المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : مختارات مفيدة من الشيخ يوسف الغفيص في: [شرح حديث الافتراق] [شرح الوصية الكبرى].



أهــل الحـديث
06-04-2014, 01:40 AM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم






[بالمعنى]

[شرحُ حديثِ الافتراق]



(1) الخروجُ عن السلفِ ضلالةٌ وبدعة، فلا بد من تحديد معنى السلف، وقد كثر ادعاءُ مخالفتِه ممن يتقمص مذهبَ السلف، فمذهبُ السلفِ من جنسِ مسائل الإجماع، فلا يحقّ القول في مسألة :إنها مذهب السلفِ، وفي المسألةِ خلاف!

(2) مثالُ ذلك فإن الجمهورَ من السلفِ على الإشارةِ بالإصبع في التشهد، على خلافٍ في تحديد التأشير، إلا أنه لا يحق لأحد أن يدعيَ مخالفة مذهب السلف لمن لم يشر، لما ثبت عن بعضِ أصحابِ أبي حنيفة، فلا شك أنّ عدمَ الإشارة مخالفٌ للسنة، ولكن لا يقال: إنه خارجٌ عن منهجِ السلف! ومثلُهُ الاستفتاح فإن مالكًا أنكرهُ، فلا شك أنه مخالف للسنة.

(3) مثالُ آخر أنَّ الجمهور من السلف والسواد من غيرهم على أن طلاقِ الثلاث ثلاث، مع قولِ طاوس عن ابن عباس رضي الله عنهما [كانت السنة على عهد رسول الله وخلافة أبي بكر وسنتين من خلافةِ عمر أن طلاقَ الثلاثِ واحدة] ثم يذهب ابنُ رجبَ أبعد من هذا ليقول [اعلم أنه لا يصح عن أحدٍ من الصحابة والتابعين ولا الأئمة المتبوعين طلاق الثلاث واحدة]!.

(4) يضبطُ مذهبُ السلف من جهةِ النقلِ بأنْ يكونَ مستفيضًا بين المتقدمين، كما يورده اللالكائي وابن منده وأبو حاتم والبخاري وغيرهم، وبأن ينصَّ أحد الأئمة الكبار كمحمد بن نصر المروزي وكابن عبد البر وابن تيمية أنهُ منهجُ السلف.

(5) هل تعيين مخالفةِ السلفِ يكون بالاجماع أو الاجتهاد؟ الصوابُ أنه بالإجماعِ، ولا يجوز أن يجتهدَ فلانٌ بمخالفةِ مالك للهدي إلا أن يُجمعَ عليه، وهو إجماعُ الصحابة وأئمة التابعين، ويضبطُ من ذهبِ السلفِ من جهةِ الفهم، وهو طريقٌ وعرٌ لأنه ما من مجتهد يدعي في قولٍ أنه مذهبُ السلفِ إلا ويجد عند التحقيق من يخالفه.

(6) ومن أمثلةِ التحصيلِ بالفهمِ قول أبي الحسن الأشعري [أجمع أهلُ السنة أن اللهَ ليسَ بجسم] فالسلف لم ينصوا على لفظةِ الجسم تصريحًا، وإنما فهمهُ أبو الحسن فهمًا فوجد أنّهم ذموا التشبيه، فذهبَ إلى هذا الإجماع، مع أنهم لم ينصوا عليه.

(7) ليسَ من السلفيةِ لزومُ التمذهبِ، ولا تركُ التمذهب، بل هو ترتيب علمي لا جدلَ فيه، فحينَ يكون التقليدُ من أجلِ الانتصار لمذهبٍ فلا شك أنه غلط، وحينَ يكونُ منبيًا على الأخذ بالتراتيب العلمية فهو جائز.

(8) من يُبطل المذهبية ويقول: الكتابُ والسنة والإجماع، نقولُ لم يكن الترتيب المذهبي لهذا الشيء، بل هي منهاجهم في الأدلة المختلف فيها، كالأخذِ بالقياس وقول الصحابي وعملِ أهل المدينة، فليس عملُ أبي حنيفة في القياس كعمل أحمد، ولا عمل مالك في عمل أهل المدينة كعمل أبي حنيفة وأحمد، وهكذا! فمن يعمل بمذاهب الأئمة الأربعة من جهةِ أصولهم ومنهجهم وطريقتهم في الاستنباط مطلقًا فلا حرج، ومن يأخذ بأقوالِهمِ الآحادية ويدافع ويناصر لها لذواتهِم فهو على ضلال، أما أصلُ التراتيب فلا بأس به وهو تمذهب سائغ، ولا نقول شرعيًا!.

(9) ومن يتركَ هذه الأصول –كما هو حال كثير من السلفيين الآن- ثم يلجأ إلى أقوالِ ابنِ حزم، الذي مذهبه فرعٌ عن مذهب داود، وجدنا أن لهم ترتيبًا علميًا، وهو الأخذ بعد الكتابِ والسنة والإجماعِ بالاستصحاب، وبراء الذمة، فإن كانت عادات قالوا: الأصل الحل، وإن كانت عبادات: براءة الذمة، فهذه طريقةٌ مذهبية من داود وغيرهم وليس بأفقه من الإمام أحمد والإمام الشافعي والإمام أبي حنيفة والإمام مالك، ومثلُهُ معاصرة من يأخذ بطريقةِ الإمام الألباني، فليس منهجه بأولى من الأئمة السابقين.

(10) هناكَ مسائل حُصّلتْ من طريقِ فهمِ السلف، واتخذها بعض المعاصرين قاعدة رياضية مطردة، كتقرير الشاطبي وابن تيمية [ما انعقد سبب فعله زمن النبي صلى الله عليه وسلم ولم يفعله، ففعله من البدع المحدثة] ونجدُ أنّ ابن تيمية يرى في السبُحة إن لم تكن للرياءِ والشهرة، أو هجران ما جاءت به السنة فحسنٌ، قال حسنٌ مع أنه انعقدَ فعل التسبيح بالأصابع والأنامل، وكان من الممكن أن ينعقد التسبيح بالأحجار ومثلِه! فأين ابنُ تيمية عن تطيبق القاعدة؟

(11) ومثلُها قولُه في تلقينِ الميت وهو في قبره، فليسَ لها أصلٌ ومخالف لمبادئ العقل، لأن الميتَ هل يحتاجٌ إلى ملقن ليجيبَ به الملكين؟ ولما سئل شيخ الإسلام قال: من العلماء من استحبها، ومنهم من أجازها، ومنهم من نهى عنها نهي كراهة وتحريم، وكان واثلة بن الأسقع يرخص بها، والصحيح أنها جائزة، وإذا قيل فالنهيُ عنها للكراهة لا للتحريم! فأين هو عن تقرير القاعدة؟ مما يدلُّ أن القاعدة تنزّل في مسائل مخصوصة دون أن تطرد ويُتكلف بها في التبديع.

(12) حديث [ستفترق أمتي ...] اختلفَ أهل العلم فيه، فمنهم من ضعفه كابن حزم، ومنهم من قوّاهُ كابن تيمية وغيره، ويُنبه أنه ليس لتصحيح الحديثِ أو تضعيفهِ أثرٌ في نشر افتراقِ الأمة، فإن الواقعَ يظهر أنّ الاختلافَ وقع من آخر عهد الخلفاء الراشدين الأربعة، فليس إثباته أو تضعيفه يرفع أو يضع افتراقَ الأمة، وقد انضبطَ من جهةٍ أخرى تِبيان ضرورة افتراق الأمة، وأنّه لا تزالُ طائفة من أمتي على الحق ظاهرين حتى تقومَ الساعة!.

(13) وأما ما اختصّ به الحديثُ فهو تحديدُ العدد بثلاث وسبعين فرقة، وهذا العلم ليس تحته حقيقة كثيرة؛ لأنه علم كلي، فلا يستطيع أحد من السلفِ أو الخلفِ أن يحددها، وقد قال شيخ الإسلام: لم يكن من طريقة السلف الجزم بتعيين هذه الفرق، وإن عيونوا أصولها: المرجئة، القدرية، الشيعة، الجهمية، ولم يصحَّ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أنه سمى طائفة بدعية باسمها، وما جاء فلا يصح إلا كلامه في الخوارج.

(14) [كلها في النار إلا واحدة] هذا وعيدٌ كلي، وليس جزمًا بأنّ جميعَ من خالف هو من أهلِ النار، وهذا يستفاد من غير هذا الحديث، فإن من شاقّ طريق أهل السنة والجماعة فلا بد أن تكون من تفريط، وهذا لا يمنع من ترك واجب أو عبادة مشروعة، ثم لا يمنع من انتحاله بدعة وتلبسه بطريقة على غير منهج أهل السنة والجماعة، ثم إنه لا يحكم بجميع الطوائف عينًا أنهم في النارِ، ولا يمنع من الحكم على بعضهم عينًا، لكن الحديثَ عام.

(15) لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم تسميته [أهل السنة والجماعة] وإنما ثبتت الكلمة بأفرادها بأن السنة والاجتماع عليها أمرٌ متلازم عليه، ولا بد من بعض السلفيين الاهتمام بالاجتماع كما هو الاهتمام على إثباتِ سنة مهجورة، ولم يقصر ابنُ مسعود الصلاةَ خلفَ عثمان، وقد قصر النبي صلى الله عليه وسلم في جميع أسفاره، لكنه حينَ سئل قال[الخلاف شر] فالاجتماع شريعة وسنة مقصودٌ التحصيل عليها.

(16) [وهم الجمهور الأكبر والسواد الأعظم] يخطئ بعضهم حينَ يظنُّ أن للكثرةِ اعتبارًا في مقدار اتباعِ السلف، فمنه قال بعض المتكلمين إن الأشاعرة هم أهل السنة والجماعة لكونهم السواد الأعظم، وهذا لا شك أنه خطأ، وقد كان الأئمة من القرون الثلاثة الأولى غير أشاعرة، ووُجدوا قبل أن يكونَ المذهبُ الأشعري، حتى إن طريقة إثبات الصفات عند الأشاعرة متوقف على أدلة يعجز عن فهمها العامة، بل عندهم خلافٌ في عقيدةِ العامي، فصار السواد الأعظم هو اسم الإسلام فقط! وكان يقرر شيخ الإسلام أن أهل السنة هم السواد الأعظم، مع ما فيهم من أشاعرة وماتريدية، وهذا من فقهه.

(17) من قال قولا مبتدعا لا يلزم أن يكون مبتدعا، مثاله ابنُ خزيمة في [الصورة].

(18) الاشتراك في مقالةٍ واحدة، لا يستلزم الاشتراك في تفاصيلها، فلا يلزم من الاشتراك في نفي الصفات الاشتراك في تفصيلها، وإنما الاشتراك في التفصيل يكون بين الطائفة الواحدة.

(19) الاشتراكُ في الحروفِ لا يلزم الاشتراك في المعاني، كمسألة [خلق القرآن] فقد أخطأ من نفى أن البخاري قال [لفظي بالقرآن مخلوق] وأراد إثبات خلق أفعال العباد، وقال الذهبي [اللفظ بالقرآن غير مخلوق] وأراد نفي أن يكون كلام اللهِ مخلوقًا، فلا شك أنهما أصابا، ولكن مذهب السلف ترك هذه الألفاظ.

(20) الاشتراك في الحروفِ والمعاني الكلية، فقد يشترك في الحرفِ والمعنى كذلك، ولكن قولُه يضارع قولَ البدع الكلي دون أن يشابه طريقتهم لهذه البدعة، كمسألة الصورة فإن ابنَ خزيمة نفاها، ولكن ليسَ نفيُه لنفيِ عموم الصفات.

(21) ابن حزم من جهة في الجملة على حروفِ أهلِ السنة، ومن جهة المقامات التي شاعَ فيها القول، كالعلوِّ ومسألةِ خلقِ القرآن، ولكن عنده قدر كبير من جنسِ معاني المعتزلة.

(22) قال شيخ الإسلام في المجلد التاسع عشر: "وكثير من مجتهدي السلف والخلف قد قالوا وفعلوا ما هو بدعة، لكن لم يقم عندهم الحجة الرسالية في مفارقة ما قالوه أو فعلوه للسنة والهدي".

(23) تاركو الزكاةِ لم يُكفّروا، ولكن امتنعوا وقاتلوا عليها، فاستحقوا القتال والتكفير.

(24) من يقولُ قولا مجتهدا، -ليس إجماعا للسلف ولا بضدّه- واستطاع أن يستدل بالأدلة الشرعية، فإن الانتصابَ لهذا القول موالاة ومعاداة من طرقِ أهلِ البدع.

(25) الانتصابُ والتحيّزُ هو في كثيرٍ من المواردِ أشدُّ ضلالًا وخروجًا عن مذهبِ السلفِ من بعض الحروف القولية والفعلية.

(26) كلٌّ من الجهمية والخوارجِ غلاةٌ ومتوسطون ومقتصدون.

(27) قد حكى شيخ الإسلامِ الإجماعِ على أنّ معاوية رضي الله عنهُ أفضلُ ملوكِ المسلمين، وأنكر الإمام أحمد كون عمر بن عبد العزيز خليفة خامسا.

(28) أنواعُ القتالِ:

(1) قتالُ أبي بكر رضي الله عنهُ، وهو أنواعٌ : المرتدون، وجاحدو الزكاةِ، والممتنعي عنها المقاتلين، فكلهم مرتدون.

- أ - قتالُ علي رضي الله عنه للخوارج، ولم يخالفه أحد من الصحابة في قتالهم، ولم يكن قتالهم ردةً، ولا بغيًا فإن الخوارجَ أشدُّ من البغاة، بل هم مسلمون مؤمنون وقد كان علي والصحابةُ رضي الله عنهم لا يكفروهم، فلم يجهزوا على الجريح، ولم يسلبوا الغنائم، ولا سبوا الذراري، وقال علي: من الكفرِ فرُّوا!.

- ب - القتال الحاصل بين الصحابة، يقول الإمام ابن تيمية رحمه الله: "إن جمهور أهل السنة لم يذهبوا إلى هذا القتال، ولا يرونه قتالاً مشروعاً لا من علي ولا من معاوية، قال: بل كانوا يرون أن السنة ترك القتال، قال: وهذا هو الصحيح في مذهب الإمام أحمد كما نص عليه" وأشد ما يقال في جيش معاوية "لأن هؤلاء -يعني: جيش معاوية - أشد ما يقال فيهم أنهم بغاة، قال: وليس في الكتاب ولا في السنة أمر بقتال الطائفة الباغية ابتداءً، فإن الله تعالى قال: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا} [الحجرات:9] ولم يقل: فاقتلوا أحدهما أو ما إلى ذلك، وإنما قال: {فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا}[ الحجرات:9] قال: فليس في القرآن تشريع لقتال الطائفة الباغية ابتداءً، وإنما يشرع قتالها إذا نكثت بعد الصلح" .. وقال [أن النبي صلى الله عليه وسلم قال عن الحسن بن علي: (إن ابني هذا سيد ولعل الله أن يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين) وكان هذا الصلح بين الحسن ومعاوية، يقول ابن تيمية في وجه الاستدلال: "إن الله امتن على المؤمنين برفع هذا القتال بـ الحسن بن علي، ولو كان هذا القتال مشروعاً لما كان من منة الله الرفع له بـ الحسن بن علي؛ فإن المنة برفع شيء إنما تكون برفع شيء مكروه عنده سبحانه وتعالى ].

(29) اعتبر أبو إسماعيل الهروي كفرَ الأشاعرة، لتكفير ابن المبارك للجهميةِ، لكونهم معطلة للصفات، فرأى أنَّ الأشاعرة معطلة فأدخلهم ضمن التكفير، وليس هذا منهج السلف.

(30) الفرق ثلاثة، صنفٌ أجمع السلف على تكفيرهم وهم الجهمية الغلاة، وقسم ترددوا وهم الخوارجُ والرافضة، وقسم أجمعوا على عدم كفرهم كالمرجئة والشيعة المفضلة.

(31) لا يلزم من عدم تكفير قائلِ البدعة أن تكون أقواله غير كفرية.

(32) جهم بن صفوان ليسَ كافرًا لإرجائه بل لتعطيله الأسماء والصفاتِ، وإن ثبت قوله بأن الإيمان هو المعرفةُ فهو كفر صريح، للزوم أن يكون اليهود والنصارى مؤمنين مسلمين.

(33) إطلاق أن السلف لا يكفرون بذنب كلامٌ فيه إجمال، فإن أريد به الكبائر فصحيح، وإن أريد به ما فوق الكبائر من الشركِ والكفرِ فغيرُ صحيح.

(34) النزاع بين يكون اثنين، والتردد يكون من واحد في ثبوتِ الكفر وعدمه.

(35) من حكى الإجماعَ على تكفير الشيعة الإمامية فقد أخطأ.

(36) لا يلزم أن تكون الطائفة الغير كفرية، ألا تكون أقوالها كفرية، فهناك من أقوال الكلابية والأشاعرة ما هو كفر.

(37) معرفةُ المنافقين ليس من العلمِ الفضل، وإن قيل: يعلمون خشية الفتنة، أجيب بأن النبي صلى الله عليه وسلم لم خص حذيفة رضي الله عنه ولم يقل لأبي بكر وعمر رضي الله عنهما.

(38) من تردد فيهم السلف من كفرهم، لا يعني أن بعضا من أقوالهم غير كفرية، ولا يعني أنهم مسلمون كاملون إن لم يتحقق فيهم الكفر.

(39) قد يدعي أحدهم إجماعًا كأبي المعالي الجويني في نسب مسألة للمسلمين، وليس إجماعا، لا لكذبه إنما مؤداه فهمه أنه قولٌ للمسلمين، وقد عاب الشيخ الإسلام إثبات قول للسلف بالفهم!.

(40) الإمام أحمد رحمه الله تواتر عنه تكفير الجهمية، ولكنه لم يكفر المعتصم العباسي بل كان يذهب إلى سلامته وديانته، ويستغفر له ويتوب، وصلى خلفه.

(41) لم يكفر السلف من أثبت العلمَ، ولم يثبت خلق الأفعال، وهم جمهور القدرية من المعتزلة، وهو أن الله لم يخلق أفعال العباد ولم يردها ولم يشأها، ولكنه علمها قبل كونها،

(42) هناك طوائف -وهي كثيرة- تردد السلف أو تنازعوا في تكفيرهم، وهؤلاء المتنازَع فيهم قد تكون جملة من أقوالهم أقوالاً كفرية، وقد يكون في وسطهم من هو في حكم الله كافر وإن لم نعلم ذلك هذه هي القاعدة المنضبطة الصحيحة.

(43) تكفير الإمام أحمد – إن ثبت – لابن أبي دؤاد فهو اجتهاد، لا يجبُ على كل مسلمٍ أن يعتقدَ أنَّهُ كافر باللهِ العظيم، بخلاف تكفيره للمؤلهة عليّ بن أبي طالب فإنهم كفار قبل الإمام أحمد رحمه الله.

(44) من انتسبَ إلى طائفةٍ معينة، لا يلزم أن يحكم عليه بحكم تلك الطائفة، فليسَ كلّ من انتسبَ أو مجّد وحمد ابنَ عربي يُنسب إليه القول بوحدة الوجود.

(45) لم يكفر السلفُ الطوائف بمجرد الأسماء، كاسم الجهمية والمعتزلة والأشاعرة، كما في تكفير اليهود والنصارى، فمن يكفر الأسماء فليس منهجه صحيحًا، ومن نسبه لشيخ الإسلام فقد غلط، فابن تيمية يفصل، فصل في الصوفية، والشيعة، والرافضة، والجهمية، والخوارج.

(46) من قال إن العربَ سمعوا مجرد سماع للدعوة، وكُفروا لأجل قيام الحجة بالسماع فقد أخطأ، فإن العربَ كانوا يفقهون في الجملةِ أصلَ الدعوة، ونسبةُ اللهِ لهم الجهل كما في قوله [وأعرض عن الجاهلين] فإن الجهلَ هو عدمُ الاتباع والاستجابة لله ورسوله صلى الله عليه وسلم، بل قال [يعرفونه كما يعرفون أبناءهم] ولا يلزمُ أن يكون فقههُ فقهَ الصحابةِ والتابعين.

(47) أقوالُ الجهمية وأدلتهم ليس عليها أثرُ من هدي النبوة، بخلاف أقوال الخوارجِ والمرجئة، ولذا يكثر الزنادقة والمنافقون في الجهمية.

(48) من تكلم بالتعطيل من النظار لا يرون أن قولهم تعطيلٌ للباري، بل يرونه كمالًا، وهذا ليس موجبا لإسقاطِ العذر في حقهم، فإنه لا يرفع عنهم قدر الظلم والتفريط، بل أن يكون كافرًا في نفس الأمر، بل لا يرفع عنهم أن يكون منهم من يُقال بكفره ولو على مقام من مقامات الاجتهاد.

(49) المقالات قد تكون كفرية لكونها مما يعلم اعتقادها من الدين بالضرورة، كادعاء العصمة ونفي العلم للهِ عزوجل والقولِ بتحريف القرآن وسب الصحابة عن بكرة أبيهم، وقد تكون كفرية ولا يُكفر صاحبها إلا أن تُقامَ عليهِ الحجة.

(50) لا بدّ من تحقيق أن يكون الكفري تقول به طائفة معينة، وكون أفراد الطائفة المعينة على درجة واحدة في القول الكفري أو البدعي، يقولُ شيخ الإسلام [قالت الفلاسفة: إن أكثر اختلاف العقلاء من جهة الاشتراك في الأسماء].

(51) ظهرت ثلاث فرق في عهد علي بن أبي طالب رضي الله عنه:

(1) المؤلهة، لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه وقد حرّقهم بالنار، وأنكر عليه ابنُ عباس رضي الله عنه.

(2) السابّة، وهم شيعة ينتسبون إلى علي رضي الله عنه، كانوا يسبون أبا بكر وعمر رضي الله عنهما فأغلظ عليهم.

(3) المفضلة، الذين كانوا يفضلون عليًّا رضي الله عنه على أبي بكر وعمر رضي الله عنهما.

ونتيجة هذا: أن الاشتراك باسم طائفة أو اسم بدعة لا يستلزم اتفاق الأعيان في جميع الحقائق العلمية.

(52) أخذُ التكفير على وجهِ المقابلةِ ليس من طريقةِ أهلِ السنة، وقد حكى البغدادي من الأشاعرة: أنَّ من طرقِ التكفير أنا نكفر من كفَّرَنَا، ومن لم يكفرْنا لا نكفرُهُ.

(53) استقرَّ أمرُ السنّة أن تفضيل عثمان على عليٍّ مسألةٌ اجتهادية، والمنازع ليس صاحبَ بدعة، كما ذكرَهُ شيخ الإسلامِ عن الإمامِ أحمدَ رضي اللهُ عنه، وهذا صحيح فقد جعل عمر الخلافةَ شورى، ومن المستشارين من قدّم عليًّا، ومنهم من قدّم عثمان، فهل نبدّع من قدم عليًّا؟!

(54) يعتبر ابن حزم ممن عنده اندفاع في تكفير الأعيان، فهو يقول مثلاً: وقال أبو هاشم الجبائي الكافر كذا كذا مع أنه يرجع في كتاب الأصول إلى تقرير قاعدة تعد من أوسع القواعد في درء التكفير، وقد أخذها شيخ الإسلام ابن تيمية وانتصر لها بعد تقييدها، وهي: أن من أراد الحق واجتهد في طلبه من جهة الرسول عليه الصلاة والسلام فأخطأه فإن خطأه مغفور له هذه قاعدة قررها ابن حزم، وجاء شيخ الإسلام وشرحها في بعض كتبه، ولكنه قيدها بقيود على هدي الأئمة رحمهم الله.


[شرحُ الوصية الكبرى] في التصوف والسلوك.


(55) الوصية الكبرى، لابن تيمية رحمهُ الله، يتكلم فيه عن التصوف والصوفية وطرائقهم.

(56) أول مسألةٍ وقع فيها الخلافُ مسألة السلوكِ والعمل، فغلا الخوارج والمعتزلة وكفروا من ترك واجبًا، وبخلافهم المرجئة فقد أخرجوه من مسمى الإيمان، وغلا الصوفية في تطبيق العمل حتى خالفوا الكتاب والسنة.

(57) قال شيخ الإسلام [الأصول الجامعة في عقيدة أهل السنة الجماعة -ويقول: في مذهب أهل السنة والجماعة- لا تخفى على آحاد الفقهاء، وإنما الذي يقع فيه كثير من الوهم والغلط عند بعض الفقهاء من أصحاب السنة والجماعة من المتأخرين هو فقه هذه الأصول].

(58) ظهر التصوف بداية بأوجه تحصيل العبادة، والعناية بسماع القرآن والمبالغة في أثره من الموتِ والإغماء، يقول شيخ الإسلام [والنبي صلى الله عليه وسلم والسابقون الأولون لم يكن يحصل لهم ذلك لكمال أحوالهم، فهي حال قاصرة، ولكنها محتملة في الجملة إذا لم تصدر عن تكلف أو رياء، ولكنها ليست من الحال التي يقصد إلى تحصيلها أو يوصى الناس بها] ثم زاد الأمر في تركِ المباحات، ثم في تركِ المشروعات من زواجٍ وصلة أرحام، فكانوا في بداية المئة الثانية متبعون للكتاب والسنة ومعظمون للدليل، إلا أن أنهم خالفوا في العملِ والسلوك.

(59) وفي آخر المائة الثانية زاد الأمر وكان التصوف المنظم، فظهر مصطلح البقاء، والفناء، والصحو والسكر، والكشف والذوق، والعارف والمريد، ثم انتشرت في المائة الثالثة فجُعل الأمر في التصوفِ لا يفقه إلا بفهم المصطلحات والإشارات.

(60) ثم زادَ الإشكال بعد المائة الرابعة، فظهر ما يسمى بالتصوف الفلسفي، وصار يشار إلى ابنِ سبعين، والعفيف التلمساني، والسهروردي، وابن عربي في الأندلس، فهذه طبقات ثلاثٌ، وهذه المصطلحات بعضها مولَّد.

(61) قد يسأل سائل، ويقول: كيف دخلت الفلسفة – وهي عقلية – على التصوف – وهي نفسية -؟ فالجواب: أن هناك فلسفتان، فلسفة تتعلقُ بالعقلِ وأحكامه وهي التي دخلت على المتكلمين في معرفة الله والمسائل الإلهية، وفلسفةٌ تتعلقُ بالنفسِ، فالسهروردي صاحب نظريات الفيض، والإشراق وغيرها.

(62) [مصطلح فناء عن وجود السوى: فناء أهل الوحدة والملاحدة، وهو أن يجعل الوجود وجودًا واحدا، وفناء عن شهودِ السوى: أن يغيب بموجوده عن وجوده، وبمعبوده عن عبادته، كمن وقعَ فوقع محبوبُه، وفناءٌ عن عبادة السوى، فهو حال الأنبياء أن يفنى بعبادة الله عن عبادة ما سواه، وبحبه عن حبّ ما سواه].

(63) كتبَ رسالة الوصية الكبرى إلى عدي بن مسافر الأموي، وهو فاضلٌ في الجملةِ وعليه مآخذ، وأتباعُهُ انحرفوا إلى البدع المغلظة.

(64) حسن التأني، ولين الكلام، مع المخالف لا ينقص من الحقيقة الشرعية، فالأنبياء قالوا [يا قومِ] [فقولا له قولًا لينا]، وبعضهم لا يحسن التأني إلا بإنقاص الحقيقة الشرعية، وخرقِ الأصولِ اللازمة، وعندما يجد الداعيةُ عنادًا واستكبارا فليقل [وإني لأظنك يا فرعونُ مثبورًا]

(65) من كرمِ النبي محمد صلى الله عليه وسلم على اللهِ أنَّ اللهَ حين يذكر وينادي الأنبياء فبأسمائهم، لكن محمدًا عليه الصلاة والسلام أخبرَ عنه [محمد رسولُ الله] وناداها بـ [يا أيها النبي] إشارة لعظمة النبوة وأنها الخاتمة.

(66) تزكيةُ النفسِ من أخص مقاصد الرسالات التي نزلت على النبي صلى الله عليه وسلم، [ربنا وابعث فيهم رسولا منهم يتلو عليهم آياتك ويعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم].

(67) اشتملت هذه المادة على تبيان وسطية الأمة بين الأمم، وتوضيح لمسألة الأصول والفروع، والمحكم والمتشابه.

(68) الأمةُ وسطٌ في علمها، كما هي وسطٌ في عملِها.

(69) أطلق لفظ الأصول والفروع: أبو عبيد القاسم بن سلام، وممن ذكرها شيخ الإسلامِ ابن تيمية وعمِلَ بها وعارضها، فأما ما عارضَ من إطلاقِ هذه الألفاظِ ما فُهم منهُ من أنّ العلميَّ أصولٌ، وأن الأعمال فروعٌ، فجعلوا الصلاةَ والزكاةَ والحجَّ والجهادَ من الفروعِ، وهذا خطأ لأنه درجَ على أنّ العملَ أصلٌ في الإيمان، أو ما يفهم من أنَّ الأصولَ ما جاءَ بالعقلِ والسمع، والفروعَ ما جاءَ بالسمع وحْدَهُ، فمثلًا نزولُ اللهِ معلومٌ بالسمعِ، وكونه سميعًا بصيرًا قادرًا معلومٌ بالسمعِ والعقلِ، فهذا أيضًا غلظ، وأما استعمالُ شيخ الإسلام لها فله وجهٌ، وقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم كما في مسلم، أعلى شعب الإيمانِ قولُ لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، وكونُ الفروعِ ليست لازمةً للأصولِ غيرُ صحيح، وإن قلتَ إن أولَ الإسلام لآخرهِ أصلٌ فليسَ عدلًا ولا حكمة، فيقالُ: إن الأصولَ ما أجمعَ عليه الصحابةُ والأئمةُ في مسائلِ العلمِ والعملِ، والفروعُ ما هيَ دونَ ذلك.

(70) قد يكونُ الشيءِ من جهة علمِه أصلا، ومن جهةِ عملِه فرعًا، كالسواكِ = وقد يكون من جهة علمه وعمله أصلا، كالصلاة.

(71) القرآن من حيثُ هو كلامُ الله كلهُ محكم، ومن حيثُ الإضافةُ فمنهُ محكمٌ ومنهُ متشابهٌ، أي: باعتبار إضافته للمكلفين فبعضه محكم، وبعضه متشابه، والراسخون سواءً علموه أو لم يعلموه يقولون: آمنا به كل من عند ربنا.

(72) العلمُ منه محكم ومتشابه، والعملُ منه محكم ومتشابهٌ.

(73) الصوفية ثلاثة أقسام: صوفية حقائق، وصوفية الرسم، وصوفية الذوق.

(74) صوفيّة الحقائق: قصدوا إلى تحقيق التصوف بطريقة أهل الحديث، أو المتكلمين، أو الفلاسفة، ولا تفسر هذه المصطلحات بكتاب التعريفات للجرجاني، وغيره فإن لكل مدرسة وطريقةٍ تفسيرًا خاصا،

(75) ليس أحد أجلد من التلمساني في التصوف، وإنما عرفُ ابنُ عربي أكثر لشهرتهِ عند العامة.

(76) صوفية الرسم: هم الذين اهتموا بشعار التصوف من حيث اللباس والآداب الوضعية، ومقصوده بالآداب الوضعية: آداب معينة أمام العارف من كيفية الحضور والجلوس، فهؤلاء لم يتعمقوا في التصوف بل يعنون بالذكر والصلاةِ واللباس والآداب، هذا الغالب عليهم.

(77) صوفية الأرزاق: تسموا بالتصوف وانحضروا في بعض مجالس التصوفِ كسبًا للأوقات، وكانت بعضهم يوقف بعض الأرزاق والدور والأماكن على الصوفية أو فقرائهم، فصاروا ينتسبون إليهم، وليسَ التصوف بسائر وجوهه غالٍ، وفي المقابلِ ليس مقتصدًا.

(78) صوفيَّةُ أهلِ الحديث، وهو نوعان: أعيان من العلماء والعباد، نُسِب إليهم التصوف ووضعوا في طبقاتِ الأولياء، ولم يعلم أنهم نسبوا أنفسهم إليه، إنما شهروا بالزهد والعبادةِ كالفضيل ِ بن عياض، وآخر من صوفية أهل الحديث والسنةِ، لم يستعملوا أصولًا خارجة كالفلسفة وعلم الكلام، ووجه الإشكال فيهم تفسير لبعض الآياتِ والسنة بإشارات صوفية، ولم يكن كثيرٌ منهم ممن يعلمون صحيح الرواية من سقيمه.

(79) صوفية المتكلمين: كانَ من شيوخِ الماتريدية متكلمين وقد تلبسوا بالتصوف، ومن أوائلهم : القشيري، والحارث المحاسبي، فقد أخذ بعض نتائج ابن كلابِ مع تصوفِهِ، ثم جاءَ أبو محمد الغزالي فنظمَ كتبه نظمًا كلاميًّا، ولكنه اشتغلَ بالتصوفِ حتى غلبَ عليه، والغزالي كان يصرح بطريقةِ ابن سينا، وسمى الغزالي المذاهبَ ثلاثةً، المذهبُ الجدلي للردّ على الفلاسفة من منظارٍ أهلِ الكلام، وغيرهم لدفع صولِ الفلاسفة، والمذهب العام " الزواجر والداعي " وهو الترغيب والترهيبُ للعامة، ومذهبٌ يقينيٌّ وهو: سرٌّ بينَ العبدِ وربِّهِ.

(80) علمُ الكلامِ أسسه الجهمية والمعتزلة، وهو تحصيل العقائد الإيمانية بالأدلة العقلية، وهو علمٌ مولدٌ بالفلسفة مع جملةٍ من كلياتِ العقل ومجملِ الشريعة.

(81) صوفية المتفلسفة: كان بعض فلاسفة الهند وغيرهم يتقلدون مقدمات فلسفية، لتحصيل التعبد الذين كانوا يعيشونه، وهو تعبدٌّ شركي، فصارَ له متصوفة متفلسفة، وظهر لهذه الفلسفة القولُ بوحدةِ الوجود، ونظرية الحلولِ والاتحاد، فهؤلاء العامة اشتهروا بالتصوف، ولكنهم من حيثُ المقدمات فهي مقدمات فلسفية، ومن أخصّ هؤلاء: ابن سبعين، والحلاج، والعفيف التلمساني، ومحيي الدين ابن عربي، وهؤلاء أشكل مراحل التصوف، وينبّه أنه قد تدخل مراحل لمتصوفة المتكلمين ما هو فلسفي، كما يخرج من أبي حامد الغزالي.

(82) يقولُ ابن تيمية [بعضُ النفوسِ الصالحةِ لا ينتظمُ صلاحهَا إلا بترك بعض المباحات، وتركُ بعض المباحات لا على وجه التحريم بل على وجه إصلاح النفس بتركها، وأنّ النفس إذا انطلقت إلى ترف مباح تأثرت به] وقال [هذه أحوال تحصل لبعض الخاصة من الأئمة، فهي ليس محلاً للاقتداء، ولكنها إذا صدرت من مثل أحمد وأمثاله فليست محلاً للإنكار؛ لأنهم لم يفعلوها على وجه التغيير للسنة، ولا على وجه الدعوة إليها، وإنما هي من فقه إصلاح الحال، والناس يختلفون في ذلك].

(83) لا يحكم على أحد بأنه صوفي بمجردِ انتسابهِ إلى الصوفية، فلربما ألفَ كتابًا في الزهدِ فنسب الناسُ إليه بأنَّهُ صوفي، فهل يعني أنه صوفي؟ وهذا لا يعني أنه لم يتلبس بشيء، لكن قد يكون الأتباع أضر من الأشياخِ، فأتباع مسافر الأموي غلُظت بدعتهم، وبعضهم حتى غلا في يزيد بن معاوية إلى مقامات غالية مستنكرة.

(84) لم يكن بادئ الأمرِ الإسلامُ أمرًا مشكلًا، بل اعتنقه واعتقده الأعراب وغيرهم لموافقته للفطَرِ السليمة، وكونِ الصحابيِّ يأتيه الوَسواس فقد أجاب النبي صلى الله عليه وسلم بأنه صريحُ الإيمان، والحمدُ للهِ الذي رد كيدَهُ إلى الوسوسة.

(85) قال شيخُ الإسلام [أما الإحياء فغالبه جيد، لكن فيه ثلاث مواد فاسدة، فيه مادة من ترَّهات الصوفية -الترهات أي: شبه الأساطير- ومادة من الأحاديث الموضوعة، ومادة فلسفية].

(86) قال تعالى: (وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ) ولم يقل: من بعدهم، فعلم أن الصحابة رضي الله عنهم توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم عنهم وهم على الحق، وبقوا على الحق؛ لأنهم لو كانوا قد انقلبوا بعده للزم أن يكون متبعاً لهم فيما بعد قد اتبع ضلالة، وهذا مما نفاه القرآن، فلما قال تعالى: (وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ)، علم أنهم باقون على أصول العلم والحق التي بعث بها رسول الله صلى الله عليه وسلم.

(87) عَبْدًا مِنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا} [الكهف:65]، أي: جمع له مقام العلم مع الرحمة، ولذلك يقول ابن تيمية رحمه الله: "علم بلا رحمة لا ينفع"، فهو استطالة على خلق الله، ويقول: "رحمة بلا علم لا تنفع".

(88) العارف من وصل إلى درجة المعرفةِ وأصبحَ يُقتدى به، والكشف انكشافُ بعض الحال أو المفهوم أو المعنى.

(89) يقول الإمام ابن تيمية رحمه الله: شعار أهل البدع المغلظة ترك الانتساب للسنة والجماعة وسبيل السلف.

(90) من فقه المصنف أنه إذا خاطب أصحاب السلوك أو أصحاب التصوف أكد مسألة العناية بمعرفة السنة الصحيحة من غيرها؛ لأن هذا الاختلاط دخل على كثير من أرباب السلوك، وعنه -أي: هذا الاختلاط- وقعت كثير من البدع والتصورات في الإسلام عند كثير من العامة من المسلمين.

(91) كلمات أئمة السلف رحمهم الله هي فقه واجتهاد، تجمع مع غيرها من كلامهم وكلام نظرائهم حتى يكون المنهج منهجاً منضبطا مطرداً على أصول الحكمة التي كان عليها الأنبياء عليهم الصلاة والسلام في دعوة من ضلوا سواء السبيل من أجناس الكفار، فضلاً عن المبتدعة المخالفين في شيء من مسائل وأصول الإسلام.

(92) وفي هذا العصر أصبحت كلمة الوسطية فيها نوع من الاقتباس لمناهج لا تحكي وسطية شرعية، فنجد أنه ربما حمل اسم الوسطية على نوع من المجاملات، أو الخفض في تقرير مسائل الشريعة، وإسقاط حقائق الأصول، وإسقاط قدرها، والتهوين من شأن البدع وما إلى ذلك تحت اسم الوسطية في المنهج، وبالمقابل قد يوجد ما يقابل ذلك.

(93) الاجتهاد المخالف للشريعة، هذا هو الموجب للخروج عن أصول الوسطية الثلاثة في حق الخاصة، وهو أخص الموجبات، ولا نقول: هو الموجب الفرد. أما إذا جئنا للعامة فإن أخص موجبات الخروج عن الوسطية في حقهم هو التعصب.

(94) اجتهادُ الصوفية المخالفة للشريعة في ثلاث: (1) اجتهادٌ مع وجودِ النص، ففعلُ عبادةٍ يُتقرَّبُ بها إلى اللهِ وليسَ لها نصٌّ فإن الأصلَ في العباداتِ التوقيفِ وهو نص، وابتداعُ فعل على وجهِ التقربِ مفتقرة إلى نص، وقد يكونُ أصلُ العبادةِ مشروعًا، ولكنهم اتخذوها على صورةٍ وماهيةٍ مخالفة للشريعة بمعنى لمْ تُقرَّ من المتقدمين (2) اجتهادٌ في فقهِ النصِّ على غيرِ قواعدِ الشّريعةِ، كتفسير كثيرٍ من النصوص بالتفسير الرمزي، كخلعِ النعلين من قصة موسى فإنهم فهموا معنىً والقيامِ، حتى صنَّفَ أحدُهم كتابًا.

(95) الرمزية: تحصيل معاني قلبية يتعبد بها القلبُ، أو معاني حركية من سياقاتِ القرآن والسنة لم يكن الصحابةُ يفقهونها.

(96) مسألة فقه الظاهر وفقه الباطن، ودلالة الظاهرِ والباطن، أوجدَتِ اجتهادًا في فقهِ النصِّ على غيرِ نصوصِ الشريعة.

(97) يستدلّ بعضهم بقولِ علي بن أبي طالب [حدثوا الناس بما يعرفون أتريدون أن يكذب الله ورسوله؟] وقولِ ابنِ مسعود [ما أنتَ محدث قوم حديثًا لا تبلغهُ عقولهم إلا كان لبعضهم فتنة] أن هناك نصوصا ظاهرة وباطنة، والجوابُ أنهم يقصدون حدثوا الناسِ بالأصول ليسلموا بها، فإنهم يسلمون بها الفروع.

(98) يقول ابن تيمية رحمه الله: إذا قيل: للنص ظاهر وباطن، أي: معنى ظاهر ومعنى باطن، فإن كان الظاهر موافقاً للباطن فلا جديد، وإذا كان الباطن مخالفاً للظاهر فإرادة معنيين مختلفين إرادة ممتنعة.

(99) اجتهادُ بعضِ الخاصة في ترتيب منازلِ الشريعة، أجلها معرفةُ اللهِ سبحانه وإفرادُهُ بالعبادة، فإن تقديم شيء على الفرائض –العملية أخص- خللٌ في ترتيبِ منازلِ الشريعة.

(100) مسألةُ عدم تعليل الأحكام الشريعة موجودة عند الصوفية، بمعنى أنَّ اللهِ يفعل الشيء لمحض المشيئة لا لحكمة، وعندهم أنَّ هذا هو المقصودُ الإلهي الأول أنه لتحقيق العبودية تتبعُ المشيئة المطلقة، وفرقوا بين الحقيقةِ والشريعة فقالوا: إنَّ العارفَ من وصلَ إلى مقامِ الحقيقة، وفرقوا بين منزلة الحقيقة والشريعة.

(101) مصطلح الشريعة أجلُّ من مصطلحِ الحقيقةِ، لأنه حرفٌ شرعي.

(102) تجد بعد القرونِ الفاضلةِ حصلَ انفصالٌ بينَ العلومِ فتجده متعمقا في فروعِ مذهب معين، أو تعمق في الوعظِ دونَ علم، حتى وصل إلى عصرنا فتجد الواعظ ليسوا من أهل الفقه والعلم المتين، وسببُ الفصلِ التعصبُ والتكلف لشيء والإنكار على غيره.

(103) يظن العامة وكثير من الخاصة إذا ذكرت مسألة التشبه بالكفار فالمتبادرُ إلى الذهنِ هو [اللباس] وهذا فقهٌ جيد، ولكنهم ينسون التشبه بهم بقوله تعالى [وقالت اليهود ليست النصارى على شيء وقالت النصارى ليست اليهود على شيء] فيقول المحدث: ليس صاحبُ اللغة على شيء، والعكس بالعكس، ويقول الواعظ: ليسَ العلمُ على شيءٍ، ويقول العلم: ليس الوعظ على شيء، أو ليس الزهد والمقامات والعبادة على شيء، فهذا من أخلاقِ الأمم الكتابية، كلُّ حزبٍ بما لديهم فرحون.

(104) مسائل السلوك أولى بالفقه فيها من عنده أصول محققة، وهي أصول السلف، وأصول أئمة السنة والجماعة، وذلك حتى لا يكون هذا الباب متاهة لعوام المسلمين في أوجه من البدع والمحدثات في الدين، أو الاشتغال بالمتشابه من العمل عن محكمه، فضلاً عما قد يصل إليه من درجات الغلو والخرافات والأساطير.

(105) التفريطُ يغلبُ على أهلِ المعصية، والإفراطُ يغلب على قاصدي العلم والتدين، والتفريطُ أهون من الإفراط؛ لأن صاحبه يعلم أنه على درجة من الخطإ، واستهواء الشيطان لمعصيةِ الله، أما الإفراطُ فهو يظنُّ على جانبٍ من الحق، كمن يشبُّ وفي طبعه القوة، فيعتبره الناس أنه أكثر تدينا وصلاحًا لفتاويه المشددة، ولكن يجب أن توزن قوة النفس بميزان الشريعة.

(106) أحيانًا لا عمل للقرائن، فخالدٌ ابنُ الوليد قال لمن قال [اعدل يا محمد!]: دعني أضرب عنقه، ثم لم يُتسبح دمه بقرينة قوله، وكما فعلَ أسامة بن زيد رضي الله عنه فإنه عمل بقرينة أنَّهُ كان متعوذًا.

(107) يقولُ ابنُ تيمية –رحمه الله-:"إن الخوارج الأولى في ظاهر مذهب الصحابة أنهم مسلمون ولكنهم مبتدعة باغون ظالمون".

(108) يقول ابن تيمية:ولم يشك أئمة السنة في أن علياً أولى بالحق من غيره، وأن مقاتليه أو أن الطائفة المقاتلة له باغية، وإن كانوا يترددون في تسمية أعيانهم.

(109) لما صنف بعض الفقهاء كتاباً جمع فيه بعض أقوال الفقهاء، وذكره للإمام أحمد، قال له الإمام أحمد: ماذا أسميته؟ قال: يا أبا عبد الله! سميته: كتاب الاختلاف، فقال الإمام أحمد: بل سمه: كتاب السعة.

(110) التسمية الشرعية الأولى أن يسمى ما يقع معه صلى الله عليه وسلم: اتباعاً واهتداءً واقتداء، فهو الذي يتبع اتباعاً مطلقاً، ويهتدى به اهتداءً مطلقاً، ويقتدى به اقتداءً مطلقاً.

(111) جاء في الصحيح لما أقبل أبو موسى رضي الله تعالى عنه في الحج فأفتى الناس في مسائل، وكان عمر رضي الله عنه -وهذا في خلافته- يفتي الناس بغير ذلك، فلما سمع أبو موسى بهذا قال: أيها الناس! من كنا أفتيناه بشيء فليتأد؛ فهذا أمير المؤمنين قادم عليكم فبه فائتموا.

(112) التقليد بغير علم، والتقليد بما يعلم أنه منافٍ للشريعة وتجويزه فضلاً عن التعصب، فإن هذا لم يكن من هدي أحد من الصحابة رضي الله تعالى عنهم.

(113) وهذه الأوجه الثلاثة وهي: العقائد والسلوك والفقهيات، نجد أنه من حيث الاقتضاء الشرعي -أي: التجويز الشرعي- ومن حيث الاقتضاء الممكن عقلاً أن الفقهيات هي الأولى أن تظهر ابتداء، أي: التي لو ظهرت مبكرة لما كان في ظهروها كثير من الإشكال.

لكن المفارقة في تاريخ المسلمين أن أول تعصب وتحيز واختصاص ظهر هو فيما لا يسع التحيز فيه والاختصاص، وهو باب العقائد، ثم جاء بعده الاختصاص والتحيز في باب السلوك، ثم آخر ما ظهر التحيز أو الاختصاص الفقهي.

(114) التعصبُ بدايةً كانَ على يد الخوارجِ والشيعة، ثم موجئة القدرية والمرجئة والجهمية، ثم موجة متكلمة الصفات مدرسةِ ابن كلابِ والماتريدي والأشعري، وهؤلاءِ أخفهم لأنهم كانوا ينتسبون إلى أهلِ السنة والجماعة.

(115) الخوارجِ اشتهروا بهذا الاسم، لا بمؤسس ولا بفكرة كانت حين النبوة أو في عهد أبي بكر وعمر، والمعتزلة اشتهرت بالاسم بغض النظر عن المؤسس، والأشاعرة والماتريدة والكلابية كلهم انطلقوا من مؤسس، فمما يخص مذهب أهلِ السنة والجماعةِ أنه لا يختص لأحد بعينه.

(116) إن كان المؤسس ما يقولهُ هو عين قولِ من سبق فما فائدة الاتنساب؟ وإن لم يكن فإن مسألة العقائد تحولت من أصول وقطعيات إلى وجهٍ من الاجتهاد الذي يرسمه أحد الراسمين في قرن من القرون، وأما أحمد بن حنبل فهو رجل قام بالسنة عملا ودعوةً، وليس معناهُ أننا ابتدأنا من حيثُ بدأ، ولذا قيل لابن تيمية عن [العقيدة الواسطية] قل: هذا مذهب أحمد بن حنبل والحنابلة، فقال: إنَّ هذا المذهبَ موجود قبل أن يولد الإمام أحمد.

(117) بابُ السلوكِ وفقهه فيه سعة واجتهاد كثير، بخلاف العقائد فإنها جملٌ منضبطةٌ، وبعد ظهورِ اسم التصوف وانتساب المتكلمة والفلاسفة إليهم صارَ للسلوك أثرًا عقديًّا، ومما يدلُّ أنّ للسلوكِ اجتهادًا موسّعًا تنوعُ أجوبةِ النبي صلى الله عليه وسلم الصحابةَ في سؤالاتهم، فقال لعبد الله بن بِشر رضي الله عنه – وقد اشتد سنه -: لا يزالُ لسانُكَ رطبًا بذكر الله.

(118) من إشكالات السلوك التعصبية: (1) التسليمُ المطلقُ لطريقةِ الشيخِ المُقتدى به، وبعضهم جعلها هي الحقيقة (2) الامتياز في الآداب الوضعية من لباسٍ وشرابٍ وجلوسٍ وطريقةِ الدخولِ والسلامِ والتقبيلِ والانحناء، ولم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يرتّب لأصحابه طريقةً معينة، بل كان يعلمهم آداب الاستئذان والدخول والخروج والمجلس. (3) التدرج الصوفي والرتَب الصوفية، ولا أصل لها في الإسلام، ولا شك أن الإسلام يتفاضل، وما كان النبي صلى الله عليه وسلم يشتغل أمامَ أصحابهِ بالدرجات، ولا أصحابهُ بل بظهور الإسلام ميّز الصحابة الكبار من غيرهم.

(119) قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: (حدثوا الناس بما يعرفون، أتريدون أن يكذب الله ورسوله)، ويعلق شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله عند هذه الكلمة بقوله: "إن مقصود علي أن بعض العامة ينبغي أن لا يحدث بما هو من السنة أحياناً في بعض المقامات؛ لأنه يقول: حدثوا الناس بما يعرفون، أتريدون أن يكذب الله ورسوله؟ ولو كان مراد علي أنهم لا يحدثون بغير السنة لما قال: أتريدون أن يكذب الله ورسوله، فهذا فقه ينبغي أن يوصل إليه.

(120) أحيانا تكون المطالبة مثالية إن أردت أن تنزع الرجل عن طائفته نزعًا كليًّا، فخفف منه مقدارَ ما تكون دعوتك به مقبولة.

(121) (4) الاختصاص النسبي بطريقة من طرقِ التصوف، بقول [الله الله] أو [هو هو] ليصل لدرجة معينة، وأن الإيمان لا يتحرك إلا بهذه الطرق المحدَثة، بل هدي الشيوخ العارفين من بعد الصحابة، كـ الفضيل بن عياض، أو إبراهيم بن أدهم، أو شقيق البلخي، أو حتى مثل الجنيد بن محمد من مقتصدة الصوفية، لا نجد أنهم يلتفتون إلى مثل هذه الطرق.

(122) (5) بعدُهم عن علم الشريعة المفصل، والمقصود به تصحيح الأحاديث وضعيفها، ومعرفة أحكامِ السلوكِ من الذكر المشروع، وأنواعِ العبادةِ المشروعة.

(123) ذمّ التمذهبِ مطلقًا ليس حكيمًا، وإلزامُ الناسِ به ليس حكيمًا، ومن أرادَ أن يقلدَ عالمًا فقط كالشيخِ الألباني والشيخ ابن باز فله وجهٌ، بشرطِ ألا يقلدَ مع تركِ الدليل، والتقليدُ ليس يقابلهُ الدليل، بل قد يكون عن دليل، إنما يقابلهُ الاجتهاد.

(124) لا يتربى الإنسانُ على القولِ في مسألة: لا دليل عليها، وينهي بها المسألة، كمسألة غسلِ الجمعةِ حينَ يرى الوجوب، فيقول: لا دليل أنه مستحب، مع أنه قول الجمهور وجمهور المتقدمين، بل وحُكي إجماعًا، ومن يستقرأ حديثَ أبي سعيد في لفظ [الوجوب] يعلم أنه في عدة أحاديث جاء لفظ الوجوب، وأئمة المسلمين على عدم وجوبه، كحديث [خمس تجب للمسلم على أخيه].

(125) أحيانًا يختطف بعض طلابِ العلم بعضَ الكلمات الأصولية اختطافًا غير رشيد، فيستعملها بطريقةٍ ليست منظمةً ولا صحيحة.

(126) قال ابنُ تيمية –رحمه الله-[إنَّ الجمهورَ من الأئمة يذهبون إلى أنَّ التقليدَ جائزٌ، والاجتهادَ جائزٌ، فمن كان أهلًا للاجتهاد صار حكمُه فيه إليه، ومن كان ليس كذلك صارَ حكمُه إلى وجهٍ من التقليد] والتقليد أوسع من المذاهب الأربعة.


أبو الهمام البرقاوي
1435/6/5هـ.
2014/4/6م.