المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : هل صحيح أنّ دعوة ابن باديس هي امتداد لدعوة الإمام محمّد بن عبد الوهّاب ؟



أهــل الحـديث
09-03-2014, 02:30 PM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم



هل صحيح أنّ دعوة ابن باديس هي امتداد لدعوة الإمام محمّد بن عبد الوهّاب ؟


كثيرا ما قرأت في كتب بعض الباحثين دراسات عن الشّيخ "محمّد بن عبد الوهّاب" رحمه اللّه، وبعض هذه الدّراسات تأتي في قمّة الجودة حيث يحاول فيها أصحابها إعطاء الصّورة الحقيقية لذلك المصلح العظيم، الّذي باتت الدّيار السّعودية ترفل بفضله بعد اللّه عزّوجلّ في نعيم العقيدة السّلفية الصّادقة، »والشّيخ "محمّد بن عبد الوهّاب" رحمه اللّه صار إماما كغيره من أئمة السّنة وشرف ونبل بذلك، وكذلك أتباعه وأنصاره شرفوا باتّباعهم مذهب السّلف الصّالح، واتّخاذ طريقهم في الوسيلة والغاية، ولقد حاول بعض المفكّرين أن يعقدوا دراسات في المقارنة بين دعوة الإمام المصلح العظيم "محمّد بن عبد الوهاب" رحمه اللّه، وبين دعوة الشّيخ "عبد الحميد بن باديس" رحمه اللّه، وأرادوا الخروج بنتيجة مفادها أنّ دعوة "ابن باديس" هي امتداد لدعوة الشّيخ الرّائد "محمّد بن عبد الوهّاب" رحمه اللّه، والحقيقة أنّ هذا الكلام يحتاج إلى أدلّة قاطعة من أجل إثباته لأنّ خطّ "محمّد بن عبد الوهّاب" خطّ سـلفي لا غـبـار عـليه في حيـن يـمتزج خـطّ "ابن باديس" بـرائحة "جمال الـدين الأفــغـاني" و"محـمّد عبده"، وكلّ هذا الكلام محلّ نظر وتمحيص خاصّة وأنّ هناك دعوات حاولت أن تلصق نفسها إلصاقا بدعوة الشّيخ "محمّد بن عبد الوهّاب" رحمه اللّه ولكن دون جدوى، لأنّ البون شاسع بين دعوة هذا ودعوة ذاك وفي دراسة قدّمها الشّيخ "صالح بن عبد اللّه العبّود" عن عقيدة الشّيخ "ابن عبد الوهّاب" السّلفية وأثرها في العالم الإسلامي، ذكـر الشّيخ "العبّود" حول ما يُقال عن تأثّر بعض الحركات والدّعوات بعقيدة الشّيخ السّلفية ما يأتي :

(وما قيل من تأثّر بعض الحركات والدّعوات في خارج سلطان أنصار عقيدة الشّيخ مثل : حركة السّنوسي في ليبـيـا، وحركة أحمد بن عرفات في الهند، وحركة الفرائضيين في الهند وحركة نزار عـلي في الهند أيضا، وحركات البدري الثّلاث في أندونيسيا، وحركة الإخوان المسلمين وبعض دعاة في البلدان قيل إنّهم تأثّروا بدعوة الشّيخ "محمّد بن عبد الوهّاب" مثل الشّيخ "محمّد عبده" و"جمال الدّين الأفغاني"، والجمعيّة الشّرعية في مصر، وما قيل أيضا إنّ الثّورات الّتي انطبعت بطابع ديني تأثّرت بدعوة الشّيخ، كالثورة المهدية في السّودان، وثورة إيش محمّد كول في التّركستان، وما قيل من أنّ إصلاح سلطان المغرب المولى سليمان بن محمّد في المغرب و"عبد الحميد بن باديس" في الجزائر، قد تأثرّا بدعوة الشّيخ كلّ ذلك يحتاج إلى دقّة وتحقيق ودليل يثبت أنّ هذه الدّعوات والحركات تأثّرت بعقيدة الشّيخ وحركته ودعوته وقيام أنصاره، وأغلبُ ما تعتمد عليه هذه الأقاويل على مصادر غريبة بعيدة معادية لا دقّة لديها ولا تحقيق، ولكن تعتمد على الظّنون وما تريده من تشويه للصّورة الصّحيحة حتّى لا يفهم النّـاس الحقيقة، والحقيقة أنّ هذه الدّعوات والحركات والثّورات نابعة من أهلها، وهم بأنفسهم لا يذكرون أنّهم من أتباع الشّيخ ولا أنّهم تتلمذوا عليه أو قرأوا كتبه ومؤلّفاته وأرادوا تطبيقها، ولا أحد يثبت ذلك فيذكره، بل إنّ هؤلاء لا يعترفون بهذه التّبعية ولا بالـتّأثر به، وربّما أنّ أكثرهم لا يعرفه، إلاّ عن طريق أعدائه ودعاياتهم الكاذبة، وبصورة مشوّهة غير حقيقيّة، أو يعرفه بعضهم ولكن لا يعترف بطريقته السّلفية، وإن كان ينتسب إلى السّلف، كما هو شأن الأشعريّة والصّوفية وأهل الكلام وأهل السّياسة الدّنيويّة الّتي تريد العلوّ في الأرض والرّئاسة أو تريد الدّنيا ولا تريد الآخرة، فكلّ هذه المذاهب وما كان على هذه الشّاكلة لا تعترف بعقيدة السّلف الصّالح، وهي العقيدة الّتي يعتقدها الشّيخ، فأصحابها يخالفونها في كثير أو قليل والأمثلة على ذلك كثيرة). وبعد أن ضرب الشّيخ "صالح بن عبد اللّه العبّود" مثالا بـالحركة السّنوسيّة ومجانبتها للدّعوة السّلفية، وبيّن أخطاء "السّنوسي" وكيف أنّه كان على عقـيدة الأشاعرة كما بيّن ذلك أبناء الشّيخ "محمّد بن عبد الوهّاب" رحمه اللّه والشّيخ "محمّد بن ناصر بن معمر رحمه اللّه واصل الشّيخ "العبّود" كلامه عن تلك الدّعوات أوالحركات الّتي يزعم بعضهم أنّها تأثّرت بدعوة الشّيخ "محمّد بن عبد الوهّاب" رحمه اللّه فقال ما يأتي :(وبعضهم الآخر في نصوص الصّفات سلك مسلك من يفوّض المعنى والكيف، ولا يقول بأنّ المعنى معلوم والكيف مجهول، إذ لا فرق عنده بين المعنى والكيف، ثمّ صحّح مذهب الخلف أهل التّأويل المذموم، وهو صرف اللّفظ عن معناه الرّاجح من ظاهره إلى المعنى المرجوح بحجّة فرارهم من التّشبيه والتّمثيل، وهم قد وقعوا في شرّ ممّا توهّموه وفرّوا عنه، ورجح مذهب أهل التّفويض، وجعلهم هم السّلف، ولم يذكر مذهب السّلف الصّحيح الّذي عبّر عنه الإمام مالك حيث قال : "الاستواء معلوم، والكيف مجهول" ففـرّق بين المعنى والكيف، وأنّ المعنى معلوم والكيف مجهول، وكذلك الإمام الطّحاوي قال : "العلم علمان : علم موجود، وعلم مفقود"، فالموجود علم المعنى والمفقود علم الكيف في باب صفات اللّه المقدّسة. وقد ردّ الشّيخ "عبد الرّحمان بن حسن آل الشّيخ" قول من قال في وسيلة دعوته اللّه : وأتوسّل إليك بصفاتك الكاملة الّتي لا يعلمها إلاّ أنت.. فقال الشّيخ "عبد الرّحمان" : اعلم أنّ الّذي لا يعلمها إلاّ هو كيفية الصّفة، وأمّا الصّفة فيعلمها أهل العلم باللّه، كما قال الإمام مالك : الاستواء معلوم والكيف مجهول، ففـرّق هذا الإمام بين ما يعلم منه معنى الصّفة على ما يليق باللّه، فيقال : استواء لا يشبه استواء المخلوق ومعناه ثابت للّه كما وصف به نفسه، وأمّا الكيف، فلا يعلمه إلاّ اللّه فتـنبّه لمثل هذا، فالإمام مالك تكلّم بلسان السّلف)، ثم يواصل الشيخ "العبّود" كلامه المفيد بالحديث عن الفساد العقدي عند "حسن البنّا" وعن بنوده المنحرفة عن العقيدة الصّحيحة، والّتي تنفي بالكليّة تأثّر دعوة "حسن البنّا" بدعوة الشّيخ المجدّد المصلح العظيم "محمّد بن عبد الوهّاب" رحمه اللّه، فيقول عن كلّ ذلك ما نصّه: (ويدّعي هذا البعض من أولئك الدّعاة أنّ في نصوص الصّفات ما يوهم التّمثيل والتّشبيه بينما أنّه ليس في نصوص الصّفات ما يوهم ظاهره اللاّئق باللّه تعالى تمثيلا أوتشبيها، ومن توهّم شيئا من ذلك، فهو لأنّه لم يعط النّص حقّه من التّأمل والتّدبر وإمعان النّظر، ولو فعل ذلك، لم يجد في ظاهره اللاّئق بجلال اللّه تعالى ما يوهم تمثيلا أوتشبيها، وحاشا أن يكون ظاهر كلام اللّه وكلام رسوله يوهم ذلك، والسَلف والأئمة لم يكونوا يتوهّمون أنّ ظاهرها التّمثيل، ولا يرضون بذلك، كما حقّقه شيخ الإسلام "ابن تيميّة" وعلى ذلك الشّيخ "محمّد بن عبد الوهّاب" وسائر السّلف الصّالح، وفي تعاليمهم أنّ أركان بيعتهم عشرة، أوَلها الفهم ويريدون بالفهم أن يفهم الإسلام في حدود ما يسمّونه بالأصول العشرين، وفي أكثرها نظر، ومن ذلك تأصيلهم أنّ الإسلام نظام شامل يتناول مظاهر الحياة جميعا، فهو دولة ووطن أوحكومة وأمّة وهو خلق وقوّة أو رحمة وعدالة، وهو ثقافة وقانون أوعلم وقضاء، وهو مادّة وثروة أو كسب وغنى، وهو جهاد ودعوة أوجيش وفكرة، كما هو عقيدة صادقة وعبادة، وهذه كلمات مجملة غامضة يدخل فيها ما هو من الإسلام وما ليس منه، ولا يفهم منها تحديد للمقصود كما يفهم من تعريف السّلف الصّالح للإسلام، وعلى رأسهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فلمّا سأله جبريل عن الإسلام قال : الإسلام أن تشهد أن لا إله إلاّ اللّه وأنّ محمّدا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وتقيم الصّلاة، وتؤتي الزّكاة، وتصوم رمضان، وتحجّ بيت اللّه الحرام إن استطعت إليه سبيلا.. وقال صلّى اللّه عليه وسلّم : بني الإسلام على خمس شهادة أن لا إله إلاّ اللّه وأنّ محمّدا رسول اللّه، وإقام الصّلاة، وإيتاء الزّكاة وصوم رمضان وحجّ بيت اللّه الحرام.. ولمّا كان أصل هذه المباني هو شهادة أن لا إله إلاّ اللّه كما بيّن الرّسول صلّى اللّه عليه وسلّم ذلك حين بدأ بها وحين بعث معاذا إلى اليمن، أمره أن يبدأهم بها، وقد ذكر ذلك البخاري في أوّل كتاب التّوحيد من صحيحه لذلك.
قال الشيّخ "محمّد بن عبد الوهّاب" : "الإسلام هو الاستسلام للّه بالتّوحيد والانقياد له بالطّاعة والبراءة من الشّرك وأهله، وهو ثلاث مراتب : الإسلام والإيمان والإحسان، وكلّ مرتبة لها أركان فأركان الإسلام خمسة..إلخ.. ويرون الاستعاذة بالمقبورين ونداءهم لذلك، وطلب قضاء الحاجات منهم عن قرب أو بعد والنّذر لهم، وما يلحق بذلك المبتدعات كبائر بينما هي شرك ينقض الإسلام وليست مجرّد كبائر ومبتدعات على المصطلح في مفهوم الكبائر والمبتدعات الّتي لا تخرج من الملّة، وهكذا لا يركّزون في دعوتهم على إبعاد النّاس عن الشّرك مثل دعاء غير اللّه والنّذر له، طلبا للنّفع ودفع الضّر، ليُصحّحوا التّوحيد وهو أوّل شيء، ولكن يركّزون على الحاكمية تركيزا جعل دعوتهم أشبه بدعوة سياسية تطلب الحكم، بينما دعوة الشّيخ "محمّد بن عبد الوهّاب" تتركّز على أنّه لا يُدعى إلاّ اللّه، ولا يذبح إلاّ له، ولا يصرف شيء من أنواع العبادة المشروعة لغيره، فهي دعوة توحيد اللّه بالعبادة الّتي شرّعها اللّه لرسوله صلّى اللّه عليه وسلّم ولأتباعه، ثمّ طلب من الأمير الموهوب ملكات الإمارة أن ينصر ذلك، وبيّن له أنّ الدّولة والملك ثواب لمن نصر ذلك، لا أنّ الإسلام هو الدّولة، كما تُوهِمه تعاليمهم بأنّ الإسلام دولة ووطن أو حكومة وأمّة.. وضياع الحكومة والملك من المسلمين إنّما يكون عقـوبة للتّفريط منهم بدينهم، فإذا عادوا إلى حفظ دينهم وصحّحوا توحيدهم عـاد اللّه عليهم بالعـزَ والـتّمكين، كما في حديث ابن عبّاس : "احفظ اللّه يحفظك"، فمشكلة المسلم ليست في نزع الملك من يده، وإنّما مشكلة المسلم هي عدم تصحيحه شهادة أن لا إله إلاّ اللّه، فإذا صحّحها وعمل بمقتضاها وصبر عـلى ذلك، ملكه اللّه بها العرب، ودانت له بها العجم واللّه أعلم ، وبعد هذا البيان الواضح عن البعد الشّاسع بين دعوة "محمّد بن عبد الوهّاب" الإمام المجدّد، وبين دعوة الشّيخ "حسن البـنّـا"، وكيف أنّ دعوة هذا الأخير مليئة بالخرافات والبدع والشّركيات أيضا فهي بعيدة كلّ البعـد عن دعوة "محمّد بن عبد الوهّاب" في الأصول والفروع، يواصل الشّيخ "صالح العبّود" ـ جزاه اللّه خيرا ـ كلامه عن بقيّة الحركات والدّعوات وكيف أنّها لاتمت بصلة إلى دعوة "محمّد بن عبد الوهّاب" فيذكر "محمّد عبده" وضلالاته بما يأتي:( وهذا الأستاذ الإمام الشّيخ "محمّد عبده" في رسالة "التوحيد" الّتي ألّفها لا يذكر تعريف التّوحيد الّذي هو حقّ اللّه على العبيد حين أراد أن يعرف علم التّوحيد ويبيّن معناه، وقد استدرك عليه تلميذه "محمّد رشيد رضا"، فقال : ((فات الأستاذ أن يصرّح بتوحيد العبادة وهو أن يعبد اللّه وحده ولا يعبد غيره بدعاء ولا بغير ذلك ممّا يتقرّب به المشركون إلى ما عبدوا معه من الصّالحين والأصنام المذكّرة بهم، وغير ذلك كالنّذور والقرابين الّتي تذبح بأسمائهم أو عند معابدهم، وهذا التّوحيد هو الّذي كان أوّل ما يدعو إليه كلّ رسول قومه، بقوله : "اعبدوا اللّه مالكم من إله غيره"))، وقال شيخنا "محمّد خليل هرّاس" : (وقد غلط الشّيخ "عبده" في اعتبار توحيد الرّبوبيّة والانفراد بالخلق هو الغاية العظمى من بعثة الرّسل عليهم الصّلاة والسّلام، فإنّ هذا النّوع من التّوحيد كانت تقرّ به الأمّم الّتي بعثت إليها الرّسل، ولم يقع فيه نزاع بينهم وبين الرّسل، وإنّما كان النّزاع في توحيد الإلهية والعبادة، ولهذا لم يجئ على لسان الرّسل عليهم السّلام الدّعوة إلى اعتقاد أنّ اللّه وحده هو الخالق، وإنّما كان مدار دعوتهم هو عبادة اللّه وحده لا شريك له، فكلّ منهم كان مفتتح دعوته لقومه، "اعبدوا اللّه مالكم من إله غيره".. إلى أن قال الشّيخ "الهرّاس" : ولعلّ فضيلة الشّيخ "عبده" في هذا كان متـأثّرا بالأشعرية الّذين جعلوا الانفراد بالخلق هو أخصّ خصائص الإلهية، واهتمّوا في كتبهم بإقامة البراهين على هذا النّوع من التّوحيد، دون أن يشيروا إلى توحيد الإلهية الّذي هو أقصى الغايات ونهاية النّهايات..)، وغير ذلك من شطحاته في الملائكة والجنّ و نحو ذاك كما في "تفسير المنار" نقلا عنه..) ثمّ ينتقل الشّيخ "العبّود" للحديث عن "المهدي" السّوداني الّذي حاول البعض أيضا إلصاق دعوته بدعوة الإمام "محمّد بن عبد الوهّاب" رحمه اللّه فقال : » وذلك المهدي في السّودان رضي أن يطلق عليه المهدي، بل أعلن أنّه قد رأى رؤية للنّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم يدعوه فيه إلى قيادة المؤمنين كمهدي مخلص أرشده اللّه، وتَدافَع عليه الآلاف يحلفون له على الطّاعة.. وهذا يدلّ على أنّه اغترّ بنفسه أنّه المهدي، بناء على إعلانه أنّه رأى رؤية للنّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، ثمّ إنّ هذه الرّؤية لم يبيّن هل هي منام أو يقظة كما يدّعيه جهلة الصّوفية أنّهم أو أحدهم يرى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم في اليقظة، ويحضر المولد أو ما أشبه ذلك، وهذا أقبح الغلط، وغاية التّلبيس، وأعظم الخطأ المخالف للكتاب والسّنة وإجماع أهل العلم، لأنّ الموتى إنّما يخرجون من قبورهم يوم القيامة لا في الدّنيا، ومن قال خلاف ذلك، فهو كاذب كذبا بيّنا، أو غالط ملبّس عليه، لم يعرف الحقّ الّذي عرفه السّلف الصّالح ودرج عليه أصحاب الرّسول صلّى اللّه عليه وسلّم وأتباعهم بإحسان، ولو تبيّن أنّ هذه الرّؤية منام، فعلى كلّ الاحتمالين هي ليست بصحيحة، لأنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم لا يدعو إلى خلاف الحقّ، ولا يشير ولا يقول بخلاف الحقّ لا في حياته ولا بعد موته، وقد تبيّن أنّ "مهدي السّودان" ليس هو المهدي الّذي يقود المؤمنين كمهدي مخلص أرشده اللّه، بل لم يخلص حتّى أهل السّودان من الخرافات ومخالفة التّوحيد ومن الاستعمار النّصراني، فقد استولى كتشنر الإنكليزي على السّودان، وأمر بتدمير قبر المهدي، والتمثيل بجثّته، وعرض رأسه في القاهرة، وكان أتباعه يعتقدون بمعجزة رجوعه.. وقد سئل الشّيخ "محمّد بن عبد الوهّاب" رحمه اللّه عن الرّؤيا السّارة في المنام ؟ فقال : الرّؤيا أرجو أنّها من البشرى، ولكن الرّؤيا تسرّ المؤمن ولا تغرّه.، ثمّ يعطي الشّيخ "العبّود" خلاصة لكلامه بعدم إثبات تأثّر الدّعوات والحركات الآنفة الذّكر بما فيها دعوة الشّيخ الجزائري "عبد الحميد بن باديس"، بدعـوة الإمام الكبير "محمّد بن عبد الوهّاب" رحمه اللّه رحمة واسعة، فيكتب في ختام كلامه عن تلك الدّعوات ومناهجها الضّائعة الكلام الآتي : ((وكلّ تلك الدّعوات والحركات لا تخلو واحدة من سمة تدلّ على عدم ارتباطها بعقيدة الشّيخ دلالة واضحة، فليس في عقيدة الشّيخ شيء من هذه الطّرق الصّوفية ولا الأشعريّة ولا القبوريّة ولا المذاهب السّياسية الّتي تريد التّسلّط ولا النّزعات الثّورية، كلّ ذلك ليس من عقيدة الشّيخ السّلفية، كما هو ليس من عقيدة السّلف الصّالح جميعا في شيء، وما وافقوا فيه الإسلام من أمور، فهذه الموافقة ليست دليلا على أنّهم تأثّروا بالشّيخ كما قرّرنا، وكون أحدهم حجّ مرّة أو مرّتين حتّى لو قابل أحدا من حملة عقيدة السّلف الصّالح، ليس هذا اللّقاء مقتضيّا لتأثّره ما لم يثبت دليل من أدلّة التّأثّر أو صيغة من صيغ التّحمّل والاقتناع، هذا بالإضافة إلى أنّ هؤلاء لا يقولون بأنّهم من أتباع الشّيخ كما قرّرنا، ولا الشّيخ وأتباعه وأنصاره يحتضنون شيئا من هذه الدّعوات بقصد احتوائهم وجعلهم تبعا لهم، ولا يطمئنّون لبعض طرقهم المخالفة، كالنّزعات الصّوفية أو الكلامية أو البدع الأخرى، حتى في تعريف العبادة، فأكثر هؤلاء لا يعرف أنّ العبادة مبناها على الأمر الشّرعي، ولا يعرف أنّ التّوحيد من مقامين : مقام توحيد المعرفة والإثبات، ومقام توحيد القصد والطّلب، ولا يعرف أنّ توحيد القصد والطّلب الّذي هو توحيد الألوهية والعبادة متضمّن لتوحيد الرّبوبيّة ولا عكس، لكن توحيد الرّبوبيّة يستلزم توحيد الألوهيّة، وكثير منهم إذا عرّف التّوحيد إنّما يعرّفه بأنّه توحيد الرّبوبيّة كما ذكرت عن الشّيخ "محمّد عبده" وسائر من تأثّر بالأشاعرة الّذين اشتهر عنهم هذا المنهج في تعريفهم التّوحيد، ومعلوم أنّ الإقرار بتوحيد الرّبوبيّة لا يكفي عن الإتيان بلازمه، وهو توحيد الألوهيّة، وكم من يقرّ بالرّبوبيّة وينكر توحيد الإلهيّة!.. ولعلّ في ذلك كفاية في بيان عدم صحّة الرّأي القائل بأنّ مثل هذه الدّعوات والحركات متأثّرة بالشّيخ ودعوته وحركته وحركة أنصاره من أجل نصرة دين اللّه ورسوله صلّى اللّه عليه وسلّم واللّه أعلم...))