المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الاحتفال بالربيع النيروز والمهرجان



أهــل الحـديث
09-03-2014, 01:20 PM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


بسم الله وبعد :
فهذا بحث مقتضب من بحث آخر كبير في حكم الاحتفالات بالأعياد والمناسبات :
....
المطلب الثالث : الاحتفال بالنيروز والمهرجان ، وأعياد المشركين :
المسألة الأولى : الإشكال المطروح ، وتبيين ضابط التشبه :
مر بنا كثير من الدلائل على أن الأصل في الأعياد والمناسبات التوسعة والجواز لا التقييد , كما مر من حديث عائشة مرفوعا :" لتعلم يهود أن في ديننا فسحة، إني أرسلت بحنيفية سمحة "، وفي لفظ : "العبوا يا بني أرفدة يعلم اليهود والنصارى أن في ديننا فسحة "، هذا ما لم يكن العيد شركيا أو يحتوي على شعارات المشركين .
يُعتبر التشبه بالمشركين في شعاراتهم، وما يختصون به في مختلف المظاهر من: اعتقادات وهيآت وأوصاف وعادات وتقاليد وأعياد ... أمرا مذموما ، لقوله عليه السلام :" من تشبه يقوم فهو منهم ".
ويختلف وجود التشبه من عدمه باختلاف هذه المظاهر ، إذ هناك أمور يشترك فيها المسلمون وغيرهم كالطيبات والمباحات ، وهناك مظاهر يختص بها المسلمون ، وأخرى يتميز بها المشركون أو هي شعار لهم .
فضابط معرفة التشبه من عدمه : هو موافقة المشركين في شعاراتهم وما يختصون به من مظاهر وعادات، وأعياد واعتقادات .. ونحو ذلك .
فمثلا الأعياد : إن وجدنا بأن أصل عيدٍ مَا ، من خصائصهم واعتقاداتهم الباطلة، فموافقتهم فيه محرمة ، وإن لم يكن كذلك فلا بأس بذلك ، كالاحتفال بعاشوراء والصوم فيه كما أسلفنا .
وأما إن كان من شعاراتهم وعقائدهم الجاهليّة فهو ممنوع ، لما مضى من حديث أنس قال: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ولهم يومان [من كل سنة] يلعبون فيهما، فقال: «ما هذان اليومان ؟» قالوا: يومان كنا نلعب فيهما في الجاهلية، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله قد أبدلكم بهما خيرا منهما يوم الأضحى ويوم الفطر»، وقد ذكر بعض الشراح، بأن اليومين هنا هما النيروز والمهرجان .
فلئن صحّ هذا الشرح فقد استدلّ به من حرّم الاحتفال بالنيروز ، لأن التفضيل لا يكون إلا بين خيرٍ وشر ، والبدل يقتضي ترك المبدل منه .
والأول مُتَعقَّب بأن التفاضل لا يلزم أن يكون بين خير وشر، بل يصلح أن يكون بين فاضل وأفضل منه ، كما في الحديث :" صلاة في مسجد المدينة أفضل من ألف صلاة فيما سواه"، وقوله :"المؤمن القوي خير وأحب عند الله من المومن الضعيف"، وأبو بكر أفضل من عمر ...، ومنه قول عائشةَ رضي الله عنها للنبي عليه السلام في شأن ذِكْراه لخديجة :" قد أبدَلَكَ اللهُ عز وجل بها خيرا منها ".
إلا أنّ الاستدلال الأقوى هو : أنّ البدل يقتضي ترك المبدل منه ،
وبالتالي يكون الإشكال القوي المطروح: ما هما هذان العيدان المبدل منهما ؟ أهما حقا النيروز والمهرجان، عيدا أهل الفرس وغيرهم ؟ أم هما عيدان آخران من أعياد أهل الجاهلية وخصائصهم كما في ظاهر هذا الحديث .
والإشكال الثاني : ما هو أصل هذا النيروز والمهرجان ؟ هل هو أصل شركي يختص به المشركون ؟ أم هو أصل مشترك بين المسلمين وغيرهم ؟ وهل هو من أعياد العادات ؟ أم من المناسبات الدينية ؟
ولذلك كان من المهم معرفة أصل ومبدإ وسبب هذا العيد والتسمية به ، وقد ورد في ذلك عدة أسباب ، ربما اجتمعت معًا والله أعلم :
المسألة الثانية: حقيقة النيروز والمهرجان وأصلهما والاختلاف فيهما :
فأما المِهْرجان فهو أول يوم من الخريف، وقيل الشتاء، وأما النيروز فكلمة فارسية مركبة من: نيو، أي جديد، وروز بمعنى يوم، وهو أول يوم من أيام الربيع، وهو أوّل أيام السنة الشمسية الفارسية، حيث يفرح الناس به ستة أيام، وتاريخه يقابل 21 مارس عند الساسانيين ، وقيل 16 حزيران جوان فرحا بالحصاد، وقد غيّره الخليفة المعتضد إلى يوم 11 حزيران ، وكان أهل الذمة يدفعون الخراج فيه للمسلمين .
ويحتفل الناسُ عندنا في الأسابيع الأُوَلِ من شهر مارس فرحا بدخول فصل الربيع، حيث يصنعون الحلويات، ثم تخرج الأسر إلى الحدائق والمساحات الخضراء .
وأما العلماء فقد اختلفوا في حكم الصيام والتهادي والفرح بهذا النيروز والمهرجان :
القول الأول: المنع من الاحتفال فيهما : حيث ذهب جمهور أتباع المذاهب إلى كراهة الاحتفال معهم لأنه من خصائصهم ، حتى كفر بعضهم من فعل ذلك، وكان بعضهم لا يخرج في يوم النيروز والمهرجان :
فأما الحنفية فقد كرهوا صوم يوم النيروز والمهرجان ، لأنه تشبه بالمجوس ، وبالغ بعضهم حتى كفر من أعطى فيه هدية يريد بها تعظيم ذلك اليوم ، فقد ذكر الحنفية ومنهم الزيلعي - في تنبيه الحقائق - وغيره قالوا :" وقال صاحب الجامع الأصغر: إذا أهدى يوم النيروز إلى مسلم آخر ، ولم يرد به التعظيم لذلك اليوم ، ولكن ما اعتاده بعض الناس لا يكفر، ولكن ينبغي له أن لا يفعل ذلك في ذلك اليوم خاصة ، ويفعله قبله أو بعده كي لا يكون تشبها بأولئك القوم ، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" من تشبه بقوم فهو منهم " ، وقال في الجامع الأصغر: رجل اشترى يوم النيروز شيئا لم يكن يشتريه قبل ذلك، إن أراد به تعظيم ذلك اليوم كما يعظمه المشركون كفر ، وإن أراد الأكل والشرب والتنعم لا يكفر ".
لكن ذكر غير واحد في ترجمة أبي حنيفة النعمان بن ثابت ، وكذلك هو مذكور في مقدمة حاشية رد المختار لابن عابدين: " ففي تاريخ ابن خلكان عن الخطيب أن حفيد أبي حنيفة قال : أنا إسماعيل بن حماد بن النعمان بن ثابت بن النعمان بن المرزبان من أبناء فارس من الأحرار ، والله ما وقع علينا رق قط : ولد جدي أبو حنيفة سنة ثمانين ، وذهب ثابت إلى علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه وهو صغير فدعا له بالبركة فيه وفي ذريته ، ونحن نرجو أن يكون الله تعالى قد استجاب لعلي فينا ؟ والنعمان بن المرزبان أبو ثابت هو الذي أهدى لعلي الفالوذج في يوم مهرجان، فقال علي: مهرجونا كل يوم هكذا "،
والفالوذج نوع من الحلوى تعمل من الطحين والماء والعسل، تدعى عندنا " الطمينة " كما سيأتي .
وسئل ابن مقاتل عما يَهْدي أبو الصبي إلى المعلم أو المؤدب في النيروز والمهرجان أو في العيد ، فقال : إذا لم يسأل ولم يلح عليه في ذلك فلا بأس به"، كذا في الحاوي للفتاوى ".
وأما المالكية فعلى الكراهة أو التحريم للتهادي معهم: فقد قال ابن عات :" يُجرَح الرجل بصنيعة النيروز والمهرجان إذ هو من فعل النصارى" اهـ
وقد تقدم أنه من فعل المجوس، وأما النصارى فعيدهم هو الفصح وعيد الميلاد، واليهود الفطير .
القول الثاني: كراهة الاحتفال به إلا أن يصير مُعظما له فيحرم : حيث كره الحنابلةُ الصوم في النيروز والمهرجان.
وأما صناعة الحلوى والمطعومات فلم يُحرمها الإمام أحمد، لكنه لم يُحَبِّب ما كان زائدا عن نفقة اليوم ، إلا أن يوافق النيروز يوما آخر كان من العادة التوسعة فيه، فقد قال أحمد في رواية أبي الحارث: ما أحب لرجل أن يتعمد الحلواء واللحم لمكان النيروز، لأنه من زي الأعاجم، إلا أن يوافق ذلك وقتا كان يفعل هذا فيه، قال القاضي: إنما جاز ذلك؛ لأنه إنما منع من فضل النفقة يوم النيروز، لئلا يؤدي إلى تعظيم ذلك اليوم، وإذا وافق عادة فلم يوجد ذلك فلهذا جاز "،
وقد أجاز في رواية أخرى تخصيص بذل الهدية إلى المعلم يوم النيروز، فقال إسحاق بن هانئ : رأيت أبا عبد الله – أحمد - أعطى ابنه درهما يوم النيروز وقال : اذهب به إلى المعلم "، ذكره القاضي, ونقله صاحب المحرر من خطه ، ذكر ذلك في تصحيح الفروع ".
القول الثالث: التفريق بين الاحتفال بالنيروز وأعياد المشركين فيُمنع، وأما قبول الهدايا منهم في أعيادهم فتجوز: وهو قول شيخ الإسلام ابن تيمية في الاقتضاءِ .
وقد استدل من كره النيروز أو حرمه بما يلي :
الدليل الأول: استدل بعضهم بحديث أنس الماضي :" قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ولهم يومان يلعبون فيهما، فقال:" قد أبدلكما الله خير منهما يوم الأضحى ويوم الفطر"، قال بعض الشرّاح : اليومان هما النيروز والمهرجان ، وقال بعضهم: فيه دليل على أن الأعياد توقيفية ، وقد مرت الإجابة على ذلك .
الدليل 2/ استدلوا بما خرج البيهقي عن سعيد بن سلمة سمع أباه سمع عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: " اجتنبوا أعداء الله في عيدهم"، لكن ليس فيه ذكر للنيروز أصلا ، بل هو صريح في النهي عن الاحتفال بما يختصون به من أعياد.
. وهكذا أيضا ما قال البيهقي في الكبرى (9/392) باب كراهية الدخول على أهل الذمة في كنائسهم والتشبه بهم يوم نيروزهم ومهرجانهم ، ثم قال: أخبرنا أبو طاهر الفقيه أنبأ أبو بكر القطان ثنا أحمد بن يوسف السلمي نا محمد بن يوسف ثنا سفيان عن ثور بن يزيد عن عطاء بن دينار قال: قال عمر رضي الله عنه: " لا تعلموا رطانة الأعاجم ولا تدخلوا على المشركين في كنائسهم يوم عيدهم , فإن السخطة تنزل عليهم "،
وهذا أيضا فيه النهي عن التشبه بهم فيما يختصون به من أعياد، وليس فيه ذكر للنيروز أصلا .
وورد بإسناد آخر، فلا أدري أوقع اضطراب أم هو حديث آخر، كما في :
دليل ثالث: فقد قال البيهقي أيضا: أخبرنا أبو طاهر الفقيه أنبأ أبو بكر القطان ثنا أحمد بن يوسف ثنا أحمد بن يوسف ثنا محمد بن يوسف قال: ذكر سفيان عن عوف عن الوليد أو أبي الوليد عن عبد الله بن عمرو قال: " من بنى ببلاد الأعاجم وصنع نيروزهم ومهرجانهم وتشبه بهم حتى يموت وهو كذلك حشر معهم يوم القيامة "، فوقفه، وخالفه أحمد بن سعيد عن محمد بن عوف عن الفريابي عن سفيان فرفعه، وقد اضطرب فيه سفيان .
وهذا الموقوف الأخير هو الأقوى لأن له متابعة ، لكن شك سفيان في اسم الوليد، بينما جعله أبو أسامة عن أبي المغيرة وهو الأقوى لأنه لم يشك، وتابعه غيره :
فقد خرجه البيهقي من طريق الحسن بن علي بن عفان ثنا أبو أسامة ثنا عوف عن أبي المغيرة عن عبد الله بن عمرو قال :" من بنى في بلاد الأعاجم فصنع نوروزهم ومهرجانهم وتشبه بهم حتى يموت وهو كذلك حشر معهم يوم القيامة "، وهكذا رواه يحيى بن سعيد وابن أبي عدي وغندر وعبد الوهاب عن عوف عن أبي المغيرة عن عبد الله بن عمرو من قوله ، ؛ قال أبو موسى: هكذا رواه بعضهم "بنى"، والصواب تنأ أي أقام، وفي سنده أبو المغيرة غير مشهور، ما روى عنه إلا عوف ولا يُعرف إلا من جهته، وقد جهّله وضعفه التيمي وأبو داود والحاكم وابن المديني ولم يوثقه غير ابن معين وابن حبان وفيهما تساهل في المجاهيل .
دليل رابع : قال ابن وضاح في البدع (ص43) نا أسد عن الربيع بن صبيح عن أبان بن أبي عياش قال :" لقيت طلحة بن عبيد الله بن كريز الخزاعي, فقلت له: قوم من إخوانك من أهل السنة والجماعة, لا يطعنون على أحد من المسلمين, يجتمعون في بيت هذا يوما , وفي بيت هذا يوما , ويجتمعون يوم النيروز والمهرجان ويصومونهما, فقال طلحة: «بدعة من أشد البدع , والله لهم أشد تعظيما للنيروز والمهرجان من غيرهم , ثم استيقظ أنس بن مالك فوثبت إليه فسألته كما سألت طلحة , فرد علي مثل قول طلحة كأنما كانوا على ميعاد»، وهذا أيضا أثر باطل، لأن أبانا متروك .
أثر خامس: خرج الخطيب في تاريخه من ترجمة زياد ، من طريق إسحاق بن أبي إسرائيل: حدثنا أبو السكن زياد بن عبيد الله قال: رأيت عبد الجبار بن وائل وعلقمة بن مرثد وطلحة الإيامي وزبيد الإيامي يصومون يوم النيروز ويعتكفون في المسجد الأكبر، فكانوا يقولون: هذا يوم عيد للمشركين، يريدون به الخلاف على المشركين "، زياد متروك أيضا ،
أثر سادس: وذكروا ما روى أسد بن موسى عن الحسن بن دينار عن الحسن البصري أنه يكره إعطاء المعلم في النيروز والمهرجان ، إنما كان المسلمون يعرفون حق المعلم في العيدين ورمضان وقدوم غائب"، والحسن متروك.
ولم يصح في النهي عن النيروز شيء من الآثار، بل هي آثار شديدة الضعف منكرة جدا، والصحيح منها هو جوازه كما سيأتي، وقد كان من العجب أن تُترك الآثار الصحيحة ليُستدلّ بالواهية .
القول الرابع : جواز قبول الهدايا والاحتفال في النيروز ما لم يُعظّم : إذ لو كان محرما لما حل التهادي معهم ، ثم أن النيروز ليس من خصائصهم ولا هو من معتقداتهم الباطلة، ولم يأت أيّ دليل على أن اليومين المبدل منهما في حديث أنس الماضي هما النيروز والمهرجان، بل التفسير بهما خطأٌ لعدة أوجه :
- أن اليوميْن في ظاهر الحديث متتابعان، بينما النيروز والمهرجان متفرقان والله أعلم .
- ولأن أهل المدينة والمسلمين لم يعرفوا النيروز ولا المهرجان إلا بعد أن فتحوا الفرس في زمن الفاروق عمر .
- كما أنه قال في الحديث:" كان لأهل الجاهلية يومان.."، فلو كان المقصود بهما النيروز أو المهرجان لذكرهما وسماهما ، أو لقال بأنهما عيدان مأخوذان من الفرس .
- أن في إباحة بعض الصحابة للنيروز دليل على ذلك، إذ لو كان هو المراد لحرّموه وما أجازوه لأنهم أعلم الناس بهذا الأمر .
- كما أن الطحاوي في مشكله (1/270) (4/131) حمل الحديثَ على اللهو المذموم الذي لا فائدة منه ، فإنه مذموم، وأما غيره فممدوح .
ثم ذكروا للنيروز أصولا تدل على مشروعيته كما في :
المسألة الثالثة : أصل النيروز وأدلة من قال بمشروعيته :