المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : أنصح الشباب الملتزم أن يتحلوا بالعفو



أهــل الحـديث
14-02-2014, 05:10 PM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


أنصح الشباب الملتزم
أن يتحلوا بالعفو
قال تعالى:{ وَأَن تَعْفُو ا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى } سورة البقرة
قال تعالى:{ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} سورة آل عمران
وقال تعالى{خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِ الْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ }سورة الأعراف
وقال تعالى:{ وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ} سورة الشورى
والعفو: هو التجاوز عن الذنب وترك العقاب عليه ،
وقد أمر الله نبيه أن يأخذ العفو من أخلاق الناس ، كما ورد عند البخاري من حديث عبد الله بن الزبير قال : أمر الله نبيه صلي الله عليه وسلم أن يأخذ العفو من أخلاق الناس ، والعفو هو السهل الميسر ، أي أمره أن يحتمل أخلاقهم ويقبل منها ما سهل وتيسر ولا يستقصي عليهم .
والله عفو يحب العفو ويصفح عن الذنوب ويستر العيوب ، يعفو عن المسيء كرما وإحسانا ، ويفتح واسع رحمته فضلا وإنعاما حتى يزول اليأس من القلوب وترجوا مقلب القلوب .
أفلا نكون من العافين ، من الذين يحبون العفو ، من الذين يحبون ربهم وينفذون أمره ، ويقبلون إرشاده وتوجيهه ، أفلا نرغب في جنة عرضها السموات والأرض أعدت للعافين عن الناس ، والمتنازلين عن الحقوق ،
اسمعوا قول الله تعالى :{ وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ }سورة آل عمران
سبحان الله العظيم ! ربنا تبارك وتعالى غني عنا ، ونحن الفقراء إليه ، ونحن الضعفاء المنكسرين بين يديه ، يدعونا للعفو ، ويبين لنا أن العفو من تقواه ، فهل يجدر بنا أن نخالف توجيه الخالق سبحانه ، ما أعظم العفو والصفح عن الجناة ، ونحيل أمرهم إلى الله .
لا إله إلا الله ! وهل الغضب والعناد وأبراز العظلات وعدم العفو سيعيد ما ذهب ؟ كلا والله ، لن يعيد شيئاً ، بل سيزيد الأمة جراح ، ويزيدها فرقة وشتات ، ويزيدها ضعف وهوان . نعم لا تحتقروا الموضوع فإنه موضوع عظيم بل خطير فأنصح أصحاب العقول السليمة أن تتقوا الله وتعفوا وتصفحوا والله هو خير لكم ولأهلكم .
فماذا يجني من لا يعفو ؟ والله لن يجني شيئاً يحبه ويتمناه ، بل سيجني كراهية الناس له ما بقي حياً ، وهذا أمرٌ مشاهد ملموس ومعروف .
بينما يجني العافي محبة الناس ، والله يجني محبة من يعرفه ومن لا يعرفه ، يجني الدعاء الذي ينطلق من الألسن والشفاه ، فكم من إنسان دُفعت عنه نقم وفتن ومحن بسبب دعاء الناس له ، وكم للعافي من فضيلةعن أبي هريرة رضي الله عنه ، قال الله تعالى : عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " ما نقصت صدقة من مال ، وما زاد الله عبدا بعفو إلا عزا ، وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله " أخرجه مسلم.
وليس هذا فحسب بل العفو أسم من أسماء الله دل علي صفة من صفات الأفعال ، وفي دلالة اسم الله العفو علي الصفة قال تعالى:{ويعفو عن السيئات}سورة الشورى {ويعفو عن كثير}سورة الشورى {ثم عفونا عنكم}سورة البقرة
{فعفونا عن ذلك}سورة النساء فالعفو هو المتصف بالعفو .
إن الذي يجود بالعفو عبد كرمت عليه نفسه ، وعلت همته وعظم حلمه وصبره ، قال معاوية رضي الله عنه : " عليكم بالحلم والاحتمال حتى تمكنكم الفرصة، فإذا أمكنتكم فعليكم بالصفح والإفضال" .
إن العفو هو خلق الأقوياء الذين إذا قدروا وأمكنهم الله ممن أساء إليهم عفوا .
إن العفو والتجاوز لا يقتضي الذلة والضعف ، بل إنه قمة الشجاعة والامتنان وغلبة الهوى ، لاسيما إذا كان العفو عند المقدرة على الانتصار ، فقد بوب البخاري رحمه الله في صحيحه بابا عن الانتصار من الظالم لقوله تعالى:{والذين إذا أصابهم البغي هم ينتصرون }سورة الشورى، وذكر عن إبراهيم النخعي قوله : " كانوا يكرهون أن يستذلوا ، فإذا قدروا عفوا" أخرجه البخاري ، قال الحسن بن علي رضي الله تعالى عنهما : " لو أن رجلا شتمني في أذني هذه ، واعتذر في أذني الأخرى ، لقبلت عذره " ، وقال جعفر الصادق رحمه الله : " لأن أندم على العفو عشرين مرة ، أحب إلي من أندم على العقوبة مرة واحدة " ، وقال الفضيل بن عياض رحمه الله : " إذا أتاك رجل يشكو إليك رجلا فقل : يا أخي ، اعف عنه ؛ فإن العفو أقرب للتقوى ، فإن قال : لا يحتمل قلبي العفو ، ولكن أنتصر كما أمرني الله عز وجل فقل له : إن كنت تحسن أن تنتصر ، وإلا فارجع إلى باب العفو ؛ فإنه باب واسع ، فإنه من عفا وأصلح فأجره على الله ، وصاحب العفو ينام على فراشه بالليل ، وصاحب الانتصار يقلب الأمور ؛ لأن الفتوة هي العفو عن الإخوان " .
والصفح والعفو هما خلق النبي صلى الله عليه وسلم ، فأين المشمرون المقتدون ؟! أين من يغالبهم حب الانتصار والانتقام ؟! أين هم من خلق سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم ؟! سئلت عائشة رضي الله عنها عن خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت : " لم يكن فاحشا ولا متفحشا ولا صخابا في الأسواق ، ولا يجزي بالسيئة السيئة ، ولكن يعفو ويصفح "أخرجه أحمد والترمذي وقال : حديث حسن صحيح وأصله في الصحيحين
وقد جاءت الآيات متضافرة في ذكر الصفح والجمع بينه وبين العفو كما في قوله تعالى:{ فاعف عنهم واصفح إن الله يحب المحسنين } سورة المائدة ،
وقوله:{فاعفوا واصفحوا حتى يأتي الله بأمره}سورة البقرة،
وقوله سبحانه :{يا أيها الذين آمنوا إن من أزواجكم وأولادكم عدوا لكم فاحذروهم وإن تعفوا وتصفحوا وتغفروا فإن الله غفور رحيم }سورة التغابن
وعند أبي داود وصححه الألباني من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنه قال : جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله كم نعفو عن الخادم ؟ فصمت ، ثم أعاد عليه الكلام ، فصمت ، فلما كان في الثالثة قال : " اعفوا عنه في كل يوم سبعين مرة " ، فالعفو هو ترك الشيء وإزالته ، وقوله تعالى:{عفا الله عنك}سورة التوبة، أي محا الله عنك هذا الأمر وغفر لك .
وما أعظم عفو وصفح الحبيب محمد _ صلى الله عليه وسلم _ عندما دعا قومه إلى دين الحق ، والصراط المستقيم ، عندما دعاهم لما يحييهم ، وينقذهم من عذاب أليم ، دعاهم شفقة ورحمة بهم ، فما كان منهم إلا أن كذبوه ، واتهموه بالسحر ، والكذب ، والجنون ، وسلطوا عليه سفهاءهم ، فخرج من ثقيف حزينا كئيبا ، لأن قومه لم يعلموا صدقه ، لم يعلموا حقيقة ما يدعوهم إليه فكذبوه ، ولو علموا لاهتدوا ، ولكن كما قال الله عز وجل :{إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء وهو أعلم بالمهتدين}سورة القصص
عندما خرج منكسرا ، بعدما بقي يدعو قومه خوفا عليهم من أن يصيبهم مثل ما أصاب الأقوام من قبلهم لما كذبوا رسلهم من العذاب والعقاب ، حيث قال الواحد القهار سبحانه:{ فكلا أخذنا بذنبه فمنهم من أرسلنا عليه حاصبا ومنهم من أخذته الصيحة ومنهم من خسفنا به الأرض ومنهم من أغرقنا وما كان الله ليظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون}سورة العنكبوت
كان خوفه صلى الله عليه وسلم على قومه من انتقام الجبار جل وعلا لتكذيبهم دعوته ، يجعله يهتم أشد الهم ، ولكنه سيدافع عن قومه ، لأنهم لا يعلمون ، فلما خرج من ثقيف أتاه ملك الجبال للانتقام ، عن عروة بن الزبير رضي الله عنه ؛ أن عائشة رضي الله عنها حدثته أنها قالت لرسول الله صلى الله عليه وسلم : يا رسول الله ! هل أتى عليك يوم كان أشد من يوم أحد ؟ فقال : " لقد لقيت من قومك ، وكان أشد ما لقيت منهم يوم العقبة ، إذ عرضت نفسي على ابن عبد ياليل بن عبد كلال ، فلم يجبني إلى ما أردت ، فانطلقت وأنا مهموم على وجهي ، فلم أستفق إلا بقرن الثعالب _ قرن المنازل _ فرفعت رأسي فإذا أنا بسحابة قد أظلتني ، فنظرت فإذا فيها جبريل ، فناداني فقال : إن الله عز وجل قد سمع قول قومك لك وما ردوا عليك ، وقد بعث إليك ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم ، قال : فناداني ملك الجبال وسلم علي ، ثم قال : يا محمد ! إن الله قد سمع قول قومك لك ، وأنا ملك الجبال ، وقد بعثني ربك إليك لتأمرني بأمرك ، فما شئت ؟ إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين " فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : " بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده ، لا يشرك به شيئا " متفق عليه هذه أخلاق نبينا محمد صلى الله عليه وسلم. أما نتخلق بخلقه. أما قال الله تعالى:{ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآَخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا } سورة الأحزاب
لماذا لا نتأسى به صلى الله عليه وسلم . فنعفوا عن من ظلمنا ونحجزه عن الظلم مرة أخرى وعملا بقول نبينا محمد صلى الله عليه وسلم : ( انصر أخاك ظالما أو مظلوما قيل : كيف أنصره ظالما ؟ قال : تحجزه عن الظلم فإن ذلك نصره ) . أخرجه البخاري من حديث أنس ومسلم من حديث جابر فلنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة ، وقدوة طيبة ، يجب أن نحتذي بها ، ونقتفي أثرها ، لاسيما في العفو والغفران ، والتجاوز عن الآخرين فيما إذا أساءوا لنا ، وندخر ذلك ذخرا لنا عند الله العفو الغفور الرحيم ، الذي تجاوز عن كثير من سيئاتنا ، وأمهلنا وأمد لنا في العمر ولم يأخذنا بالتقصير والتفريط في جنبه سبحانه ، فكم عصينا ربنا ، وكم تمردنا على علام الغيوب ، وهو يستر العيوب ، ألا نغفر ونعفو نحن ونتنازل لمرضاة الله تعالى ، رجاء مغفرته يوم القيامة ، يوم العرض والحساب ، يوم أن يحتاج العبد إلى حسنة واحدة تدخله الجنة فلا يجد ، فربما وجد أثر العفو والصفح حسنات كالجبال ، عن عبد الله بن عمرو بن العاص ، أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم على منبره يقول : " ارحموا ترحموا ، واغفروا يغفر الله لكم ، ويل لأقماع القول ، ويل للمصرين الذين يصرون على ما فعلوا وهم يعلمون " أخرجه أحمد(1).
مالفرق بين العفو والصفح؟!العفو والصفح متقاربان في المعنى فيقال :
صفحت عنه : أعرضت عن ذنبه وعن تثريبه ، كما يقال : عفوت عنه .
إلا أن الصفح أبلغ من العفو فقد يعفو الإنسان ولا يصفح(2) .
فالصفح ترك المؤاخذة ، وتصفية القلب ظاهرا وباطنا ، ولقد دعا الله جل وعلا إلى الصفح ودعاه بالجميل ،فقال سبحانه وتعالى:{فاصفح الصفح الجميل}سورة الحجر
والصفح أبلغ من العفو ، ولذلك قال الله تعالى:{فاعفوا واصفحوا حتى يأتي الله بأمره إن الله على كل شيء قدير }سورة البقرة واذكركم بحديث معاذ بن أنس رضي الله عنه ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"من كظم غيظا وهو قادر على أن ينفذه ، دعاه الله سبحانه على رؤوس الخلائق،حتى يخيره من الحور العين ما شاء "أخرجه أبو داود والترمذي وحسنه ،يا أهل الحقوق لا تضيعوا هذا الفضل العظيم والله وبالله وتالله لو لا يحبكم الله أيها العافين لما جعل هذا الأجرلمن يعفوا(3)


__________________________
(1)أخرجه أحمد وصحح إسناده الشيخ أحمد شاكر رحمه الله
(2) الكتاب : العفو حسنات وجنات (بتصرف)
(3) من كتابي نداء الى الشباب أولي الألباب