"

أقول : إسحاق لم يذكر إلا الواجبات والفرائض ، فعلى هذا لا نسمي المسألة مسألة ( تارك أعمال الجوارح بالكلية ) بل نسميها ( تارك الفرائض بالكلية )

فيكون من أتى بالمستحبات كلها ، ولم يأتِ بالفرائض المذكورة كافراً

وأنتم لا تقولون بهذا ، وعليه تعود المسألة مسألة نصوص لا إدخال للعمل أو مسمى الإيمان أو عدمه ، فأنتم تكفرون حتى مع وجود العمل

وغير المكفرين يحملون هذا النص على الفرائض القولية والعملية

والعجيب أنه قد مر معنا قول أحمد (الإِيمَانُ بَعْضُهُ أَفْضَلُ مِنْ بَعْضٍ , يَزِيدُ وَيَنْقُصُ , وَزِيَادَتُهُ فِي الْعَمَلِ , وَنُقْصَانُهُ فِي تَرْكِ الْعَمَلِ) وحملهم كلامه على الأفراد وأن الألف واللام للأفراد أو العهد الذهني

بيد أنهم هنا في نص إسحاق في قوله ( الفرائض ) حملوا الألف واللام على الجنس فقالوا ( جنس الفرائض ) ولو حملوها في كلام أحمد على الجنس أيضاً لتضارب كلام أحمد وإسحاق إلا على التفسير الذي نقلته عن غير المكفرين

ونص إسحاق هذا شاهد عليكم بالظلم فإسحاق لم ينكر على المرجئة ترك تكفير الصلاة فقط بل ترك التكفير بالفرائض كلها فتأمل !



المهمة السادسة : أرجو ألا يكون مرجئاً


قال عبد الله بن أحمد في السنة (2/54) : سمعت أبي رحمه الله ، وسئل ، عن الإرجاء ، فقال : « نحن نقول : الإيمان قول وعمل يزيد وينقص إذا زنى وشرب الخمر نقص إيمانه » سألت أبي عن رجل ، يقول : الإيمان قول وعمل يزيد وينقص ولكن لا يستثني أمرجئ ؟ قال : « أرجو أن لا يكون مرجئا »

فهذا أحمد توقف فيمن ترك الاستثناء وهو يقول الإيمان قول وعمل ، ولم يجزم بإرجائه لأنه قد تكون له مقدمة غير مقدمة المرجئة ، فإن مقدمة المرجئة في ترك الاستثناء أن الإيمان لا يتبعض الشك في بعضه كالشك في كله ، والاستثناء شك ، والشك بالله كفر

فلما كان هذا القائل وهو مسعر بن كدام يقول قول وعمل توقف أحمد في أمره لاحتمال أن تكون مقدمته مختلفة عن مقدمة القوم ، مع أن أصل الإرجاء ترك الاستثناء

أفيلام من لا يحكم على من لا يكفر تارك أعمال الجوارح بالكلية بأنه مرجيء لأنه يقول الإيمان قول وعمل يزيد وينقص وله مقدمات أثرية

قال الخلال في السنة 1009- أَخْبَرَنِي مُوسَى بْنُ سَهْلٍ , قَالَ : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الأَسَدِيُّ , قَالَ : حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ يَعْقُوبَ , عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ سَعِيدٍ , قَالَ : سَأَلْتُ أَحْمَدَ عَنْ مَنْ قَالَ : الإِيمَانُ يَزِيدُ وَيَنْقُصُ ؟ قَالَ : هَذَا بَرِيءٌ مِنَ الإِرْجَاءِ.

وقال البربهاري في شرح السنة :" ومن قال: الإيمان قول وعمل، يزيد وينقص، فقد خرج من الإرجاء كله أوله وآخره "

والذي يبدو أن مسعراً كان مقدمته مقدمة المرجئة فقد كان يقول ( لا أشك في إيماني ) لذا عده الخلال من المرجئة ، ولم يصل عليه سفيان الثوري

قال ابن سعد في الطبقات في ترجمة مسعر (8/ 485) :" وَكَانَ مُرْجِئا فَمَاتَ فَلَمْ يَشْهَدْهُ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَلاَ الْحَسَنُ بْنُ صَالِحِ بْنِ حَيٍّ"

وهذا الموقف من سفيان فيه عبرة لأصحاب المجمل والمفصل وأصحاب الموازنات فمن مثل مسعر اليوم ؟

قال شيخ الإسلام كما في مجموع الفتاوى (20/ 310) :" وَكَانَ أَحْمَد يَكْرَهُ أَنْ يَرُدَّ عَلَى أَهْلِ الْمَدِينَةِ كَمَا يَرُدُّ عَلَى أَهْلِ الرَّأْيِ وَيَقُولُ : إنَّهُمْ اتَّبَعُوا الْآثَارَ . فَهَذِهِ مَذَاهِبُ جُمْهُورِ الْأَئِمَّةِ تُوَافِقُ مَذْهَبَ مَالِكٍ فِي التَّرْجِيحِ لِأَقْوَالِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ "

المهمة السابعة : أقوال خارج الموضوع !

بعض من صنف في هذه المسألة ذهب يذكر كل من له في تكفير تارك أعمال الجوارح بالكلية وملأ بذلك كتاباً كبيراً ، والمخالف أصلاً لا ينكر وجود سلفي في كفر تارك الصلاة بل وتارك الزكاة بل وتارك الحج

ومن يكفر تارك الصلاة لا يبعد أن تصدر منه عبارات واضحة في تكفير تارك العمل

ومن النصوص التي يزعمون أنها تدل على الإجماع على كفر تارك أعمال الجوارح بالكلية بالإجماع

ما روى الخلال في السنة 1027- أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ حَنْبَلٍ , قَالَ : حَدَّثَنِي أَبِي حَنْبَلُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ حَنْبَلٍ , قَالَ : قَالَ الْحُمَيْدِيُّ : وَأُخْبِرْتُ أَنَّ قَوْمًا يَقُولُونَ : إِنَّ مَنْ أَقَرَّ بِالصَّلاَةِ وَالزَّكَاةِ وَالصَّوْمِ وَالْحَجِّ وَلَمْ يَفْعَلْ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا حَتَّى يَمُوتَ أَوْ يُصَلِّيَ مُسْنِدٌ ظَهْرَهُ مُسْتَدْبِرَ الْقِبْلَةَ حَتَّى يَمُوتَ فَهُوَ مُؤْمِنٌ , مَا لَمْ يَكُنْ جَاحِدًا , إِذَا عَلِمَ أَنْ تَرْكَهُ ذَلِكَ فِي إِيمَانِهِ إِذَا كَانَ يُقِرُّ الْفُرُوضَ وَاسْتِقْبَالَ الْقِبْلَةِ , فَقُلْتُ : هَذَا الْكُفْرُ بِاللَّهِ الصُّرَاحُ , وَخِلاَفُ كِتَابِ اللَّهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَفِعْلِ الْمُسْلِمِينَ , قَالَ اللَّهُ جَلَّ وَعَزَّ : {حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاَةَ , وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ , وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ} . قَالَ حَنْبَلٌ : قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ , أَوْ سَمِعْتُهُ يَقُولُ : مَنْ قَالَ هَذَا فَقَدْ كَفَرَ بِاللَّهِ , وَرَدَّ عَلَى اللَّهِ أَمْرَهُ , وَعَلَى الرَّسُولِ مَا جَاءَ بِهِ.

فأولاً الحميدي ذكر الصلاة مستدبراً للقبلة عمداً وهذا كفر بواح بإجماع

والحميدي ذكر أركان الإسلام الأربعة فقط ، فيكون الإجماع على ( كفر تارك أركان الإسلام الأربعة ) ولا إجماع عند عامة المستدلين بهذا النص ، وأمثلهم يقول بكفر تارك الصلاة ، وأن من لا يكفر تارك الصلاة فهو مرجيء فما فائدة ذكر بقية الأركان إذا كانت الصلاة وحدها تفي بالغرض

والحميدي إنما استدل بآية تفيد كفر تارك الصلاة وتارك الزكاة ! ، ولو أخذنا باستدلاله على فهمهم لقلنا بإرجاء من لا يكفر تارك الزكاة والصلاة ، بل من لا يكفر تارك الزكاة فقط

فالأثر إنما هو في المعاند بقرينة ذكر استدبار القبلة ، وبقرينة تكفير الإمام أحمد لمن لا يكفر من هذا حاله ، وأحمد لا يكفر مرجئة الفقهاء فضلاً عمن هم خير منهم

وأيضاً استدلالهم بقول بعض السلف ( لا يقبل قولاً بغير عمل ) ، فإننا لا ننازع بأن العامة من السلف على تكفير تارك أعمال الجوارح بالكلية ، ولكن هذا النص ليس صريحاً في الدلالة على المقصود

فشارب الخمر لا تقبل صلاته أربعين يوماً فهل هو في حكم تارك الصلاة عندهم من جهة الكفر والإيمان ؟


وأيضاً قول بعض السلف ( لا يرفع لله عمل بغير قول ) ، فالعبد الآبق والمرأة التي سخط عليها زوجها لا ترفع صلاتهما فهل هما في حكم تارك الصلاة ؟

ولعل هذه الآثار في القول والعمل من جنس واحد ، كدعوى الرجل أنه كريم فلا تنفعه حتى يكون كذلك فعلاً ويعمل


وكذلك ما روى عبد الله بن أحمد في السنة 663 - حدثنا سويد بن سعيد الهروي ، قال : سألنا سفيان بن عيينة عن الإرجاء ، فقال : « يقولون : الإيمان قول ، ونحن نقول الإيمان قول وعمل والمرجئة أوجبوا الجنة لمن شهد أن لا إله إلا الله مصرا بقلبه على ترك الفرائض ، وسموا ترك الفرائض ذنبا بمنزلة ركوب المحارم وليس بسواء لأن ركوب المحارم من غير استحلال معصية ، وترك الفرائض متعمدا من غير جهل ولا عذر هو كفر ، وبيان ذلك في أمر آدم صلوات الله عليه وإبليس وعلماء اليهود ، أما آدم فنهاه الله عز وجل عن أكل الشجرة وحرمها عليه فأكل منها متعمدا ليكون ملكا أو يكون من الخالدين فسمي عاصيا من غير كفر ، وأما إبليس لعنه الله فإنه فرض عليه سجدة واحدة فجحدها متعمدا فسمي كافرا ، وأما علماء اليهود فعرفوا نعت النبي صلى الله عليه وسلم وأنه نبي رسول كما يعرفون أبناءهم وأقروا به باللسان ولم يتبعوا شريعته فسماهم الله عز وجل كفارا ، فركوب المحارم مثل ذنب آدم عليه السلام وغيره من الأنبياء ، وأما ترك الفرائض جحودا فهو كفر مثل كفر إبليس لعنه الله ، وتركهم على معرفة من غير جحود فهو كفر مثل كفر علماء اليهود والله أعلم »

فقول سفيان بن عيينة واضح أنه في المستكبر فهو يقول ( مصراً بقلبه ) ثم يمثل بإبليس وعلماء اليهود ،وهؤلاء ليسوا كالمسلم الذي ترك الصلاة أو أعمال الجوارح ، وترك اليهود كان استحلالاً كما لا يخفى ، فإنهم يزعمون أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يبعث إليهم ويتعبدون بدينهم المحرف ، وأنه ليس عليهم اتباع النبي صلى الله عليه وسلم

المهمة الثامنة : معنى دخول العمل في مسمى الإيمان

يقول كثير من المكفرين أن غير المكفرين لا يدخلون العمل في مسمى الإيمان وأن تلك محض دعوى لا حقيقة لها

فيقال : ما الدليل على أنك تدخل الزكاة في مسمى الإيمان ؟

فيقول : أنا أعتقد أن فاعل الزكاة يزيد إيمانه وأن تارك الزكاة ينقص إيمانه

فيقال : وكذلك مخالفك وهكذا قل في كل فرد ، والجنس عندكم اجتماع الأفراد

المهمة التاسعة : التفريق بين الترك المجرد والامتناع

مما اتفق عليه الفريقات المكفرون وغير المكفرين ، أن الممتنع غير التارك فتارك الصلاة مثلاً إذا امتنع عن أدائها حتى قتل على ذلك فهو كافر اتفاقاً

وعلى هذا يحمل قول شيخ الإسلام كما في مجموع الفتاوى (7/ 556) :" بَلْ مَنْ كَانَ مُؤْمِنًا بِاَللَّهِ وَرَسُولِهِ بِقَلْبِهِ هَلْ يَتَصَوَّرُ إذَا رَأَى الرَّسُولَ وَأَعْدَاءَهُ يُقَاتِلُونَهُ وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يَنْظُرَ إلَيْهِمْ وَيَحُضَّ عَلَى نَصْرِ الرَّسُولِ بِمَا لَا يَضُرُّهُ هَلْ يُمْكِنُ مِثْلُ هَذَا فِي الْعَادَةِ إلَّا أَنْ يَكُونَ مِنْهُ حَرَكَةٌ مَا إلَى نَصْرِ الرَّسُولِ ؟"

فهذه حال الممتنع وليس التارك فقط ، وإلا فقد خلف ثلاثة من الصحابة عن الجهاد وما كانوا كفاراً بذلك بل تأمل قيد شيخ الإسلام ( بما لا يضره ) وما فيه من إخراج من كان مانعه من الجهاد خوف الضرر ، هذا مع ما ذكره من شدة الحاجة إليه



المهمة العاشرة : تناقض في المنهجية

يستدل كثير ممن يبدع من لا يكفر تارك أعمال الجوارح بفتاوى بعض العلماء ، ويجعلها فيصلاً في النزاع على أقرانهم من أهل العلم الذين خالفوا كأمثال الشيخ ربيع المدخلي ، ثم هم أنفسهم يخالفون بعض هؤلاء العلماء في قولهم ( مرجئة الفقهاء من أهل السنة ) ، وقول بعضهم في تحكيم القوانين الوضعية

ولو كانوا مخلصين في تدينهم لأنكروا القول بأن ( مرجئة الفقهاء من أهل السنة) بأعظم مما ينكرون به القول بعدم تكفير تارك أعمال الجوارح بالكلية

فإن القول بأن مرجئة الفقهاء من أهل السنة لم يقل به أحد من السلف بل نصوصهم تناقض هذا تماماً

ومرجئة الفقهاء قد خالفوا أدلة الكتاب والسنة والإجماع على زيادة الإيمان ونقصانه ، بل وكابروا الفطرة السليمة في ذلك

فتقيمون الدنيا ولا تقعدونها على من لا يبدع من لا يكفر تارك أعمال الجوارح بالكلية ، وتسكتون عمن يدخل مرجئة الفقهاء في أهل السنة

أليس هذا يدل على أن لكم مآرب أخرى ، وأن غايتكم إسقاط بعض المشايخ فقط

قال شيخ الإسلام كما مجموع الفتاوى (29/ 380) :" فَإِنَّ قَوْلَ طَائِفَةٍ مِنْ الْعُلَمَاءِ وَالْعُبَّادِ خَالَفَهُمْ مَنْ هُوَ أَكْبَرُ مِنْهُمْ وَأَجَلُّ عِنْدَ الْأُمَّةِ لَا يَحْتَجُّ بِهِ إلَّا أَحْمَقُ ؛ فَإِنَّهُ إنْ كَانَ التَّقْلِيدُ حُجَّةً فَتَقْلِيدُ الْأَكْبَرِ الْأَعْلَمِ الأعبد أَوْلَى . وَإِنْ لَمْ يَكُنْ حُجَّةً لَمْ يَنْفَعْهُ ذِكْرُهُ لِهَؤُلَاءِ . وَعَلَى التَّقْدِيرَيْنِ فَلَا يُفِيدُ هَذَا شَيْئًا"

هذا ما تمكنت من كتابته الآن وأسأل الله عز وجل التوفيق والسداد

والخلاصة أن المسألة قد أعطيت أكبر من حجمها ، وأن المكفرين وغير المكفرين عندهم حججهم الأثرية في المسألة ، وعنيت بذكر أدلة غير المكفرين لأن المكفرين أدلتهم كثيرة معروفة خصوصاً عند بحث مسألة تارك الصلاة

هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم

كتبه عبدالله الخليفي

منقوول