المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الخروقات الخطابية لقواعدجراس التداولية نماذج مختارة من النصوص الإبداعية



أهــل الحـديث
11-02-2014, 11:40 AM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


الخروقات الخطابية لقواعدجراس التداولية
نماذج مختارة من النصوص الإبداعية



إعداد الباحث /خالد محمد على المشرقي
الخروقات الخطابية لقواعد مورس التداولية
نماذج مختارة من النصوص الإبداعية
حدد مورس أربعة من المبادئ ينهض عليها مبدأ التعاون أو التواصل الخطابي بين كل من المرسل والمستقبل للخطاب وهذه المبادئ هي : مبدأ الكم ، ومبدأ الكيف ، و مبدأ العلاقة ، ومبدأ الطريقة وتحت كل مبدأ مجموعة من القواعد ، ثم قال: إن خرق هذه المبادئ أو واحدة من قواعدها يجعل التعبير يبدو بليغا وجميلا ؛ أي يخرج التعبير من التواصلية النفعية إلى الجمالية والأدبية. ولكن قبل الحديث عن الخروقات لا بد من الوقوف على المبادئ والقواعد المتفرع عنها .فما هذه القواعد ؟ إنها على النحو الآتي :
مبدأ الكم ( المعلومات)
و يندرج تحت هذا المبدأ القواعد الآتية :
1- قل ما هو ضروري بالضبط ولا تزد أكثر من المطلوب
2- تكلم بالقدر الذي يضمن تحقيق الغرض .
يفهم من خلال التفريعات المذكورة ومن خلال الأمثلة التى أورِدت أن المقصود من هذا المبدأ ؛ أن يكون الكلام على قدر كبير من الدقة بحيث ينقل المطلوب بالضبط دون أن يدعو السامع إلى التأويل أو الاحتمال الذي قد ينتج عنه تعدد المعنى ؛ بل لا بد أن يكون التعبير منغلقا في الدلالة على نفسه هذا أولا .، وثانيا أن تكون الألفاظ على قدر المعاني دون زيادة أو نقصان وهو ما عرف بالبلاغة العربية بأسلوب المساواة . وإذا شئنا أن نعبر عن القواعد السابقة بتعبير آخر نقول:
1- لا تأتي في تعبيرك بما يدعو إلى التأويل، أو احتمال تعدد المعنى ، ولكن لتكن ألفاظك منغلقة على المقصود فحسب.
2- لتكن ألفاظك على قدر المعنى المقصود؛ فلا تحذف من التعبير ولا تزد فيه، ,إنما يجب أن تكون ألفاظك مساوية لمعانيك .
مبدأ الكيف ( الصدق)
1- لا تقل ما تعتقد أنه كاذب
2- لا تقل ما لا تستطيع البرهنة عليه
مبدأ الملاءمة والمناسبة : مراعاة المقام
1- أن يكون كلامك مناسبا لسياق الحال
مبدأ الأسلوب ووضوحه
1- تجنب إبهام التعبير المتمثل في الكناية
2- تجنب اللبس
3- ليكن كلامك مرتبا ؛ بمعنى ليكن مرتبا ضمن ما يقتضيه أصل التعبير في الجملة النحوية وليس البلاغية ؛ فتجنب التقديم والتأخير في ألفاظ العبارة ؛إذا لم يحتاجه السياق.
4- أوجز في كلامك. وحقيقة الأمر أن هذه القاعدة –كما يراها الباحث – تتعارض مع مبدأ الكم ؛ إذ إن الإيجاز أحد خروقات مبدأ الكم الذي المقصود فيه أن تأتي الألفاظ على قدر المعاني ، أو مساوية لها وهو ما سمي عند علماء البلاغة بالمساواة لا ينتج عنها بلاغة في الكلام بحسب إفادة البلاغيين وإنما تحدث في الخرق المتمثل في الإيجاز والإطناب ؛ أي زيادة الألفاظ على قدر المعاني ،أو نقصانها لغرض بلاغي من أجل ذلك فقد عد الباحث- ما عده مورس على أنه قاعدة ضمن مبدأ الأسلوب – خرقا من خروقات مبدأ الكم ومثل عليه تحت هذا المبدأ .
هذه هي جملة المبادئ بفروعها التي ذكرها مورس حتى يبدو الكلام تواصليا نفعيا وأي خرق لمبدأ من هذه المبادئ أو قاعدة من القواعد الفرعية يخرج الكلام من حيز النفعية إلى حيز الإبداعية وحتى يتضح المقصود يجدر بنا أن نتناول بعضا من النصوص التى خرقت هذه المبادئ لنبين نوع الخرق فيها وغرضه البلاغي وذلك على النحو الآتي :
• خرق مبدأ الكم
هناك العديد من النصوص التي تمثل هذا النوع من الانتهاك ولكننا سنقتصر على البعض منها ومن ذلك:
قوله تعالى " فغشيهم من اليم ما غشيهم" عبر النص القرآني عن الغاشي باسم الموصول "ما" ولم يقل ماء كثير وذلك تهويلا وتفخيما للغاشي بحيث لا يتصور ولا يحدد من خلال الإبهام الذي لحق من التعبير بما ولك أن تتخيل ذلك الغشيان هذا من جهة ومن جهة أخرى فإن التعبير باسم الموصول شمل ما ينتاب الراكب من الأخطار كالدوار والصداع والخوف. ولو أنه التزم بالقاعدة الأولى من مبدأ الكم لقال فغشيهم من اليم موج وإعصار لكن عدل عن ذلك لما في هذا العدول من البلاغة .
من ذلك أيضا قوله تعالى على لسان فرعون مخاطباً موسى:"قال ألم نربك فينا وليداً ولبثت فينا من عمرك سنين ، وفعلت فعلتك التي فعلت وأنت من الكافرين" [18 , 19]
تمثل الخرق لهذا المبدأ في الآية الثانية إذ لو أنه راعى قاعدة هذا المبدأ لقال : وقتلت القبطي ولكنه انحاز عن ذلك لغرض التكثيف في دلالة التهديد والوعيد من جهة وإبراز الحالة النفسية لفرعون من جهة أخرى.
ففي هذه الآية بنيت الدلالة على خاصية التكرار؛إذ كثف النص القرآني من هذه الخاصية ليبرز الجوَّ النفسي لفرعون أمام دعوة موسى عليه السلام؛ فهناك تكرار الصيغة المتمثل بصيغة (فعل) بين فعلت الأولى, وفعلت الثالثة, وهناك تكرار الأصوات المتشابهة في النسق كتكرار صوت (التاء)؛ فقد تكرر خمس مرات, وتكرار للأصوات المهموسة فقد بلغ تكرارها [11] مرة.
وهناك تكرار آخر تمثل في استصحاب الدال وتغاير المدلول بين فعلت وفعلة( ), وقد كان لهذا التكثيف في التكرار أثره الذي انعكس على الإيقاع الذي بدوره أنعكس على تكثيف الدلالة بمؤازرة النظم [التركيب].
كما أن الإبهام الحاصل من عدم التعيين للفعلة والإتيان بالاسم الموصول (التي) الدال على عظمتها وتكثيف الأصوات المهموسة بما تتطلبه من جهد شديد عند نطقها قد تآزر مع الموسيقى للإيحاء بالتهديد والوعيد لموسى
ومن ذلك قوله تعالى " لا عاصم اليوم من أمر الله "
يتحلى الخرق لمبدأ الكم من خلال استخدام كلمة عاصم على المستوى الصرفي ؛ إذ تحتمل أن تكون هذه الصيغة اسم فاعل وعلى ذلك يكون المعنى لا أحد يعصم اليوم من أمر الله ، كما تحتمل أن تكون اسم فاعل بمعنى مفعول وعلى ذلك يكون المعنى لا أحد معصوم من أمر الله .
من هذا القبيل قوله تعالى :" ولا يضارّ كاتب ولا شهيد "
تجلى الخرق هذه المرة لهذا المبدأ من خلال إدغام المثلين في المستوى السطحي من اللغة لكلمة يضارّ ؛إ ذ يحتمل أن تكون الصيغة على المستوى الصرفي مبنية للمعلوم ؛ (يضارِرْ) وقد تكون مبنية للمجهول ؛ ( يضارَرْ) ومن ثم يكون التعبير في الآية قد احتمل نهي الكاتب عن أن يضر بالشاهد ، كما تحتمل نهي الشاهد من أن يضر بالكاتب .
ومنه قوله تعالى –على لسان زكريا- "رب إني وهن العظم مني واشتعل الرأس شيبا " فالغرض من الخطاب السابق من قبل زكريا ليس هو إعلام الله بأنه قد شاخ أو كبر لأن الله يعلم ذلك ويعلم ما في الصدور وإنما وراء ذلك معنى استلزاميا هو إظهار ضعفه ووهنه أو الشكوى إلى الله بأنه كذلك
ومن الأمثل على خرق القاعدة الثانية من مبدأ الكم
قوله تعالى : :" وقضينا إليه ذلك الأمر أن دابر هؤلاء مقطوع مصبحين" الأصل في الآية في التعبير العادي وقضينا إليه أن دابر هؤلاء مقطوع مصبحين ولكن القرآن أضاف( ذلك الأمر) وغرضه من ذلك الإبهام على السامع ثم تفصيل ذلك الإبهام لما في ذلك من فائدة بلاغية لا تحصل إلا وفق هذا التعبير ؛ إذ إن الكلام إذا جاء مجملا يبعث على تشويق القارئ للبحث عما يزيل ذلك الإبهام فإذا جاء التوضيح بعد ذلك استقر المفهوم في الذهن .
ومن ذلك قوله تعالى: "وأتى المال على حبه ذوى القربى واليتامى " فالزيادة في ألأيه قوله "على حبه " لأن المعنى يتم بدون هذه الزيادة أو لكن تمامه ليس كاملا إذ قد يفهم من ألآية أن إنفاقهم لأموالهم على هؤلاء كان من المال المستغنى عنه وغير المحبوب لديهم كونه زائدا وحتى يبعد هذا الظن من المتلقي أتى الله سبحانه وتعالى بقوله "على حبه " لبين أنهم ينفقون المال وهم محبين له غير كارهين.
وقوله تعالى " ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر"، وقوله تعالى " حافظوا على الصلاة والصلاة الوسطى" فالملاحظ أن الآيات السابقة اشتملت على إطناب من نوع ذكر الخاص بعد العام أو عكسه والذي غرضه التأكيد على أهمية الخاص ؛فإن قوله" جبريل و ميكائيل "خاص يندرج تحت عموم الملائكة والرسل ، كذا لفظ الصلاة الوسطى خاص يندرج تحت عموم الصلاة ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر خاص يندرج تحت عموم لفظ الخير.
ومنه قوله تعالى: " إذ تلقونه بألسنتكم تقولون بأفواهكم ما ليس لكم به علم" فالظاهر أن القول لا يكون إلا في الفم ومن خلال اللسان وأن الزيادة لا معنى لها هذا هو الظاهر ولكن بالعودة إلى مقام الخطاب سنجد أن هذه الزيادة لا بد منها لأنها تضيف معنى جديدا فكيف؟>
إن مقام الخطاب هو الردُ على أهل الإفك إفكهم الذي قالوه للتي هي ظاهرة العفاف والحشمة ؛ سيدتنا عائشة- رضي عنها- في حادثة الإفك. ومن ثم كان هذا المقام بحاجة ماسة لذكر الأفواه والألسنة تسجيلا عليهم إفكهم ومن ثم الرد والإنكار عليهم وذلك شبيه بموقف من ينكر خطابا قاله فتقول له بل قلته بلسانك وفمك.
ومثل ذلك قوله تعالى:" فخرً عليهم السقف من فوقهم " فظاهر الآية أن لا داعي لذكر من فوقهم لأن السقف لا يكون إلا فوق ، ولكن بالعودة إلى مقام الخطاب سنجد أن ذلك لا بد منه ؛إذ إن هذه الآية وردت في مقام الترهيب والتخويف مبالغة ؛فكان ذكر من فوقهم حامل لهذا التخويف .
وإذا كان خرق مبدأ الكم قد تمثل في الأمثلة السابقة من خلال زيادة الألفاظ على قدر المعاني ؛ فإن خرق هذا المبدأ –أيضا – يتمثل بالإيجاز ؛ أي إنقاص الألفاظ على قدر المعاني والذي قد يكون عن طرق الحذف من الألفاظ ،أو بدونه ومن ذلك قوله تعالى :" في سورة القصص-:" قال ما خطبكما قالتا لا نسقي حتى يصدر الرعاء وأبونا شيخ كبير "؛ ففي هذه الآية حذف أكثر من جملة يتضح من خلال السياق الأول جاء بعد ما خطبكما والتقدير ما خطبكما لا تسقيان الأغنام كما يفعل الرعاة والثاني جاء قبل "وأبونا شيخ كبير " فكأن سائلا سألهن عند قولهن لا نسقي حتى يصدر الرعاء فقال : ولماذا لا يأتي معكما رجل ليسقي لكما فكانت الإجابة ليس لدينا إخوة ذكور وأبونا شيخ كبير.
ومن ذلك أيضا قوله تعالى" أنا أنبئكم بتأويله فأرسلون، يوسف أيها الصديق" إن هذه الآية قد اخفت تفاصيل كثيرة لم توردها ولكن هذه التفاصيل تلمح من السياق خصوصا ذكر "يوسف أيها الصديق" عقب "فأرسلون " إذ إن ذلك قد أوحى بتفاصيل ما قبل الذهاب إلى يوسف في سجنه وتفاصيل ما بعد الذهاب وحكي رؤيا الملك وسبب مقابلته ليوسف.
ومنه قوله تعالى: " واسأل القرية" والمراد أهل القرية ؛فقد حذف النظم الكريم المضاف من العبارة وأقام المضاف إليه مقامه لحكمة بلا غية هي التعبير بالمجاز لكونه أبلغ من الحقيقة .وحذف المضاف في القرآن كثير أحصاه عزا لدين بن عبد السلام في كتابه الإشارة إلى المجاز.
ومنه قوله تعالى:" وجاهدوا في الله حق جهاده" ؛ أي في سبيل الله ولكنه حذف المضاف ليقيم المضاف إليه مقامه لما في ذلك من زيادة الحث على الجهاد.
ومنه قوله تعالى:" حرمت عليكم الميتة" والتقدير أكل الميتة ولكنه حذف المضاف وأقام المضاف إليه مقامه مبالغة في التحريم. وكذلك قوله تعالى:" لمن كان يرجو الله" والتقدير يرجو رحمة الله.
ومن الإيجاز بالقصر قوله تعالى :"هدى للمتقين" (س2 ي2) إذ إن المعنى هدى للضالين الصائرين إلى الهدى بعد الضلال ؛فالتعبير مجاز مرسل علاقته اعتبار ما سيكون كما أنه قد يكون التعبير في الآية على حقيقته من قبيل أن الهدى يقبل الزيادة والنقصان فلا مانع من إرادة المتقين بالفعل .
ومن ذلك أيضا قوله تعالى :" خذ العفو وأمر بالعرف واعرض عن الجاهلين" ؛فهذه الآية جمعت كل مكارم الأخلاق المطلوبة في ألفاظ قليلة فكيف؟ إن قوله:" خذ العفو" أمر بإصلاح قوة الشهوة التي تبعث على جلب المنافع للفرد وإصلاحها بجعلها تطلب اليسير وتتجنب العسير ، وقوله" واعرض عن الجاهلين " أمر بإصلاح قوة الغضب التي تبعث على جلب المضار ؛أي تجنب السفها ولا ترد عليهم ، وأما قوله وأمر بالعرف" فأمر بالأخذ بما تعارف عليه الناس من قوانين وعادات وتقاليد من الأفعال والأقوال....
ومنه قوله تعالى "ألا له الخلق والأمر"؛ فقد دلت هذه الآية على كل الأشياء والشؤون المتصل بحياة المخلوق حتى أنه روي عن عمر بن الخطاب حين قرأها أنه قال : من بقي له شيء فليطلبه كما قال تعالى :" انفروا خفافا وثقالا وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم " إن هذه الكلمات اليسيرة شملت كل أمر بالنفرة إلى الجهاد ،وقطعت كل الذرائع والحجج المعوقة .
خرق مبدأ الكيف
من النصوص التي تشير إلى اختراق مبدأ الكيف ما يأتي :
قوله تعالى –على لسان زكريا- "رب إني وهن العظم مني واشتعل الرأس شيبا "
يتجلى الخرق لهذه القاعدة من خلال الاستعارة في قوله " واشتعل الرأس شيبا " إذ إن المقصود انتشر الشيب في الرأس ولكن النص القرآني عدل عن ذلك إلى الاستعارة لما في الاستعارة من معنى استلزامي هو سرعة الانتشار . كما أن هناك خرقا آخر لمبدأ أخر من مبادئ مورس هو قاعدة الترتيب في مبدأ الأسلوب إذ أسند الاشتعال للرأس وهو في الأصل للشيب وذلك من أجل التعبير عن الشمول والإحاطة لجميع أجزاء الرأس.
من ذلك – أيضا – ما حكي من أن رجلا من خواص كسرى أُبْلغَ أن كسرى يعاشر زوجته فهجرها فلما سمع كسرى بهذا استدعى الرجل وقال له : بلغني أن لك عين عذبة وأنك لا تشرب منها ؛فقال له الرجل : أيها الملك بلغني أن الأسد يردها فخفته.
ففي كلام كسرى وكلام الرجل معنى استلزامي مضمر غير المعلن هو – في كلام كسرى- أنت لا تجامع زوجتك على الرغم من جمالها ، وبلغني أنك تجامعها فعزفت في كلام الرجل ردا على كسرى.
ومنه قول الشاعرة :
أيا شجر الخابور مالك مورق كأنك لم تجزع على ابن طريف
ففي هذا البيت معنى استلزامي غير المعنى الحرفي المعلن هو المبالغة في الحزن على فقد الحبيب بلغ منه أنها تخيلت أن كل الموجودات يجب أن تشاركها هذا الحزن ومنها شجر الخابور الذي كان يجب أن يسقط أو راقه حدادا عليه.
ومنه قوله تعالي :" أأنت فعلت هذا بآلهتنا يا إبراهيم قال بل فعله كبيرهم هذا فاسألوهم إن كانوا ينطقون "(الأنبياء-62)
ففي إجابة سيدنا إبراهيم خرق لمبدأ الصدق ووراء ذلك معنى استلزامي مقصود هو التهكم والسخرية من السائل كونهم يعبدون ما لا يملكون لهم ضرا ولا نفعا ولا يستطيعون حماية أنفسهم فضلا عن حماية غيرهم كما يستلزم معنى آخر مضمر مفاده الإيحاء لهم بأن كبير الأصنام هو من أقدم على هذا الفعل غضبا منهم كونهم يشركون غيره من صغار الأصنام في العبادة وغرضه من ذلك التنبيه لهم بطريق غير مباشر إلى أن إشراك غير الله في العبادة مسبب لغضبه وإن كان بقصد التقرب به إلى الله كما يزعمون .
ويندرج تحت خرق مبدأ الكيف ما سمي عند البلاغيين بالاستخدام وهو أن تستخدم اللفظ لمعنى من المعاني ثم تعيد عليه ضميره بمعنى آخر من ذلك :
قوله تعالى : : (( شهر رمضان الذي أنزل فيه القران هدى للناس وبينان من الهدى والفرقان فمن شهد منكم الشهر فليصمه )) في الاية الكريمة السابقة لفظة " الشهر " الثانية أطلقت وأريد بها الهلال مجازا مرسلا علاقته الزمانية وقد أعيد عليه الضمير في كلمة فليصمه بمعنى غير معنى الهلال إذ أريد به الزمان أي الشهر المعروف ومثل هذا يسمى عند البلاغيين الاستخدام ومثل هذا قول الشاعر :
إذا نزل السماء بأرض قوم رعيناه وإن كانوا غضابا
ففي هذا البيت أطلق لفظ " السماء " على المطر بعلاقة المجاورة ثم أعيد عليه الضمير في "رعيناه " بمعنى آخر هو العشب.
ومن ذلك أيضا قول الشاعر :
أيها المنكح الثريا سهيلا عمرك الله كيف يلتقيان
هي شامية إذا ما استقلت وسهيل إذا ما استقل يماني
فالكلمتان " الثريا – سهيل " في بيت الشاعر تحملان معنيين الأول هو القريب غير المراد نجمان في السماء بدليل شامية و يماني ، والثاني اسم الرجل والمرأة بدليل المنكح وليس هناك ما يرجح إحداهما على الآخر إلا قرينة السياق . من ثم فإن الشاعر قد اخترق القاعدة الثانية من مبدأ الكيف ؛؛ لا تقل ما لا تستطع البرهنة عليه " وغرضه من ذلك المبالغة في المدح فضلا عن الإبهام على السامع .
ومن ذلك ما روى عن أن امرأة دخلت على الحجاج فقالت : أشكو إليك قلة الفأر في بيتي .
ففي كلام المرأة معنى استلزامي مضمر غير المعنى الحرف هو إني أشكو إليك فقري .
خرق مبدأ المناسبة (المقام)
ويقصد به عدم الملاءمة بين سياقات التعبير مما يشعر بفجوات بين عباراته ، أو عدم الملاءمة بين منطوق الخطاب وحال المتلقي له وهو ما يعرف بالخروج عن مقتضى الظاهر من الخطاب. من ذلك :
قوله تعالى " يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها "( البقرة-189)>
ظاهر الآية يوحي أن لا مناسبة بين الحديث عن الأهلة والنهي عن إتيان البيوت من ظهورها ومن ثم قد يقال أن لا معنى من الوصل بين الجملتين لكن المتدبر للآية الكريمة حق التدبر سيجد أن هناك معنى استلزاميا هو النهي عن عادة جاهلية كانت تمارس عند العرب في موسم الحج و هو الذي حتم الوصل فكيف؟ إن العرب كان من عاداتهم إذا أقبل موسم الحج حرًموا على أنفسهم أن يدخلوا بيوتهم من الأبواب وإنما كانوا يحدثون فتحة في أعلى الخيمة يخرجون منها ولما كان هذا الفعل منكرا وقد تعرض القرآن أثناء حديثه للحج وجد من المناسب النهي عن هذه العادة المنكرة .
كما أن هناك خرق آخر في الآية السابق تمثل في عدم مطابقة الإجابة للسؤال ؛ فقد كان سؤالهم عن السبب الذي يجعل الهلال يبدو صغيرا ثم يكبر حتى يصير بدرا ثم يعود إلى التناقص مرة أخرى وكانت الإجابة عن فوائد الهلال .
ومن الأمثلة على خرق مبدأ المناسبة – أيضا – قوله تعالى : "هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا ثم استوى إلى السماء فسواهن سبع سموات "
قاعدة المناسبة تقتضي أن يكون الضمير مفردا ؛(فسواها) لأن مرجعه مفرد؛ (السماء ) غير أن النص القرآني اخترق هذه القاعدة وأتى بالضمير مجموعا في ألآية ؛قال :(فسواهن) وذلك لغرض بلاغي هو :-على ما يبدو لي- الإشارة إلى دلالة جديدة إضافية للفظ السماء في الآية هي الإحاطة بالأرض من جميع الجهات، أو الغلاف الجوى بالإضافة إلى السمو ؛ العلو . وبذلك يكون النص القرآني قد أشار إلى مركز الأرض من الغلاف الجوي كما أشار إلى الغلاف الجوي قبل أن تكتشف ذلك بحوث العلم الحديث بقرون . فكيف ؟
إن في لفظ القرآن الكريم ما يشير إلى أن لفظ السماء في الآية مقصود به هو السماء الدنيا وأن هذا اللفظ مفرد وجمع في الوقت نفسه ؛ مفرد باعتبار العلو للقاطن في جهة من جهات الأرض بالنسبة لجهاتها الأربع ؛ فإن ما يعلوه سماء ولكنه بالنسبة لقاطن آخر في الجهة المقابلة من الأرض لا يعد سماء وإنما سماه ما كان أرضا بالنسبة للقاطن السابق وهكذا مع بقية الجهات ومن ثم فإن لفظ السماء بالنسبة لجهة دون النظر لبقية الجهات لفظ مفرد علو وبالنسبة لكل الجهات جمع؛ أي سماءات أو علوات ؛ لأن لكل جهة سماءها الخاص .
يؤيد ذلك قوله تعالى في سورة الطلاق:" اللَّهُ الَّذِى خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الاَْرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الاَْمْرُ بَيْنَهُنَّ لِّتَعْلَمُو " قوله ومن الأرض مثلهن المقصود مثل السموات من جهة الأرض بالنسبة للمخاطب في أي جهة من جهات الأرض وليس المقصود مثل الأرض كما ذهب المفسرون بدليل أن الأرض لم ترد في القرآن إلا مفردة وهذا دليل أن الأرض واحدة وليست سبعا ؛ فضلا على أدلة عديدة تنفي ما ذهب إليه لا يتسع المجال لذكرها .
ويدخل ضمن خرق مبدأ المناسبة عدم ملاءمة الخطاب لحال السامع من حيث موقفه منه ومن المتكلم به كخطاب المنكر بخطاب غير المنكر والعكس وخطاب خالي الذهن بخطاب المتردد الشاك والعكس ومن ذلك :
قوله تعالى –مخاطبا نوح عليه السلام_:" ولا تخاطبني في الذين ظلموا إنهم مغرقون " الخطاب في الآية السابقة خرق مبدأ الملاءمة مع حالة المخاطب فقال :" إنهم مغرقون" فقد أكد الخبر بأن وهو خطاب من يشك فيه مع أن المخاطب لا يشك في الإغراق ولا يتردد فيه لأن المتكلم هو الله سبحانه وتعالى والمخاطب نوح ؛ ولو أن القرآن راعى قاعدة الملاءمة لقال : هم مغرقون دون توكيد غير أن القرآن خرق هذه القاعدة إلى التأكيد وغرضه من ذلك تنزيل غير الشاك في الخطاب وهو نوح منزلة الشاك المتردد لظهور علامات تشير إلى ذلك .
وعكس ذلك خطاب المنكر بخطاب خال الذهن المسلم والمصدق للخطاب مع أن الواقع يقول خلاف ذلك من ذلك قوله تعالى :" ألم ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين "
فالخطاب في الآية موجه للمشركين الذين أنكروا أن يكون القرآن من عند الله فكان الأصل في الخطاب أن يكون ملائما لحالة الإنكار هذه عند المخاطبين فيأتي مؤكدا بأكثر من مؤكد على حسب درجة الإنكار عندهم كما هو الظاهر فيقول –على سبيل المثال : والله إن الكتاب لاريب فيه غير أن القرآن الكريم عدل عن ذلك إلى عدم التأكيد وغرضه البلاغي تنزيل المنكر منزلة غير المنكر لظهور علامات في الكتاب ما لو تدبرها القوم لكانت كافية على التدليل على أنه من عند الله ومنها معجزاته العديدة والتي من ضمنها الإعجاز البلاغي .
من ثم فإن وراء هذا الخرق معنى مضمر هو الإشارة إلى تكبر هؤلاء القوم وعنادهم للرسالة وإنكارهم لها وللقرآن على الرغم من الدلائل الناصعة .
ويندرج تحت خرق قاعدة الملاءمة –أيضا – المدح بما يشبه الذم من ذلك قول الشاعر :
ولا عيب فيها غير سحر جفونها وأحبب بها سحارة حين تسحر
الظاهر أو الملائم أن يأتي الشاعر بصفة معيبة واحدة على الأقل في حبيبته كما تقتضي ذلك قاعدة الاستثناء التي هي إخراج ما بعد إلا من حكم ما قبلها وبناءا عليه كان الخاطب منتظرا أن يأتي الشاعر بعد أن نفي العيب عن حبيبته قبل أداة الاستثناء أن يأتي بصفة عيب واحدة على الأقل بعد إلا ، غير أنه لم يفعل ذلك وأتى بدلا عنها بصفة مدح ثانية وهي سحر العيون الذي يشير إلى الجمال ، وغرضه من هذا الخرق المبالغة في مدح حبيبته بخلوها من كل عيب أو نقص مع حرصه على أن يجد مثل ذلك فلما عجز لجا إلى صفة أخرى من صفات المدح .
خرق مبدأ الأسلوب :
خرق هذا المبدأ ينتج عنه العديد من الأساليب الإبداعية والبلاغية على كل مستويات اللغة والناتج من انتهاك قاعدة أو أكثر من القواعد الأربع ومن ذلك :
انتهاك قاعدة الوضوح قال تعالى : " وكيف تأخذونه وقد أفضى بعضكم إلى بعض " إذ ليس المقصود من لفظة أفضى في الآية الخروج إلى الفضاء كما هو المعنى الحرفي للفظ ، وإنما المقصود معنى استلزامي هو الجماع والمعاشرة بين الزوجين . لكن القرآن لم يذكر ذلك صراحة وإنما لجأ إلى الرمز والكناية وغرضه من ذلك المحافظة على شعور المخاطبين . ومن ذلك قوله تعالى " ولكن لا تواعدونهن سرا " إذ إن السر والمواعدة كناية عن المجامعة .
ومن ذلك أيضا قواه تعالى :" مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلانِ الطَّعَامَ " ؛ فالمقصود في الآية ليس المعنى الحرفي ، أي الإخبار عن أكلهم للطعام ، ,إنما ما يستلزمه ذلك المعنى ، ؛ أي التعبير عن قضاء الحاجة من التغوط وخلافه بدليل أن الآية جاءت في سياق الإقناع بعدم ربوبية عيسى عليه السلام لمن كان يعتقد ذلك . والغرض من الخرق هو الحفاظ على المشاعر من أن تخدش.
ومنه قوله تعالى مخاطبا فرعون على لسان موسى:" ولا تعذبهم قد جئناك بآية من ربك والسلام على من اتبع الهدى " ؛إذا ليس المقصود من قوله " والسلام على من اتبع الهدى " المعنى الحرفي ، وإنما ما يستلزم ذلك وهو الأمر بالهداية بطريق الملاطفة بالدعوة ؛ فضلا عن ما في التعبير من التهديد والوعيد في حال عدم الامتثال للأمر .
ومن الشواهد على خرق مبدأ الوضوح ؛ قوله تعالى (( تلك إذا قسمة ضيزى )) فأنت إذا دققت في نظم الآية السابقة ستجد أن القران الكريم قد استعمل كلمة " ضيزى " وهى لفظة غريب قليلة الدوران على الألسنة ومن ثم فإن معناها غريب غير مألوف والمشهور والألوف هو المرادف لها " ظالمة " غير أن القران الكريم عزف عن هذه اللفظة المشهورة إلى الغريبة وما ذلك إلا من أجل أن تتلاءم مع المعنى المقصود من الآية فلما كان المعنى غريبا اختار له ما يشاكله من الألفاظ الغريبة إذ إن المعنى هو الحديث عن غرابة القسمة وجورها في الوقت نفسه من قبل المشركين كونهم جعلوا لله ما لم يرتضوه لأنفسهم إذ جعلوا الملائكة بنات الله وهم إذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسودا وهو كظيم وهذه غرابة ما بعدها غرابة وظلم ليس فوقه ظلم إذا ادعوا لله ما ليس له ونسبوا أليه ما لا يرضوه لأنفسهم .
ومن خرق قاعدة الابتعاد عن اللبس تردد الضمير بين أكثر من مرجع في النص ومن ذلك قوله تعالى : " قال الملأ من قوم فرعون إن هذا لساحرٌ عليم يريد أن يخرجكم من أرضكم فماذا تأمرون * قالوا أرجه وآخاه وأرسل في المدائن حاشرين * يأتوك بكل ساحرٌ عليم " الآية [ 109-111]. كان ألأصل أن تكون الآية" قالوا أرجه وآخاه وأرسل في المدائن حاشرين "معطوفة على الآية التي قبلها بالواو؛أي: قال الملأ من قوم فرعون إن هذا لساحرٌ عليم يريد أن يخرجكم من أرضكم فماذا تأمرون وقالوا أرجه وآخاه وأرسل في المدائن حاشرين لأن الخطاب الموجه في الآية كله من كلام الملأ غير أن القرآن عدل إلى الفصل لحكمة بلاغية هي الإشارة على أن قولهم الثاني كان خلاف القول الأول فالأول كان كلاما نفسيا مضمرا قاله الملأ فيما بينهم استخفافا واستهزاء بفرعون أمام ما رأوا من الحجج التي أبداها موسى والتي تشهد على صدقه.
أما الثاني فقد كان كلاما صريحا موجه لفرعون من قبيل المشورة وقصدهم إحراج فرعون والضغط عليه ليشركوه في تطويع العامة ومن ئم كان الفصل إشعارا بذلك يفسر ذلك أن موقف الخطابين : خطاب فرعون في الشعراء , وخطابهم في الأعراف وأحد فقد وردت هذه الآية بالنص في الشعراء قال تعالى" قال للملأ حوله إن هذا الساحر عليم يريد أن يخرجكم من أرضكم بسحره فماذا تأمرون *قالوا أرجه وأخاه وابعث في المدائن حاشرين * يأتوك بكل سحار عليم " الآية [35-37]
ومن ذلك قول الرسول صلى الله عليه وسلم : " نعم العبد صهيب لو لم يخف الله لم يعصه"
حديث الرسول صلى الله عليه وسلم السابق ملبس وقد حدث اللبس عن طريق استخدام لو أو جوابها على وجه الدقة في غير المألوف ؛ إذ الأصل في جواب لو أن يتعلق بفعلها تعلق السبب بالمسبب ومن ثم ؛ فإن كان الجواب والشرط مثبتان لفظا فهما في المعنى منفيان وإن كان العكس كان المعنى مثبت ، وإن كان الأول مثبت والثاني منفي ن والعكس ؛كانا في المعنى على النقيض .وعلى ذلك قد بفهم من الحديث أن صهيب عصى الله لأنه خافه . هذا هو المعنى الحرفي بحسب قاعدة لو ؛ غير أن الحديث الشريف لم يرد هذا المعنى ، وإنما أراد ما يستلزم هذا المعنى الحرفي والذي يفيد : أن صهيب طبع على التقوى والنقاء وصفاوة القلب إلى درجة تمنعه من المعصية حتى وإن لم يخف من عذاب الله لما عصاه.
ومن انتهاك قاعدة الترتيب تقديم ما حقه التأخير لغرض بلاغي يبتغيه المتكلم من وراء ذلك ومن ذلك قوله تعالى:" " لا فيها غول ولا هم عنها ينزفون" ( الصافات -47)ففي هذه الآية نجد أن المسند (الخبر) "فيها" قد تقدم على المسند إليه(المبتدأ) "غول" والسبب في هذا التقديم هو أنه أراد قصر أو حصر الغول الذي هو ذهاب العقول نتيجة السكر على خمر الدنيا فقط وينفيه عن خمر الآخرة وهذا القصر لن يكون لو أنه قدم المسند إليه كما هو الأصل فقال: لا غول فيها؛ إذ قد يفهم من هذه الجملة نفي الغول عن خمر الآخرة لكن لن يتعرض لخمر الدنيا بإثبات أو نفي كما هو الحال مع تقديم المسند في الآية.
ومنه قوله تعالى:" من ذلك قوله تعالى :" إياك نعبد وإياك نستعين" فإياك في الآية السابقة معمول يعرب مفعولا به للعامل نعبد ونستعين الذي عمل فيه النصب وقد تقدًم هذا المعمول الذي من حقه التأخير على عامله لغرض بلاغي وهو قصر وتخصيص العبادة والاستعانة على الله دون غيره من المخلوقات بمعنى أن قولنا إياك نعبد بمثابة قولنا نعبدك يا الله ولا نعبد سواك وهو ما لم يكن لو أتينا بالعبارة على ظاهرها وأخرنا معمول الفعل فقلنا نعبدك ؛لأن ذلك –وإن كان يفيد الإقرار بالعبادة لله- إلا أنه لا ينفيها عن غيره إذ قد تحتمل مفهوم نعبدك ونعبد غيرك وحتى يزول هذا الاحتمال فصل الضمير وقدمه على الفعل فكان أبلغ في الدلالة على المراد ومثل ذلك يقال عن" إياك نستعين" فالغرض من تقديم "إياك" هو قصر الاستعانة على الله دون غيره من الموجودات.
ومنه قوله تعالى في يس:" وجاء من أقصى المدينة رجل يسعى قال يا قوم اتبعوا المرسلين " ( يس -20)وقال في القصص:" وجاء رجل من أقصى المدينة يسعى قال -يا موسى - :إن الملأ يأتمرون بك ليقتلوك فاخرج إني لك من الناصحين".( القصص-20)
فأنت ترى أن النص القرآني في الآية الأولى قدم لفظ من أقصى المدينة على لفظ رجل اهتمام بالبعد وفي القصص قدم الرجل على أقصى المدينة لأن الاهتمام منصب على الرجل فكيف؟
إن الغرض من الآية الأول في يس هو التوبيخ والسخرية من القوم كونهم لم يؤمنوا مع أن الرسول بين ظهرانيهم ولذلك اهتم بالبعد من أقصى المدينة فقدمه على الرجل فكون الذي يدعوهم إلى إتباع المرسلين يأتيهم من بعيد ليعضهم بينما فيه ما فيه من السخرية بهم والتوبيخ لهم على عنادهم وإصرارهم على الباطل مع معرفتهم للحق.
أما الغرض من الآية في القصص فقد كان الإشادة والمدح للرجل على موقفه النبيل إذ إن الحديث في الآية مسوق لبيان التحذير والتنبيه لموسى من مؤامرة القتل التي تحاك له في السر وهو لا يعلم وكون هذا الرجل يقطع المسافات لينقل لموسى حقيقة ما يدبر له فهو أحق بالتقدير والاهتمام ومن أجل ذلك قدمه فقال "وجاء رجل من أقصى المدينة"
القاعدة الرابعة لهذا المبدأ وهي : أوجز كلامك ؛ فيرى الباحث أنها تتعارض مع المبدأ الأول ؛ مبدأ الكم ؛ إذ إن الإيجاز هو في الأصل خرق لمبدأ الكم الذي يتطلب أن تكون الألفاظ على قدر المعاني وهو ما سمي عند البلاغيين بالمساواة ؛ ولهذا السبب ؛فقد تناول الباحث هذه القاعدة على أنها خرق من ضمن الخروقات لمبدأ الكم في الصفحات السابقة .
خالد محمد علي عون
تمهيدي دكتوراه