المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : نقد الإجماع المنقول في الخروج على الحاكم الجائر



أهــل الحـديث
23-02-2014, 07:20 AM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم




الخروج على الحاكم الجائر



إذا جار الحاكم وعم ظلمه وظهر فساده ، ولم يبلغ الكفر البواح ، هل يجوز الخروج عليه؟
تمهيد :
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعد:

فمن الحيف في التعامل مع حكام المسلمين ، من يحيد عن الوحي إما بجفاء في تعاملهم ، وتهييج للمسلمين على أميرهم ، فتاتي الفتن التي تقضي على الأخضر واليابس ، ويزجون الأمة ليوم فيه قد سحب السحاب أذياله و احتجبت الشمس في سرادق الغيم ، فأمطرت السماء فتنا كقطع الليل المظلم ، لا تبق على الأرض ولا تذر.

وإما بتعامل مع الحكام كأنهم ظل الله في أرضه ، و لا دنيا إلا به ومعه، ولا دين إلا لمن تولاه واتبعه ، جار أو ظلم ، طغى أو فسق ، إنما يكفيه لينال التبجيل من المسلمين أن صار اسمه أمير المؤمنين ! ! !

تلك نكاية في الدين ، وقاصمة ظهر المتقين ، أن ترى في المسلمين من ينزل الحاكم منزلة ليست هي له ، فلا إنكار ولا تثريب ، بلا لمن ينكر عليه التشبيب ، ثم حينها تعلم لماذا الأمة الآن في ذيل الركب ، بل تبرأ منها الركب ! ! !

فلا تسألن حينها الفراعين لما تجبروا ، ولكن سل العبيد لما ركعوا !!

والكلام في هذا المقال هو عن أقوى ما ينقل في المسألة ، وهو الإجماع ، والكلام على الأدلة يأت تباعا في مقالات أخرى إن شاء الله وقدر.

أولا : الغاية العظمى من الولاية هي إقامة الدين ، وهو المرعي في كل مقام ، وأحكامه هي المعظمة والمصانة ، وصيانة الحاكم لأجل صيانته جناب الدين ، وإقامته : وقد ورد عند البخاري عن أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : « اسمعوا وأطيعوا وإن استعمل عليكم عبد حبشي كأن رأسه زبيبة ما أقام فيكم كتاب الله » .

وجماعه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، قال شيخ الإسلام : وجميع الولايات الإسلامية إنما مقصودها الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر[1] (http://majles.alukah.net/#_ftn1).اهـ

فإن جار وبغى ، وحاد عن الدين = فقد أخل بأعظم مقاصد ولايته ، ويقاس ذلك بقدر بعده عن كتاب الله ، فإن الجور والظلم ليس من إقامة كتاب الله، وهنا لا يقول عاقل له علم أن الشرع يأمر بالصبر عليه لمجرد كونه صار إماما ، وإنما غايته أن يكون خشية لما يكمن حدوثه من مفاسد ومظالم اعظم مما كان الوضع يسبقها كما سيأتي بيانه في التفصيل إن شاء الله تعالى.

ثانيا : الوارد من الوحي في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، هو عام يشمل كل من أمكن أمره ونهيه، بما لا يفضي ذلك لما فيه فساد ، وممن يشملهم الحكم : الحكام ولاة الأمور ، والقول بأنه الحكم لا يشملهم ، ويخصصهم بنصوص الصبر والسمع والطاعة لا قوة لقوله فيما رأيت ، إذ لا ينتقل للقول بالتخصيص إلا في حالة عدم إمكانية الجمع ، ولا يرى عامة المسلمين الأوائل ثم تعارض بين نصوص السمع والطاعة ، ونصوص الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، ويفهم ذلك من صنيعهم .

ثالثا : عامة جيل الصحابة لم ينتشر فيهم مثل هذا القول ، بل أقوالهم وأفعالهم تخالف ذلك ، والأمة محجوجة في هذا الباب بأمثال علي وطلحة والزبير وعائشة ومعاوية وعمرو بن العاص والمغيرة بن شعبة وهم من كبار الصحابة.

وبأمثال الحسين بن علي وابن الزبير وأصحاب الحرَّة، وهم من صغار الصحابة (رضي الله عنهم أجمعين)، فهؤلاء وغيرهم كانوا يرون الخروج على الحاكم في حال جوره أو اختلال شرط من شروط بيعته.. وقد دلت أقوالهم وأفعالهم على هذا.
وتفصيل ذلك وبيانه فيما جاء في كتاب الفصل في الملل والأهواء والنحل (4/ 132)
(قَالَ أَبُو مُحَمَّد) : "اتّفقت الْأمة كلهَا على وجوب الْأَمر بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَن الْمُنكر بِلَا خلاف من أحد مِنْهُم لقَوْل الله تَعَالَى {ولتكن مِنْكُم أمة يدعونَ إِلَى الْخَيْر ويأمرون بِالْمَعْرُوفِ وَينْهَوْنَ عَن الْمُنكر} ثمَّ اخْتلفُوا فِي كيفيته فَذهب بعض أهل السّنة من القدماء من الصَّحَابَة رَضِي الله عَنْهُم فَمن بعدهمْ وَهُوَ قَول أَحْمد بن حَنْبَل وَغَيره وَهُوَ قَول سعد بن أبي وَقاص وَأُسَامَة ابْن زيد وَابْن عمر وَمُحَمّد بن مسلمة وَغَيرهم إِلَى أَن الْغَرَض من ذَلِك إِنَّمَا هُوَ بِالْقَلْبِ فَقَط وَلَا بَدَأَ وباللسان إِن قدر على ذَلِك وَلَا يكون بِالْيَدِ وَلَا بسل السيوف وَوضع السِّلَاح أصلا وَهُوَ قَول ابي بكر ابْن كيسَان الْأَصَم وَبِه قَالَت الروافض كلهم وَلَو قتلوا كلهم إِلَّا أَنَّهَا لم تَرَ ذَلِك إِلَّا مَا لم يخرج النَّاطِق فَإِذا خرج وَجب سل السيوف حِينَئِذٍ مَعَه وَإِلَّا فَلَا واقتدى أهل السّنة فِي هَذَا بعثمان رَضِي الله عَنهُ وَمِمَّنْ ذكرنَا من الصَّحَابَة رَضِي الله عَنْهُم وبمن رأى الْقعُود مِنْهُم إِلَّا أَن جَمِيع الْقَائِلين بِهَذِهِ الْمقَالة من أهل السّنة إِنَّمَا رَأَوْا ذَلِك مَا لم يكن عدلا فَإِن كَانَ عدلا وَقَامَ عَلَيْهِ فَاسق وَجب عِنْدهم بِلَا خلاف سل السيوف مَعَ الإِمَام الْعدْل وَقد روينَا عَن ابْن عمر انه قَالَ لَا أَدْرِي من هِيَ الفئة الباغية وَلَو علمنَا مَا سبقتني أَنْت وَلَا غَيْرك إِلَى قتالها.
قَالَ أَبُو مُحَمَّد وَهَذَا الَّذِي لَا يظنّ بأولئك الصَّحَابَة رَضِي الله عَنْهُم غَيره .

وَذَهَبت طوائف من أهل السّنة وَجَمِيع الْمُعْتَزلَة وَجَمِيع الْخَوَارِج والزيدية إِلَى أَن سل السيوف فِي الْأَمر بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَن الْمُنكر وَاجِب إِذا لم يُمكن دفع الْمُنكر إِلَّا بذلك .
قَالُوا : فَإِذا كَانَ أهل الْحق فِي عِصَابَة يُمكنهُم الدّفع وَلَا ييئسون من الظفر فَفرض عَلَيْهِم ذَلِك .
وَإِن كَانُوا فِي عدد لَا يرجون لقلتهم وضعفهم بظفر كَانُوا فِي سَعَة من ترك التَّغْيِير بِالْيَدِ.
وَهَذَا قَول عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ وكل من مَعَه من الصَّحَابَة وَقَول أم الْمُؤمنِينَ عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا وَطَلْحَة وَالزُّبَيْر وكل من كَانَ مَعَهم من الصَّحَابَة وَقَول مُعَاوِيَة وَعَمْرو والنعمان بن بشير وَغَيرهم مِمَّن مَعَهم من الصَّحَابَة رَضِي الله عَنْهُم أَجْمَعِينَ وَهُوَ قَول عبد الله بن الزبير وَمُحَمّد وَالْحسن بن عَليّ وَبَقِيَّة الصَّحَابَة من الْمُهَاجِرين وَالْأَنْصَار والقائمين يَوْم الْحرَّة رَضِي الله عَن جَمِيعهم أَجْمَعِينَ .
وَقَول كل من أَقَامَ على الْفَاسِق الْحجَّاج وَمن وَالَاهُ من الصَّحَابَة رَضِي الله عَنْهُم جَمِيعهم : كأنس بن مَالك.
وكل من كَانَ مِمَّن ذكرنَا من أفاضل التَّابِعين كَعبد الرَّحْمَن ابْن أبي ليلى وَسَعِيد بن جُبَير وَابْن البحتري الطَّائِي وَعَطَاء السّلمِيّ الْأَزْدِيّ وَالْحسن الْبَصْرِيّ وَمَالك بن دِينَار وَمُسلم بن بشار وَأبي الْحَوْرَاء وَالشعْبِيّ وَعبد الله بن غَالب وَعقبَة بن عبد الغافر وَعقبَة بن صهْبَان وماهان والمطرف بن الْمُغيرَة ابْن شُعْبَة وَأبي الْمعد وحَنْظَلَة بن عبد الله وَأبي سح الْهنائِي وطلق بن حبيب والمطرف بن عبد الله ابْن السخير والنصر بن أنس وَعَطَاء بن السَّائِب وَإِبْرَاهِيم بن يزِيد التَّيْمِيّ وَأبي الحوسا وجبلة بن زحر وَغَيرهم.
ثمَّ من بعد هَؤُلَاءِ من تَابِعِيّ التَّابِعين وَمن بعدهمْ كَعبد الله بن عبد الْعَزِيز ابْن عبد الله بن عمر وكعبد الله بن عمر وَمُحَمّد بن عجلَان وَمن خرج مَعَ مُحَمَّد بن عبد الله بن الْحسن وهَاشِم بن بشر ومطر وَمن أخرج مَعَ إِبْرَاهِيم بن عبد الله.
وَهُوَ الَّذِي تدل عَلَيْهِ أَقْوَال الْفُقَهَاء كَأبي حنيفَة وَالْحسن بن حييّ وَشريك وَمَالك وَالشَّافِعِيّ وَدَاوُد وأصحابهم .
فَإِن كل من ذكرنَا من قديم وَحَدِيث إِمَّا نَاطِق بذلك فِي فتواه وَإِمَّا الْفَاعِل لذَلِك بسل سَيْفه فِي إِنْكَار مَا رَآهُ مُنْكرا"" انتهى.

ولما أراد ابن عباس أن يثني الحسين عن خروجه لم يذكر له دليلا واحدا من الأدلة التي يستدل به المانعون فيما علمت ، على شديد حرصه أن يعود ولا يذهب لهم ، بل تعلل له بعلل دون أن يذكرها له ، فدل هذا على انه لم يفهم رضي الله عنه من الأحاديث أنها تدل على المنع المطلق ، وليست مقابلة بعامة ما جاء في الوحي من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والأخذ على يد الظالم. انتهى

وإن قيل: انعقد الإجماع بعد عصر الصحابة.

رد عليها: هذه دعوى عريضة، وتحكم بلا دليل، تنتقض بخمسة أمور:
أحدها: نقل الخلاف وثبوته بعد عصر الصحابة، وممن ثبت عنه القول بجواز الخروج عامة من خرج مع ابن الأشعث على عبد الملك بن مروان وواليه الحجاج، كابن أبي ليلى، والشعبي، وسعيد بن جبير، وغيرهم.(البداية والنهاية أحداث سنة 82هـ). ومن خرج مع زيد بن علي ومحمد بن الحسن في عصر تابعي التابعين وكأبي حنيفة ومالك في رواية عنه وأحمد بن نصر الخزاعي وغيرهم كثير .

الثانية: اختلاف الأصوليين في وقوع الإجماع بعد عصر الصحابة.

الثالثة: اختلاف الأصوليين في صحة إجماع أهل العصر على أحد قولي العصر السابق، وكثير من المحققين يرون أن الأقوال لا تموت بموت قائليها، وأن الإجماع لا ينعقد إذا سبقه خلاف ومات أحد المخالفين ، ، ومن قال بوقوعه فهو عنده من الإجماع الظني ودلالته ضعيفة عند الأصوليين إذا ما قورنت بالإجماع القطعي الذي لا يسع أحدا خلافه.

الرابعة : نقض الإجماع من ناقله ، وهو الإمام النووي رحمه الله تعالى ، فقد ورد عنه في نفس السياق الذي نقل فيه الإجماع = نقض هذا الإجماع ، وأنا أسوق هنا الكلام بتمامه ، وفيه نقل الإجماع والخلاف في نفس ذات الوقت ! !

شرح النووي على مسلم (12/ 229)
وَأَجْمَعَ أَهْلُ السُّنَّةِ أَنَّهُ لَا يَنْعَزِلُ السُّلْطَانُ بِالْفِسْقِ وَأَمَّا الْوَجْهُ الْمَذْكُورُ فِي كُتُبِ الْفِقْهِ لِبَعْضِ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ يَنْعَزِلُ وَحُكِيَ عَنِ الْمُعْتَزِلَةِ أَيْضًا فَغَلَطٌ مِنْ قَائِلِهِ مُخَالِفٌ لِلْإِجْمَاعِ .
قَالَ الْعُلَمَاءُ وَسَبَبُ عَدَمِ انْعِزَالِهِ وَتَحْرِيمِ الْخُرُوجِ عَلَيْهِ مَا يَتَرَتَّبُ عَلَى ذَلِكَ مِنَ الْفِتَنِ وَإِرَاقَةِ الدِّمَاءِ وَفَسَادِ ذَاتِ الْبَيْنِ فَتَكُونُ الْمَفْسَدَةُ فِي عَزْلِهِ أَكْثَرَ مِنْهَا فِي بَقَائِهِ.
قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ الْإِمَامَةَ لَا تَنْعَقِدُ لِكَافِرٍ وَعَلَى أَنَّهُ لَوْ طَرَأَ عَلَيْهِ الْكُفْرُ انْعَزَلَ قَالَ وَكَذَا لَوْ تَرَكَ إِقَامَةَ الصَّلَوَاتِ وَالدُّعَاءَ إِلَيْهَا قَالَ وَكَذَلِكَ عِنْدَ جُمْهُورِهِمُ الْبِدْعَةُ قَالَ وَقَالَ بَعْضُ الْبَصْرِيِّينَ تَنْعَقِدُ لَهُ وَتُسْتَدَامُ لَهُ لِأَنَّهُ مُتَأَوِّلٌ قَالَ الْقَاضِي فَلَوْ طَرَأَ عَلَيْهِ كُفْرٌ وَتَغْيِيرٌ لِلشَّرْعِ أَوْ بِدْعَةٌ خَرَجَ عَنْ حُكْمِ الْوِلَايَةِ وَسَقَطَتْ طَاعَتُهُ وَوَجَبَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ الْقِيَامُ عَلَيْهِ وَخَلْعُهُ وَنَصْبُ إِمَامٍ عَادِلٍ إِنْ أَمْكَنَهُمْ ذَلِكَ فَإِنْ لَمْ يَقَعْ ذَلِكَ إِلَّا لِطَائِفَةٍ وَجَبَ عَلَيْهِمُ الْقِيَامُ بِخَلْعِ الْكَافِرِ وَلَا يَجِبُ فِي الْمُبْتَدِعِ إِلَّا إِذَا ظَنُّوا الْقُدْرَةَ عَلَيْهِ.
فَإِنْ تَحَقَّقُوا الْعَجْزَ لَمْ يَجِبِ الْقِيَامُ وَلْيُهَاجِرِ الْمُسْلِمُ عَنْ أَرْضِهِ إِلَى غَيْرِهَا وَيَفِرَّ بِدِينِهِ.
قَالَ وَلَا تَنْعَقِدُ لِفَاسِقٍ ابْتِدَاءً فَلَوْ طَرَأَ عَلَى الْخَلِيفَةِ فِسْقٌ قَالَ بَعْضُهُمْ يَجِبُ خَلْعُهُ إِلَّا أَنْ تَتَرَتَّبَ عَلَيْهِ فِتْنَةٌ وَحَرْبٌ.
وَقَالَ جَمَاهِيرُ أَهْلِ السُّنَّةِ مِنَ الْفُقَهَاءِ وَالْمُحَدِّثِينَ وَالْمُتَكَلِّمِينَ لَا يَنْعَزِلُ بِالْفِسْقِ وَالظُّلْمِ وَتَعْطِيلِ الْحُقُوقِ وَلَا يُخْلَعُ وَلَا يَجُوزُ الْخُرُوجُ عَلَيْهِ بِذَلِكَ بَلْ يَجِبُ وَعْظُهُ وَتَخْوِيفُهُ لِلْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ فِي ذَلِكَ.
قَالَ الْقَاضِي : وَقَدِ ادَّعَى أَبُو بَكْرِ بْنُ مُجَاهِدٍ فِي هَذَا الْإِجْمَاعَ وَقَدْ رَدَّ عَلَيْهِ بَعْضُهُمْ هَذَا بِقِيَامِ الحسن وبن الزُّبَيْرِ وَأَهْلِ الْمَدِينَةِ عَلَى بَنِي أُمَيَّةَ وَبِقِيَامِ جَمَاعَةٍ عَظِيمَةٍ مِنَ التَّابِعِينَ وَالصَّدْرِ الْأَوَّلِ عَلَى الحجاج مع بن الأشعث وتأول هذا القائل قوله أن لا نُنَازِعَ الْأَمْرَ أَهْلَهُ فِي أَئِمَّةِ الْعَدْلِ وَحُجَّةُ الْجُمْهُورِ أَنَّ قِيَامَهُمْ عَلَى الْحَجَّاجِ لَيْسَ بِمُجَرَّدِ الْفِسْقِ بَلْ لِمَا غَيَّرَ مِنَ الشَّرْعِ وَظَاهَرَ مِنَ الْكُفْرِ قَالَ الْقَاضِي وَقِيلَ إِنَّ هَذَا الْخِلَافَ كَانَ أَوَّلًا ثُمَّ حَصَلَ الْإِجْمَاعُ عَلَى مَنْعِ الْخُرُوجِ عَلَيْهِمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ" انتهى .

فمن هذا النقل يتبين لنا أن الإمام النووي رحمه الله نقل إجماعا غير منضبط ، بل هو قد نقل معه ما ينقضه .
وأصرح من ذلك ما ذكره في كتابه روضة الطالبين (10/48)
( إن الإمام لا ينعزل بالفسق على الصحيح ) .
فقوله على الصحيح يفهم منه أنه ثم خلاف في المسالة ، والصحيح عنده المنع.

الخامس : نقل ابن كثير رحمه الله تعالى الخلاف في المسألة ، في معرض كلامه على حكم لعنة يزيد فقال رحمه الله :
البداية والنهاية ط الفكر (8/ 223)
والإمام إذا فسق لا يعزل بمجرد فسقه عَلَى أَصَحِّ قَوْلَيِ الْعُلَمَاءِ، بَلْ وَلَا يَجُوزُ الْخُرُوجُ عَلَيْهِ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ إثارة الفتنة، ووقوع الهرج وسفك الدماء الحرام، ونهب الأموال، وفعل الفواحش مع النساء وغيرهن..إلى آخر كلامه رحمه الله.
السادس نقل ابن حجر وبدر الدين العينى رحمهما الله تعالى الخلاف الذي ذكره النووي نقلا عن الداودي : فتح الباري لابن حجر (13/ 8)
ونقل بن التين عن الداودي قال : الَّذِي عَلَيْهِ الْعلمَاء فِي أُمَرَاء الْجور أَنه إِن قدر على خلعه بِغَيْر فتْنَة وَلَا ظلم وَجب، وإلاَّ فَالْوَاجِب الصَّبْر، وَعَن بَعضهم: لَا يجوز عقد الْولَايَة لفَاسِق ابْتِدَاء، فَإِن أحدث جوراً بعد أَن كَانَ عدلا اخْتلفُوا فِي جَوَاز الْخُرُوج عَلَيْهِ، وَالصَّحِيح الْمَنْع إلاَّ أَن يكفر فَيجب الْخُرُوج عَلَيْهِ.
فلكل ما سبق يتبين لنا عدم وقوع الإجماع ، فضلا عن انضابطه.
كما يتبين أن الحكم له علته ، وهي إثارة الفتن ووقوع الفساد ، فحيث وجدت حكم بالمنع ، وحيث انتفت = كان الجواز أو الوجوب ، كما سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى.

وصل اللهم على سيدنا محمد ، وعلى آله وصحبه أجمعين.


المصدر : http://majles.alukah.net/t126572/#ixzz2u6rvqiRf