المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : حقيقة وضع الإنسان في الجنَّة



أهــل الحـديث
05-03-2014, 09:00 AM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


إنَّ الجنَّة أُعدَّت للذين راعوا حقَّ الله العزيز القدير عليهِم ، وحافظوا على سلامة الأمانة المُقدَّسة في أنفُسِهِم ، وذلك بالطاعة والصلاة والعِبادة الصادقة .
فزكُّوا تِلك الروح التي تسكُنَهُم وغذُّوها وراعوا قُدسِيَّتها ، فسَموا بها إلى المراتب العُلى وإستحقوا بذلك عِبادتهِم وقُريهِم من الله عزَّ وجَل ، فمُنِحوا على أساسهِ تِلك المكانة بتفضُلِهِم عن الخَلقِ أجمعين وتميُزِهم بتلك الروح الطاهِرة التي تسكُنُهُم والتي تمنحُهُم القوَّة والخُلُود.
وما الصلوات الخمس المفروضة على أمَّة مُحمَّد صلى الله عليهِ وسلَّم ، وما تحتويهِ من حركات وطقوس مُعَيَّنة ، إلا دليل قاطِع على تهيئة الأنفُس المؤمِنة للِقاء الله سُبحانهُ في الدار الآخِرة ، وتدريبها على بَعض طقوس وأساليب عِبادة الرحمن في الجنَّة إن شاء الله .
فالجنَّة هي مثوى الصالحين من عباد الله المُخلصين .
ومن خِلال فهمِنا لكُتُب الله السماوية وقرائتنا للقرآن الكريم ، نجِدُ بأنَّ الجنَّة هي عِبارة عن مقَر دائِم ، فيها ما يُسعِد الإنسان المؤمن ويرتضيهِ لِنفسهِ ، ويتمناه طول عُمره .
فسوف يسكُن الإنسان في الجنَّة القصور المليئة بالجواهِر والحُلي ، ولِباسهُ فيها سيكون من حرير وما شابه ذلك من نفائِس ، أمَّا أكلهُ فهو مما تشتهيه نفسهُ وتعشَق من اللحوم والفواكه والطعام اللذيذ ، وشرابهُ فيها مِن العسل النقي والحليب الطازِج والخّمر الطاهِر النقي ، وغير ذلك مِمَّا لذَّ وطاب .
أمَّ راحتهُ وجلوسهُ فسوف يكون على سُرُر مرفوعة على الهواء أي مُريحة وطريَّة ، لتُّوفِر لهُ الراحة المثالية .
وستوهَب لهُ الحور العين خالِصة له ، وهُم نِساء لا مَثيل لهُن على الأرض بطهارتهِن وجمالِهِن ونعومَتهِن ورِقَتهِن ، هذا فيما يخُص الرِجال .
أمَّا النِساء فلهُن مِثل ذلك ليتنعمن ويُدللن كما تشتهي أنفُسهُن وتعشق أعيُنهُن .
وعليهِ فسيجِد الإنسان المؤمن كُلَّ ما سعى إليهِ في الدُنيا ولم يحصَل عليهِ بالطرق الشرعية ، خِشيَّة معصية الله وغضبهِ عليهِ .
أمَّا بخصوص الفعاليات الأُخرى ، فلن تُصيبهُ نجاسه ، ولن تخرُج منهُ كذلك ، وهو لن يعرِف النوم من السعادة التي هو فيها ، فالنوم هو صِفَّة أهلِ الأرض بسبب تعبِهِم وشقائِهِم طول اليوم وكذلك حاجتهم إلى الراحة ، فكان النوم للجسد وذلك لتذهَب روحهِ وترتاح عند خالِقها .
والإنسان في الجنَّة لن يتعب أو يشقى ، لذلك فالنوم ليس لهُ معنى هُناك ، أمَّا عملهُ في الجنَّة فسوف يختصر على عِبادة ربهِ وتسبيحهِ إياه وطاعة أوامرهِ .
فسوف توكِل للإنسان في الجنَّة مهام تليق بهِ وبمكانتهِ المُتمثِلة بقدرتهِ على الإستنتاج والتنبوء بضوء ما يُعلِمهُ إليهِ ربَّهُ ، وهذهِ النتيجة توصلنا إليها عن طريق تفسيرنا للآيات البينات في القرآن الكريم من سورة البقرة 31-33 :
(وَعَلَّمَ آَدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (31) قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (32) قَالَ يَا آَدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ (33))
فلقد عمِد الخالِق سُبحانهُ وتعالى هُنا في التركيز على صِفة التعلم والإستنتاج لدى الإنسان ، فالخالِق الوهَّاب قام بتعليم آدم والملائكة على حدٍّ سواء ليكون عادِلاً بينهُما ، ولكنَّ الله سُبحانهُ وتعالى لم يُحدِد لهم إسم هذا أو ذاك .
فعلى سبيل المِثال علَّمهُم إسم الجبل ، ولم يقٌل لهم ما هو الجبل ، وعندما طلب مِنهُم الخالِق الوهَّاب معرِفة أسماء هؤلاء بالتحديد ، لم يتمكنوا الملائكة من معرفتهِم ، ولذلك لعدم قُدرتِهِم على الإستنتاج من المعلومات التي تعلموها من الله (والله أعلم ) ، وبذلك لم يعرفوا أسمائهُم ، وتحججوا بمعرفتهِم فقط بالأسماء التي تعلموها من رب العالمين.
ولكنّهُ عندما طلب الخالِق العزيز من آدم عليهِ السلام أن يُنبِؤهُم بأسمائِهِم ، قام بذلك دون أن يتردد ، وذلك بسبب قدرتهِ على الإستنتاج مِن خِلال ما يمتلكهُ من مُعطيات وهبها الله له ، عوضاً عن ذلك ، فإننا نُلاحِظ المكانة الرفيعة لنبي الله إبراهيم عليهِ السلام والتي يتمتع بِها لكونهِ إكتسبها بسبب معرفتهِ الله عن طريق الإستنتاج وليس عن طريق الوحي ، فكان إيمانهُ مُتآصِلاً قوياً ، وذلك بسبب إستدلالهِ العقلي بحتمية وجود الله سُبحانهُ وتعالى .
فلقد جاء في سورة الأنعام ، الآيات من 74-79:
(وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ آَزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَامًا آَلِهَةً إِنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (74) وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ (75) فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَا أُحِبُّ الْآَفِلِينَ (76) فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ (77) فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ (78) إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (79))
وعليهِ فهذهِ الموهِبَة التي وهبها الله للبشر ، جعلتهُم يتميَّزون عن باقي الخلق في طبيعة المهام التي يمكن أن توكَل إليهِم دون غيرهِم ، فمن هذهِ المهام عِبادة الإنسان لله العزيز القدير دون أن يراه ، وإستخلافهِ للأرض ، فضلاً عن مهام أخرى لا يعلمها إلا الله سُبحانهُ .