المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : قرب الإسناد وصحة الرجال ( العالي والنازل )



أهــل الحـديث
17-02-2014, 02:20 AM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


قال ابن المبارك رحمه الله : "ليس جودة الحديث قرب الإسناد ، بل جودة الحديث صحة الرجال".
وقال السلفي رحمه الله : "الأصل الأخذ عن العلماء ، فنزولهم أولى من العلو عن الجهلة على مذهب المحققين من النقلة…".
بل كان من صنيع بعض الأئمة كمسلم رحمه الله ، أنه كان يعدل عن الأسانيد العالية ، والتي لا تصح على شرطه ، إلى الأسانيد النازلة التي تتفق مع شرطه في الصحيح ، والله أعلم .

وقد فضَّل العلماء الإسناد العالي على النازل ، ونفروا من نزول الإسناد حتى روي عن علي بن المديني رحمه الله أنه قال: "النزول شؤم".
وقال ابن معين: "الإسناد النازل قرحة في الوجه .
إلا أن بعض أهل العلم فضل الإسناد النازل على العالي، فقد نقل ابن الصلاح عن بعض أهل النظر تفضيله على الإسناد العالي؛ بحجة المشقة في تخريجه والنظر فيه. إلا أن ابن الصلاح صرح بضعف هذا المذهب. ونقل السيوطي عن ابن دقيق العيد جوابه على هذا الرأي؛ بقوله: "لأن كثرة المشقة ليست مطلوبة لنفسها، ومراعاة المعنى المقصود من الرواية وهو الصحة أولى".

وبالرغم من تفضيل العلماء الإسناد العالي على الإسناد النازل؛ إلا أنهم اتفقوا على أن الإسناد النازل أفضل منه إذا اشتمل على مزايا وفوائد. فذكر ابن الصلاح أن النزول إذا تعيّن دون العلو طريقاً إلى فائدة راجحة على فائدة العلو فهو مختار، وذكر ابن كثير تفضيل الإسناد النازل إذا كان رجاله أجلّ من رجال العالي وإن كانوا جميعاً ثقات، وزاد ابن حجر وجوهاً أخرى لتفضيل الإسناد النازل؛ وذلك باعتبار أن رجاله الأحفظ ـ فضلاً عن الأوثق ـ ، أو الأفقه ، أو أن الاتصال فيه أظهر. وزاد السيوطي التفضيل أيضاً بزيادة الثقة في الإسناد النازل، ومثَّل لظهور الاتصال بأن يصرح بالسماع في الإسناد النازل، بينما يكون في الإسناد العالي حضور، أو إجازة، أو مناولة، أو تساهل بعض رواته في الحمل.
قلت: واجتماع فوائد الإسناد مع إسناد عالٍ غاية المراد. وقد نقل المناوي عن الحافظ السلفي قوله: "ليس حُسن الحديث قرب رجال عند أرباب عامة الثقات ، بل علو الحديث بين أولي الحفظ والإتقان صحة الإسناد ، وإذا ما تجمَّعا في حديث فاغتنمه فذاك أقصى المراد".

وربما تتعيَّن الرواية بالإسناد النازل للضرورة، كما أن اختياره دون الإسناد العالي يحتاج إلى علمٍ وتبحُّر. قال الحاكم النيسابوري : "فإن للنازل مراتب لا يعرفها إلا أهل الصنعة؛ فمنها ما تؤدي الضرورة إلى سماعه نازلاً، ومنها ما يحتاج طالب العلم إلى معرفة وتبحُّر فيه فلا يكتب النازل وهو موجود بإسناد أعلى منه".
قلت: وهذا يعني أن من يختاز الإسناد النازل يجب أن يكون قد اطلع على فوائد الإسناد والمتن في جميع مرويات الحديث ؛ وذلك بالنظر في أحوال الرواة، وطبقاتهم، وصفة سماعهم من الشيوخ، وصيغ الأداء في مروياتهم، والاختلاف بين ألفاظ المُتون ، ومعرفة ما اشتملت عليه من زيادات في بعض الرواة.


ونوَّه السيوطي إلى أهمية الطريق النازل إذا عزَّ ولم يجده المصنف بإسناد عالٍ ، ومثّل على ذلك بحديث للبخاري ؛ حيث قال: "واعلم أن كل حديث عزَّ على المحدث ولم يجده غالباً ، ولا بد له من إيراده ، فمن أي وجه أورده فهو عالٍ بعزته ، ومثل ذلك بأن البخاري روى عن أماثل مالك ، ثم روى حديثاً لأبي إسحاق الفزاري عن مالك ، لمعنى فيه ، فكان فيه بينه وبين مالك ثلاثة رجال".

وقد روي عن بعضهم كالبخاري رحمه الله أنه قال: "لا يكون المحدث كاملاً حتى يكتب عمن هو فوقه ، وعمن هو مثله ، وعمن هو دونه".
لذا فقد حدث عن الطبقة الرابعة من شيوخه ؛ وهم رفقاؤه في الطلب ؛ لسماع ما فاته عن مشايخه ، أو ما لم يجده عند غيرهم. وحدث أيضاً عن الطبقة الخامسة من شيوخه ؛ وهم في عداد طلبته في السن والإسناد، وذلك للفائدة .
وقد ذُكر أن الذين كتب عنهم وحدث عنهم البخاري ينقسمون إلى خمسة طبقات الطبقة الأولى : من حدثه عن التابعين مثل محمد بن عبد الله الأنصاري فإنه حدثه عن حميد ومثل مكي بن إبراهيم فإنه حدثه عن يزيد بن أبي عبيد ومثل أبي نعيم فإنه حدثه عن الأعمش .
الطبقة الثانية : من كان في عصر هؤلاء، لكنه لم يسمع من ثقات التابعين كسعيد بن أبي مريم وأيوب بن سليمان .
الطبقة الثالثة : وهي الوسطى من مشايخه من لم يلق التابعين لكن أخذ عن كبارأتباع التابعين كسليمان بن حرب وعلي بن المديني ويحيى بن معين ، وهذه الطبقة قد شاركه مسلم في الأخذ عنهم .
الطبقة الرابعة : رفقاؤه في الطلب ومن سمع قبله قليلا كأبي حاتم الرازي وعبد بن حميد وأحمد بن النضر، وإنما يخرج عن هؤلاء ما فاته عن مشايخه أو ما لم يجده عند غيرهم .
الطبقة الخامسة: قوم في عداد طلبته في السن والإسناد سمع منهم للفائدة كعبد الله بن حماد الأملي وعبد الله بن أبي العاص الخوارزمي وحسين بن محمد القباني ، والله أعلم .

وقد فصل هذه المسألة ابن الصلاح في مقدمته ، والعراقي في التقييد والإيضاح شرح مقدمة ابن الصلاح ، والسيوطي في تدريب الراوي ، والمناوي في اليواقيت والدرر في شرح نخبة ابن حجر وغيرهم .