المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : مقالة و لا أروع ...تمتع بمقال الهمداني...



أهــل الحـديث
12-03-2014, 04:50 PM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


جاء في صبح الأعشى :
"كتب به البديع الهمذانيّ إلى أبي الحسين بن فارس «1» وقد بلغه أنه ذكر في مجلسه فقال: إن البديع قد نسي حق تعليمنا إياه، وعقّنا، وشمخ بأنفه عنا، والحمد لله على فساد الزمان، وتغير نوع الإنسان؛ فكتب إليه:
«نعم أطال الله بقاء الشيخ الإمام، إنه الحمأ المسنون، وإن ظنّت الظنون، والناس لآدم، وإن كان العهد قد تقادم، وارتكبت الأضداد، واختلط الميلاد. والشيخ يقول فسد الزمان، أفلا يقول متى كان صالحا؟ أفي الدولة العباسية، وقد رأينا آخرها وسمعنا أوّلها؟ أم المدّة المروانية، وفي أخبارها «لاتكسع الشّول بأغبارها» ؟ «1» أم السنين الحربية، والسيف يغمد في الطّلا «2» ، والرّمح يركز في الكلا، وميت جحر في الفلا، والحرّتان وكربلا؟ أم البيعة الهاشمية، وعليّ يقول: ليت العشرة منكم برأس، من بني فراس؟ أم الأيام الأمويّة، والنفير إلى الحجاز، والعيون إلى الأعجاز؟ أم الإمارة العدويّة، وصاحبها يقول: وهل بعد البزول إلا النزول؟ أم الخلافة التيمية «3» ، وصاحبها يقول: طوبى لمن مات في نأنأة «4» الإسلام؟ أم على عهد الرسالة ويوم الفتح قيل اسكتي يا فلانة، فقد ذهبت الأمانة؟ أم في الجاهلية ولبيد يقول:
ذهب الذين يعاش في أكنافهم ... وبقيت في خلف كجلد الأجرب
أم قبل ذلك وأخو عاد يقول:
بلاد بها كنّا وكنّا نحبّها ... إذ النّاس ناس والزّمان زمان «5»
أم قبل ذلك، ويروى لآدم عليه السّلام:
تغيّرت البلاد ومن عليها ... فوجه الأرض مسودّ قبيح!
أم قبل ذلك والملائكة تقول: أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها وَيَسْفِكُ الدِّماءَ
؟ «6» وما فسد الناس، ولكن اطّرد القياس، ولا ظلمت الأيام، إنما امتدّ الإظلام؛ وهل يفسد الشيء إلا عن صلاح، ويمسي المرء إلا عن صباح؟ ولعمري! لئن كان كرم العهد كتابا يرد وجوابا يصدر إنه لقريب المنال، وإني على توبيخه لي لفقير إلى لقائه، شفيق على بقائه، منتسب إلى ولائه، شاكر لآلائه» .
والغاية القصوى في ذلك ما كتب به ذو الوزارتين «أبو الوليد بن زيدون» رحمه الله على لسان محبوبته ولّادة بنت محمد بن عبد الرحمن الناصر إلى إنسان استمالها عنه إلى نفسه وهي:
أما بعد أيها المصاب بعقله، المورّط بجهله، البيّن سقطه، الفاحش غلطه، العاثر في ذيل اغتراره، الأعمى عن شمس نهاره، الساقط سقوط الذّباب على الشراب، المتهافت تهافت الفراش في الشّهاب، فإن العجب أكذب، ومعرفة المرء نفسه أصوب؛ وإنك راسلتني مستهديا من صلتي ما صفرت منه أيدي أمثالك، متصدّيا من خلّتي لما قدعت فيه أنوف أشكالك، مرسلا خليلتك مرتادة، مستعملا عشيقتك قوّادة، كاذبا نفسك في أنك ستنزل عنها إليّ، وتخلف بعدها عليّ:
ولست بأوّل ذي همّة ... دعته لما ليس بالنائل!
ولا شكّ أنها قلتك إذ لم تضنّ بك. وملّتك إذ لم تغر عليك، فإنها أعذرت في السّفارة لك، وما قصّرت في النيابة عنك، زاعمة أن المروءة لفظ أنت معناه، والإنسانية اسم أنت جسمه وهيولاه، قاطعة أنك انفردت بالجمال، واستأثرت بالكمال واستعليت في مراتب الخلال، حتّى خيّلت أنّ يوسف عليه السّلام حاسنك فغضضت منه، وأن امرأة العزيز رأتك فسلت عنه وأن قارون أصاب بعض ما كنزت، والنّطف «1» عثر على فضل ما ركزت، وكسرى حمل غاشيتك «1» ، وقيصر رعى ماشيتك والإسكندر قتل دارا في طاعتك، وأردشير جاهد ملوك الطوائف بخروجهم عن جماعتك، والضحاك استدعى مسالمتك وجذيمة الأبرش تمنّى منادمتك، وشيرين قد نافست بوران «2» فيك، وبلقيس غايرت الزّبّاء عليك، وأن مالك بن نويرة إنما أردف لك، وعروة بن جعفر إنما رحل إليك، وكليب بن ربيعة إنما حمى المرعى بعزّتك، وجسّاسا إنما قتله بأنفتك، ومهلهلا إنما طلب ثأره بهمّتك، والسّموءل إنما وفي عن عهدك، والأحنف إنما اجتبى في بردك، وحاتما إنما جاد بوفرك، ولقي الأضياف ببشرك، وزيد بن مهلهل إنما ركب بفخذيك، والسّليك بن السّلكة إنما عدا على رجليك، وعامر بن مالك إنما لاعب الأسنّة بيديك، وقيس بن زهير إنما استعان بدهائك، وإياس بن معاوية إنما استضاء بمصباح ذكائك، وسحبان وائل إنما تكلم بلسانك، وعمرو بن الأهتم إنما سحر ببيانك، وأن الصلح بين بكر وتغلب تمّ برسالتك، والحمالات في دماء عبس وذبيان أسندت إلى كفالتك، وأن احتيال هرم لعامر وعلقمة حتّى رضيا كان عن إشارتك، وجوابه لعمر، وقد سأله عن أيهما كان ينفّر وقع بعد مشورتك، وأن الحجاج تقلد ولاية العراق بجدّك، وقتيبة فتح ما وراء النهر بسعدك، والمهلّب أوهن شوكة الأزارقة بأيدك، وأفسد ذات بينهم بكيدك، وأن هرمس أعطى بيلينوس «3» ما أخذ منك، وأفلاطون أورد على أرسطا طاليس ما حدّث عنك، وبطليموس سوّى الإصطرلاب بتدبيرك، وصوّر الكرة على تقديرك، وأبقراط علم العلل والأمراض بلطف حسّك، وجالينوس عرف طبائع الحشائش بدقّة حدسك، وكلاهما قلّدك في العلاج، وسألك عن المزاج، واستوصفك تركيب الأعضاء، واستشارك في الدّاء والدواء، وأنك نبحت لأبي معشر طريق الفضاء، وأظهرت جابر بن حيّان على سر الكيمياء، وأعطيت النظّام أصلا أدرك به الحقائق، وجعلت للكندي رسما استخرج به الدقائق، وأن صناعة الألحان اختراعك، وتأليف الأنقار توليدك وابتداعك، وأن عبد الحميد بن يحيى باري أقلامك، وسهل بن هارون مدوّن كلامك، وعمرو بن بحر مستمليك، ومالك بن أنس مستفتيك، وأنت الذي أقام البراهين، ووضع القوانين، وحدّ الماهيّة، وبيّن الكيفية والكمية، وناظر في الجوهر والعرض، وميز الصحة من المرض، وحلّ المعمّى، وفصل بين الأسم والمسمّى، وضرب وقسّم، وعدّل وقوّم، وصنف الأسماء والافعال، وبوّب الظّرف والحال، وبنى وأعرب، ونفى وتعجب، ووصل وقطع، وثنّى وجمع، وأظهر وأضمر، وابتدأ وأخبر، واستفهم وأهمل، وقيد وأرسل، وأسند وبحث ونظر، وتصفّح الأديان، ورجّح بين مذهبي ماني وغيلان «1» ، وأشار بذبح الجعد «2» ، وقتل بشّار بن برد «3» ، وأنك لو شئت خرقت العادات، وخالفت المعهودات، فأحلت البحار عذبة، وأعدت السّلام رطبة، ونقلت غدا فصار أمسا، وزدت في العناصر فكانت خمسا، وأنك المقول فيك «كلّ الصّيد في جوف الفرا» «4» ، والمقول فيك:ليس على الله بمستنكر ... أن يجمع العالم في واحد
والمعنيّ بقول أبي تمام:
فلو صوّرت نفسك لم تزدها ... على ما فيك من كرم الطّباع
والمراد بقول أبي الطيّب:
ذكر الأنام لنا فكان قصيدة ... كنت البديع الفرد من أبياتها
فكدمت في غير مكدم «1» ، واستسمنت ذا ورم، ونفخت في غير ضرم، ولم تجد لرمح هزّا، ولا لشفرة مجزّا «2» ، بل رضيت من الغنيمة بالإياب، وتمنّت الرجوع بخفّي حنين، لأني قلت لها:
لقد ذلّ من بالت عليه الثّعالب «3» وأنشدت:
على أنّها الأيام قد صرن كلّها ... عجائب حتّى ليس فيها عجائب
ونخرت «4» وكفرت، وعبست وبسرت «5» ، وأبدأت وأعدت، وأبرقت وأرعدت،وهممت ولم أفعل، وكدت وليتني، ولولا أن للجوار ذمّة، وللضّيافة حرمة، لكان الجواب في قذال الدّمستق «1» ، والنعل حاضرة إن عادت العقرب، والعقوبة ممكنة إن أصرّ المذنب؛ وهبها لم تلاحظك بعين كليلة عن عيوبك ملؤها حبيبها وحسن فيها من تودّ، وكانت إنما حلّتك بحلاك، ووسمتك بسيماك، ولم تعرك شهادة، ولا تكلّفت لك زيادة، بل صدقت سنّ بكرها فيما ذكرته عنك، ووضعت الهناء مواضع النّقب فيما نسبته إليك، ولم تكن كاذبة فيما أثنت به عليك، فالمعيديّ تسمع به خير من أن تراه «2» ، هجين القذال «3» ، أرعن السّبال «4» ، طويل العنق والعلاوة، مفرط الحمق والغباوة، جافي الطبع، سيّء الإجابة والسمع، بغيض الهيئة، سخيف الذّهاب والجيئة، ظاهر الوسواس، منتن الأنفاس، كثير المعايب، مشهور المثالب، كلامك تمتمة، وحديثك غمغمة، وبيانك فهفهة «5» ، وضحكك قهقهة، ومشيك هرولة، وغناك مسألة، ودينك زندقة، وعلمك مخرقة:
مساو لو قسمن على الغواني ... لما أمهرن إلّا بالطّلاق
حتّى إن باقلا موصوف بالبلاغة إذا قرن بك، وهبنّقة «6» مستحقّ لاسم العقل إذا أضيف إليك، وأبا غبشان «1» محمود منه سداد الفعل إذا نسب إليك، وطويسا «2» مأثور عنه يمن الطائر إذا قيس عليك، فوجدك عدم، والاعتناء بك ندم، والخيبة منك ظفر، والجنة معك سقر، كيف رأيت لؤمك لكرمي كفاء! وضعتك لشرفي وفاء! وأنّي جهلت أن الأشياء إنما تنجذب إلى أشكالها، والطير إنما تقع على آلافها، وهلّا علمت أن الشرق والغرب لا يجتمعان، وشعرت أن ناري المؤمن والكافر لا تتراءيان، وقلت الخبيث والطيب لا يستويان، وتمثلت:
عمرك الله كيف يلتقيان
وذكرت أني علق لا يباع ممن زاد، وطائر لا يصيده من أراد، وغرض لا يصيبه إلا من أجاد، فما أحسبك إلا قد كنت تهيأت للتهنية، وترشحت للترفية، لولا أن جرح العجماء جبار «3» للقيت ما لقي من الكواعب يسار «4» ، فما همّ إلا بدون ما هممت به، ولا تعرّض إلا لأيسر مما تعرضت له؛ أين ادّعاؤك رواية الأشعار، وتعاطيك حفظ السّير والأخبار؛ أما ثاب لك قول الشاعر:بنو دارم أكفاؤهم آل مسمع ... وتنكح في أكفائها الحبطات «1»
وهلّا عشّيت ولم تغترّ، وما أمنّك أن تكون وافد البراجم «2» ، أو ترجع بصحيفة المتلمّس «3» ، أو أفعل بك ما فعله عقيل بن علّفة «4» بالجهنيّ الذي جاء خاطبا، فدهن استه بزيت وأدناه من قرية النمل؛ ومتى كثر تلاقينا، واتّصل ترائينا؟ فيدعوني إليك ما دعا ابنة الخسّ «5» إلى عبدها من طول السّواد، وقرب الوساد؛ وهل فقدت الأراقم فأنكح في جنب «6» أو عضلني همام بن مرّة «7» ، فأقول زوج من عود، خير من قعود «8» ، ولعمري لو بلغت هذا المبلغ لارتفعت عن هذه الحطّة، وما رضيت بهذه الخطّة، فالنار ولا العار، والمنيّة ولا الدّنيّة، والحرة تجوع ولا تأكل بثدييها:
فكيف وفي أبناء قومي منكح ... وفتيان هزّان الطّوال الغرانقة «9»ما كنت لأتخطّى المسك إلى الرّماد، ولا أمتطي الثّور دون الجواد، وإنما يتيمّم من لا يجد ماء، ويرعى الهشيم، من عدم الجميم «1» ، ويركب الصّعب من لا ذلول له؛ ولعلك إنما غرّك من علمت صبوتي إليه، وشهرت مساعفتي له من أقمار العصر، ورياحين المصر، الذين هم الكواكب علوّهمم، والرياض طيب شيم:
من تلق منهم تقل لا قيت سيّدهم فحنّ قدح ليس منها، ما أنت وهم؟ وأين تقع منهم؟ وهل أنت إلا واو عمرو فيهم؟ وكالوشيظة «2» في العظم بينهم؛ وإن كنت إنما بلغت قعر تابوتك، وتجافيت لقميصك عن بعض قوتك، وعطّرت أردانك، وجررت هميانك، واختلت في مشيتك، وحذفت فضول لحيتك، وأصلحت شاربك، ومططت حاجبك، ورقّقت خطّ عذارك، واستأنفت عقد إزارك، رجاء الاكتنان فيهم، وطمعا في الاعتداد منهم، فظننت عجزا، وأخطأت استك الحفرة «3» ؛ والله لو كساك محرّق البردين «4» ، وحلّتك مارية بالقرطين، وقلّدك عمرو الصّمصامة، وحملك الحارث على النّعامة، ما شككت فيك، ولا تكلمت بملء فيك، ولا سترت إياك، ولا كنت إلا ذاك. وهبك ساميتهم في ذروة المجد والحسب، وجاريتهم في غاية الظّرف والأدب، ألست تأوى إلى بيت قعيدته لكاع «5» ، إذ كلهم عزب خالي الذراع، وأين من أنفرد به ممن لا غلب إلا على الأقلّ الأخسّ منه! وكم بين من يعتمدني بالقوة الظاهرة، والشهوة الوافرة، والنفس المصروفة إليّ، واللذة الموقوفة عليّ، وبين آخر قد نزحت بيره، ونضب غديره، وذهب نشاطه، ولم يبق إلا ضراطه. وهل كان يجتمع لي فيك إلا الحشف وسوء الكيلة «1» ويقترن عليّ بك إلا الغدّة والموت في بيت سلولية «2» :
تعالى الله يا سلم بن عمرو ... أذلّ الحرص أعناق الرّجال
ما كان أخلقك بأن تقدّر بذرعك، وتربع بذلك على ظلعك «3» ، ولا تكون براقش الدالة على أهلها «4» ، وعنز السّوء المستثيرة لحتفها؛ «5» فما أراك إلا قد سقط العشاء بك على سرحان «6» ، وبك لا بظبي أعفر «7» ؛ قدأعذرت إن أغنيت شيّا، وأسمعت لو ناديت حيّا، وقرعت عصا العتاب، وحذّرت سوء العقاب:
إنّ العصا قرعت لذي الحلم ... والشيء تحقره وقد ينمي
فإن بادرت بالنّدامة، ورجعت على نفسك بالملامة، كنت قد اشتريت العافية لك بالعافية منك؛ وإن قلت جعجعة ولا طحن، فربّ صلف تحت الراعدة، وأنشدت:
لا يوئسنّك من مخدّرة ... قول تغلّظه وإن حرجا
فعدت لما نهيت عنه، وراجعت ما استعفيت منه، بعثت من يزعجك إلى الخضراء دفعا، ويستحثّك نحوها وكزا وصفعا، فإذا صرت إليها عبثت أكّاروها «1» بك، وتسلّط نواطيرها عليك: فمن قرعة معوجّة تقوّم في قفاك، ومن فجلة منتنة ترمى بها تحت خصاك، ذلك بما قدّمت يداك، لكي تذوق وبال أمرك، وترى ميزان قدرك:
فمن جهلت نفسه قدره ... رأى غيره منه ما لا يرى"اهـ
قال صاحب الكتاب أي صبح الأعشى :
فلولا المعرفة بالتاريخ، والإحاطة بالوقائع والسيّر، والأقاصيص، والأمثال السائرة في معنى ذلك، لما تأتّى للناثر الاقتدار على سبك هذه الوقائع، والتلويح بمقتضياتها.