المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : غَائِبٌ غيرُ مُنتظَر ! - مقالٌ لأختكم ..



أهــل الحـديث
01-04-2014, 10:30 PM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


.
.


للفواجعِ ضروبٌ لا يشعرُ بها إلا من عاش بين أروقتها !
وللحُزنِ أماراتٌ لا تكادُ تغيب عن ملامح من عاش تفاصيله !

ولا يملكُ المرء إلا أن يُردد : إنا للهِ وإنا إليه راجعون .. والحمدُ للهِ على ما يقضي ويُقدّر .

باللهِ عليك ..
هبْ أنك مُنهمكٌ في مشاغلِ الحياة ، لا تكادُ تُلقي للمحيط الخارجي أدنى إهتمام !
فيردُكَ على حينِ غفلةٍ منك اتصال ، فترفعُ سماعةَ الهاتف دُون أن تكترث بالمتصل ..
فتسمع : عظّم الله أجركَ في فلان !

باللهِ .. كيف يكون حالُك ؟
وأنّى لك أن تبتهج لسويعةٍ واحدة .. بعد ذلكم الخبر ؟!

وللهِ ما أشدَّ وقع الكَلمِ على القلب ، ما أشدَّ الصدمة والألم !

وما أشدَّ وقع انهمار الذكريات من كل حدبٍ وصوب .. حتى أنك تُحاول جاهدًا إيقاف زِمام عقلك وهو غير مكترثٍ لما أصابك !
وكأنه لا يأبه بمقدار ألمك ، وسكونك ، وصدمتك .... فتجده يُعيد إليك الماضي كُله .

للهِ .. !
كيف أن الموت يُغيّب البهجة ويبتُرها !
كيف أنه يسكُن في أحشاءِ القلب فلا تجد ممرًا إلا وهو مُمزقٌ من فرطِ الألم والوجع ..
كيف أن الفراق لا يرحمُ قلوبنا الهشّة !

كنتُ البارحة في عزاءِ إثر وفاة أخ صديقةِ أختي ..
ووردني قبلها خبر وفاة أبناء مدير جامعة الجوف

فرأيتُ بين نصبِ عينيّ حادثتين كل واحدةٍ أشدُ عليّ من الأخرى !
الأولى في الرابع عشر من شهر شوال
إثر وفاةِ والد أمي ..
فتلقيتُ مكالمةً هاتفية من والدي :
أمجاد .. عم سعيد توفى !

والثانية في السابع والعشرين من ذاتِ الشهر
إثر وفاة والد أبي ..
فجاءتني أختي في حينِ كُنت أُجري مكالمةً هاتفية لتقول :
أمجاد .. جد أحمد مات !

فغشيني من الهمِ ما غشيني ، وأصابني من فرطِ الوجع والمرارة ما لا يُشكَ إلا لله وحده ..
ولا يعلمُ ما يكتنهه الفؤاد إلاهُ .. وحسبُنا هو واللهُ ..
ولولا أن المرء يعلم أن الله مع المنكسرين ، فيجبر الكسر ، ويُضمّد الجرح ، ويُثبت الإيمان إبَان المحن ..
لما قويَ والله على أن يعيش في ظلِ هذه الظروف ، فيتصبر ويصبر ، ويتناسى علّه ينسى !

وإن يعلم الله فرط ما لاقيتُه من الحُزنِ عليهم ، وعلى مُحيّاهم الذي غابت عنه البهجة !
فأسألُه سبحانه .. أن يجبر كسرهم ، ويربط على قلوبهم ، ويرزقهم الصبر والسلوان ، ويُحلّهم منازل الصابرين .
إنه ولي ذلك والقادر عليه ..

وواللهِ مهما بلغ الراقمُ من البيانِ والفصاحة لن يستقيم يراعهُ ويفي بالحديث عن مثل هذه المواقف !
ولن يستطيع أن يصف ما يكتنهه من شِدة الوقع ، ولا أن يُواسي ويُصبّر !
وإن كان ذلكم الراقم قد عاش ذات الموقف ، وقاسى سياطه ..

وليسَ الخبرُ كالمعاينة .. والله المستعان !


/


إن كانت كل الغيابات ننتظرُ عودة أصحابها !
فالموتُ غائبٌ نسيناه .. أو إن صحّ التعبير " تناسيناه " !
كأننا غير مُكترثين أن ثمة حياة غير التي نعيشها الآن ..

قال تعالى :
( كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ۗ وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً ۖ وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ )

وقال كعب بن زهير في قصيدة له :
كُلُّ ابْنِ أُنْثَى وَإِنْ طَالَتْ سَلَامَتُهُ ** يَوْماً عَلَى آلَةٍ حَدْبَاءَ مَحْمُولُ !

فلنُعِد النظر مليًا في حياتنا وما فعلناه فيها !
وواللهِ إن القلب الذي لا يفتئ أن يذكر الموت تراهُ يُعيد النظر في كل شيء !
ولا يقدم على شيء إلا وهو موقنٌ أنه يُرضي الله ، ويُزلفهِ إليه ، ويُقرّبه من ميادينِ رضوانه ..

وإن القلب الذي لا يذكره تراهُ مُعرضًا متناسيًا أن ثمة حفرة تنتظره طال الأمد أو قصر !

والعبدُ الموفق من جعل الموت نصبَ عينيه ..
وعاش في الدنيا كغريبٍ أو عابر سبيل .. وأحسنَ كما أحسنَ الله إليه
ولم يبغِ الفسادَ في الأرض إذ أن الله لا يحبُ المفسدين !

وتلكم والله هي أسمى المقامات ..
- نسألُ الله من فضله -

كنتُ قبل أمدٍ ليسَ ببعيد في المستشفى إثر وعكةٍ صحية تعرضتُ لها ..
فتطلبت مني عمل أشعة ، فأُدخلتُ لمكانٍ مُظلمٍ جدًا خلا النور الذي يأتي من خلف الباب الزجاجي ..
فطُرحتُ على السرير ، وواللهِ رأيتُ بين عينيّ أنني مُلقاةُ في سرير غسيل الموتى !

تباطئت نبضاتُ قلبي ، ونسيتُ أمر الأشعة ، حتى إن الممرضة تصرخُ من خلف الزجاج لأفعل كما تطلب لكن بالي لم يكُن في الواقع !
للهِ كم نحنُ مقصرون ، مُفرطون !
أعطينا الدنيا أكبر من حجمها للحدِ الذي جعلنا ننسى بأننا عابري سبيل ليسَ إلا !

وَ

" جنائزُ الغد تتنفسُ اليوم " *

وقد قال أحدُ الراقمين في تويتر :
" الصلاة على الميتِ يرحمكم الله "
هذا النداء لم يترك لذي عقلٍ فرح !

وهذا حديثٌ لـ علي الطنطاوي - طيّب الله ثراه - :
" تذكّروا كم نودي في الحرم : " الصلاة على الميت الحاضر " ، وكم وقفتم مع المصلين . وكم مررتم على المقابر ووقفتهم عليها ،
وكل قبرٍ فيها قد صار قبرًا مِرارًا .
هل فكرتم - في هذه الحالات كلها - في الموت ؟ هل نتصور أننا سنموت ؟ "


ربَّنا .. آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة إنا هُدنا إليك .
ربّنا .. لا تكلنا إلينا ، وهب لقلوبنا الواهنة فضلًا منك ورحمة .
ربّنا .. إننا آمنا بك وبنبيك - صلى الله عليه وسلم - فاكتبنا مع الشاهدين .
ربّنا .. اجعلنا من الصادقين معك ، المتوكلين عليك ، المُحسنين الظنِ بك .
ربّنا .. إنّا نُحبك ، فزدنا حُبًا فيك ، وتعلقًا بك ، وإقبالًا عليك ..
ربّنا .. تقبل منّا إنك أنت السميع العليم ، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم ، وتوفنا مسلمين وألحقنا بالصالحين ..


هذا والعلمُ عند الله ..
إن لاقى الكَلِمُ قبولًا في قلوبكم فإمساكٌ بمعروف .. وإن لم يلقَ فتسريحٌ بإحسان ..
والله المستعان .. وعليه التكلان ..

وإني لأحوج الناس لأن أتعظ أكثر مني أن أعظ ، لكن الذكرى تنفعُ المؤمنين ..
أسألُ الله أن ينفعني وإياكم ، وأن يهدينا سُبل الرشاد ، وأن يوفقنا لبليغ القولِ ، وحُسنِ العمل .



مدادُ /
أمجاد محمد .