المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : مُختصر قِصَّة خَلق الإنسان في القرآن



أهــل الحـديث
05-03-2014, 08:50 AM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


قبل أن يُباشر الخالق عزَّ وجل في عملية الخلق كان الله الإله الواحد الأحد (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1)( سورة الإخلاص) وكان هُناك بطبيعة الحال الفراغ أو العدم ، فشاء الخالق سبحانه أن يخلق المخلوقات من العدم (قَالَ كَذَلِكِ اللَّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (47))(سورة آل عمران)، وبعد أن تمَّت مشيئتهُ وجدوا المخلوقات أنفسهم وقد تميزوا في الخلق ، فهناك الشموس والمجرات والأقمار والسماوات وقد خُلقت من المادة ، وهُناك الملائكة وقد خُلقت من نور ، والشياطين والجان وقد خلقوا من النار ، وغيرهم كثير لا يعلمه إلا الله ، وكانت نتيجةً لهذا التميُّز في الخلق أن بدأت المخلوقات بالتباهي والتخاصم فيما بينها مُبدين رغبة كل مجموعة في الحصول على زعامة المخلوقات جميعاً من منطلق الأفضلية في الخلق (مَا كَانَ لِيَ مِنْ عِلْمٍ بِالْمَلَإِ الْأَعْلَى إِذْ يَخْتَصِمُونَ (69)(سورة ص) ، فكانت حكمة الخالق سُبحانه وتعالى بأن يحسم أمر هذا التنافس بأن يخلق الإنسان من طين الجنَّة وأن يُميزهُ بنفخة من روح الله فيجعلهُ بذلك خير المخلوقات جميعاً وملِكاً عليهم لدرجة أن أمر الله العزيز القدير المخلوقات جميعاً بأن تسجد للإنسان بعدما كانت تسجد لله وحدهُ (إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ طِينٍ (71) فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ (72)(سورة ص).

وبعد أن خلق اللهُ سبحانهُ الإنسان وأسكنه فسيح جنَّاته كان الإنسان حينها في أحسن تقويم ليكون بذلك مخلوقاً ملِكاً على جميع المخلوقات التي لا تسجد إلا لملك ، كما جاء في قوله تعالى في سورة التين (لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ (4)(سورة التين)ولكن بعدما عصى الإنسان ربه وكان مغروراً بنفسه (وَعَصَى آَدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى (121)(سورة طه)عاقبهُ الله وأمره أن يترك الجنَّة ويهبط إلى الأرض (قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ)(سورة طه) وأوجد بين بني البشر عداوة دائمة حتى يكونوا أقل شأناً من المخلوقات جميعاً دون إستثناء ، أي ردَّهُ إلى أصلهِ كونهُ مخلوق من الطين الذي يطئهُ ويدوس عليه المخلوقات جميعاً ليكون بذلك أسفل السافلين (ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ (5)(سورة التين)، وإستثنى رب العالمين من هذهِ اللعنة البشر اللذين يؤمنون بالله ويعملون الصالحات (إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ (6)(سورة التين) حيث وعدهم الله جلَّ عُلاه حينها بأن يردهم إلى الجنَّة ويجعل أجرهم عظيم ومن غير منَّة من أحد ، ثمَّ تحدى الله عزَّ وجل البشر الكافرين بأن يحاولوا أن يغيروا من واقع اللعنة المتمثلة بالعداوة لبني جنسهم دون المخلوقات جميعاً ، وبكونهم أسفل سافلين من دون أن يرجعوا إلى دين الله الحق لينالوا الإستثناء ، فكانت النتيجة الفشل المتكرر ، فجاء قوله ُ سبحانه (فَمَا يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ (7)(سورة التين) ليؤكد على عدم مقدرة الإنسان الكافر على تحدي مشيئة الله وإرادته وجكمته في إدارة شؤون خلقه وبالتالي عدم مقدرته على مخالفة أمر الله وإضطراره في نهاية الأمر إلى الإنصياع إلى مشيئة الخالق سبحانه وتعالى معترفاً بحكمة الله في هداية وإصلاح بني البشر ، فإختتم الخالق سبحانهُ وتعالى بسؤال تأكيدي (أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ (8)(سورة التين).
إذاً الإنسان أفضل ما خلق الله في الجنَّة فقط (إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَى (118) وَأَنَّكَ لَا تَظْمَأُ فِيهَا وَلَا تَضْحَى (119) (سورة طه)، ولكن على الأرض هو أسفل السافلين مع وجود الإستثناء ، وكيف لا والإنسان عندما يكون بالجنَّة لا يَجوع ولا يَعطش ولا يَمرض ولا يُظلَم ولا يُهان ولا يُستَعبَد من قِبل أخيهِ الإنسان ، وعندما يكون على الأرض يُصيبه أكثر من ذلك بكثير (فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى (123) وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى (124) (سورة طه)، أما المخلوقات الأخرى فهي لا تَستَعبِد بعضُها بَعضاً ، ولا تُسخِّر بعضُها بَعضاً لخدمتها كما يعمل الإنسان ، فالمخلوقات جميعاً ما عدى الإنسان الكافر تسبح لله (تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا (44)(سورة الإسراء)، وهذا دليل واقعي وملموس على دونية الكافرين بالله من بني الإنسان عن باقي الخلق في فترة وجودهم على الأرض ، أما ما يدَّعون من علم وفهم وذكاء وبناء وتعمير في هذهِ الدنيا فهذا كله لعبٌ وهرج (وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الْآَخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (64)(سورة العنكبوت)، وكيف لا والكافرين مأواهم جهنَّم وبِئس المصير ، خالدين فيها أبدا (لَا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلَادِ (196) مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ (197)(سورة آل عمران) أما المؤمنون بالله واليوم الآخر فمثواهم الجنّة خالدين فيها أبدا (لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نُزُلًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ لِلْأَبْرَارِ (198)(سورة آل عمران).
وبذلك يعود الإنسان المُؤمِن إلى الجنَّة كمخلوقٍ توِّج ملك وخليفة الله على باقي المخلوقات جميعاً دون إستثناء ،فيعبد الله ولا يعصيهِ أبداً ما دامت السماوات والأرض ، ويحرص في ملكهِ هذا على إستقرار المخلوقات وعلى إنهاء الخصومة بين المخلوقات ، فيكون الأمر لله من قبل ومن بعد .
والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين محمد إبن عبد الله وعلى آلهِ وصحبه أجمعين وعلى من إتبع هُداهم وإِهتدى بهديهم إلى يوم الدين .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته