المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الحقيقة المطلقة



أهــل الحـديث
05-03-2014, 09:00 AM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


الحقيقة المطلقة هي ذلك الواقع أو الحدث الذي لا يمكن أن يختلف بوصفهِ إثنان ، مهما تغيير الزمان أو المكان.
فمثلاً عندما نتوصل بطريقة ما إلى شيء لا يمكن تجزئتهِ أو تغيير معالمهِ ، نكون قد توصلنا إلى حقيقة ذلك الشيء المطلقة ، ليستحيل بعدها التشكيك أو التعديل بوصف ذلك الشيء مهما كانت الأسباب ، إذاً فالحقيقة المطلقة هي الوصف الدائم والأزلي لكائن محدد .
وهذا الهدف ألا وهو معرفة الحقيقة المُطلقة ،إنما يُمَّثِل المسعى الرئيسي لجميع بني البشر عِبر التاريخ حتى وإن لم يتم التصريح به ، والسبب في ذلك يعود لكوننا مخلوقات في حقيقتها ذو طبيعة مستقرة وثابتة ، تُنشِد العيش في محيط دائم وأزلي ، وهذا المحيط هو الجنَّة حيث لا يوجد هُناك أي معنى للتطور أو التغيير في طبيعة البشر .
ودليلنا على ذلك هو الحنين الحقيقي للجنَّة والذي نجدهُ في كل فردٍ منَّا ، شئِنا أن نعترف بذلك أم أبينا ، ويدعم هذهِ المقوله إسلوب الترغيب الناجح الذي تتبعهُ جميع الأديان السماوية من خِلال إدراكها لحقيقة كون الجنَّة البديل الوحيد للحياة الشاقة التي يعيشَها الإنسان على الأرض ، وبالمقابل نُلاحظ الفشل الذريع الذي تُمنى بهِ جميع الفلسفات الوضعية ، والتي من أشهرها الفلسفة الماركسية والعِبادات الوثنية كالبوذية وغيرها والتي حاولت بكل جهدها التشكيك بحقيقة وجود الجنَّة وبالتالي طرح مفاهيم وقيَّم مغلوطة أثبت الزمان فشلها .
فالإنسان على الرغم من عدم تمكًّنهِ من رؤية وإدراك الجنَّة بوسائلهِ المتاحة ، فهو يدركها حسياً ويؤمن بوجودها دون أن يراها لأنها حقيقة لا يوجد بديلٌ عنها ، ولقد عاشاها أبانا آدم وأُمُّنا حواء فعلاً ، وذلك عندما خلقهُما الله العزيز الجبَّار وأسكنهما الجنَّة ، لنجد أنَّهما قد أورثا محبَتِها والحنين إليها لذريتهما وللأجيال من بعدهما بكونهما موطن الإنسان الفعلي والحقيقي والمثالي ، ولا يمكن لأحد من العالمين أن يُنكِر هذهِ الحقيقة التي توَّلِد لديهِ الرغبة الفعلية لمعرفة الجنَّة فنجدهُ يَحلَم بها ويَسعى لِتحصيلها .
وعليه فالحقيقة المطلقة تكاد أن تكون غريزة بشرية ، أكثر من كونها حِلمٌ نَسعى للفوز بهِ.
ولترسيخ هذهِ الحقيقة في عقولنا علينا أن نطرح حلولاً وسطاً لتساعدنا على تقريب وجهات النظر بين أفكارنا ومُعتقداتنا ، ولن يُضيرنا هُنا فرض الحقيقة المطلقة كواقع نعيش بهِ ونحصرهُ كمفهوم ضِمن إطار محدد وذلك كي نستطيع أن نُضَّيق مجال البحث قدر الإمكان بحيث نجعل الإختلاف في الآراء حول هذا الموضوع يَقتّصِر على مدى إختلاف مفهومنا للخير والشر ، أو على مدى تعريفنا للونين الأبيض والأسود.
فإذا حصل وإن إتفقنا جميعاً على تحديد مفهوم واحد لكل من الخير والشر ، أو الأبيض والأسود ، فإننا سوف نتوصل بعدها وبالتأكيد إلى معرفة ما تمثلهُ الحقيقة المطلقة بالنسبة لنا بني البشر .
وهذا أمر لا يَصعب على إدراك أي عاقل في محاولتهِ المُخلِصة لفهم الموضوع .
فالأسود لون والأبيض لون ، ومُجرَّد قبولهما والإتفاق على وصفِهما بهذهِ الصِفة ، أي الأسود بصفة السواد المُطلق ، والأبيض بصِفة البياض المُطلق ، دون الخوض في تحاليل ومشتقات وما غير ذلك من تشعبات تُبعدنا عن لُب الموضوع ، نكون قد أمسكنا ببداية الخيط الذي سوف يقودنا إلى الإتفاق حول مفاهيم إنسانية كثيرة .
فمثلاً عندما يتَّفِقُ الناس أجمعين بأنَّ معنى الخير هو للدلالة على كُل ما يُؤدي إلى صالح الإنسان ومنفعتهِ ، والشر عكس ذلك ، أو الحق للدلالة على المساواة بين الجميع والباطل عكس ذلك ، العدل للدلالة على تحقيق التوازن بين الأطراف والظُلم عكس ذلك ، أو الإيمان للدلالة على تصديق العبد الكامل لمولاه والكُفر عكس ذلك ....وهكذا ، نكون بعدها قد تخطينا سوء التفاهُم القائِم بيننا ، وإذا بنا قد وحدَّنا مفاهيمنا للحياة ، وأهدافنا للنجاة .
فالمُشكلة الحقيقية في مجتمعاتنا ، شعوباً وأفراد (وكما نراها نحن) تكمن في إختلاف مفاهيمنا للمصطلحات الإنسانية وللحقائق البشرية والتي يتم تداولها يومياً بين الناس ، والتي يمكن تداركها بسهولة لمجرد توفُّر النية الصادقة من كل الأطراف للوصول إلى ما فيهِ خير وصالح الجميع دون إستثناء .
وهذا هو ببساطة المفهوم العقلاني للحقيقة المُطلقة والذي يتبناهُ عِلم الكِتاب .
فالخير لا يُمكن أن يكون نسبياً وكذلك الحُب والعدل وغيرها من مفاهيم بشرية ، كلها صفات إنسانية تمس الجميع وتنال إهتمام الجميع ، لأنَّها حقائق عامَّة وشاملة في فاعليَّتها ، وهي تُمثِل الحقيقة المُطلقة في مفهومها ، وهذا يَشمَل جميع المفاهيم الإنسانية وعلوم الحياة المحيطة بنا ، والتي نالت جُل إهتمامات الشعوب البشرية ، لتكون بعدها هدفاً رئيسياً يَشغَلُ تفكيرهم طوال الوقت .

من كتاب ( حقائق في علم الكتاب – دراسة في علوم الكتب السماوية) تأليف محمد الكاظمي (المقدسي) .