المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : رحمك الله الباري أيها العالم الرباني



أهــل الحـديث
14-03-2014, 06:10 PM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم



بسم الله الرحمن الرحيم

هذه أيها الأحبة مقالة جديدة لشيخنا أبي عبد الله حمزة النايلي (وفقه الله)، نفعنا الله وإياكم بها.


رحمك الله الباري أيها العالم الرباني

الحمد لله رب العالمين و الصلاة والسلام على أشرف المرسلين،نبينا محمد وعلى آله،وصحبه أجمعين.
أما بعد:
كم فرق الموت بين الأحباب، وفصل بين الإخوة والأصحاب! بعد أن كانوا كلهم فوق الأرض! فأصبح منهم من هو اليوم تحت التراب،ومن بقي منهم! فلا محالة أنه لاحق به كما قدر ذلك العزيز الوهاب، حيث قال :( إنك ميت وإنهم ميتون) [ الزمر: 30]
يقول الإمام ابن كثير –رحمه الله- :"ومعنى هذه الآية أنكم ستنقلون من هذه الدار لا محالة، وستجتمعون عند الله تعالى في الدار الآخرة". تفسير ابن كثير (4/ 53)
إن المؤمن أيها الأحبة الكرام ليُصاب بالحزن إذا بلغه موت أحد الصالحين في أي بلد من أقطار المسلمين، ويشتد حزنه وتأثره إذا سمع بموت أحد العلماء الربانيين الذين عرفوا بالتمسك بالوحيين على فهم السلف الصالحين،لكن المؤمن لا يقول إلا ما يرضي رب العالمين،فإنا لله وإنا إليه راجعون.
يقول الإمام أيوب السختياني –رحمه الله-:" إنه ليبلغني موت الرجل من أهل السنة فكأنما يسقط عضو من أعضائي". حلية الأولياء لأبي نعيم الأصفهاني(3/ 9)
كيف لا يصاب المؤمن بالحزن على فقدان من هم منارات الهدى ومصابيح الدُّجى، وحُراس العقيدة وحفاظ السنة، يقول الإمام ابن القيم – رحمه الله-:" هم في الأرض بمنزلة النجوم في السماء، بهم يهتدي الحيران في الظلماء، وحاجة الناس إليهم أعظم من حاجتهم إلى الطعام والشراب". إعلام الموقعين (1/9)
كيف لا يحزن المؤمن على موت من تصدوا في حياتهم لبيان البدع والمحدثات والتحذير من ارتكاب المعاصي و التذكير بخطر المنكرات.
كيف لا يتأثر المؤمن بذهاب من وقفوا حصنا منيعا أمام الفتن والشبهات، فردوها! وبينوا للمسلمين ضررها وحذروا من أهلها وحملة راياتها.
يقول الإمام ابن القيم–رحمه الله- :"الراسخ في العلم لو وردت عليه من الشبه بعدد أمواج البحر ما أزلت يقينه ولا قدحت فيه شكا،لأنه قد رسخ في العلم، فلا تستفزه الشبهات بل إذا وردت عليه ردها حرسُ العلم وجيشه مغلولة مغلوبة". مفتاح دار السعادة (1/140)
إن مما ينتج عن موت العلماء أيها الأفاضل قلة العلم،وكثرة الجهل، وتصدر الجهلة المتعالمين الذين يتضرر بسببهم عوام المسلمين، كما أخبر بذلك سيد المرسلين، فعن عبد الله بن عمرو-رضي الله عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"إِنَّ اللَّهَ لَا يَقْبِضُ الْعِلْمَ انْتِزَاعًا يَنْتَزِعُهُ من الناس، وَلَكِنْ يَقْبِضُ الْعِلْمَ بِقَبْضِ الْعُلَمَاءِ، حتى إذا لم يَتْرُكْ عَالِمًا اتَّخَذَ الناس رءوسًا جُهَّالًا ، فَسُئِلُوا فَأَفْتَوْا بِغَيْرِ عِلْمٍ، فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا ". رواه البخاري (100) ومسلم (2773) واللفظ له.
يقول العيني –رحمه الله- :" إن الله لا يقبض العلم من بين الناس على سبيل أن يرفعه من بينهم إلى السماء ، أو يمحوه من صدورهم ، بل يقبضه بقبض أرواح العلماء وموت حملته". عمدة القاري (2/131)
يقول الإمام مالك –رحمه الله-: "بكى ربيعة يوما شديدا فقيل له: أمصيبة نزلت بك؟ فقال : لا، ولكن استفتي من لا علم عنده وظهر في الإسلام أمر عظيم". الباعث على إنكار البدع لأبي شامة المقدسي (ص175)
لقد فقدت الأمة الإسلامية أيها الأحبة الكرام بالأمس أحد الأعلام الذين استفاد من دروسه وكتبه وأشرطته في مشارق الأرض ومغاربها الكثير من الأنام ، فنفع بهم العزيز العلام أهل الإسلام.
العالم الرباني الفقيه المعروف بتمسكه بمنهج السلف الصالح ودعوة الناس إليه كما نحسبه والله حسيبه، كان لا يحب تسليط الأضواء عليه،ولا يبحث عن الشهرة، ولا الظهور في وسائل الإعلام!!.
عُرضت عليه المناصب فأباها! والبدع فطمسها ومحاها! فعن الدنيا ما كان أصبره، وبالماضين ما كان أشبهه.
إنه العلامة الفقيه الإمام زيد بن محمد بن هادي المدخلي –رحمه الله- من قبيلة المداخلة المشهورة في منطقة جازان بجنوب المملكة العربية السعودية.
ولد –رحمه الله- عام سبعٍ وخمسين وثلاثِ مئةٍ وألفٍ للهجرة[ 1357هـ الموافق 1938م].
ترعرع – رحمه الله- في أسرة محافظة محبة للخير وأهل الصلاح، تربى منذ صغره على حب العلم وأهله، فحرص على حفظ القرآن وحضور مجالس العلماء.
ومن أبرز من استفاد منهم من الأئمة الأجلاء والمشايخ الفضلاء، الشيخ العلامة حافظ بن أحمد الحكمي( ت 1360هـ)، والشيخ العلامة أحمد بن يحيى النجمي( ت1429هـ) –رحمهما الله-، وغيرهم كثير –رحمهم الله- .
لقد عرف عن الشيخ –رحمه الله- حرصه الشديد على توجيه طلاب العلم الشرعي خاصة والمسلمين عامة على التمسك بمنهج السلف وحثهم على طلب العلم، وقراءة كتب السلف، فكانت له دورات علمية عديدة في علوم شرعية متنوعة كالتفسير والعقيدة والحديث والفقه، وبفضل الله استفاد بحضورها وسماع أشرطتها خلق كثير لا يحصي عددهم إلا الله جل وعلا.
يقول عنه شيخنا المحدث عبد المحسن العباد – حفظه الله- بعد أن بلغه وفاته :" كان يغتنم وقته فيما يعود عليه بالخير، وكان شغله الشاغل العلم تأليفا وتدريسا، وكان من خيار الناس كما نحسب والله حسيبه، غفر الله له ورحمه، ولا فتننا بعده". [في درس شرح صحيح مسلم / الخميس 12/ جمادى الأولى/ 1435هـ ].
لم ييسر الله جل وعلا لي التتلمذ على يديه و النهل من علمه الغزير، لكن وفقني الباري جل جلاله لسماع أشرطته وقراءة بعض مؤلفاته، وأنعم الباري سبحانه علي بحضور مجلسا مباركا بمدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم جمع بينه وبين الشيخ العلامة مفتي الجنوب أحمد بن يحيى النجمي- رحمه الله- وبحضور جمع كبير من المشايخ وطلاب العلم السلفيين، فرأيت في هذا المجلس المبارك من الشيخين -رحمهما الله- علما غزيرا وتواضعا كبيرا، حتى كان من تواضع الشيخ زيد بن هادي المدخلي –رحمه الله- أنه كان إذا سئل عن مسألة فقهية أجاب عنها مبينا الراجح فيها ويقول أحيانا هذا اختيار شيخنا الشيخ أحمد بن يحيى النجمي و الشيخ النجمي –رحمه الله- حاضرا معه.
لقد كنت إذا نظرت إلى الشيخ زيد -رحمه الله- أقول في نفسي! ما أشبه سمته وتواضعه بالعلامة بقية السلف الشيخ صالح الفوزان – حفظه الله-.
لقد أصيب الشيخ –رحمه الله- بوعكة صحية أدخلته المستشفى شاء الله جل وعلا أن يفارق على إثرها هذه الدنيا الفانية يوم الخميس 12/ جمادى الأولى/ 1435هـ بعد سنوات من البذل والعطاء ونشر العلم، فإن القلب ليحزن وإن العين لتدمع وإنا على فراقك أيها الإمام الفقيه لمحزونون،ولا نقول إلا ما يرضي الله سبحانه وتعالى ،فإنا لله وإنا إليه راجعون.
لقد ترك الشيخ-رحمه الله- بعد موته كتبا قيمة لا يستغني عنها طالب العلم منها : الأفنان الندية شرح منظومة السبل السوية لفقه السنن المروية للحافظ الحكمي في 9 أجزاء، وكتاب قطف الجنى المستطاب شرح عقيدة المجدد محمد بن عبد الوهاب، وكتاب قطوف من نعوت السلف ومميزات منهجهم في أبواب العلم والعمل ، وكتاب الإرهاب وآثاره السيئة على الأفراد والأمم، وكتاب أسباب استقامة الشباب وبواعث انحرافهم، وغير ذلك من المؤلفات المفيدة التي رأت النور، ومنها ما هو تحت الطبع،وسيصدر بإذن الله تعالى قريبا.
فرحم الله الشيخ زيد رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناته، وجعل ما يُستفاد من إرثه المبارك في موازين حسناته، وحفظ لنا من بقي من العلماء الربانيين المتمسكين على منهج من سبقهم من الصالحين كالشيخ العلامة صالح الفوزان، والشيخ العلامة صالح اللحيدان، و الشيخ العلامة ربيع بن هادي المدخلي، و الشيخ العلامة عبد المحسن العباد (حفظهم الله) ، وغيرهم من العلماء الأجلاء، وطلبة العلم النبلاء الذين عُرفوا بحب السنة ونصرة أهلها في كل مكان.
فالله أسأل بأسمائه الحسنى وصفاته العليا أن يُثبتنا وإياكم على دينه،وأن يجزي عنا علماءنا الأموات منهم والأحياء خير الجزاء ،وأن يرحم الشيخ زيد بن هادي المدخلي وكل من سبقه من العلماء الربانيين وطلبة العلم المخلصين، فهو سبحانه ولي ذلك وأرحم الراحمين.


وصلِّ اللهم وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين


أبو عبد الله حمزة النايلي