المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : أين مصير أطفال المسلمين والمشركين



أهــل الحـديث
13-03-2014, 09:10 AM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


بسم الله وبعد :
فهذا جزء مختصر من مبحث آخر طويل في تبيين مصير الصبيان والولدان من المسلمين ، هل هم في الجنة أم النار أم الله وحده أعلم بما سيعملون ... ؟
وقد اختلفت الأحاديث كثيرا في كل ذلك وتعارضت، حتى ضعف بعضهم كل ما ظنه مخالفا لما يعتقده من قول صحيح، وسأحاول بعون الله تعالى أن أجمع الأحاديث ذاكرا بالتسلسل وجه الجمع بينها فأقول :
المطلب الأول: : ذكر ما ورد في أطفال المسلمين :
المسالة الأولى : ذكر أدلة من توقف في أمرهم وقال الله أعلم بما سيعملون ؟ ووجه تأويلها :
وقد كان هذا الجنس من الأحاديث في أول الأمر كما سيتبين :
الحديث الأول : حديث عائشة أم المومنين :
روته عائشة بنت طلحة عن خالتها عائشة أم المؤمنين قالت: توفي صبي فقلت: طوبى له عصفور من عصافير الجنة لم يعمل السوء ولم يدركه، قال: «أو غير ذلك، يا عائشة إن الله خلق للجنة أهلا، خلقهم لها وهم في أصلاب آبائهم، وخلق للنار أهلا، خلقهم لها وهم في أصلاب آبائهم ».
ورواه عن عائشة بنت طلحة كل من : طلحة بن يحيى وفضيل بن عمرو ويحيى بن إسحاق ثلاثتهم عن عائشة بنت طلحة به ، وكل من تكلم في هذا الحديث الصحيح – كالإمام أحمد وابن عبد البر - ، فإنما لظنه بمعارضته لسائر الأحاديث الدالة على أن الصبيان في الجنة كما سيأتي ، مع عدم علمه بوجْه الجمع بينه وبين غيره كما سيأتي من كلام من صححه وجمع بينه وبين تلك الأحاديث المتعارضة، والجمع أولى من الترجيح عند السلف، ومن باب أولى فالجمع أوْلى من تضعيف حديث صحيح مشهور ، واعجب بقوم يردون حديثا في صحيح مسلم، ويقدمون هوًى منهم تضعيفَه على صحة الجمع بينه وبين غيره، تقليدا منهم لمجتهد مخطئ مغفور له .
على أن ابن عبد البر قد اضطرب في تضعيفه لهذا الحديث، فتارة يضعفه لتفرد طلحة ومخالفته لما ذكرنا، وتارة يقويه ويقول :" وزعم قوم أن طلحة بن يحيى انفرد بهذا الحديث وليس كما زعموا وقد رواه فضيل بن عمرو عن عائشة بنت طلحة كما رواه طلحة بن يحيى سواء "، وتارة يقول بأن بعض أهل العلم فقط لا يعتمد عليه، فقال في الاستذكار (3/109) :" وليس ممن يعتمد عليه عند بعض أهل الحديث "، وهذا البعض هو الإمام أحمد وحده، وأما جمهورهم وعلى رأسهم الإمام مسلم فيعتمد عليه، وأدخله السلف في كتب الاعتقاد واحتجوا به على القدرية وغيرهم من أهل البدع، ولا يحل لمسلم أن يرد حديثا ثابتا في كتاب الصحيح الذي اتفقت الأمة على قبوله وصحته، وعذر الإمام أحمد أنه كان قبل الإمام مسلم، أو أنه لم يطلع على سائر متابعاته، وأما بعد مسلم فقد انعقد الإجماع على قبول الصحيحين، ولا يحل فتح باب الشر في الطعن على أحاديث الصحيحين، وإني بعون الله قد تتبعت كثيرا من تعليلات المتطفلين على أحاديث أنكروها من الصحيحيْن ولا ولت أفعل ذلك نصرة لله وسنة رسول الله وما اتفق عليه السلف وأولياء الله فأقول :
هذا الحديث صحيح مشهور رواه عن عائشة بنت طلحة عن خالتها أم المؤمنين كل من : طلحة بن يحيى وفضيل بن عمرو ويحيى بن إسحاق ثلاثتهم عن عائشة بنت طلحة به كما سيتبين :
الطريق الأول : فأما رواية طلحة بن يحيى عن عائشة :
فقد قال مسلم في الصحيح (2662) حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا وكيع عن طلحة بن يحيى عن عمته عائشة بنت طلحة عن عائشة أم المؤمنين – خالتها - قالت: دعي رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى جنازة صبي من الأنصار، فقلت: يا رسول الله طوبى لهذا، عصفور من عصافير الجنة لم يعمل السوء ولم يدركه، قال: «أو غير ذلك، يا عائشة إن الله خلق للجنة أهلا، خلقهم لها وهم في أصلاب آبائهم، وخلق للنار أهلا، خلقهم لها وهم في أصلاب آبائهم»، تابعه جمع كبير عن طلحة به .
ورواه الثوري عن طلحة بن يحيى قال: حدثتني عائشة بنت طلحة قالت أخبرتني عائشة رضي الله عنها أم المؤمنين قالت : ... مثله .
وقد صححه مسلم وغيره من الحفاظ، بينما جعله الإمام أحمد من مفاريد طلحة ووهَّمَه فيه، لأنه مخالف لغيره من الأحاديث التي فيها بأن الصبيان في الجنة يتنعمون كما سيأتي .
ففي العلل للخلال : قال الميموني : فسمعت أبا عبد الله غير مرة يقول: هذا حديث! وذكر فيه رجلا ضعفه: طلحة، وسمعته غير مرة يقول: وأحد يشك أنهم في الجنة، هو يرجى لأبيه، كيف يشك فيه؟! إنما اختلفوا في أطفال المشركين ".
وقال ابن رجب :" قد ضعف أحمد هذا الحديث من أجل طلحة بن يحي ..".
لكن قال أحمد مرة أخرى عن طلحة :" صالح، حدث بحديث عصفور من عصافير الجنة"، والقول في ذلك قول مسلم ومن معه بلا شك، لأنه لم يتفرد به، فقد تابعه عليه قومٌ آخرون :
الطريق الثاني : رواية فضيل بن عمرو عن عائشة بنت طلحة : وهي أيضا مشهورة من طريق العلاء عن فضيل وهي مشهورة عنه : رواها عنه كل من محمد بن فضيل وجرير وخلف :
1 . فأما رواية محمد بن فضيل عن العلاء :
- فقد رواها أبو الفضل الزهري في جزئه (267) نا أحمد بن عبد الله بن سابور نا واصل بن عبد الأعلى نا ابن فضيل عن العلاء بن المسيب عن فضيل بن عمرو عن عائشة بنت طلحة عن عائشة أم المؤمنين قالت: مات صبي على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم , فقلت له: طوبى له، عصفور من عصافير الجنة. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أولا تدرين يا عائشة أن الله تعالى خلق الجنة , فخلق لها أهلا، وخلق النار فخلق لها أهلا ؟ »، وهذا حديث متصل صحيح برواية الثقات، وهكذا قال فيه واصل وهو ثقة .
- بينما قال أحمد في العلل - مذاكرةً - (1380) حدثنا بن فضيل عن العلاء أو حبيب بن أبي عمرة، والشك هنا من الإمام أحمد لا من ابن فضيل، لرواية واصل السابقة بلا شك .
ثم قال عبد الله: قال أبي: وما أراه سمعه إلا من طلحة، يعني بن فضيل"،
لكنّ ابن فضيل ليس بمدلس، ولم يتفرد به عن العلاء ، فقد تابعه عليه أيضا كلٌّ من جرير وخلف أيضا، ثلاثتهم عن العلاء به .
2. وأما رواية جرير عن العلاء :
فقد قال الإمام مسلم في الصحيح (2662) حدثني زهير بن حرب حدثنا جرير عن العلاء بن المسيب عن فضيل بن عمرو عن عائشة بنت طلحة عن عائشة أم المؤمنين قالت: توفي صبي، فقلت: طوبى له عصفور من عصافير الجنة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أو لا تدْرين أن الله خلق الجنة وخلق النار، فخلق لهذه أهلا ولهذه أهلا ».
وقال إسحاق 1016 - أخبرنا جرير عن العلاء بن المسيب عن الفضيل بن عمرو به مثله »، وقد توبع جرير متابعة ثالثة، وهي :
3 . متابعة خلف عن العلاء :
فقد خرجها الطبراني في الأوسط (5/6) 4515 - حدثنا عبدان بن محمد المروزى نا الحسين بن سيار الحراني نا خلف بن خليفة عن العلاء بن المسيب عن الفضيل بن عمرو عن عائشة بنت طلحة عن عائشة أم المؤمنين قالت ... به ، وفيه الحراني، قال عنه أبو عروبة: اختلط علينا أمره، وظهر في كتبه مناكير، فترك أصحابنا حديثه "، وقال عنه ابن تغري: كان إماما عارفا بتعبير الرؤيا، .. وروى عنه جماعة كثيرة "،
وللحديث طريق آخر :
الطريق الثالث : يحيى بن إسحاق عن عائشة :
قال الطيالسي في مسنده 1679: حدثنا قيس بن الربيع عن يحيى بن إسحاق عن عائشة بنت طلحة عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم أتي بصبي من الأنصار ليصلى عليه، فقلت: يا رسول الله طوبى له، عصفور من عصافير الجنة، لم يعمل سوءا قط، ولم يدر به، فقال: «يا عائشة أولا تدرين أن الله عز وجل خلق الجنة، وخلق لها أهلا خلقها لهم وهم في أصلاب آبائهم، وخلق النار، وخلق لها أهلا، خلقها لهم وهم في أصلاب آبائهم ».
رجاله ثقات صدوقون غير يحي وأظنه يحيى بن اسحاق بن عبدالله المدني فإنه في طبقته وهو ثقة، وربما لقي قيسا في الرحلة والله أعلم .
وقد حاول بعضُ من أبطل هذا الحديثَ تمويها منه بعدم المتابع، فادعى بوجود تصحيف أو تحريف في المسند، وهذا تدليس غريب لأنه لا علاقة ل : طلحة بن يحيى، ب : يحيى بن إسحاق هذا، لا في الصورة ولا في الرسم، والله المستعان من فتح باب إبطال الأحاديث بمجرد التكهن والظنون والاستماتة في الطعن في السنن .
وبهذه الطرق يتبين صحة الحديث وأن القول في ذلك هو قول مسلم، وعذْر الإمام أحمد أنه كان قبل الإمام مسلم، وأما بعده وبعد كتاب الدارقطني فقد اتفق السلف على تلقي كتابه بالقبول والتصحيح والكف عن فتح هذا الباب .
وقد قال البغوي في شرح السنة :" هذا حديث صحيح، أخرجه مسلم عن أبي بكر بن أبي شيبة "، وكذلك صححه البيهقي في المعرفة وابن حبان .
وللحديث شواهد أخرى صحيحة مذكورة في البحث المذكور منها :
الدليل الثاني : ابن عباس : قال ابن أبي عاصم في السنة 214 - ثنا هدبة ثنا حماد بن سلمة عن عمار بن أبي عمار قال: قال ابن عباس: أتى علي زمان وأنا أقول: أطفال المشركين مع المشركين، وأطفال المسلمين مع المسلمين، حتى حدثني فلان عن فلان [زاد الطيالسي (539): فلقيت الذي حدثني عنه فحدثني أن رسول الله] صلى الله عليه وسلم سئل عنهم؟ فقال:« الله أعلم بما كانوا عاملين» ، فلقيت فلانا فحدثني عن النبي صلى الله عليه وسلم فأمسكت "، ورواه روح عن حماد عن عمار عن ابن عباس قال: حدثني أبي عن النبي صلى الله عليه وسلم بمثله .
قال الألباني في تعليقه على السنة : إسناده صحيح رجاله كلهم ثقات رجال مسلم "، ورواية الصحابي عن الصحابي المبهم لا تضر لأن الصحابة كلهم عدول.
وروى نحو هذا الحديث عكرمةُ عن ابن عباس في السؤال عن أطفال المشركين فقط ، وحماد أو عمار ثقة مأمون ، وله شاهد آخر :
الدليل الثالث : قال مسلم في الصحيح (2661) حدثنا عبد الله بن مسلمة بن قعنب حدثنا معتمر بن سليمان عن أبيه عن رقبة بن مسقلة عن أبي إسحاق عن سعيد بن جبير عن ابن عباس عن أبي بن كعب، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الغلام الذي قتله الخضر طبع كافرا، ولو عاش لأرهق أبويه طغيانا وكفرا»
قال البيهقي في الاعتقاد :" فهذا الحديث يمنع من قطع القول بكونهم في الجنة، وحديث أبي بن كعب عن النبي صلى الله عليه وسلم في الغلام الذي قتله الخضر أنه طبع كافرا يدل على ذلك فقد كان أبواه مؤمنين "...
ثم إن النبي عليه السلام أُعلم بأن أولاد المسلمين مع آبائهم في الجنة، وأما أولاد المشركين فقال عنهم مع آبائهم في النار أولا، ثم قال: الله أعلم بما كانوا عاملين" ، ثم أخبر بأنهم في الجنة من خدمتها كما هو مبين في البحث المذكور .
المطلب الثاني: ذكر أدلة من قال بأنهم في الجنة : .....
المطلب الثالث : ذكر الجمع بين الأدلة المتعارضة: لقد اختلف السلف وأجادُوا القول في كيفية الجمع بين الأحاديث التي فيها التوقف في الولدان ، والأحاديث التي فيها أنهم في الجنة :
فقال ابن حبان في صحيحه (138) بعد أن خرج حديث عائشة السابق :" أراد النبي صلى الله عليه وسلم بقوله هذا ترك التزكية لأحد مات على الإسلام، ولئلا يشهد بالجنة لأحد وإن عرف منه إتيان الطاعات والانتهاء عن المزجورات، ليكون القوم أحرص على الخير وأخوف من الرب لا أن الصبي الطفل من المسلمين يخاف عليه النار وهذه مسألة طويلة قد أمليناها بفصولها والجمع بين هذه الأخبار في كتاب فصول السنن وسنمليها إن شاء الله بعد هذا الكتاب في كتاب الجمع بين الأخبار ونفي التضاد عن الآثار إن يسر الله تعالى ذلك وشاء ".
وقال ابن حزم في الفصل :" إنما قال هما رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يوحى إليه أنهم في الجنة وقد قال تعالى آمراً لرسوله صلى الله عليه وسلم أن يقول " وما أدري ما يفعل بي ولا بكم " قبل أن يخبره الله عز وجل بأنه قد غفر له الله ما تقدم من ذنبه وما تأخير وكما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عن عثمان بن مظعون رضي الله عنه وما أدري وأنا رسول الله ما يفعل بي وكان هذا قبل أن يخبره الله عز وجل بأنه لا يدخل النار من شهد بدر أو هو عليه السلام لا يقول إلا ما جاء به الوحي كما أمر الله عز وجل أن يقول " أن اتبع إلا ما يوحى إلي " فحكم كل شيء من الدين لم يأت به الوحي أن يتوقف فيه المرء فإذا جاء للبيان فلا يحل التوقف عن القول بما جاء به النص وقد صح الإجماع على أن ما علمت الأطفال قبل بلوغهم من قتل أو وطئ أجنبية أو شرب خمر أو قذف أو تعطيل صلاة أو صوم فإنهم غير مؤاخذين في الآخرة بشيء من ذلك ما لم يبلغوا وكذلك لا خلاف في أنه لا يؤاخذ الله عز وجل أحداً بما لم يفعله .. ".
وقال النووي (16/ 207): أجمع من يعتد به على أن من مات من أطفال المسلمين فهو في أهل الجنة لأنه ليس مكلفا، وتوقف فيه بعض من لا يعتد به لهذا الحديث، وأجاب العلماء عنه بأنه لعله نهاها عن المسارعة إلى القطع من غير أن يكون عندها دليل قاطع كما أنكر على سعد في قوله إني لأراه مؤمنا قال أو مسلما"،
وقال السيوطي في الديباج (6/ 25):" ويحتمل أنه صلى الله عليه وسلم قال هذا قبل أن يعلم أن أطفال المسلمين في الجنة فلما علم قال ذلك"....
هذا عن أولاد المسلمين، وأما أولاد المشركين فبيانهم في :
...............
وبالله التوفيق .