المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الخشــــــــــــــوع فــــــي الصـــــــــــــــــ ــلاة



الاهلي الراقي
12-03-2014, 06:50 PM
بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد الله الذي أكمل لنا الدين وأتم علينا النعمة ورضي لنا الإسلام ديناً الحمد الله الذي جعل الصلاة عمود الدين ,وقال تعالى : { وَاسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِين * الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلاقُوا رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ }| البقرة الآية 45 , 46|والصلاة والسلام على نبينا محمد .الذي كان آخر وصيته لامته عند خروجه من الدنيا الحث على الصلاة لما لها من أهمية في الدين وعلى آله وصحابته أفضل الصلاة وأزكى التسليم.

الخشوع – أهميته – وأثره
إن الظواهر التي تظهر على الكثير من قسوة القلب ,وقحط العين, وانعدام التدبر, هي سبب المادية التي طغت على قلوبنا فأصبحت تشاركنا في عبادتنا ,ولا يمكن للقلوب أن ترجع لحالتها الصحيحة حتى تتطهر من كل ما علق بها من ادرأن , فهذا هو أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله يضع يده على الداء لهذه الظاهرة فيقول رضي الله عنه (لو طهرت قلوبكم ما شبعتم من كلام الله – عز وجل) والخشوع الحق يطلق عليه الإمام ابن القيم رحمه الله خشوع الإيمان ويعرفه بأنه : (خشوع القلب لله بالتعظيم والإجلال والوقار والمهابة فينكسر القلب لله كسرة ملتئمة من الوجل والخجل والحب والحياء, وشهود نعم الله ,وجناياته هو , فيخشع القلب لا محالة فيتبعه خشوع الجوارح) ومما يدل على أهمية الخشوع كونه السبب الأهم لقبول الصلاة التي هي أعظم أركان الدين بعد الشهادتين , وفي السنن عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: [إن العبد لينصرف من صلاته , ولم يكتب له منها إلا نصفها, إلا ثلثها, إلا ربعها, إلا خمسها , إلا سدسها,إلا سبعها, إلا ثمنها , إلا تسعها , إلا عشرها]
كما أن الخشوع يسهل فعل الصلاة ويحببها إلى النفس .
قال الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي - رحمه الله في تفسير قوله تعالى { وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ}| البقرة الآية 45 |
أي فإنها سهلة عليهم خفيفة, لأن الخشوع وخشية الله ورجاء ما عنده يوجب له فعلها منشرحاً بها صدره,لترقيه للثواب , وخشيته من العقاب.
كما أن الخشوع هو العلم الحقيقي , قال ابن رجب رحمه الله في شرح حديث أبي الدر داء في فضل طلب العلم: روي عن عبادة بن الصامت وعوف بن مالك وحذيفة رضي الله عنهم جميعا – أنهم قالوا (أول علم يُرفع من الناس الخشوع حتى لا ترى خاشعاً ) وساق أحاديث أٌخر في هذا المعنى ,ثم قال : ففي هذه الأحاديث ذهب العلم بذهاب العمل, وأن الصحابة رضي الله عنهم فسّروا ذلك بذهاب العلم الباطن من القلوب وهو الخشوع, وقد ساق محقق الكتاب للأثر السابق عدة طرق وقال : إنه يتقوى بها. فالصلاة إذاً صلة بين العبد وربه , ينقطع فيها الإنسان عن شواغل الحياة , ويتجه بكيانيه كله إلى ربه , يستمد منه الهداية والعون والتسديد, ويسأله الثبات على الصراط المستقيم, ولكن الناس يختلفون في هذه الصلاة , فمنهم تزيدهم صلاته إقبالاً على الله, ومنهم من لا تؤثر فيه صلاته إلى ذلك الحد الملموس ,بل هو يؤديها بحركات وقراءة وذكر وتسبيح , ولكن من غير شعور كامل لما يفعل, ولا استحضار لما يقول , والصلاة التي يريدها الإسلام ليست مجرد أقوال يلوكها اللسان , وحركات تؤديها الجوارح ,بل تدبر من عقل, ولا خشوع من قلب, ففي سنن الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم[إن أول ما يحاسب عليه العبد يوم القيامة من عمله صلاته, فإن صلحت فقد أفلح وأنجح, وإن فسدت فقد خاب وخسر, فإن انتقص من فريضته شيء, قال الرب عز وجل- انظروا هل لعبدي من تطوع فيكمل بها ما انتقص من الفريضة؟ ثم تكون سائر أعماله على هذا ] ولما يعانيه كثير من الناس من قلة الخشوع في الصلاة,فقد رأينا أن نلتمس بعض الأسباب التي تعيدنا إلى الصلاة الحقيقية التي توثق صلتنا بربنا – عز وجل وهي صلاة القلب والجوارح وتذللها لله– تبارك وتعالى – وقد أمتدح الله – عز وجل أهل هذه الصفة من المؤمنين حيث قال تعالى :{ قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ } | المؤمنون الآية 2,1| ولعلنا بعد ما نقرأ قوله سبحانه : { اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ } |العنكبوت الآية 45| نسال أنفسنا ما بال الكثيرين منا يخرجون من صلاتهم , ثم يأتون بأفعال وأمور منكرة ,شتان بينهما وبين ما تتركه صلاة الخاشعين الأوابين من أثر على أصحابها, الذي يخرج احدهم من صلاته , وهو يٌحس بأن كل صلاة تغسل ما في قلبه من أدران الدنيا وتقربه إلى الله عز وجل.
أسباب الخشوع:
إذا فلابد من أسباب لحصول الخشوع, ولا ريب أن هناك خللاً ونقصاً في أدائنا للصلاة, ولعلنا في هذه العجلة نستعرض بعض الأسباب المعينة- بإذن الله على الخشوع في الصلاة وهي :-
1- الإيمان الصادق والاعتقاد الجازم بما يترتب على الخشوع من فضل عظيم في الدنيا والآخرة , من الإحساس بالسكون والطمأنينة وراحة لا مثيل لها, وطيب نفس يفوق الوصف قال تعالى { قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ } | المؤمنون الآية 1,2 | وروى مسلم عن عثمان بن عفان رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول[ما من امرئ مسلم تحضره صلاة مكتوبة , فيحسن وضوءها وخشوعها وركوعها إلا كانت كفارة لما قبلها من الذنوب ما لم تؤت كبيرة , وذلك الدهر كله] والآيات والأحاديث الدالة على فضل الخشوع كثيرة.
2- الإكثار من قراءة القرآن والذكر والاستغفار وعدم الإكثار من الكلام بغير ذكر الله كما في الحديث: [لا تكثروا الكلام بغير ذكرالله, فإن كثرة الكلام بغير ذكراللهتعالى - قسوة للقلب! وإن أبعد الناس مناللهالقلب القاسي] | رواه الترمذي فقراءة القرآن وتدبره من أعظم أسبـــاب لين القلب قال تعالى{ اللَّهُ نَــزَّلَ أَحْسَنَ الْحَـدِيثِ كِتَابًا مُّتَشَابِهًا مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاء وَمَن يُضــْلِلْ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ }| الزمر الآية 23 | فالقراءة والذكر حصن من الشيطان ووساوسه , وهي سبب لاطمئنان القلوب الذي يفقده الكثير من الناس, قال تعالى : { الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ } | الرعد الآية 28 | كما إن الإكثار من ذكر الله عز وجل سبب للفلاح قال تعالى: { فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانتَشِرُوا فِي الأَرْضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } |الجمعة الآية 10| وليس المقام لبيان فضل الذكر , ولكن أردنا التوبة إلي انه سبب من أسباب الخشوع,ومن يريد معرفة ذلك – فضل الذكر – فعليه الرجوع إلى كتاب الله والأذكار التي ثبتت عن النبي صلى الله عليه وسلم. ومع هذا أيضا الحرص على مجاهدة الشيطان, وذلك بأن يعقد العزم على مجاهدته من قبل القيام إلى الصلاة,وإن دخل عليه في أول صلاته فلا يستسلم له في وسطها أو آخرها, بل ينبغي أن يجاهد الشيطان حتى اللحظة الأخيرة من الصلاة ,فالشيطان يسعى إلى تشتيت الذهن حتى لا يعقل المصلي شيء من صلاته ,روى مسلم عن عثمان بن أبي العاص رضي الله عنه أنه قال : يا رسول الله , إن الشيطان حال بيني وبين صلاتي وبين قراءتي يلبسها عليّ , فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم[ذلك الشيطان يقال له حنزب ,فإذا أحسسته فتعوذباللهمنه, وأنفل على يسارك ثلاثاً] ويقول راوي الحديث: ففعلت ذلك فأذهبه الله – عز وجل عني. إذا فينبغي أن يستمر المصلي في المجاهدة ولا ينقطع بأن يشمر عن ساعد الجد , فإذا لم يخشع في هذه الصلاة فليعقد العزم على الخشوع في الأخرى وإن قل خشوعه في هذه فليحرص على كمال الخشوع في التي تليها وهكذا و يتضجر من طول المجاهدة ,ويسأل الله سبحانه وتعالى– أن يعينه على ذلك.
3- دوام محاسبة النفس ولومها على مالا ينبغي من الاعتقاد والقول والفعل , قال تعالى { أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ}| الحشر الآية 18 | وكان أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول : (حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا وزنوا أنفسكم قبل أن توزنوا , وتزينوا للعرض الأكبر) وأيضا البعد عن المعاصي يصرف النظر عما يحرم النظر إليه وكذا حفظ اللسان والسمع وسائر الجوارح وإشغالها بما يخصها من عبودية وصرفها بالنظر في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم والكتب العلمية المفيدة وما يباح النظر إليه والتفكر في مخلوقات الله سبحانه وتعالى والاستماع إلى الطيب من القول, والتحدث في المفيد , فلا شك أن الذنوب تقيد المرء وتحجزه عن أداء العبادات على الوجه المطلوب, فكل إنسان يعرف ما هو واقع فيه من الذنوب وعليه أن يسعى في إصلاح حاله , والإصلاح متعلق بمحاسبة النفس, حيث إن المرء إذا حاسب نفسه بحث عما يصلحها.
تدبر وتفهم ما يقال في الصلاة وعدم صرف النظر فيما سوى موضع السجود مستشعراً بذلك رهبة الموقف, يقول ابن القيم رحمه الله في الفوائد( للعبد بين يدي الله موقفان: موقف بين يديه في الصلاة وموقف بين يديه يوم لقائه,فمن قام بحق الموقف الأول هون عليه الموقف الأخر ومن استهان بهذا الموقف ولم يوفه بحقه,شدد عليه ذلك الموقف) قال تعالى :{ وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ وَسَبِّحْهُ لَيْلا طَوِيلا (26)إِنَّ هَؤُلاء يُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ وَيَذَرُونَ وَرَاءهُمْ يَوْمًا ثَقِيلا } | الإنسان الآية 26, 27 | فلا بد من إعطاء هذا الموقف حقه من خضوع وخشوع وانكسار إجلالاً لله عز وجل واستشعارا بأن هذه الصلاة هي الصلاة الأخيرة في الدنيا, فلو استقر هذا الشعور في نفس المصلي لصلى صلاة خاشعة , روى الإمام احمد عن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه قال: جاء رجلٌ إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله عظني وأوجز, فقال صلى الله عليه وسلم -: [ إذا قمت في صلاتك فصلِ صلاة مودع , ولا تكلم بكلام تعذرُ منه غدا, واجمع اليأس مما في أيدي الناس]. وأيضا هناك أسباب أخرى للخشوع نذكر منها:-
1-الهمة :- فإنه متى أهمك أمر حضر قلبك ضرورة,فلا علاج لإحضاره إلا صرف الهمة الى الصلاة ,وانصراف الهمة يقوى ويضعف بحسب قوة الإيمان بالآخرة واحتقار الدنيا.
2-إدراك اللذة:- التي يجدها العباد في صلاتهم وهي التي عبر عنها ابن تيمية رحمه الله بقوله: |إن في الدنيا جنة من لم يدخلها لم يدخل جنة الآخرة . ولا تظن مسلما وجد هذه اللذة وذاق طعمها يٌفرط فيها ويتساهل في طلبها.وهذه اللذة كما قال ابن القيم رحمهالله : تقوى بقوة المحبة وتضعف بضعفها . لذا ينبغي للمسلم أن يسعى في الطرق الموصلة إلى محبة|الله.
3-التبكير إلى الصلاة :- وذلك بأن يٌهيأ القلب للوقوف أما الله عز وجل فينبغي للمسلم أن يأتي إلى الصلاة مبكراً ويقرأ ما تيسر من القران بتدبر وخشوع , فلذلك أدعى الخشوع في الصلاة , يقول عليه الصلاة والتسليم في الحديث الذي رواه البخاري ومسلم رحمهما الله عن أبي هريرة رضي الله عنه[لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول , ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لا ستهموا ولو يعلمون ما في التهجير لاستبقوا إليه] الحديث. وفرق بين شخص جاء إلى الصلاة من مجلس كله لغو وحديث في الدنيا. وبين شخص قام إلى الصلاة وقد هيأ قلبه للوقوف أمام الله لما قراه من كلام الله عز وجل فلا شك أن حال الثاني مع الله أفضل من الأول بكثير.
4-أن يستحي العبد من الله:- أن يتقرب إليه عز وجل بصلاة جوفاء خالية من الخشوع والخوف , فالشعور بالاستحياء من الله يدفع المسلم إلى إتقان العبادة والتقرب إلى الله بصلاة خاشعة فيها معاني الخوف والرهبة.
5-أن يدرك المسلم حال الصحابة والسلف:- في الصلاة فقد ذكر ابن تيمية رحمه الله أن مسلم بن يسار كان يصلي في المسجد فا نهدم طائفة منه وقام الناس, وهو في الصلاة لم يشعر , وكان عبد الله بن الزبير رضي الله عنه يسجد, فأتى المنجنيق فأخذ طائفة من ثوبه وهو في الصلاة لا يرفع رأسه,قالوا لعامر ابن عبد ألقيس : أتحدث نفسك بشيء في الصلاة ؟ فقال: أو شيء أحب إليّ من الصلاة أحدث به نفسي؟! قالوا: لا,ولكن بأهلينا وأموالنا, فقال: لأن تختلف الأسنة ( الرماح ) فيّ أحب إليّ من أن أحدث نفسي بذلك. وأمثال هذا متعدد.
تلك بعض الأسباب المعينة بإذن الله على الخشوع في الصلاة , والله نسأل أن يعيننا على طاعته عز وجل على الوجه الذي يرضيه عنا.
سبحان ربك رب العزة عما يصفون , وسلام على المرسلين , والحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.
هذا وإن وفقت بهذا النقل عن الخشوع في الصلاة والمأخوذة من دار القاسم فهو بتوفيق الله وفضله وإن أخطأت فهو من نفسي والشيطان. وأسأل الله أن يستفيد من هذه المقتطفات الدينية كل عضو وزائر لهذا القسم الإسلامي النير.


والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته


هذا والله اعلم





لا تقل شكرا فالشكر لرب السموات والأرض

ولكن دعائكم لوالدي ولجميع مرضى المسلمين بالشفاء العاجل مما ألم بهم