المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : ظاهرة قطع الرحم بسبب الميراث



أهــل الحـديث
04-04-2014, 11:30 AM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم




file:///C:\Users\SALIMS~1\AppData\Local\Temp\msohtmlclip1\ 01\clip_image002.gif



لايخفى علينا أهمية صلة الرحم في حفظ الأنساب ,وهذه خطبة جمعة 28\04\1435 بمسجد مصعب بن عمير بباتنةـ الجزائرـ كتبتها , وأدرجها في هذا المنتدى عسى أن ينفع بها الله تعالى...آمين.



ظاهرة قطع الرحم بسبب الميراث

الحمد لله الذي خلق من الماء بشرا ,فجعله نسبا وصهرا ،وشق للرحم من اسمه فأضفى عليها شرفا وقدرا, وأمر بصلتها ورتب على ذلك أجرا ,ونهى عن قطيعتها لأن في ذلك إثما ووزرا .
وأشهد أن لا إله إلا الله ,وحده لا شريك له , شهادة أرجو بها منه صلة ,يوم يفر المرء من أخيه وأمه وأبيه ... فقد أنذرنا سبحانه وبذاك اعذرنا وقال : " لن تنفكم أرحامكم ولا أولادكم يوم القيامة يفصل بينكم ..."
وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ,المبعوث رحمة للعالمين ,وإنما بُعث ليتمم مكارم الأخلاق ,فكان أولَ ما أمر به صلةُ الأرحام والنهيُ عن القطيعة والشقاق , وأكد على ذلك وما أكد إلا لما في قلبه لهذه الأمة من الرأفة و الرحمة و الاشفاق ,صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم عدد ما كان للشمس من غروب وإشراق.
أما بعد : " أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به و الارحام إن الله كان عليكم رقيبا " .
أيها المومنون : فقد أنعم الله تعالى علينا بأكمل شريعة وأحسنها على الإطلاق ,وذلك لما اشتملت عليه من المقاصد العظيمة التي تحفظنا من التفكك والانشقاق ,ومنها حفظ العرض والنسل ,حيث شرع الله تعالى لنا من الأحكام ما فيه تمام الصيانة لأعراضنا من الهتك ,وتمام الوقاية لنسلنا وأنسابنا من التضارب أو الاختلاط ,بل حث النبي صلى الله عليه وسلم على تعلم الأنساب فقال : " تعلموا من أنسابكم ما تصلون به أرحامكم " أخرجه الترمذي وصححه الألباني
فكانت هذه من أعظم المناقب التي تميزت بها أمتنا عن باقي الأمم التي لا يدري أحدهم من أي فصيلة ينحدر ,بل من هما أبواه ,وربما تزوج أحدهم أخته أو أمه ,في خلط عظيم وقى الله منه أمة الاسلام بما شرعه لهم من صلة الأرحام التي تحفظ للعبد نسبه .
ثم إن صلة الرحم لتدر على المؤمنين من المحبة والتراحم والمودة و الائتلاف ,ما لا يعرفه غيرنا من الأمم, فهي تبرز عناصر الاشتراك والتوافق كالدم , والتشابه الخَلقي وغيرها ,وفيها من التقارب بين العباد والتعارف ما يجعل الأرواح تأتلف ولا تختلف.
قال صلى الله عليه وسلم:" إن صلة الرحم محبة في الأهل..."رواه أحمد والترمذي وصححه الألباني
وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول على المنبر: " تعلموا أنسابكم ثم صلوا أرحامكم والله إنه ليكون بين الرجل وبين أخيه الشيء ولو يعلم الذي بينه وبينه من داخلة الرحم لأوزعه ذلك عن انتهاكه"رواه البخاري في الأدب المفرد وحسنه الألباني .
فانظروا أيها المؤمنون إلى آثار رحمة الله كيف يؤلف بين القلوب المتنافرة بمجرد ما أن تعلم ما بينها من الرحم والنسب ,قال صلى الله عليه وسلم:"قال الله عز وجل: أنا الرحمن، وأنا خلقت الرحم، واشتققت لها من اسمي، فمن وصلها وصلته، ومن قطعها بتَتّه"رواه البخاري في الأدب المفرد وصححه الألباني.
" وقال صلى الله عليه وسلم: "الرحم ُشَجنة من الرحمن..."رواه البخاري في الأدب المفرد وصححه الألباني.أي أن الرحم أثر من آثار رحمته مشتبكة بها كعروق الشجرة، والقاطع لها قاطع لرحمة الله تعالى.
فصلوا أرحامكم أيها المؤمنون ,وبُلُّوها ببَلالها ولو كانوا من الكافرين ,فقد أمر الله جل وعلا بذلك في أكثرَ من آية أو حديث ,وأكد ذلك أيما تأكيد ,بل ورتب على قطيعتها عظيم الوعيد ,فقال تعالى :"وآت ذا القربى حقه" وقرن ذلك بتقواه فقال :" واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام ..." وأثنى على من امتثل ذلك فقال :" والذين يصلون ما أمر الله به أن يوصل... " .
ورغب النبي صلى الله عليه وسلم فيها فقال :"من سره أن يبسط له في رزقه وأن ينسأ له في أثره فليصل رحمه"أخرجاه .
وحذر صلى الله عليه وسلم من القطيعة فقال : "إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ الْخَلْقَ حَتَّى إِذَا فَرَغَ مِنْهُمْ قَامَتِ الرَّحِمُ فَقَالَتْ هَذَا مَقَامُ الْعَائِذِ مِنَ الْقَطِيعَةِ. قَالَ نَعَمْ أَمَا تَرْضَيْنَ أَنْ أَصِلَ مَنْ وَصَلَكِ وَأَقْطَعَ مَنْ قَطَعَكِ قَالَتْ بَلَى. قَالَ فَذَاكَ لَكِ ". ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- " اقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ (فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِى الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا)".
فاتقوا الله عباد الله في أرحامكم وإياكم والقطيعة فإنها شؤم في الدنيا والآخرة ,تسْوَدُّ منها القلوب وتَضيق الصدور ,وتكدر المعيشة ,وتمحق البركة ,وتوجب اللعنة من الله ,وتحقق ميتة السوء ,وتَحْرم من الجنة , وتقوي الأعداء ,وتقلل من التعاون والتناصر.
وعلى فحش هذه السيئة ,فقد عمت بلواها هذه الأيام التي طغت فيها المادة، وقل فيها التواصي بالحق، فكثير من الناس - والله المستعان- لا يشارك أقاربه في أفراحهم، ولا يواسيهم في أتراحهم، ولا يتصدق على فقيرهم و لا يعرف قرابته بصلة؛ لا بالمال، ولا بالجاه، ولا بالخُلق، تمضي الشهور، وربما الأعوام، وما قام بزيارتهم، ولا تودد إليهم بخدمة، أو هدية، ولا دفع عنهم حاجة أو ضرورة أو أذية، بل ربما أساء إليهم بالقول أو الفعل، أو بهما جميعا.
ولهذا كله أسباب عديدة منها : الجهل بقدر الرحم وشؤم القطيعة مع ضعف التقوى ورقة الدين ,وقد يطغى على النفس شح وبخل ,أو ربما يشتغل العبد بالدنيا واللهث وراء حطامها، فلا يجد وقتا يصل به قرابته، ويتودد إليهم, أو قد يحدث طلاق بين الأقارب، فتكثر المشكلات بين أهل الزوجين .
و من أعظم هذه الأسباب تأثيرا أن يكون بين الأقارب ميراث لم يقسم؛ فتتعارض المصالح مع قلة التقوى والإيثار ,وضعفِ منزلة الرحم في القلوب فتتعاظم المشكلات وتحل الفرقة، وتسود القطيعة ,ولا حول ولا قوة إلا بالله .


بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم



ونفعي وإياكم .........



الخطبة الثانية

الحمد لله خير الوارثين ,وله الشكر دائما ,وصلى الله على نبيه محمد الذي لم يورث دينارا ولا درهما ,وإنما ورث العلم فمن أخذ به أخذ بحظ وافر ,ورضي الله عمن ورثه من آله وصحبه أهل التقى والمآثر ,أما بعد :
أيها المؤمنون : لقد أصبح الميراث هذه الأيام , من أشد المفرقات التي تقطع الأرحام ,وهذا لأسباب كثيرة:
منها تأخير القسمة حتى يتقادم العهد عليها إما تهاونا أو أن بعض الورثة عنده شيء من العناد أو له مصلحة خاصة في ذلك أو نحوه ,وكلما تأخر قَسْمُ الميراث شاعت العدواة والبغضاء بين الأقارب؛ فهذا يريد حقه من الميراث ليتوسع به، وذاك يموت ويتعب من بعده في حصر الورثة، وجمع الوكالات حتى يأخذوا نصيبهم من مورثهم، وآخر يسيء الظن بأخيه ،حتى تتأزم الأوضاع فتسوء العلاقة وربما وصلت الحال بهم إلى الخصومات في المحاكم فيصبحون ضِحكة لغيرهم .
لذا يجدر بكل عاقل حصيف أن يعجل بقسمة الميراث و لايؤخره ,وليس في ذلك إساءة للميت , وإنما درءا للخصومة وحفاظا على اجتماع القلوب.
ومن الأسباب أيضا : الجور في الهبة والعطية في الحياة؛ فبعض الآباء يعطي بعض ولده أكثر من غيره ولا يعدل ,فإذا ما توفي طلب المظلوم الرجوع في تلك الهبة الجائرة ,فيستبد الموهوب له ويلح المظلوم ثم يختلفان ويتقاطعان.
فاتقوا الله أيها المؤمنون واعدلوا بين أولادكم .
ولم يزل بعد في كثير من الناس بقايا من أعمال الجاهلية الأولى وقد وصفهم الله بقوله :" وتأكلون التراث أكلا لما وتحبون المال حبا جما " فيأكلون الميراث أكلا شديدا إذ يُلمّون نصيب النساء والأيتام لماًّ لهم فلا يورثونهم لضعفهم ,حتى إذا بلغ اليتيم وعرف حقه أو توفيت المرأة وظهر فروعها طلبوا حقهم ,وقد لايبقى من التركة شيء يُعطَوْنَه فَتَحْتَقِنُ القلوب بالعداوة والبغضاء .


وظُلم ذوي القربى أشدّ مضاضةً ... على المرء من وقع الحسام المهنّد

فاتقوا الله أيها المؤمنون في أموال اليتامى فقد قال تعالى: " إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا ".
واتقوه في إمائه ولا تمنعهون حقهن فالمال مال الله, وهو الذي يقسمه كيف يشاء ,واسمعوا وعيده لمن تعدى حدوده فقد قال بعد أن بين وصيته لعباده "يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين ... " قال: "... ومن يعص الله ورسوله ويتعد حدوده يدخله نارا خالدا فيها و له عذاب مهين " .
وبعض الورثة هداهم الله يتحايلون على مورثهم إذا ما أوصى بجزء من ماله فيكتمون الوصية؛ فيبدلونها أو لا ينفذونها ويتقاسمونها بينهم كباقي التركة ,فلا يزالون مختلفين على ميراثهم ذلك متعادين ,من شؤم تلك الوصية التي بدلوها , قال تعالى " فمن بدله بعدما سمعه فإنما إثمه على الذين يبدلونه إن الله سميع عليم ".
وإن مما يزيد هُوَّةَ الخلاف بين الأقارب الورثة عدم التحاكم للكتاب والسنة إذا ما تنازعوا , بل ويعجب كل ذي رأي برأيه ويتعصب له ,ولو ردوه إلى الله وإلى الرسول لكان خيرا لهم, لأن حكم الله عدل محض , وخير الهدي هدي نبيه صلى الله عليه وسلم ,قال تعالى :"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا" ,وقال تعالى :" وما اختلفتم فيه من شيء فحكمه إلى الله " .
وما معنى أنك مسلم ـ يا عبد الله ـ إلا أنك تستسلم لأمر الله وتنقاد لحكمه إذا ما عارض هواك.
وما قيمة المال إذا ما سخط عليك ربك .
وما قيمة المال إذا ما خسرت رحمك وظلمت قرابتك.
فتوبوا إلى الله جميعا أيها المؤمنون ,وصلوا من قطعكم من أرحامكم ,فليس الواصل بالمكافىء، كما قال صلى الله عليه وسلم "ولكن الواصل الذي إذا قطعت رحمه وصلها " وذلك دليل كرم النفس ,وطيب المنبت, وسعة الأفق ,وحسن الوفاء ,وخيركما الذي يبدأ بالسلام.
وصلى الله وسلم على نبيه محمد.....