المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : هل الدعوة بالسيف تنسخ الدعوة بالكلمات



أهــل الحـديث
01-03-2014, 05:00 PM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم



بسم الله الرحمن الرحيم


الدعوة إلى الإسلام بأوجهها المختلفة تُوصف بالجهاد في سبيل الله لما فيها من المبالغة في بذل الجهد والوسع والطاقة سواء بالكلمة أو بالسيف لإيصال نور الإسلام إلى البشرية جمعاء، فالجهاد في سبيل الله عزوجل مر بمراحل عديدة منها الدعوة بالحكمة والموعظة والمجادلة الحسنة، وكذلك الإكتفاء بقتال من إبتدأ بقتال المسلمين من الكفار، وأخيرا الإذن بالقتال مطلقا أي الجواز بإبتداء قتال من لم يبتدئ قتال المسلمين من الكفار. فلو نظرنا بإمعان إلى مرحلية الجهاد فنجد أن كل مرحلة تمثل وجه مختلف عن الآخر بحيث أنه لا يوجد تشابه كامل بين هذه الأوجه، وأنه لا يوجد تعارض فيما بينها حيث أنه يمكن الجمع بينها وبناءا على ذلك فإنه لا يمكن أن يكون أحد هذه الأوجه ناسخا للأوجه الأخرى أي مُبطلاً لحُكم غيره من الأوجه، خاصة إفتراض هذا النسخ لم يُسند للحبيب المصطفى سيدنا محمد صلى الله عليه و سلم. فلو رجعنا إلى التاريخ الإسلامي لوجدنا أدلة تدل على جواز وإمكانية الجمع ما بين مراحل الجهاد المختلفة وذلك كالآتي: فمرحلة الدعوة بالحكمة والموعظة و المجادلة الحسنة نجدها تتجسد في الفترات الزمنية المختلفة التي كان فيها التجار العرب يقومون بهداية مختلف الشعوب، في المناطق التي يبلغونها، إلى نور الإسلام من خلال النموذج الذي يقدمونه في أخلاقهم الكريمة و النبيلة كالدعوة الإسلامية التي بلغت أندونسيا وماليزيا. أما مرحلة الإكتفاء بمقاتلة من يقاتل المسلمين فقط فنجدها تتجسد في خلال الفترة العباسية الإسلامية حيث كانت أبرز سمات هذه الخلافة هي الإنشغال في بناء حضارة الدولة الإسلامية وتطويرها والإكتفاء بقتال من كان يعتدي على المسلمين من الأعداء الكفار. أما مرحلة إبتداء قتال من لم يقاتل المسلمين من الكفار فنجدها تتجسد في خلال فترة الخلافة الأموية الإسلامية حيث كانت أبرز سمات هذه الخلافة هو الإنشغال في إبتداء قتال من لم يبتدئ قتال المسلمين من الكفار من خلال الفتوحات الإسلامية كالفتوحات الإسلامية في شمال أفريقيا وفي الأندلس. فهنا تبدو الصورة واضحة جدا كيف أنه تم الجمع بين مراحل الجهاد المختلفة المذكورة أعلاه في هؤلاء الفترات الزمنية المختلفة من التاريخ الإسلامي، وهنا يظهر تساؤل مهم جدا وهو هل هذه الأقدار التي مرت على التاريخ الإسلامي والتي كتبها و قدرها الله الملك العظيم العزيز الحكيم على الأمة الإسلامية في تلك الفترات الزمنية، هل كانت مجرد صدفة أم كانت مُقدرة وفق حكمة أرادها الله عزوجل؟ بالتأكيد، الجواب هو أنها كانت مُقدرة وفق حكمة أرادها الله الملك العظيم الحكيم ( والله أعلم )، خاصة أن المجاهدون المؤمنون في تلك الفترات الزمنية المختلفة كانوا صادقين و مخلصين لله الملك العظيم برحمة منه سبحانه وتعالى ويبتغون فضل الله ورضوانه و لا شك في ذلك.

وأيضاً بما أن الأشخاص متفاوتون في قدراتهم وفي طاقاتهم فهم متفاوتون في تحمل عبء بذل الجهد في الدعوة إلى الإسلام فعلى سبيل المثال تجد تأثير الداعية الذي يوصل نور الإسلام إلى البشرية جمعاء عن طريق الكلمة يكون أكبر وأعظم مقارنة بحمله السيف من أجل نشر نور الإسلام إلى البشرية جمعاء، وكذلك تجد بعض المجاهدون في سبيل الله يكونوا أكثر إقداما في موضع الدفاع عن دينه وأمته ووطنه أمام العدو الكافر منه في موضع الهجوم على الخصم الكافر، وكذلك تجد بعض المجاهدون لا يقلون إقداما في موضع الهجوم على الخصم الكافر منه في موضع الدفاع عن دينه وأمته ووطنه أمام العدو الكافر. مما يعني أن الدعوة إلى الإسلام لها أوجه مختلفة وهي الدعوة بالكلمة وبالسيف وليس بالسيف فقط فلو نظرنا بإمعان إلى أساليب الدعوة إلى الإسلام لوجدنا أن الدعوة إلى الإسلام بالقتال وبالكلمة والموعظة الحسنة هما مختلفان في الأسلوب حيث أن إحداهما يستخدم السيف والآخر يستخدم الكلمة الحسنة ولكنهما متشابهان في النتيجة حيث أن النتيجة المترتبة عن الدعوة بالسيف هي إما الدخول في الإسلام عندما يخيرون بين الإسلام والجزية والقتال أو دفع الجزية مع البقاء على الكفر أو الدخول في الإسلام بعد نهاية القتال بينما النتيجة المترتبة عن الدعوة بالكلمة الحسنة هي إما الدخول في الإسلام أو البقاء على الكفر وفي ذلك إشارة واضحة على أن الدعوة بالسيف وبالكلمة الحسنة هما نوعان من أنواع الدعوة إلى الإسلام لأنه على وجه العموم الأنواع تختلف في الشكل أو المضمون ولكنها تتشابه في الهدف أو الغاية فعلى سبيل المثال لو قمنا بإستخدام القلم والورقة في تعليم الطلاب وكذلك إستخدمنا الحاسب الآلي، أي الكومبيوتر، في تعليم الطلاب فنجد أنهما يعتبران نوعان أو أسلوبان مختلفان في التعليم لأن كل واحد منهما يستخدم أداة مختلفة ولكنهما مشتركان في الهدف وهو التعليم، وبناءاً على ذلك يُمكن الإستنتاج بأن الدعوة بالقتال لا تنسخ الدعوة بالكلمة الحسنة لأن الأنواع لا تنسخ بعضها البعض لعدم تطابقها أو لعدم التشابه الكامل لأنه إذا صح ذلك لأصبحت الأنواع نوعا واحداً وإنما كل نوع هو محكم أي له الحكم الخاص به . ولكن هنا يجب التنبيه إلى أن هنالك اختلافات فرعية بين الدعوة بالقتال، أي جهاد الطلب، والدعوة بالكلمة الحسنة وهي كالآتي: عندما يَقْبل الكافرون معاهدة المسلمين ومسالمتهم بدفع الجزية على أنفسهم وبدفع الخراج على الأرض المفتوحة صلحاً أو عنوةً فإنهم بذلك يخضعوا إلى سلطان الإسلام بخضوعهم إلى حكم وأمر الله عزوجل وأمر الرسول صلى الله عليه وسلم وبالتالي تكون كلمة الله هي العليا بينما في حالة الدعوة بالكلمة الحسنة فإن قبول الكافرون إفساح المجال لتبليغ دعوة الإسلام إلى ديارهم هو فيه خضوع إلى حكم وأمر الله عزوجل وأمر الرسول صلى الله عليه وسلم بتبليغ دعوة الإسلام للبشرية جمعاء وبالتالي تكون كلمة الله هي العليا.

كذلك من جانب آخر، الدعوة إلى الإسلام تقتضي أن تكون متعددة الأوجه ومتعددة الأساليب وذلك لأن الناس مختلفون في إستجابتهم لدعوة الحق، فمنهم من تؤثر فيه الكلمة والموعظة الحسنة والأسلوب اللين فيرق قلبه ويقتنع عقله بنداء الإسلام، وهذا يمكن إستنباطه وإستنتاجه من قوله تعالى ( فقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى ) (طه: 44) فهذه الآية الكريمة تشير إلى أن الله عزوجل يأمر سيدنا موسى عليه السلام وأخاه هارون بدعوة فرعون إلى الإيمان بكلام رقيق لين سهل رفيق ليكون أوقع في النفوس وأبلغ وأنجح فإذا كان ذلك اللين في حق فرعون اللعين الذي هو في غاية العتو والإستكبار فبالتأكيد سيكون تأثير اللين أعظم وأنجح بكثير في القلوب الرقيقة الرحيمة واللينة التي لا تستكبر على الحق. ومنهم قد يزدادوا إصراراً على الكفر ولا يستجيبوا إلى دعوة الإسلام عندما تكون هذه الدعوة مقرونة بإستخدام القوة أو بالقتال خاصةً إذا كان الكافرون أهل قوة وشجاعة كما هو الحال في جهاد الطلب حيث يُخير المسلمون الكافرين بين الإسلام ودفع الجزية والقتال، و قد يحتاج الكافرون بدلاً من ذلك إلى الإقناع وهذا يُمكن إستباطه وإستنتاجه من قوله تعالى (قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ * إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ * قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي مَا كُنْتُ قَاطِعَةً أَمْرًا حَتَّى تَشْهَدُونِ * قَالُوا نَحْنُ أُولُو قُوَّةٍ وَأُولُو بَأْسٍ شَدِيدٍ وَالْأَمْرُ إِلَيْكِ فَانْظُرِي مَاذَا تَأْمُرِينَ) (النمل: 29-33) فهذه الآيات الكريمة تُشير بوضوح إلى أن قوم بلقيس رفضوا الإستجابة لدعوة سيدنا سليمان عليه السلام لهم لدين التوحيد وهو دين الإسلام وذلك لأنهم معجبون في قوتهم وعدتهم وشجاعتهم مما جعلهم يصرون على البقاء على دين الكفر ويتأهبون ويستعدون لقتال سيدنا سليمان عليه السلام إن شاءت ملكتهم بلقيس ذلك بالرغم من القوة الجبارة والهائلة التي يمتلكها سيدنا سليمان عليه السلام من الإنس والجن والتي لم تُخيفهم، بينما إستجابوا لدعوته عليه السلام لهم للإسلام من خلال الإقناع وهذا يُمكن إستنباطه وإستنتاجه من قوله تعالى (قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ ۖ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَن سَاقَيْهَا ۚ قَالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُّمَرَّدٌ مِّن قَوَارِيرَ ۗ قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ) (النمل: 44) فهذه الآية الكريمة تشير إلى أن سيدنا سليمان عليه السلام أمر الشياطين فبنوا لها قصرا عظيما من الزجاج وأجرى تحته الماء فالذي لا يعرف أمره يحسب أنه ماء ولكن الزجاج يحول بين الماشي وبينه، فعندما دخلت بلقيس القصر كشفت عن ساقيها لأنها ظنت أنه ماء تخوضه وعندما عرفت غير ذلك عندئذ أيقنت وعلمت أن هذا القصر هو ملك أعز من ملكها و سلطان هو أعظم من سلطانها وبالتالي عندما دعاها سيدنا سليمان عليه السلام إلى عبادة الله الملك العظيم الواحد الحق وعاتبها في عبادة الشمس من دون الله عزوجل، إقتنعت عندما علمت وأيقنت بأن الله عزوجل الواحد وهب عبده سيدنا سليمان عليه السلام مُلكاً وسلطاناً أعظم من ملكها وسلطانها وذلك لأنه سبحانه و تعالى أعظم منها ومن قومها ومن الشمس التي كانوا يعبدونها فأسلمت وحسن إسلامها. ومنهم من يدفعك إلى إستعمال القوة معهم من أجل هدايتهم إلى الإسلام إما لأنهم لا يعترفون ولا يؤمنون إلا بلغة القوة أو لأن غشاوة الكفر والعناد تُغطي قلبه وهي بحاجة إلى قوة السيف لإزالتها كما في جهاد الطلب حيث أن إستخدام القوة بالسيف يكون كفيل بإزالة غشاوة الكفر والعناد التي تُغلف قلوب الكافرين وهذا يمكن إستباطه وإستنتاجه من قوله تعالى (قَالَ لَهُم مُّوسَىٰ وَيْلَكُمْ لَا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا فَيُسْحِتَكُم بِعَذَابٍ ۖ وَقَدْ خَابَ مَنِ افْتَرَىٰ * فَتَنَازَعُوا أَمْرَهُم بَيْنَهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوَىٰ * قَالُوا إِنْ هَٰذَانِ لَسَاحِرَانِ يُرِيدَانِ أَن يُخْرِجَاكُم مِّنْ أَرْضِكُم بِسِحْرِهِمَا وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلَىٰ * فَأَجْمِعُوا كَيْدَكُمْ ثُمَّ ائْتُوا صَفًّا ۚ وَقَدْ أَفْلَحَ الْيَوْمَ مَنِ اسْتَعْلَىٰ) (طه: 61-64) فهذه الآيات الكريمة تشير إلى أن سيدنا موسى عليه السلام حذر السحرة من إيهام الناس وخداعهم بإيجاد أشياء غير حقيقية وليست مخلوقة وتصويرها على أنها حقيقية من خلال سحرهم وعندئذ تشاجر السحرة فيما بينهم فقال بعضهم أن هذا كلام نبي فيما أنكر آخرون ولكنهم أبقوا على هذا الشجار سراً فيما بينهم وأصروا على إستكبارهم وعنادهم وكفرهم بمبارزة سيدنا موسى عليه السلام بسحرهم طمعا ورغبة في العطاء الجزيل من فرعون (لعنة الله عليه ). ثم قوله تعالى (قُلْنَا لَا تَخَفْ إِنَّكَ أَنتَ الْأَعْلَىٰ * وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا ۖ إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ ۖ وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَىٰ * فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّدًا قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَىٰ ) (طه: 68-70) فهذه الآيات الكريمة تشير إلى أن قوةَ معجزةِ سيدنا موسى عليه السلام، وهي العصا التي تحولت إلى ثعبان عظيم، أبطلت سحرَ السحرة لأن قوة معجزة موسى عليه السلام تستمد قوتها من الله العظيم القوي الجبار القاهر الذي لا يقهره ولا يغلبهُ أحدٌ فقهرت وغلبت قوةُ المعجزةِ قوةَ سحرِ السحرة المستمدة من كيد ومكر الشيطان تماماً كما يقهر اللهُ العزيز سيفَ الكافرِ بسيفِ المؤمنِ بقذفه الرعب في قلب الكافر وبثه الشجاعةَ في قلب المؤمن ونشر الطمأنينة فيه. فعندئذ كانت هذه القوة التي أيد الله الملك العظيم القوي الجبار بها موسى عليه السلام كفيلةً بإزالة غشاوةِ الكفرِ والعنادِ التي كانت تُغطي قلوبهم فآمن السحرة بالله الملك العظيم التواب الرحيم. فهنا يبدو واضحا من الآيات الكريمة المذكورة أعلاه أنه إذا كان الناس أنواع في قبولهم للدعوة إما بالسيف أو بالموعظة الحسنة فهذا يُفيد بأنك تحتاج ليس إلى نوع واحد من الدعوة وإنما إلى أنواع كلٌ حسب ما يُناسبه.

وبناءا على ذلك كله يُمكننا القول أنه إذا كان الكفار أهل موادعة ومسالمة ولا يشكلون خطرا على المسلمين فإنه من الأولى أن تدعوهم إلى الإسلام بالكلمة والموعظة الحسنة فإن سمحوا للمسلمين بتبليغ دعوة الإسلام فعندئذ يتوكل المسلمون على الله عزوجل ويؤدوا واجبهم بتبليغ الإسلام إليهم وعندها لهم الخيار فإما أن يؤمنوا أو يكفروا ولكن إذا ما رفضوا السماح للمسلمين بتبليغ دعوة الإسلام فعندئذ لا مفر من قتالهم وإزالة الحاجز الذي يحول دون تبليغ دعوة الإسلام ،فلو نظرنا إلى قول الرسول صلى الله عليه وسلم (يا ويح قريشٍ لقد أكلتهم الحربُ ، ماذا عليهم لو خلوا بيني وبين سائرِ العربِ . فإن هم أصابوني كان ذلك الذي أرادوا ! وإن أظهرني اللهُ عليهم دخلوا في الإسلامِ وافرين ، وإن لم يفعلوا قاتلوا وبهم قوةٌ ، فما تظن قريشٌ ؟ فواللهِ لا أزال أجاهدُ على الذي بعثني اللهُ به حتى يظهرَه اللهُ أو تنفردُ هذه السالفةُ - يعني الموتَ) (الراوي: - المحدث: الألباني - المصدر: فقه السيرة - الصفحة أو الرقم: 324 خلاصة حكم المحدث : صحيح وهو قطعة من حديث طويل في صلح الحديبية وقد أخرجه البخاري ). فنجد في هذا الحديث أن الرسول صلى الله عليه وسلم (نبي الرحمة ) في غاية الرحمة والشفقة على قريش بعد أن رأهم وقد أنهكتهم الحرب وأنه عليه أفضل الصلاة والسلام يحب تجنب الصدام مع قريش لأن هدفه وجل همه وغايته هو تبليغ وإيصال نور الإسلام إلى البشرية جمعاء وليس القتال والإصطدام مع قريش ولكنه يقول عليه الصلاة و السلام بعد ذلك (فماذا تظن قريش؟! والله إني لا أزال أجاهدهم على الذي بعثني الله له حتى يظهره الله له أو تنفرد هذه السالفة)، فيعلن عليه الصلاة والسلام موقفه بأنه إذا ما أصرت قريش على الوقوف حاجزا بينه وبين الناس فعندئذ لا مفر من قتالهم وإزالة ذلك الحاجز، فهنا نجد إشارة واضحة في هذا الحديث على أن المسلمون ليس هدفهم وغايتهم الإصطدام مع الكفار وإنما هدفهم هو تبليغ دعوة الإسلام للكفار كافة ولكن إذا ما أصر فريق من الكفار على إقامة حاجزا يحول بين الإسلام و بين البشرية كافة لكي يمنع المسلمين من تبليغ دعوة الإسلام فعندئذ لا مفر من القتال من أجل إزالة هكذا حاجز. أما في المقابل إذا كان الكفار يشكلون خطرا على المسلمين ويتربصون بهم أو كانوا من النوع الذي لا يعترف ولا يؤمن إلا بالقوة فعندئذ يجب دعوته إلى الإسلام وقتاله وإخضاعه لحكم الإسلام فإما أن يُسلم بعد ذلك أو أن يبقى مواطن في دار الإسلام وخاضع لحكم الإسلام. ولكن هنالك من يحتج بحديث الرسول صلى الله عليه وسلم (أُمِرْتُ أن أقاتلَ الناسَ ، وفي روايةٍ: أُمِرْتُ أن أقاتلَ الناسَ حتى يقولوا : لا إله إلا اللهُ . فإذا قالوا : لا إله إلا اللهُ عَصَمُوا مِنِّى دماءَهم وأموالَهم إلا بحَقِّها . وحسابُهُم على اللهِ . ثم قرأ : إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ . لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُسَيْطِرٍ ) 88 / الغاشية / آية 21 ، 22 ) . ( الراوي: جابر بن عبد الله المحدث: مسلم - المصدر: صحيح مسلم - الصفحة أو الرقم: 21خلاصة حكم المحدث: صحيح ) على أن القتال هو اللون الوحيد في الدعوة إلى الإسلام. فتفسير هذا الحديث النبوي الشريف له وجهان، فالوجه الأول تفسيره هو أن الله عزوجل أمر الرسول صلى الله عليه و سلم بقتال غير المسلمين ليس من أجل القتل و سفك الدماء أو من أجل الغنائم والأموال، فنبي الرحمة الحبيب المصطفى سيدنا محمد صلى الله عليه و سلم كان يوصي وينهى جيش المسلمين في الحروب عن المثلة و الغلول وقتل النساء والصبيان والشيوخ الذين لا رأي لهم و لا قتال فيهم، وعن قتل الرهبان و أصحاب الصوامع وتحريق الأشجار وقتل الحيوان لغير مصلحة، لقوله عليه الصلاة والسلام (اخرُجوا باسمِ اللَّهِ قاتِلوا في سبيلِ اللَّهِ من كفرَ باللَّهِ، ولا تعتَدوا، ولا تغلُّوا، ولا تُمَثِّلوا ، ولا تقتُلوا الوِلدانَ، ولا أصحابَ الصَّوامعِ) ( الراوي: عبدالله بن عباس المحدث: أحمد شاكر - المصدر: عمدة التفسير - الصفحة أو الرقم: 1/233 خلاصة حكم المحدث: (أشار في المقدمة إلى صحته)) ما يعني أن الهدف الرئيس من قتال المسلمين للكفار هو ليس من أجل القتل وإنما هو من أجل الدعوة إلى الدخول في الإسلام أي الدعوة إلى قول عبارة التوحيد وهي ( لا إله إلا الله ) لأن كلمة (حتى) في النص هي حرف تعليل بمعنى كي كقول (أدرس حتى تنجح)، إضافة إلى ذلك إن الله عزوجل يريد أن يُبين لعباده المسلمين بأن الغاية من قتالهم لأعدائهم الكفار هو الدعوة إلى التوحيد و إعلاء نداء الإسلام المقدس (لا إله إلا الله) من أجل أن يكون هذا الهدف المقدس دافع وحافز يشحذ ويستنهض همة المجاهدين المسلمين للجهاد في سبيل الله بالرغم من كراهيتهم للقتال كما في قوله تعالى (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ ۖ وَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ ۖ وَعَسَىٰ أَن تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ) (البقرة: 216) فهذه الآية الكريمة تشير بوضوح شديد أن الله الملك العظيم العليم الخبير يعلم بأن المسلمون يكرهون القتال لما فيه من إحتمالية أن يُقتل المسلم أو يُجرح بالإضافة إلى مشقة السفر ومجالدة الأعداء وهذا دليل على أن المسلم لا يحب القتال من أجل القتل فقط وما يؤكد ذلك قوله عليه الصلاة والسلام: (لا تتمنوا لقاء العدو ، وسلوا الله العافي ) .( الراوي: عبدالله بن أبي أوفى- المحدث: البخاري - المصدر: صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم:7237 خلاصة حكم المحدث: صحيح). ثم يرغبهم الله سبحانه و تعالى في القتال الذي يكرهونه بإخبارهم أن هذا القتال وهو الجهاد في سبيل الله هو خير لهم إذ يزداد إيمان المؤمن و يقينه بأنه على الحق وأن الكفر على باطل عندما ينصرهم الله الملك العظيم المعز العزيز طبعا إذا نصروا الله عزوجل بنصرة دينه الإسلام. أما الوجه الثاني فتفسيره هو أن المسلمون مستمرون في قتال الكافرين من أجل دعوتهم إلى الإسلام طالما هم باقون على كفرهم فإن أسلم الكافرون عندها يتوقف قتالهم ليصبحوا إخوةً للمسلمين فيتقاسموا الحقوق والواجبات مع إخوتهم الذين سبقوهم في الإيمان لأن كلمة حتى بمعنى: (إلى أن) للغاية كقول ( لن نبرح عليه عاكفين حتى يرجع إلينا موسى )، وبالتالي يصبح دخول الكافرون في الإسلام غاية لترك القتال وتوقفه وهذا ظاهرفي المقطع (فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله )، ولكن يجب التنبيه على أن هذا الحديث الشريف غيرُ مستقلٍ بذاته لأن قصدَ قتالِ الكافرين يتوقف بقبولِهم دفع الجزية وهذا ما لم يتضمنه هذا الحديث الشريف فهو يُشير إلى توقف القتالِ فقط عند قبول الكافرين الدخول إلى الإسلام. ما يعني أنه يجبُ الجمعُ بين هذا الحديث وغيره من النصوص لإستنباط وإستخراج حكمٍ شرعيٍ عن الجهاد في سبيل الله كالجمع بين الآية الكريمة ( قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ) (التوبة: 29) وبين هذا الحديث الشريف (أُمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لاإله إلا الله، فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله)، فالجمع بينهما يُفسر قول الرسول صلى الله عليه وسلم في حديث بريدة: (كانَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ علَيهِ وسلَّمَ إذا بعثَ أميرًا علَى سريَّةٍ أو جَيشٍ أوصاهُ بتَقوَى اللهِ في خاصَّةِ نفسِهِ وبمَن معهُ منَ المسلمينَ خَيرًا , وقالَ إذا لَقيتَ عدوَّكَ منَ المشرِكينَ فادعُهم إلى إحدَى ثلاثِ خِصالٍ أو خِلالٍ , فأيَّتُها أجابوكَ إليْها فاقبَل منهُم وكُفَّ عنهُم , ادعُهم إلى الإسلامِ , فإن أجابوكَ فاقبَل منْهم وكُفَّ عنهُم , ثمَّ ادعُهم إلى التَّحوُّلِ مِن دارِهم إلى دارِ المُهاجرينَ , وأعلِمهُم أنَّهم إن فعلوا ذلِكَ أنَّ لَهم ما للمُهاجرينَ وأنَّ عليهِم ما علَى المُهاجرينَ , فإن أبَوا واختاروا دارَهم فأعلِمهُم أنَّهم يكونونَ كأعرابِ المسلِمينَ يَجري علَيهِم حُكمُ اللهِ الَّذي يَجري علَى المؤمنينَ , ولا يَكونُ لَهم في الفَيءِ والغنيمةِ نصيبٌ إلَّا أن يُجاهِدوا معَ المسلِمينَ , فإن هم أبَوا فادعُهم إلى إعطاءِ الجزيةِ , فإن أجابوا فاقبَل منهُم وكُفَّ عنهُم , فإن أبَوا فاستعِنْ باللهِ تعالى وقاتِلهُم , وإذا حاصرتَ أهلَ حصنٍ فأرادوكَ أن تُنزِلَهم علَى حُكمِ اللهِ تعالى فلا تُنزلهُم , فإنَّكم لا تدرونَ ما يحكمُ اللهُ فيهِم , ولَكن أنزِلوهم علَى حُكمِكم ثمَّ اقضوا فيهِم بعدُ ما شئتُم ) ( الراوي: بريدة بن الحصيب الأسلمي المحدث: الألباني - المصدر: صحيح أبي داود - الصفحة أو الرقم: 2612 خلاصة حكم المحدث: صحيح ) لأن من آداب الإسلام في القتال أن يخير المسلمون الكافرين قبل قتالهم بأن يدخلوا في الإسلام فإن أجابوا يتم قبول ذلك منهم ويُكف عن قتالهم لأن سبب قتال الكافرين هو عدم إسلامهم لقوله عليه الصلاة والسلام (أُمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لاإله إلا الله) فإذا دخلوا في الإسلام ينتفي سبب قتالهم ويُكف عنهم لقوله عليه الصلاة والسلام (فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله)، ولكن إن أبوا فعندئذ يُخيروا بمعاهدة المسلمين ودفعهم الجزية قبل قتالهم فإن أجابوا يتم قبول ذلك منهم ويُكف عن قتالهم لأن سبب قتال الكافرين هو عدم إسلامهم وعدم معاهدتهم ودفعهم الجزية للمسلمين لقوله تعالى (قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ) فإن قبلوا المعاهدة ودفع الجزية عندئذ ينتفي سبب قتالهم ويُكف عنهم لقوله تعالى (حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ)، أما إن أبوا فعندها يُقاتلهم المسلمون ويتوكلوا على الله عزوجل.

ولكن في المقابل هنالك نصوص قرآنية يأمر الله عزوجل فيها المسلمين بالدعوة إلى الإسلام بالكلمة الطيبة والموعظة الحسنة لقوله تعالى (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَىٰ كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللَّهِ ۚ فَإِن تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ) (آل عمران: 64) وكذلك قوله تعالى (قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ * لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ * وَلَا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ *وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَّا عَبَدتُّمْ * وَلَا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ * لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ ) ( الكافرون: 1-6). وأيضا قوله تعالى (ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ۖ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ۚ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ ۖ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) (النحل: 125) ما يعني أن القتال بالسيف ليس هو اللون الوحيد للدعوة إلى الإسلام وإنما الكلمة الطيبة والموعظة الحسنة هي كذلك لون آخر للدعوة إلى الإسلام. ولكن إذا ما إفترضنا أن القتال بالسيف هو اللون الوحيد للدعوة إلى الإسلام وأن آيات القتال هي ناسخة لما قبلها من آيات الدعوة بالكلمة الطيبة والموعظة الحسنة كما يعتقد بعض المسلمون، فهذا فعليا يُدخِل المسلمين في حروب وقتال لا نهاية له لأنه ببساطة رغم أنف المسلمين سوف يبقى هنالك قسم من الناس على دين الكفر مهما كان هذا الدين وفقا لإرادة ومشيئة وحِكمة الله عزوجل لقوله سبحانه و تعالى (وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَٰكِن يُضِلُّ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ ۚ وَلَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ) (النحل: 93 ) فهذه الآية الكريمة تشير بوضوح تام إلى أن الله الملك العظيم العليم الحكيم قدر أن لا يكون الناس جميعهم على دين أو ملة واحدة فكيف يطلب الله عزوجل من المسلمين الإستمرار في القتال إلى ما لا نهاية طالما بقي من الناس على دين الكفر فهذا غير منطقي لأن هذا الهدف لا يُمكن تحقيقه إلا فقط عند نزول سيدنا عيسى عليه السلام ونصرته لرسالة أخيه الحبيب المصطفى سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، أي رسالة الإسلام، فعندها لن تُقبل الجزية من أهل الكتاب أو غيرهم فإما أن يدخلوا في الإسلام أو أن يُقاتلوا فيُقتلوا لأنه عندها لا يوجد عذر للضلال لأن سيدنا عيسى بنفسه سوف يدعو للإسلام. وإنما المنطقي هو أن القتال والحروب هي ليست الطريقة الوحيدة لدعوة الناس للدخول في الإسلام وإنما هنالك طريقة أخرى وهي الدعوة إلى الإسلام عن طريق العقل والمنطق والموعظة والكلمة الحسنة مع الإشارة والتنبيه إلى أنه من فوائد إستخدام الموعظة والكلمة الحسنة مع من يملك قلبا يفقه به حجة وبرهان الإسلام وأعين يبصر بها نور الحق وآذان يسمع بها صوت الحق هو أن ذلك يترك إنطباعا وتأثيرا حسنا وإيجابيا عند قلوب الأحرار والمنصفون والعادلون من غير المسلمين بأن الإسلام دين حق وإقناع يحترم إنسانية الإنسان وعقله تماما كالإنطباع الحسن والتأثير الإيجابي الذي تركته ضوابط وآداب القتال في الإسلام بأن الإسلام ليس دين قتل وظلم ووحشية ودين نهب الأموال والخيرات وإنما هو دين مبادئ يستخدم القتال عند الضرورة من أجل إعلاء كلمة الله عزوجل. فالمهم ليس كم عدد الذين يدخلون في الإسلام بقدر ما هو أداء واجبنا في تبليغ وإيصال نور الإسلام إلى البشرية جمعاء بالأسلوب الأنجح والأنجع والأنسب، قال تعالى (وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّىٰ نَبْعَثَ رَسُولًا) (الإسراء: 15) و كذلك قال الرسول صلى الله عليه وسلم ( والذي نفس محمد بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أهل النار) وذلك لأن الهداية والضلال بيد الله الملك العظيم الهادي الكريم فيهدي من يشاء بتيسير أسباب الهداية من لين قلب ورجاحة عقل لمن يحب ويبحث عن الهداية ويضل من يشاء بترك الضال في ضلاله وعدم تيسير أسباب الهداية له من لين قلب ورجاحة عقل لكرهه وعدم حبه وإستعداده للهداية وما يؤكد ذلك قوله عليه الصلاة والسلام (عُرِضَتْ عليَّ الأمَمُ، فجعَل يمرُّ النبيُّ معَه الرجلُ، والنبيُّ معَه الرجلانِ، والنبيُّ معَه الرَّهطُ، والنبيُّ ليسمعَه أحدٌ، ورأيتُ سَوادًا كثيرًا سدَّ الأُفُقَ، فرجَوتُ أن يكونَ أمتي، فقيل : هذا موسى وقومُه، ثم قيل لي : انظُرْ، فرأيتُ سَوادًا كثيرًا سدَّ الأُفُقَ، فقيل لي : انظُرْ هكذا وهكذا، فرأيتُ سَوادًا كثيرًا سدَّ الأُفُقَ، فقيل : هؤلاءِ أمتُك، ومعَ هؤلاءِ سبعونَ ألفًا يدخُلونَ الجنةَ بغيرِ حِسابٍ ...). (الراوي: عبدالله بن عباس- المحدث : البخاري - المصدر: صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم :5752خلاصة حكم المحدث: صحيح) فالحديث يشير هنا إلى أن بعض الأنبياء عليهم الصلاة والسلام لا يتبعهم أحد وبعضهم يتبعهم الرجل وبعضهم يتبعهم الرجلان وهكذا، مع العلم والإشارة إلى أن مهمة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام الأساسية هي الدعوة إلى عبادة الله عزوجل وتوحيده وإرشادهم إلى الطريق المستقيم. وبالتالي في هذا إشارة واضحة إلى أنه ليس المهم كم هو عدد الناس الذي يتبعون الأنبياء عليهم الصلاة والسلام بقدر ما هو المهم أن يقوم الأنبياء بتبليغ هداية الله عزوجل للناس لأنه كما يشير الحديث فإن عدم إتباع أحد لنبيه أو إتباع عدد قليل من الناس لنبيهم، لا يُنقص مقدار ذرة من قدر ومكانة الأنبياء العظيمة عند الله سبحانه وتعالى مع التنبيه والإنتباه إلى أن زيادة أو كثرة أعداد الناس الذين يتبعون الأنبياء عليهم الصلاة والسلام على وجه العموم هو نعمة عظيمة وخير كثير وهذا ظاهر في المقطع ( ورأيت سوادا كثيرا سد الأفق فرجوت أن يكون أمتي ). وإضافة لذلك فإن عدم إتباع أحد لبعض الأنبياء وإتباع الرجل أو الرجلان لبعض آخر من الأنبياء هو يفيد بحقيقة مهمة وهي أن الهداية والضلال هي من عند الله الملك العظيم الهادي الكريم لقوله تعالى (وَأُوحِيَ إِلَىٰ نُوحٍ أَنَّهُ لَن يُؤْمِنَ مِن قَوْمِكَ إِلَّا مَن قَدْ آمَنَ فَلَا تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ ) (هود: 36) وكذلك قوله تعالى ( أفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُوا أَن لَّوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعًا) (الرعد: 31).

إذا الخلاصة بما يخص موضوع الدعوة إلى الإسلام سواء عن طريق القتال أي الحروب أو عن طريق الكلمة و الموعظة الحسنة هو أن الهدف الأساسي من هذين المنهجين هو دعوة الناس وهدايتهم إلى الإسلام مع عدم إجبارهم على إعتناق الإسلام فهم لهم مطلق الحرية في إختيار الإسلام أو عدم إختياره كدين يعبدون الله عزوجل به، فبالتالي إذا ما إستطاع المسلمون أن يوصلوا نور الإسلام إلى البشرية جمعاء ودعوتهم وهدايتهم إليه دون الحاجة إلى القتال و الحروب فإن في ذلك خير عظيم لتجنب سفك الدماء سواء دماء المسلمين أو دماء الكفار بالإضافة إلى تجنيب المدنيين الأبرياء الغير مقاتلين ويلات الحروب و الدمار، قال تعالى (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً ۖ قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ ۖ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ ) (البقرة: 30) فهنا يبدو واضحا من الآية الكريمة أن الملائكة الطاهرون إستغربوا ولم يفهموا الحكمة من خلق الله عزوجل للإنسان وجعله خليفة في الأرض بالرغم من أنه سوف يسفك الدماء ويفسد في الأرض مما يعني أن سفك الدماء هو أمر مذموم، فيجب عدم الإستهانة بالكلمات وتأثيرها فأحياناً تستطيع الكلمات أن تفعل ما لا يقدر عليه السيف فالسيف يستطيع أن يقتل الجسد ولكنه يعجز عن قتل الروح بينما الكلمات تستطيع أن تُحي الروح عندما تهديها إلى نور الإسلام وإلى طاعة الله عزوجل وكذلك تستطيع أن تقتل الروح عندما تُضلها إلى ظلمات الكفر و معصية الله عزوجل، قال تعالى (أَوَمَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا ۚ كَذَٰلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) ( الأنعام: 122). أما إذا حاول بعض أئمة الكفار أن يصنع حاجزا يحول دون وصول دعوة الإسلام ونور الإسلام إلى عامة الكفار فعندئذ لا بد من خيار القتال حتى يُكسر هذا الحاجز وتُكسر معه شوكة الكفر الذي يُصِر على الإصطدام ومعاداة الإسلام. فالتاريخ الإسلامي يشهد على ذلك فالناس الذين دخلوا في الإسلام منذ بعثة الحبيب المصطفى سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا لم يدخل جميعهم في الإسلام عن طريق السيف أي الحروب بل أغلبية الناس الذين دخلوا في الإسلام حتى يومنا هذا دخلوا عن طريق العقل و المنطق و الكلمة و الموعظة الحسنة و نسأل الله عزوجل دائما وأبدا أن يهدينا إلى سواء السبيل. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

المؤلف: خالد صالح أبودياك