المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : ماذا نفهم من الدياليكتيك



عقيل الخزرجي
21-07-2007, 09:09 AM
ما يُنْتِجه الشيء، في حياته وتطوُّره، وكل ما يؤدِّي إليه، ويتسبب به، إنَّما يفضي، حتماً، إلى هلاكه، فالشيء، في تفاعله مع غيره، في فعله وانفعاله، إنَّما يحفر قبره بيديه.



خُذْ سلكا من النحاس، وقُمْ بتسخينه. ماذا ترى؟ ترى أنَّ السلك قد تمدَّد. إنَّكَ، في وصفكَ الفيزيائي لِمَا حَدَثَ، تقول إنَّ "الحرارة"، في السلك، هي التي أنْتَجَت "التمدُّد"، أو تسببت به، أو أدَّت إليه.



ولكن هذا "التمدُّد" الذي حَدَثَ ليس بـ "الصديق"، أو "الحليف" لـ "سببه"، وهو "الحرارة"، فهذا "التمدُّد" ألغى ونفى "الحرارة"، فـ "الحرارة"، بتسببها بـ "التمدُّد"، ألغَت ونَفَت ذاتها، أي حفرت قبرها بيديها. "الحرارة (في السلك) أفضت إلى "تمدُّد"، أفضى إلى "فَقْد حراري".



قُمْ بـ "تسريع" جسيم (له كتلة) لترى الآتي: "السرعة" أدَّت إلى "زيادة كتلة" هذا الجسيم. "السرعة" هي "السبب"، و"زيادة الكتلة" هي "النتيجة". ولكن، "زيادة الكتلة" تلغي وتنفي "سببها"، وهو "السرعة"، فهي، أي "زيادة الكتلة"، تُنْتِج "البطء". لقد أدَّت "السرعة" إلى ما يلغيها وينفيها وهو "زيادة الكتلة".



"لماذا لا نرى الأشياء في الظلام؟". هذا "السؤال" ظل بلا جواب (محقَّق) زمنا طويلا، فما الذي أدَّى إليه هذا "السؤال"؟ أدَّى إلى أشياء كثيرة، كالبحث والاستقصاء والتجربة والجدل. لقد أدَّى، أخيرا، إلى ما يلغيه وينفيه، أي إلى ما ينهي الحاجة إليه. أدَّى إلى "الجواب العلمي المحقَّق".



الحجر الذي قذفته في الهواء أدَّى، وهو في حال الارتفاع، إلى أشياء كثيرة؛ ولكن كل هذا الذي أدَّى إليه، وأنْتَجه، وتسبب به، إنَّما ألغى، أخيرا، ونفى "حال الارتفاع"، أي حوَّلها إلى نقيضها وهو "حال السقوط".



فيزيائياً، نُفسِّر "ارتفاع الحجر" على أنَّه نتيجة "طاقة حركية" نَقَلْتُها إليه (من جسمي) عَبْر يدي، ونقول بالتالي: إنَّ "سبب" ارتفاع الحجر هو "وجود طاقة حركية فيه".



هذا القول الفيزيائي يحتاج إلى "تعميق فلسفي"، فالحجر لن يرتفع أبدا في حالٍ من حالين: في حال "احتفاظه" بـ "الطاقة الحركية"، التي أدْخَلْناها فيه، وفي حال "فَقْدِهِ" تلك الطاقة.



إنَّ الشرط الدياليكتيكي لـ "ارتفاع الحجر" هو "وجود" فـ "نفي" الطاقة الحركية. قبل أن يرتفع، وحتى يرتفع، ينبغي له، أولا، "امتلاك" الطاقة الحركية، وينبغي له، من ثمَّ، "فَقْدها"، فلو ظلَّ الحجر محتفظا بطاقته الحركية احتفاظا مُطْلَقاً لاستحال ارتفاعه، ولو ظلَّ فاقداً لها فَقْدا مُطْلَقاً لاستحال، أيضا، ارتفاعه. شرط الارتفاع أن "يملك (تلك الطاقة)" على أن يَفْقِدها.



في هذا "التعميق الفلسفي" للجواب الفيزيائي نقول إنَّ "السبب المنفي" هو سبب ارتفاع الحجر، فالحجر قبل أن يرتفع يجب أن يملك ما يكفي من "الطاقة الحركية"؛ ولكنه لن يرتفع إذا ما ظلَّ محتفظاً بها، فَمِن أجل أن يرتفع لا بدَّ له من أن يَفْقِد هذا الذي امتلك.



الحجر، بفَقْدِه لِمَا امتلك من طاقة حركية، يرتفع، ويزاد ارتفاعا؛ ولكنَّ ارتفاعه يؤدِّي، في آخر المطاف إلى ما يلغيه، أي إلى ما يحوِّله إلى سقوط. إنَّه يؤدِّي، حتما، إلى استنفاد طاقته الحركية، فيسقط.



الشيء لا يملك مَيْلاً من غير نقيضه، أي من غير مَيْلٍ مضاد. فهل من معدن، مثلا، يميل إلى "الكسب الحراري" فحسب، أو إلى "الفَقْد الحراري" فحسب؟ كلا، ليس من معدن كهذا، فكل معدن ينطوي، دائما، على هذين المَيْلين المتضادين. إنَّه يميل إلى "الكسب الحراري"؛ لأنَّه يميل، في الوقت عينه، إلى "الفَقْد الحراري"، ويميل إلى "الفَقْد الحراري"؛ لأنَّه يميل، في الوقت عينه، إلى "الكسب الحراري".



و"العامل الخارجي" إنَّما "يساعِد" في ترجيح كفة أحد الميْلين على كفة الآخر. المَيْلان مُتَّحِدان، متداخلان، ممتزجان، يستحيل وجود أحدهما من دون الآخر. وهما، في الوقت نفيه، متصارعان تصارعاً دائما، وكأنَّ كلاهما يسعى في بسط سيادته على الآخر.



لقد قُمْتَ بمساعدة صديق لكَ مساعَدة مالية. هذا العمل، أو الفعل، تمَّ وأُنْجِز. ولكنه قبل ذلك كان "مَيْلاً".. مَيْلاً إلى المساعَدة. وهذا "المَيْل" نما واشتد وقوي. إنَّه لم يَظْهَر ويتأكَّد ويسود فيكَ إلا عَبْر صراع مع "المَيْل المضاد".. المَيْل إلى الامتناع عن المساعَدة. ونحن نعبِّر عن هذا الصراع بكلمة "تَرَدُّد".



مَيْلُكَ إلى المساعَدة تغلَّب، أخيرا، على "مضاده". وثمَّة "عامل خارجي" ساعَد في الإسراع في تَغَلُّبكَ على "المَيْل المضاد"، فصديق آخر لكَ، مثلا، جاءكَ وأبلغ إليكَ أنَّ الصديق الذي تنوي مساعدته يُحبُّكَ كثيرا، وأنَّه يتخبَّط في ضائقة مالية.



أنتَ ساعدته الآن؛ لأنَّ مَيْلكَ إلى مساعدته قد تغلَّب على "مضاده"، أي على مَيْلكَ إلى الإحجام عن مساعدته. على أنَّ هذا المَيْل المضاد لم يُغْلَب إلا ليظهر أشد قوة من ذي قبل، فلو أنَّكَ أردتَ مساعدة صديقكَ ذاك مرة أُخرى فسوف تشعر أنَّ مَيْلَكَ إلى الإحجام عن مساعدته أصبح هذه المرة أقوى وأشد، فأنت كلَّما ساعدته أكثر اشتد مَيْلكَ إلى الامتناع عن مساعدته.



في عالَم السياسة، نرى أنَّ السياسة التي أفرطت في مرونتها واعتدالها هي التي تنطوي على أقوى وأشد مَيْل إلى التشدد والتطرف، ونرى أنَّ السياسة التي أفرطت في تشددها وتطرفها هي التي تنطوي على أقوى وأشد مَيْل إلى المرونة والاعتدال، فلماذا؟ لأنَّكَ لا تستطيع أن تعتدل سياسيا، وأن تمضي قُدُما في اعتدالكَ هذا، من غير أن تُنمِّي، في الوقت نفسه، مَيْلكَ إلى التطرف،؛ كما لا تستطيع أن تتطرف، وأن تمضي قُدُما في تطرفك السياسي، من غير أن تنمِّي، في الوقت نفسه، مَيْلكَ إلى الاعتدال.



إنَّ المَيْل الأقوى إلى "البرودة" نراه في الجسم الأشد سخونة، والمَيْل الأقوى إلى "السخونة" نراه في الجسم الأشد برودة. وإنَّ المَيْل الأقوى إلى "التقلُّص" نراه في الجسم الأكثر تمدُّدا، والمَيْل الأقوى إلى "التمدُّد" نراه في الجسم الأكثر تقلُّصا. وإنَّ المَيْل الأقوى إلى "التنافر" نراه في الجسم الذي بلغ "تجاذب" أجزائه منتهى الشدة، والمَيْل الأقوى إلى "التجاذب" نراه في الجسم الذي بلغ "تنافر" أجزائه منتهى الشدة.



لو أنَّ جسما في منتهى "التقلُّص" تأثَّر بـ "عامل خارجي" إيجابي بالنسبة إلى "تمدُّده"، ولو أنَّ هذا العامل الخارجي كان قليل الشأن والتأثير، فإنَّ الجسم سيشرع "يتمدَّد" بسرعة ويُسْر وسهولة؛ لأنَّ مَيْلِه إلى "التمدُّد" كان في منتهى الشدة.



إنَّكَ يكفي أن تتطرف في حبِّكَ لشخص حتى تملك أقوى مَيْل إلى كراهيته، أو أن تتطرف في كرهكَ له حتى تملكَ أقوى مَيْل إلى حُبِّه. إنَّ أقوى شعور بـ "الجهل" لا يشعر به إلا "العالِم العظيم"، وإنَّ أقوى شعور بـ "المعرفة" لا يشعر به إلا "الجاهل العظيم (في جهله)".



بالنسبة إلى أحد طرفي تناقض ما، يتألَّف العالَم كله من قوَّتين اثنتين فحسب، قوَّة تقف معه، وقوَّة تقف ضده، أي مع الطرف الآخر.



في الماء، مثلا، صراع دائم بين قوَّتين متضادتين ينطوي عليهما، هما: قوَّة تعمل لجعل جزيئاته أكثر تنافرا، وقوة تعمل لجعلها أكثر تجاذبا. وليس العالَم كله، بالنسبة إلى هذه القوَّة أو نلك، سوى قوَّتين اثنتين فحسب، قوة تقف معها، وقوَّة تقف ضدها.



الأضداد إنَّما هي "قوى" متصارعة دائما.. كلتا القوتين (في داخل الشيء) المتضادتين، المتَّحدتين، المتصارعتين دائما، تسعى في النمو والتفوُّق والسيادة. كلتاهما ليست بالقوة الخاملة، فهي تعمل دائما من أجل أن تهيئ في داخل الشيء الذي ينطوي عليها، وفي خارجه، أسباب نموِّها، ومن أجل إضعاف تأثير الأسباب المضادة، أي الأسباب التي تُضْعِف نموِّها. وفي عملها هذا وذاك، إنَّما هي تُصارِع القوة الأخرى المضادة لها.



في داخل الماء، كما قلنا، تتصارع دائما بين جزيئاته قوَّتين متضادتين هما القوة التي تدفع جزيئاته إلى التنافر، وإلى مزيد من التنافر، والقوة التي تدفعها، في الوقت نفسه، إلى التجاذب، وإلى مزيد من التجاذب.



قوة التنافر تعمل دائما، في داخل الماء، وفي خارجه، من أجل تهيئة الأسباب الإيجابية بالنسبة إلى التنافر بين جزيئات الماء، ومن أجل إضعاف الأسباب السلبية بالنسبة إلى هذا التنافر. وقوة التجاذب تعمل دائما، في داخل الماء، وفي خارجه، من أجل تهيئة الأسباب الإيجابية بالنسبة إلى التجاذب بين جزيئات الماء، ومن أجل إضعاف الأسباب السلبية بالنسبة إلى هذا التجاذب. وفي هذه الطريقة تُصارِع كلتاهما الأخرى، وتسعى في التغلُّب والتفوُّق عليها.



إذا تنافرت (أو تباعدت) جزيئات الماء أكثر فهذا إنَّما يعني أنَّ كفَّة قوة التنافر قد رجحت على كفَّة قوة التجاذب في الصراع الذي لا يتوقَّف بينهما. وإذا تجاذبت (أو تقاربت) أكثر فهذا إنَّما يعني أنَّ كفَّة قوة التجاذب قد رجحت على كفَّة قوة التنافر في هذا الصراع.



كل الأسباب والعوامل الداخلية (أي التي في داخل الماء) والخارجية (أي التي في خارجه) المؤدِّية إلى مزيد من التنافر (أو التجاذب) بين جزيئات الماء إنَّما هي "التجسيد" لـ "قوة التنافر"، أو لـ "قوة التجاذب"، في وجهيها الداخلي والخارجي.



ما معنى أنَّ هذا الشيء قد "تقلَّص"؟ معناه أنَّه كان في حال من "التمدُّد"، فالشيء الذي هو في مثل هذه الحال هو وحده الذي يمكنه أن "يتقلَّص". ومعناه أنَّ كل الأسباب والعوامل (الداخلية والخارجية) التي أدَّت إلى تقلُّصه هي "تجسيد" لـ "قوة التقلُّص" في وجهيها الداخلي والخارجي. ومعناه أنَّ الحال التي كان عليها قبل تقلُّصه، أي حال "التمدُّد"، هي التي هيَّأت له أسباب وعوامل تقلُّصه، فكلا الضدين يُنْتِج ويهيئ للآخر أسباب نشوئه وتطوُّره. وليس من تناقض في المنطق أن نقول إنَّ "التقلُّص" الذي تحقَّق قد حقَّقته القوى (الداخلية والخارجية) الإيجابية بالنسبة إلى "التقلُّص"، بالتعاون مع نقيضه، وهو حال "التمدُّد" التي كان عليها الشيء قبل تقلُّصه، فهذه الحال هي التي فيها، وبها، تهيَّأت أسباب وعوامل "التقلُّص".



ينبغي لنا أن نفهم نمو وتطور أحد طرفي التناقض على أنَّهما الحال التي فيها، وبها، تَنْضُج وتتهيَّأ أسباب الحياة للآخر.



الشيء الذي تقلَّص، ولو تقلُّصا في منتهى الضآلة، إنَّما هو الشيء الذي غُلِبَت (في داخله وفي خارجه) قوة، أو قوى، كانت تعمل في اتِّجاه دفعه إلى التمدُّد، وإلى مزيد من التمدُّد؛ والشيء الذي تمدَّد إنَّما هو الشيء الذي غُلِبَت (في داخله وفي خارجه) قوة، أو قوى، كانت تعمل في اتِّجاه دفعه إلى التقلُّص، وإلى مزيد من التقلُّص.



الدياليكتيك إنَّما هو البحث في "كيفية" إنتاج الشيء لنقيضه.. "كيف" تُنْتِج "الحياة" نقيضها وهو "الموت"، و"كيف" يُنْتِج "التمدُّد" نقيضه وهو "التقلُّص" .. إلخ.



أُنْظُروا إلى "هذه" البضاعة في "هذه" السوق. إنَّ سعرها ارتفع، ويزداد ارتفاعا. هذا هو "الغلاء"؛ أمَّا نقيضه فهو "الرخص". عندما ترى سعرها يرتفع، ويزداد ارتفاعا، قد تَظُن، أي تتوهم، أن لا نهاية لهذا المسار الصاعد لسعرها، كما ظَنَّ، أي توهم، فيزيائيون أن لا نهاية لهذا المسار الصاعد لـ "تمدُّد" كوننا. لقد رأوه يتمدَّد، ويزداد تمدُّدا، فتوهموا أنَّه سيظل يتمدَّد إلى الأبد.



تلك البضاعة التي يزداد سعرها ارتفاعا إنَّما هي جزء لا يتجزأ من بيئة (اقتصادية) تساعِد في تسريع وزيادة هذا الغلاء. ولكن "هذا" الغلاء ليس بالمسار الصاعِد إلى ما لا نهاية، أو إلى الأبد، فلا بد له، أي لهذا الغلاء، من أن يتحوَّل، في آخر المطاف، إلى نقيضه وهو "الرخص". ما الذي جعله يتحوَّل إلى "رخص"؟ إنَّه هو ذاته الذي أنْتَج أسباب وعوامل تحوُّله إلى "رخص"، فهذه البضاعة ليس في مقدورها أن تغلو، وأن تزداد غلوا، من غير أن تُنْتِج، في الوقت نفسه، أسباب وعوامل "رخصها". في غلائها، وبغلائها، إنَّما تتفاعل تلك البضاعة مع بيئتها، مُنْتِجةً (من خلال هذا التفاعل أو التأثير المتبادل) كل ما يؤدِّي إلى رخصها في آخر المطاف. غلاؤها إنَّما يؤدِّي، حتما، إلى التوسُّع في إنتاجها، وفي زيادة وجودها في السوق. وهذا سيؤدِّي، حتما، في آخر المطاف، إلى انتقال سعرها من مساره الصاعد إلى مسار هابط، فارتفاع سعرها ما أن يبلغ حدَّه الأقصى (الممكن واقعيا في ظرفيه الزماني والمكاني) حتى يشرع ينخفض. وهو لا يشرع ينخفض إلا وهو منطويا على "طاقة (انخفاض) كبيرة"، فإذا استنفدها، أي إذا بلغ رخص تلك البضاعة حدَّه الأقصى، شرع "الرخص" يتحوَّل إلى "غلاء". وهذا الرخص، في مساره الصاعد، أي في نموِّه، إنَّما أنتج الأسباب والعوامل المؤدِّية، حتما، في آخر المطاف، إلى تحوُّله إلى غلاء. لقد أدَّى إلى خفض إنتاجها، وتقليل وجودها في السوق، فارتفاع سعرها.



في التطوُّر، نرى دائما "مسارات كمِّيَّة"، بعضها "صاعد"، وبعضها "هابط". و"المسار الكمِّي"، في تطوُّر الشيء، إنَّما هو مسار نُعَبِّر عنه، أو يمكننا التعبير عنه، بـ "لغة الأرقام"، فوَصْف تطوُّر الشيء يمكن ويجب أن يكون، في آن، "وصفا كمِّيَّا"، و"وصفا كَيْفيَّا (أو نوعيا)". و"الوصف الكمِّي" إنَّما هو وصف الشيء في "نموِّه"، الذي في سياقه تتهيأ أسباب تحوُّل الشيء إلى نقيضه.



"المسار الكمِّي"، في صعوده أو في هبوطه، ليس بالمسار الذي لا نهاية له، فلكل مسارٍ نهايته التي هي ثمرة تفاعل الشيء مع بيئته، فما الموقف الفكري الذي يمكننا وينبغي لنا أن نقفه من كل "مسار كمِّي"؟ لا بد لنا، أولا، من نبذ "خرافة" أنَّ هذا المسار يمكن أن يكون "غير منتهٍ"، أي لا نهاية له. وينبغي لنا، من ثمَّ، أن نفهم "المسار الكمِّي" على أنَّه "الشيء في نموِّه"، وأن نفهم هذا النمو على أنَّه السياق الذي فيه تُنْتَج، حتما، أسباب وعوامل تحوَّل الشيء إلى نقيضه.



لو أخذنا بهذه المنهجية، التي ليس من منهجية تفوقها علمية، لما قلنا بـ "تمدُّد أبدي" للكون، ولما تساءلنا في دهشة عن "الشيء" الذي كان قبل "البيضة الكونية"، وجاءت منه هذه "البيضة"، فـ "البيضة الكونية" إنَّما هي ما تحوَّل إليه "شيء" مضاد لها في الصفات والخواص الجوهرية. شيء كان في منتهى "الكِبَر" و"التمدُّد"، وفي منتهى الـ "لا كثافة"، وفي منتهى الـ "لا جاذبية"، وفي منتهى "البرودة"، .. إلخ.



ولو أخذنا بها لما تحدَّثنا عن قوة كونية تشدُّ كل جزء من الكون إلى سائر الأجزاء، ضاربين صفحا، في الوقت عينه، عن "نقيض" تلك القوة، الملازم لها دائما، فـ "الجاذبية الكونية" إنَّما هي قوة لا يمكنها أن تؤكِّد وجودها، وأن تُظْهِر تأثيرها، من غير صراع تخوضه دائما مع القوة الكونية المضادة لها، أي القوة التي تشدُّ كل جزء من الكون بعيدا عن سائر الأجزاء. لا يمكنها أن تؤكِّد وجودها، وأن تُظْهِر تأثيرها، من غير إحرازها الغلبة على تلك القوة.



لو أخذنا بها لقلنا إنَّ القوة التي دفعت الكون إلى التمدُّد، وتدفعه إلى مزيد من التمدُّد، لا يمكنها أن تفعل ذلك من غير أن تُنْتِج، وتنمِّي، في الوقت نفسه، القوة التي ستدفع الكون، حتما، وفي آخر المطاف، إلى التقلُّص، وإلى مزيد من التقلُّص.



بقي أن نقول إنَّ فَهْم الشيء فَهْماً علمياً يستلزم، أوَّلا، أن ننظر إليه، وأن نفهمه، على أنَّه "تاريخ"، أي على أنَّه شيء مختلِفٌ في ماضيه ومستقبله عمَّا هو عليه في حاضره. أُنْظُر إلى هذه الثمرة من ثمار هذه الشجرة. إذا نظرتَ إليها، ضاربا صفحا عن "التاريخ"، فقد تفهمها على أنَّها شيء كان في ماضيه مثلما هو في حاضره، ولن يكون في مستقبله إلا مثلما هو في حاضره.



هذه الثمرة التي تراها لم تصبح على ما هي عليه الآن إلا بَعْد، وبسبب، اجتيازها مراحل من التطوُّر. أُنْظُر إلى ماضيها. أُنْظُر إلى الموضع (في الغصن) الذي جاءت منه. أُنْظُر إلى هذا الموضع كيف كان قبل أن تَخْرُج منه الثمرة في الهيئة التي هي عليها الآن. أُنْظُر إلى ما خَرَجَ من هذا الموضع بدايةً، وإلى المراحل التي اجتازها في تطوُّره قبل، ومن أجل، أن يصبح الثمرة التي تراها الآن. وانْظُر إلى الحال التي ستصبح عليها هذه الثمرة مستقبلا.



يكفي أن تَنْظُر إلى الشيء في مجراه الزمني، أي في ماضيه وحاضره ومستقبله، حتى تكفي نفسكَ شرَّ الأسئلة والتساؤلات الميتافيزيقية. إنَّ الأشياء لا تُخْلَق خَلْقاً.. لا تُخْلَق بحسب طريقة الخَلْق التوراتية. لا تسأل عن خَلْق الشمس والقمر والأرض والنجوم والحيوان والنبات والبشر..



إنَّ الشمس التي تراها الآن (وتسأل بالتالي عن خَلْقها) ليست الشمس التي كانت قبل خمسة مليارات سنة، مثلا. والشمس التي تراها الآن إنَّما كانت في ماضيها "سحابة من غاز الهيدروجين". والشمس التي تراها لن تظل على ما هي عليه مستقبلا، فهذا النجم سينطفئ حتما، ولن يظل في الحجم الذي هو عليه الآن، ولا في الخواص والصفات التي يملكها الآن.

طيبه عجام
21-07-2007, 01:10 PM
http://q6rr.com/uploads/28c271d833.gif (http://q6rr.com)




السلام عليكم

عقيل الخزرجي

موضوع لم استطع صراحة ان افهم ماهو المغزى الحقيقي منه


وهل هو ملائم لقسمنا

انتضر الدكتوره لمياء لتجد لحيرتي جوابا

بارك الله بيك

لمياء الديوان
25-07-2007, 11:02 PM
عقيل الخزرجي

طيبه عجام

لي عوده للموضوع

تحياتي

الدندووووونه
26-07-2007, 05:52 PM
إنَّ الشمس التي تراها الآن (وتسأل بالتالي عن خَلْقها) ليست الشمس التي كانت قبل خمسة مليارات سنة، مثلا. والشمس التي تراها الآن إنَّما كانت في ماضيها "سحابة من غاز الهيدروجين". والشمس التي تراها لن تظل على ما هي عليه مستقبلا، فهذا النجم سينطفئ حتما، ولن يظل في الحجم الذي هو عليه الآن، ولا في الخواص والصفات التي يملكها الآن.

ممكن تفهمني كيف؟!!

موضووع جميل .. بس الأكيد الحجر بيكون السقوط الأقرب له من الإرتفاع والأرض لها خاصيّة الجاذبيه..

ولكني لم أستوعب الشيء الكثير..

ودمــت

عباس العتابي
19-02-2008, 02:53 PM
الديالكتك كلمة انكليزية ومنها ماخوذ ( دايلوك ) اي المحاورة وهو مذهب فلسفي مادي يقول بوجود محاورة بين الاشياء المتناقضة ينتج عنها اشياء جديدة وهذا المذهب لم يصمد امام النقد العلمي
تحياتي للاخ عقيل الخزرجي