المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : تبارك اللهُ أحسن الخالقين



أهــل الحـديث
27-03-2014, 08:20 PM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم



بسم الله الرحمن الرحيم


إن خلقَ اللهِ عزوجل هو أعم أي أشمل من خلق الإنسان لأنه سبحانه وتعالى يخلق من عدم غير موجود وكذلك من أصل موجود، قال تعالى (وهو الذي يبدؤ الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه وله المثل الأعلى في السماوات والأرض وهو العزيز الحكيم‏)، فحقيقة أن الله عزوجل يخلق من عدم غير موجود ظاهرة في لفظ (وهو الذي يبدؤ الخلق ) أي أنه سبحانه وتعالى أنشأ أول الخلق الذي لا خلق سابق له من عدم غير موجود. أما حقيقة أنه سبحانه وتعالى يخلق من أصل موجود ظاهرة في لفظ ( ثم يعيده) أي أنه سبحانه وتعالى يعيد الحياة في الخلق بعد موته أي يبعث الحياة في أصل ميت لقوله تعالى (ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُونَ * ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ) فحرف (ثم) يفيد الترتيب مع التراخي في الزمن بين حدوث الموت وحدوث البعث، وكما هو معلوم فإن البعث يكون في شيء موجود وليس في عدم غير موجود فكلمة (بعث) لُغةً: هي الإثارة أو الإيقاظ. أما الأصل الميت الذي تُبعث فيه الحياة من جديد هو عجب الذنب، وهي عظم في أسفل الظهر، وتُسمى رأس العصعص ينبت الإنسان منها يوم البعث كما ينبت نبات البقل لقول الرسول صلى الله عليه وسلم ( كل بني آدم يأكله التراب إلا عجب الذنب منه خُلق وفيه يُركب ) وكذلك قوله عليه الصلاة والسلام ( ثم ينُزل الله من السماء ماء فينبتون كما ينبت البقل ليس من الإنسان شيء إلا يبلى إلا عظما واحدا وهو عجبْ الذنبَ ومنه يركب الخلق يوم القيامة) فهذه الأحاديث الشريفة تُشير إلى حقيقة علمية وهي أن جسد الإنسان يتحلل عند موته بإستثناء رأس العصعص وقد أُثبت علمياً بأن رأس العصعص هو الأساس في تكون خلايا وأنسجة الجسم المختلفة أي أنه هو الأساس في خلق الإنسان ما يعني أنه قابل ومتهيء كي يَنبتُ الإنسان ويُبعث منه من بعد الموت، وما يؤكد ذلك أن أنوية خلايا رأس العصعص تحتوى على الخلايا الرئيسية التي تتألف منها جميع الأنسجة في الجسم، أما كيفية خلق الله عزوجل لخلقه هي بكلمة ( كن فيكون )، لقوله تعالى (بديع السماوات والأرض وإذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون).

أما خلقُ الإنسان فهو أخص لأنه لا يخلق إلا من أصل موجود كما أنه ضعيف وعاجز ويحتاج إلى وسيلة، أي سبب دنيوي، تساعده على الخلق حتى لو كانت هذه الوسيلة أعضاؤه. فالإنسان يصور ويُشكل الأصل بتغيير صورته وشكله الأصلي فيُضفي على الأشياء صورة وشكلاً جديداً ومن ذلك قول الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث الشريف عن عائشة رضي الله عنها (" أَوَمَا عَلِمْتِ أَنَّ الْمُصَوِّرِينَ يُقَالُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ : أَحْيُوا مَا صَوَّرْتُمْ" ولكنه يعجز عن إستحداث شيئاً من عدم وكذلك يعجز عن إفناء شيئاً إلى عدم وهذا ما أثبته العلم الحديث في مبدأ حفظ المادة ومبدأ حفظ الطاقة. فمبدأ حفظ المادة ينص على أن ( المادة أي الكتلة تتحول من شكل إلى آخر ولكنها لا تُفنى أي لا تنقص، ولا تُستحدث أي لا تزيد). ومثال على ذلك: هطول المطر، فالماء يتبخر من المسطحات المائية ومن النباتات على شكل بخار ماء يصعد إلى أعلى في تيارات هوائية مُشبعة ببخار الماء فيبرد فيتكثف على شكل تجمع مرئي لجزيئات متناهية الصغر من قطيرات ماء فائق البرودة وبلورات ثلجية في وسط كمية هوائية مُشبعة ببخار الماء ثم يتزايد حجم البلورات على حساب نقصان حجم قطيرات الماء فتسقط البلورات الثلجية عندما يكبر حجمها وتهطل على شكل مطر إذا كانت درجة حرارة الهواء على سطح الأرض فوق الصفر مئوي أو تنزل على شكل ثلج إذا كانت درجة حرارة الهواء على سطح الأرض تحت الصفر مئوي. وبالتالي كمية الماء التي تتبخر على شكل بخار ماء لا تنقص ولا تزداد وإنما تتحول إلى شكل آخر وهو المطر، أي سائل، أو إلى ثلج أي صلب. أما مثال على مبدأ حفظ المادة في خلق الإنسان فهو تغييره لصورة الماء السائل وصورة التراب اللين عند خلطهما مع بعضهما البعض ليتشكلوا في صورة تمثال حجري صلب ذو كتلة متساوية لمجموع كتلة الماء وكتلة التراب بدون أي نقصان أو أي زيادة، مع الأخذ في الحسبان إمكانية تبخر جزء من الماء إلى بخار ماء خلال تصلب التمثال إلى تمثال حجري. أما مبدأ حفظ الطاقة ينص على أن ( الطاقة تتحول من شكل إلى آخر ولكنها لا تُفنى أي لا تنقص، ولا تُستحدث أي لا تزيد). ومثالُ ذلك: الطاقة الحرارية التي يمتصها سطح الأرض من أشعة الشمس فيسخن ثم تنتقل إلى طبقات الهواء الملامسة له فتسخن وتقل كثافتها وتصعد إلى أعلى ما يعني أن الطاقة الحرارية التي أمتصها سطح الأرض ثم إنتقلت إلى الهواء الملامس له تحولت إلى طاقة حركية ساعدت جزيئات الهواء على الصعود إلى الأعلى وطاقة مختزنة كامنة فيه، بحيث أن كُلَّ الطاقة الحرارية التي إمتصها من سطح الأرض تحولت إلى طاقةٍ حركيةٍ وطاقةٍ كامنةٍ بدون أي زيادة أو نقصان. أما مثال على مبدأ حفظ الطاقة في خلق الإنسان هو التدفئة الكهربائية التي تُحول الطاقة الكهربائية المنقولة في الأسلاك الموصلة إليها إلى طاقة حرارية يتم إشعاعها في الجو المحيط بها لبعث الدفء فيه، وذلك بتحويل جزء من الطاقة الكهربائية المارة في الموصل المعدني، وهو عنصر التسخين، إلى طاقة حرارية إشعاعية من سطح الموصل بسبب إرتفاع درجة حرارته بفعل مقاومته للتيار الكهربائي المار فيه. بحيث أن الطاقة الكهربائية المتحولة والمارة في الموصل تساوي في المقدار مجموع الطاقة الحرارية التي يتم إشعاعها من سطح الموصل والطاقة التي يتم تخزينها في داخل الموصل دون أي زيادة أو نقصان.

وبناءاً على ذلك إذا ما أجرينا مقارنةً موجزة بين خلق الله وخلق الإنسان، نجد أن الإنسان يشترك مع الله عزوجل في الخلق من أصل موجود بينما الله سبحانه وتعالى يختص بالخلق من أصلٍ غير موجود أي عدمٍ غير موجود ومن أجل ذلك يُعتبر خلقُ الله عزوجل للمخلوقات أعم وأشمل من خلق الإنسان للأشياء بتغيير صورتها الأصلية التي أُنشئت منها بمشيئته وإرادته سبحانه وتعالى مع فرق أن الله سبحانه وتعالى يخلق المخلوقات جميعها بكلمة (كن فيكون ) سواء خُلقت من عدم غير موجود أو من أصل موجود، بينما الإنسان لا يخلق إلا من أصل موجود وبالإستعانة بالوسائل أو الأسباب الدنيوية التي هي أصلاً من خلق الله عزوجل ولذلك قال تعالى (فتبارك الله أحسن الخالقين )، فذُكرت صفة الخالق في الآية الكريمة على صيغة جمع في إشارة إلى خلق الإنسان أو الناس بمشيئة وإرادة الله سبحانه وتعالى. مع الإشارة إلى أن مقدرة الإنسان على الخلق من أصل موجود أي أهون بكثير من إعجاز قدرة الله عزوجل في الخلق من عدم غير موجود لقوله تعالى (وهو الذي يبدؤ الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه ) فقال المفسرون: أي إعادة الخلق أهون على الله سبحانه وتعالى من بدئه وكلاهما هين، أي سهل، وقال ابن عباس: يعني أيسر عليه، أي أن كلاهما يسير وذلك لأن كلمة أهون هي إسم تفضيل يدل على زيادة في صفة السهولة، وكذلك قدرة الإنسان في الخلق هي ضعيفة الشأن مقارنةً مع عظمة قدرة الله عزوجل في الخلق لأنه خلق المخلوقات من أصل موجود أهون عليه سبحانه وتعالى من خلقها من عدم غير موجود، و عندما يخلق سبحانه وتعالى من أصل موجود فمن عظمة قدرته أنه يخلق بكلمة ( كن فيكون ) دون الإستعانة بأي سبب أما عندما يخلق الإنسان الأشياء من أصل موجود فإنه لا يستطيع إنجاز خلقه إلا بالإستعانة بالأسباب الدنيوية. فيبدو واضحاً كيف أن ما يخلقه الإنسان من أصل موجود هو أهون بكثير مما يخلقه عزوجل من أصل موجود والذي هو هين عليه وكذلك أهون عليه سبحانه وتعالى مما يخلقه هو عزوجل من عدم غير موجود، وبالتالي يزداد هون ما يخلق الإنسان من أصل أمام ما يخلق الله سبحانه وتعالى من عدم غير موجود.

وفي النهاية أود أن أوضح وجه من أوجه عظمة الله الملك الخالق العظيم المتجلية في تسبيح جميع المخلوقات له سبحانه وتعالى طواعية وكراهية تعظيماً وتمجيداً وتبجيلاً له لأنه هو عزوجل خالقُها ومُنشؤها وبارؤها. فكما هو معلوم التسبيح له وجهان متلازمان، وهما التسبيح الروحي المعنوي الغير محسوس والتسبيح المادي المحسوس، فالإنسان على سبيل المثال يُسبح في قلبه ولسانه وجوارحه تسبيحاً معنوياً، وكذلك يُسبح بطلبه للرزق تسبيحاً مادياً. وكذلك الحجارة والخشب والهوام والحشرات والألون لها تسبيحاً مميزاً لها يُناسبها أودعه الله الملك الخالق العظيم فيها وهو مُخالف في خصوصيته لتسبيح الإنسان كما ذُكر في الحديث الموقوف عن ابن مسعود رضي الله عنه (كنا نأكل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الطعام ونحن نسمع تسبيحه )، فجميعها لا تُسبح الله عزوجل لفظاً وإنما تسبيحها لا يفقهه الإنسان لقوله تعالى (تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا). أما بالنسبة لتسبيح المخلوقات المادي المحسوس فهو يتمثل في الطلب المستمر والغير منقطع لعطاء الله عزوجل في الكون وفي الطبيعة وفق القوانين المادية التي سخرها الله عزوجل للمخلوقات جميعها، لأن تسبيح الله عزوجل هو تمجيده وتقديسه وتنزيهه عن كل نقص لأنه سبحانه وتعالى المُعطي لجميع خلقه دون أن ينقص ذلك من مُلكه مثقال ذرة ودون أن يُعجزه ذلك ودون أن يحتاج أحداً من خلقه، وفي الحديث عن أبي ذر رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ،( قال : " يقول الله : يا بن آدم ، كلكم مذنب إلا من عافيت. فاستغفروني أغفر لكم ، وكلكم فقراء إلا من أغنيت ، فسلوني أعطكم ، وكلكم ضال إلا من هديت ، فسلوني الهدى أهدكم ، ومن استغفرني وهو يعلم أني ذو قدرة على أن أغفر له غفرت له ولا أبالي ، ولو أن أولكم وآخركم وحيكم وميتكم ورطبكم ويابسكم اجتمعوا على قلب أشقى واحد منكم ، ما نقص ذلك من سلطاني مثل جناح بعوضة ، ولو أن أولكم وآخركم وحيكم وميتكم ورطبكم ويابسكم اجتمعوا على قلب أتقى واحد منكم ، ما زادوا في سلطاني مثل جناح بعوضة ، ولو أن أولكم وآخركم وحيكم وميتكم ورطبكم ويابسكم سألوني حتى تنتهي مسألة كل واحد منهم ، فأعطيتهم ما سألوني ما نقص ذلك مما عندي كغرز إبرة غمسها أحدكم في البحر ، وذلك أني جواد ماجد واجد عطائي كلام ، وعذابي كلام ، إنما أمري لشيء إذا أردته أن أقول له : كُنْ فَيَكُونُ سورة النحل آية 40 "). وحمدُ الله عزوجل هو الثناء عليه سبحانه وتعالى وشكر نعمته وعطائه المستمر الغير منقطع، فتجد أنه ما من شيء من إنسان وحيوان ونبات وجماد إلا يسعى في كل حركاته وسكناته إلى كل ما هو ضروري من عطاء الله المُعطي من أجل إستمرارية بقائه وكيانه وبنائه وفق القوانين المادية المختلفة والمُسخرة للمخلوقات جميعها للوصول إلى الإستقرار والإتزان. فتجد الإنسان يسعى إلى الماء والطعام وحتى تجد سعيه إلى الهواء لا ينقطع لحظة واحدة من أجل إستمرارية حياته ووصوله إلى الإتزان، وهذا ينطبق على الحيوان والنبات والجماد بإختلاف خصوصية كل منها فعلى سبيل المثال تجد أشعة الحرارة تنتقل من المصدر الساخن إلى المصدر البارد أو الأقل سخونة كي تصل إلى حالة الإستقرار والإتزان، وكذلك تجد العناصر والجزيئات المادية تنتقل من البيئة التي يكون تركيزها فيها أكثر إلى البيئة التي يكون تركيزها فيها أقل من أجل الوصول إلى الإتزان والإستقرار، وهذا مطابق لما قاله بعض السَّلَف بأن صَرِير الْبَاب تَسْبِيحه وَخَرِير الْمَاء تَسْبِيحه. ما يعني أن ما من شيء في السموات والأرض إلا هو خاضع ومقهور لتمجيد وتقديس الله عزوجل بسعيهم المستمر والغير منقطع إلى طلب عطاء الله عزوجل الدائم من رزق في الطعام والشراب والهواء والمال والبنين والسكن وغير ذلك وبالثناءِ عليه وبشُكرِ نِعْمتَهُ سبحانه وتعالى عليهم برضاهم وبفرحِهم و بسكينتِهم وبطمأنينتِهم بكُلِ هذه النعم، وشبهُ ذلك ولله عزوجل المثلُ الأعلى الرجلُ الغنيُ الذي لا يبرحُ بابَهُ الفقراءُ المحتاجون إليه الطالبين والسائلين عطاءَهُ الدائمَ الغيرَ منقطعٍ فيحمدونه ويمدحونه ويمجدونه على كرمه معهم، وبالتالي فإن تسبيح المخلوقات بحمد الله عزوجل طوعاً وكرهاً لا ينقطع، فتبارك الله أحسن الخالقين والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

المراجع:

1) موقع إسلام ويب الإلكتروني (www.islamweb.net/mainpage/index.php (http://www.islamweb.net/mainpage/index.php) ).
2) موقع قاموس المعاني الإلكتروني http://www.almaany.com) ).
3) عجب الذنب مركز التخليق وإعادة التركيب، الدكتور محمد جميل الحبال.