المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : وجوب التثبت والثبات عند انتشار الشائعات!!!



أهــل الحـديث
07-03-2014, 05:20 PM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم



بسم الله الرحمن الرحيم

هذه أيها الأحبة مقالة جديدة لشيخنا أبي عبد الله حمزة النايلي (وفقه الله)، نفعنا الله وإياكم بها.


وجوب التثبت والثبات عند انتشار الشائعات!!!

الحمد لله رب العالمين و الصلاة والسلام على أشرف المرسلين،نبينا محمد و على آله،وصحبه أجمعين.
أما بعد:
إن مما ابتليت به الدول الإسلامية اليوم! أيها الأحبة الكرام أن الأخبار و الشائعات أصبحت تُنقل على ألسن البعض!من غير تثبت ولا رويَّة! خاصة مع تنوع وسائل الاتصال والإعلام السمعية والبصرية التي أصبحت لذلك مطية!!.
فما أكثر ما يُنشر! على بعض القنوات الفضائية! والجرائد اليومية! والمجلات الأسبوعية! والشهرية ! والشبكات ومواقع التواصل الاجتماعية! مما لا أصل لها! وإنما هو كذب! قد يراد به إحداث الفتن والاضطرابات في المجتمعات الإسلامية!!.
إن هذه الشائعات أيها الأفاضل التي لا يُعرف صحيحها!من سقيمها!لم يصبح نشرها-وللأسف!!- قاصرا على الكبار! بل تعدى ذلك حتى إلى الصغار! والذي يُحزن المؤمن أكثر! عندما يرى أن ممن يساهم في نقلها أيضا!بعض الأخيار! وليس فقط من أهل الفسق الفجار!!.
أيها الأفاضل إن مما أمرنا به رب البرية أن لا نتعجل في قبول كل خبر يُنقل! بل لا بد علينا أن نتبين و نتثبت ونتحلى بالرويَّة! خاصة فيما ينقله من هو على غير استقامة!ولا طريقة مرضية!لما قد يترتب على قبول ونقل ما سمعناه منه! من مفاسد عظيمة وأخطار جسيمة، قال سبحانه:(يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين)[الحجرات :6]
يقول الشيخ السعدي –رحمه الله- :" من الآداب التي على أولي الألباب، التأدب بها واستعمالها، وهو أنه إذا أخبرهم فاسق بخبر أن يتثبتوا في خبره، ولا يأخذوه مجردًا، فإن في ذلك خطرًا كبيرًا،ووقوعًا في الإثم،فإن خبره إذا جُعل بمنزلة خبر الصادق العدل،حكم بموجب ذلك ومقتضاه،فحصل من تلف النفوس والأموال بغير حق بسبب ذلك الخبر ما يكون سببًا للندامة، بل الواجب عند خبر الفاسق،التثبت والتبين،فإن دلت الدلائل والقرائن على صدقه،عُمل به وصُدق،وإن دلت على كذبه، كُذب، ولم يعمل به،ففيه دليل على أن خبر الصادق مقبول، وخبر الكاذب مردود، وخبر الفاسق متوقف فيه كما ذكرنا". تفسير السعدي (ص 799)
وكذلك أيها الكرام ما أمرنا به خير الأنام عليه أفضل الصلاة والسلام أن نحذر من نشر كل ما نسمعه! بين أهل الإسلام! حتى نتأكد من صحته حتى لا نقع في الآثام ! فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" كَفَى بِالْمَرْءِ كَذِبًا أَنْ يُحَدِّثَ بِكُلِّ ما سمع". رواه مسلم(5)
يقول الإمام ابن حبان –رحمه الله-:" في هذا الخبر زجر للمرء أن يحدث بكل ما سمع حتى يعلم على اليقين صحته". الضعفاء لابن حبان (1/9)
ويقول الحافظ المناوي -رحمه الله-:" أي:إذا لم يتثبت لأنه يسمع عادة الصدق والكذب، فإذا حدث بكل ما سمع لا محالة يكذب، والكذب الإخبار عن الشيء على غير ما هو عليه، وإن لم يتعمد. لكن التعمد شرط الإثم...". فيض القدير(5/2)
ويقول الشيخ ابن عثيمين –رحمه الله-:"يعني أن الإنسان إذا صار يُحدث بكل ما سمع من غير تثبت وتأن، فإنه يكون عرضة للكذب، وهذا هو الواقع ولهذا يجئ إليك بعض الناس يقولون: صار كذا وكذا، ثم إذا بحثت وجدت أنه لم يكن!، أو يأتي إليك ويقول: قال فلان كذا وكذا، فإذا بحثت وجدته لم يقل!". شرح رياض الصالحين (6/185)
وكذلك قال نبينا صلى الله عليه وسلم :" بِئْسَ مَطِيَّةُ الرَّجُلِ زَعَمُوا".رواه أبو داود ( 4972) من حديث حذيفة بن اليمان –رضي الله عنه-، وصححه الشيخ الألباني-رحمه الله- .
يقول الإمام الخطابي –رحمه الله-: "وإنما يقال زعموا في حديث لا سند له ولا ثبت فيه، وإنما هو شيء حُكي عن الألسن على سبيل البلاغ ، فذم النبي صلى الله عليه وسلم من الحديث ما كان هذا سبيله، وأمر بالتثبت فيه، والتوثق لما يحكيه من ذلك فلا يروونه حتى يكون معزيًا إلى ثبت، ومرويًا عن ثقة ". معالم السنن( 7/267)
فيا من تنقل كل ما تسمعه من أخبار ! ويا من تنشرها دون تثبت بين الأنام! ألا تعي! ما قد يترتب على بعض ما تنشر من مفاسد وآثام! وأنك مع مرور الأيام ستصبح عرضة للطعن والاتهام!.
يقول الشيخ السعدي –رحمه الله- :"الأمور قسمان: واضحة وغير واضحة, فالواضحة البيِّنة لا تحتاج إلى تثبت وتبين، لأن ذلك تحصيل حاصل, وأما الأمور المشكلة غير الواضحة فإن الإنسان يحتاج إلى التثبت فيها والتبين، ليعرف هل يقدم عليها أم لا ؟
فإن التثبت في هذه الأمور يحصل فيه من الفوائد الكثيرة، والكف لشرور عظيمة، ما به يعرف دين العبد وعقله ورزانته، بخلاف المستعجل للأمور في بدايتها قبل أن يتبين له حكمها، فإن ذلك يؤدي إلى ما لا ينبغي". تفسير السعدي (ص194)
ألم يبلغك أن التثبت والبيان فيما ينقل! هو من صفات أهل الإيمان ، يقول الإمام الحسن البصري –رحمه الله-:" المؤمن وقاف مُتبين" .مجموع الفتاوى (10/ 382)
ألا تعلم أنه ينبغي على المسلمين أن يرجعوا إلى العلماء الربانيين وأهل الرأي الناصحين عند حدوث أمور مهمة وانتشار الأخبار والشائعات في الأمة! كما أمر بذلك رب العالمين وأرحم الراحمين، حيث قال:(وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي أمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم ولولا فضل الله عليكم ورحمته لاتبعتم الشيطان إلا قليلا)[النساء:83].
يقول الإمام ابن كثير –رحمه الله-:" قوله (وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به) إنكار على من يبادر إلى الأمور قبل تحققها، فيخبر بها ويفشيها وينشرها، وقد لا يكون لها صحة ". تفسير ابن كثير (1/530)
ويقول الشيخ السعدي-رحمه الله-:"هذا تأديب من الله لعباده،عن فعلهم هذا،غير اللائق،وأنه ينبغي لهم إذا جاءهم أمر من الأمور المهمة والمصالح العامة ما يتعلق بالأمن،وسرور المؤمنين،أو بالخوف الذي فيه مصيبة عليهم أن يتثبتوا،ولا يستعجلوا بإشاعة ذلك الخبر،بل يردونه إلى الرسول و إلى أولي الأمر منهم أهل الرأي والعلم والنصح والعقل والرزانة،الذين يعرفون الأمور ويعرفون المصالح وضدها فإن رأوا في إذاعته مصلحة ونشاطًا للمؤمنين وسرورًا لهم وتحرزًا من أعدائهم فعلوا ذلك، وإن رأوا أنه ليس فيه مصلحة ، أو فيه مصلحة ولكن مضرته تزيد على مصلحته لم يذيعوه.
ولهذا قال:(لعلمه الذين يستنبطونه منهم) أي يستخرجونه بفكرهم، وآرائهم السديدة، وعلومهم الرشيدة.
وفي هذا دليل لقاعدة أدبية وهي أنه إذا حصل بحث في أمر من الأمور ينبغي أن يولي من هو أهل لذلك، ويجعل إلى أهله، ولا يتقدم بين أيديهم فإنه أقرب إلى الصواب وأحرى للسلامة من الخطأ. وفيه النهي عن العجلة والتسرع لنشر الأمور من حين سماعها، والأمر بالتأمل قبل الكلام والنظر فيه، هل هو مصلحة فيقدم عليه الإنسان أو لا؟ فيحجم عنه." تفسير السعدي(ص190)
فعلى كل مسلم أن يعلم أن كل ما يقوله وينشره هو مكتوب عند العزيز الجبار، فليتق الله جل وعلا حق تقاته، وليتورع عن نشر الشائعات وما لم يثبت من الأخبار!لأن هذا ليس من هدي الأبرار! وإنما هو طريق ودأب الأشرار! وليتأكد من صحة ما يبلغه! من أهل الصدق الأخيار.
وإن ساهم في نشر الأخبار قبل التبين والتثبت من صحتها! فليبادر إلى إصلاح ما أفسد! و التوبة والرجوع إلى العزيز الغفار.
يقول ابن الجوزي -رحمه الله- :"كلامك مكتوب وقولك محسوب وأنت يا هذا مطلوب،و لك ذنوب وما تتوب ،وشمس الحياة قد أخذت في الغروب، فما أقسى قلبك من بين القلوب ". التبصرة (2/272).
فالله أسأل بأسمائه الحسنى وصفاته العليا أن يحفظ بلاد المسلمين من كل الشرور، وأن يجعلنا وإياكم من أهل الطاعة والسعادة والسرور ، فهو سبحانه ولي ذلك والعزيز الغفور.


وصلِّ اللهم وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين


أبو عبد الله حمزة النايلي