أهــل الحـديث
05-02-2014, 08:50 PM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم
الصَّحابةُ الكِرَام في تُراث المغاربة والأندلسيِّين
فهذه سُطُورٌ من كتاب «الصَّحابةُ الكِرَام في تُراث المغاربة والأندلسيِّين»، وهي: (بحوث النَّدوة العِلمية الدَّوليَّة الَّتي نظَّمها مركز الدِّراسات والأبحاث وإِحياء التراث بالرابطة المحمدية للعلماء بمدينة طنجة يومي الأربعاء والخميس (25-26 صفر 1431هـ)(10-11 فبراير 2010م) ).
وهذه السُّطُورُ مِن بَحثٍ مَوسُومٍ بِـ: «منزلة الصحابة الكرام والرد على مناوئيهم في أشهر المنظومات العلميَّة...» للدكتور عبد اللطيف الجيلانيّ، من المجلد الأول، (ص425-449).
ـ «مَدخلٌ تمهيدي: في بيانِ مَنزلةِ الصَّحابةِ عِندَ عُلماء المغرب والأَندلس:
مِن البديهيِّ أَن يَهتمَّ عُلماءُ الإسلام بسِيرةِ الصَّحابةِ وأَن يُصَنِّفُوا التَّصانِيف في التَّعريفِ بهِم وبيان فضائلهم؛ اعتبارًا لمكانتهم في الإسلام وأَثرهِم في نَشرِ تعاليمِهِ، يَقولُ الحافظ أبو عمر ابنُ عبد البَرِّ القُرطبيُّ (ت 463هـ): «وَمَا أَظُنُّ أَهلَ دِينٍ مِنَ الأَديانِ إِلَّا وعُلماؤُهُ مُعتَنُونَ بمَعرفةِ أَصحابِ أَنبيائهِم؛ لأَنَّهُم الواسطةُ بَينَ النَّبيِّ وبَينَ أُمَّتِهِ»[«الاِستيعاب» (1/8-9) بحاشية «الإصابة في تمييز الصحابة» لابن حجر].
وبالبَحث في التُّراث المغربي الأندلسي نَجدُهُ يَحفلُ بالتَّصَانيف والأَوضاع العِلمية النَّاطقة بتَمجيدِ الصَّحابةِ الكرام وتَبجيلهم وتعظيمهم والاعتراف بفضلهم وسبقهم في الإسلام والإمساك عَمَّا شَجَرَ بينهُم، بل يُمكنُ الجَزْمُ بأَنَّ عقيدتهُم في الصحابة الكرام وإجماعهم على القول بعَدالتهِم وعظيم منزلتهم وفضلهم يُعَدُّ خصيصةً مِن أَبرزِ خصائصِ البلاد المغربية الأندلسية وفَضيلةً مِن أَعظمِ فضائلها، ورَافِدًا مُهِمًّا مِن رَوَافِدِ وَحدتها العقدية والمذهبية مُنذُ سَالِفِ العُصور، وإلى ذلك أشار الإمام أبو عبد الله محمد ابن فتوح الحميدي (ت 488هـ) في كتابه «جذوة المقتبس في ذكر ولاة الأندلس» حينما ذكر فضائل الأندلس الَّتي تَمَيَّزت بها عَن سائر البُلدان، فقال: «ومِنْ فَضْلِهَا أَنَّهُ لم يُذْكَر قَطُّ على مَنَابِرِها أَحَدٌ مِن السَّلَفِ إِلَّا بخَيرٍ وإِلى الآنَ»[«جذوة المقتبس» (ص7)]؛ أي: إلى عَصرِهِ رحمهُ اللهُ تعالى.
............وبالجُملةِ فإِنَّ عُلماء المغرب والأندلس عَبرَ مُختلفِ العُصُور تَشَبَّتُوا بالعقيدة السُّنِّيَّة الَّتِي تُؤَكِّدُ مكانة الصَّحابة الكرام وتعترف بعظيم منزلتهم في الإسلام، بل قَرَّرُوا ذلك في كتُبهم، وهذهِ بعضُ نُصوصهِم في ذلك:
قال مسلمة بن القَاسِم القُرطبي (ت353هـ) في كتابِهِ «الرَّدّ على أهل البدع وتَبيِين أُصُول السُّنَّة»:
«ومِنْ تَمَامِ السُّنَّةِ الصَّلاةُ عَلَى مَن مَاتَ مِن أَهلِ القِبلَةِ وإِنْ عَمِلَ الكَبَائِر، وذِكر فَضَائِلِ أَصحابِ النَّبيِّ (صلَّى الله عليه وسَلَّم)، والسُّكُوتُ عَمَّا شَجَرَ بَينَهُم، وَالاِقتِدَاءُ بهِم. وخَيْرُ النَّاسِ بَعدَ النَّبيِّ (صلى الله عليه وسلم) أَبُو بكرٍ الصِّدِّيق [.....][غير واضح في الأصل المخطوط]، ثُمَّ عمرُ الفَارُوق، ثُمَّ عثمان ذُو النُّورَين بعدهُما، ثُمَّ عليٌّ الرِّضَى رابعهُم، ثُمَّ أَصحابُهُ البَاقُون خَيرُ الأَصحابِ، وأَنصارُهُ خَيرُ الأَنصَارِ، وأُمَّتُهُ خَيْرُ الأُمَمِ»[الرَّدّ على أهل البدع (الورقة 305)، وقد حَقَّقتُ هذا الكتاب وسيَصدُرُ قريبًا إِن شاءَ اللهُ].
وقال الإمام أبو بكر ابن العربي المعافري (رحمه الله) (ت543هـ) في «العواصِم من القواصِم»:
«مَا رَضِيَت النَّصَارَى واليَهُودُ في أَصحَابِ مُوسَى وعِيسَى مَا رَضِيَت الرَّوَافِضُ في أَصحَابِ مُحَمَّدٍ (صلى الله عليه وسلم) حِينَ حَكَمُوا عَلَيهِم بأَنَّهُم قَد اتَّفَقُوا عَلَى الكُفْرِ والبَاطِلِ»[العواصِم من القواصِم (ص192)].
وقال مالكٌ الصَّغير الإمام أبو محمّد عبد الله بن أبي زيد القيرواني النَّفْزِي الأندلسي (ت386هـ)، قال (رحمهُ الله): «وأَفْضَلُ الصَّحَابَةِ الخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ المَهْدِيُّونَ: أَبُو بكرٍ وعُمرُ وعُثمانُ ثُمَّ عليٌّ (رضي الله عنهُم أجمعين)، وأَن لَا يُذْكَرَ أَحَدٌ مِن صَحَابَةِ رَسُولِ اللهِ (صلى الله عليه وسلم) إِلَّا بأَحْسَنِ ذِكْرٍ، والإِمْسَاكُ عَمَّا شَجَرَ بَينَهُم، وأَنَّهُم أَحَقُّ النَّاسِ أَن يُلْتَمَسَ لهُم أَحْسَنُ المَخَارِجِ ويُظَنَّ بِهِم أَحْسَنُ الظَّنِّ»[«متن الرِّسالة» بشرح عبد المجيد الأزهري (ص20)].
ومنهم أبو عبد الله محمَّد بن أبي زَمَنَيْن (ت399هـ) قال: «ومِنْ قَوْلِ أَهْلِ السُّنَّةِ أَن يَعتَقِدَ المَرْءُ المَحَبَّةَ لأَصحَابِ النَّبيِّ (صلى الله عليه وسلم) وأَن يَنْشُرَ مَحَاسِنَهُم وفَضَائِلَهُم، ويُمْسِكَ عَنِ الخَوْضِ فِيمَا دَارَ بَينَهُم»[«أُصُولُ السُّنَّةِ» لابن أبي زَمَنَين (ص263)].
وقال الإمام أبو عمرو الداني (ت444هـ) في «الرِّسَالة الوَافِية»: «مِن قَولهِم- يَعنِي: أَهل السُّنَّة- أَن يُحسَنَ القَولُ في السَّادَاتِ الكِرام، أَصحَابِ النَّبيِّ (صلى الله عليه وسلم)، وأَن تُذْكَرَفَضَائِلُهُم، وتُنْشَرَ مَحَاسِنُهُم، ويُمْسَكَ عَمَّا سِوَى ذَلِكَ مِمَّا شَجَرَ بَينَهُم، لقَولِهِ (صلى الله عليه وسلم): «إِذَا ذُكِرَ أَصْحَابِي فَأَمْسِكُوا»؛ يَعنِي: إِذَا ذُكِرُوا بغَيرِ الجَمِيلِ، ولقَولِهِ (صلى الله عليه وسلم): «اللهَ اللهَ فِي أَصْحَابِي»، ويَجِبُ أَن يُلْتَمَسَ لهُم أَحْسَن المَخَارِج، وأَجْمَلَ المَذَاهِبِ، لمَكَانِهِم مِن الإِسلامِ، ومَوضِعِهِم مِنَ الدِّينِ والإِيمَانِ، وأَنَّهُم أَهْلُ الرَّأيِ والاِجتِهَادِ، وأَنْصَحُ النَّاسِ لِلعِبَادِ، وهُم مَن قَالَ اللهُ تعالى فِيهِم: ﴿وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلِّ إِخْوَاناً عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ﴾، وقَد شَهِدَ لهُم بِالجَنَّةِ في غَيرِِ مَوضِعٍ مِن كِتَابِهِ، فقالَ تعالى: ﴿لَكِنِ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ جَاهَدُوا بِأَموَالهِم وأَنفُسِهِم﴾ إلى قوله: ﴿العَظِيم﴾ رَحمةُ اللهِ عليهِم أجمعين»[«الرِّسالة الوَافِية لمذهبِ أهل السُّنَّةِ في الاعتقادات وأصول الدِّيَانَات» (ص132-133)].
وقال: «ومِن قَولهِم: إِنَّ أَفضَلَ الصَّحابَةِ (رضوانُ الله عليهِم): المُهَاجِرُونَ مَعَهُ والذَّابُّونَ عَنهُ، كما قَالَ سُبحانه: ﴿لاَ يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الفَتْحِ وَقَاتَلَ﴾ الآية. ثُمَّ الأَنصَارُ، ثُمَّ التَّابِعُون لهُم بإِحْسَانٍ، وقَالَ عزَّ وجَلَّ: ﴿وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ المُهَاجِرِينَ والأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ﴾ الآية.
وأَفْضَلُ المُهاجِرِين: العَشَرَةُ المُوعَدُونَ بالجَنَّةِ، وهُم: أبو بكرٍ، وعمرُ، وعثمانُ، وعليٌّ، وطَلحةُ والزُّبَيرُ، وسَعدٌ وسعيدٌ، وعبدُ الرَّحمن بن عَوفٍ، وأبو عُبيدةَ ابنِ الجَرَّاح.
وأَفضلُ هؤلاءِ العَشَرة الأَئِمَّةُ الأَربعة: أبو بكرٍ، وعمرُ، وعثمانُ وعليٌّ رضوانُ الله عليهِم أجمعين.
وأَفضلُ الأربعةِ: أبو بكرٍ، ثُمَّ عمرُ، ثُمَّ عثمانُ، ثُمَّ عليٌّ رحمةُ اللهِ عليهِم أجمعين»[نفسه (ص133-134)].
وقال الإمام أبو محمد علي بن أحمد بن حَزْمٍ الأندلسيّ (رحمهُ الله): «فإِنَّ الكلمةَ في أَوَّلِ الإِسلامِ والتَّمرةَ والصَّبرَ حِينئِذٍ، ورَكعةً في ذلِكَ الوَقت، تَعدِلُ اجتهادَ الأَزمانِ الطِّوَالِ وجِهَادَهَا وبَذْلَ الأَموالِ الجِسَامِ بَعدَ ذَلِكَ، ولذَلِكَ قالَ رسولُ الله (صلى الله عليه وسلم): «دَعُوا لِي أَصْحَابِي، فَلَوْ كَانَ لأَحَدِكُم مِثْلُ أُحُدٍ ذَهَبًا فَأَنْفَقَهُ مَا بَلَغَ مُدَّ أَحَدِهِمْ وَلَا نَصِيفَهُ»، فكَانَ نِصْفُ مُدِّ شَعِيرٍ أو تَمْرٍ في ذَلِكَ الوَقتِ أَفْضَلُ مِن جَبَلِ أُحُدٍ ذَهَبًا نُنفِقُهُ نَحنُ في سَبِيلِ اللهِ عزَّ وجلَّ بَعدَ ذَلِكَ، قَالَ اللهُ تعالى: ﴿لاَ يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وقَاتَلُوا وَكُلاًّ وَعَدَ اللهُ الحُسْنَى﴾.
ثمَّ قال أبو محمّدٍ: هَذَا في الصَّحَابَةِ فِيمَا بَينَهُم، فَكَيْفَ بِمَن بَعدَهُم مَعَهُم (رضي اللهُ عنهُم أجمعين)»[«الفِصَل في المِلَل والأَهواءِ والنِّحَل» (5/185)].
وقال الإمام أبوبكر ابن العربي المَعَافِرِيّ (ت543هـ) في شَأنِ الأَخبارِ الَّتِي يَتَدَاوَلُها النَّاسُ عَن الصَّحابَةِ الكِرَامِ: «وخُذُوا لأَنفُسِكُم بِالأَرْجَحِ في طَلَبِ السَّلاَمَةِ، والخَلاَصِ مِن بَينِ الصَّحَابَةِ والتَّابِعِين. فَلاَ تَكُونُوا -ولم تُشَاهِدُوهُم، وقَد عَصَمَكُمُ اللهُ مِن فِتْنَتِهِم- مِمَّن دَخَلَ بلِسَانِهِ في دِمَائِهِم، فوَلَغَ فِيهَا وُلُوغَ الكَلْبِ في بَقِيَّةِ الدَّمِ على الأَرضِ بَعدَ رَفعِ الفَرِيسَةِ بلَحْمِها، لَم يَلحَقِ الكَلْبُ مِنهَا إِلاَّ بَقِيَّةُ دَمٍ سَقَطَ عَلَى الأَرضِ»[«العواصم» (ص227)].
وقال أيضًا: «ومَن نَظَرَ إلى أَفعَالِ الصَّحَابَةِ تَبَيَّنَ مِنهَا بُطْلاَنُ هذهِ الهُتُوك الَّتِي يَخْتَلِقُهَا أَهْلُ التَّوَارِيخِ، فيَدُسُّونَهَا في قُلُوبِ الضُّعفاءِ»[نفسه(ص248)].
وقال العلاَّمة أحمد بن محمد البُرْنُسِيّ التَّازِيّ الفَاسِيّ المعروف بِـ(زَرُّوق) (ت899هـ) – شارح متن «الرِّسالة لابن أبي زيد القَيرواني»-: «فقد نُقِلَ عن أبي القاسم الحكيم أنَّهُ قال: «اليَهُودُ والنَّصارَى أَحسنُ حَالاً مِن الرَّوافِضِ وإن كانُوا مُسلمِين؛ لأَنَّهُ لو قِيلَ ليَهوديٍّ: مَن أَفضلُ النَّاسِ؟ قال: مُوسَى، فإذا قِيلَ: مَن أَفضلُ النَّاسِ بَعدَهُ؟ قالَ: نُقَبَاؤُهُ. ولو قِيلَ للنَّصرانيِّ: مَن أَفضلُ النَّاسِ؟ قالَ: عِيسَى. فإذا قِيلَ لَهُ: مَن بَعدَهُ في الفَضلِ؟ قالَ: حَوَارِيُّوهُ. ولو قِيلَ لرَافِضِيٍّ: مَن أَفضلُ النَّاسِ؟ قالَ: محمّدٌ ، فإِذَا قِيلَ لهُ: مَن شَرُّ النَّاسِ بَعدَ مَوتِهِ؟ قالَ: أَصحَابُهُ. فقَبَّحَ اللهُ رَأيَهُم فِيمَا أَتَوا مِن ذَلِكَ». فالوَاجِبُ ذِكرُهُم بكُلِّ جَمِيلٍ، والإِمساكُ عَن كُلِّ مَا يُؤَدِّي لخِلاَفِهِ، ومَا وَقَعَ بَينَ عليٍّ ومُعاويةَ فعَن اجتِهَادٍ، ولِكُلٍّ أَجرٌ بِمَا وَقَعَ مِنهُ، ومَذهبُ أَهلِ السُّنَّةِ أَنَّ الصَّحابَةَ كُلُّهُم عُدُولٌ»[«شَرح زَرُّوق على الرِّسالة» (1/85-86)].
ـ وغنيٌّ عَن البيان أَنَّ اهتمام عُلماء المغرب والأندلس بالصَّحابةِ الكِرام قَد تَجَلَّى في مُختلف أنماطِ كتاباتهِم النَّثريَّة والشِّعريَّة، فقد جَرَى ذِكرُ الصَّحابةِ والثَّناءِ عليهِم في كُتُبِ الرَّحلاَت ودَوَاوِين الشِّعرِ والأَمدَاحِ النَّبويَّة، فعلى سَبِيلِ الِمثَالِ:................
حكى ابنُ رُشَيدٍ فائدةً في هذا المقام يَحسُنُ إِيرَادُها عَنْوَنَهَا بقَولِهِ: «فَائِدَةٌ في الاِقتداءِ بشُيُوخِ الاِهتِدَاءِ»، ثُمَّ قال: «وَقَفتُ أَنظُرُ إلى سَلاَمِ شَيخَينَا ابنَي الزَّجَّاجِ على النَّبيِّ (صلَّى الله عليه وسَلَّم) فجاءَا حتَّى استقبلاَ مقابلةَ وجهِهِ الكريم شَرَّفَهُ اللهُ، والقِنديل المُعَلَّقِ هُناك يَكُونُ حَذْوَ رُؤُوسِهِما، فأَدَّيَا وَاجِبَ السَّلاَمِ، ... فسَلَّمَا على أبي بكرٍ (رضي الله عنه)، ثُمَّ انحَدَرَا يَسِيرًا إلى مُقابلةِ عُمرَ (رضي الله عنهما)، فسَلَّمَا عَلَيهِ (رضي الله عنه) ووَقَفَا عِندهُمَا. فقَالاَ مَا تَيَسَّرَ لهُما ثُمَّ انصَرَفَا على أَيمانهِما، فرَأيتُ أبا القاسم عبد الحميد منهُما يَبكِي وسَمعتُهُ يَقُولُ وقَد وَلَّى: مَا أُعْطِيَ أَحَدٌ مِنَ الشَّرَفِ مَا أُعْطِيَ أَبُو بكرٍ وعُمرَ، مَتىَ سُلِّمَ عَلَيهِ سُلِّمَ عَلَيهِمَا. هذا أَو مَعناهُ مِن الكلام»[«مَلْءُ العَيْبَةِ» (5/36)]..............
أمَّا شِعرُ المدائحِ النَّبويَّةِ فهُو سبيلٌ مُمَهَّدَةٌ عندَ أُدباءِ المغرب والأندلس لإِظهارِ مَدَى اعتِزازهِم بالصَّحبِ الكِرام، ويَكثُرُ وُرُودُ ذِكرُهُم في خِتَامِ قصائدهم كما نَقِفُ عليهِ مثلاً في مُعظمِ قصائدِ العلاَّمةِ الأديب الشَّهير محمد بن أحمد بن علي المعروف بابن جَابِرٍ الأندلسي (ت80هـ) كقَولِهِ:
صَلَّى الإِلَهُ عَلَى النَّبِيِّ المُجْتَبَى ... مَا رَجَّعَتْ في بَانَةٍ وَرْقَاءُ
وعَلَى صَحَابَتِهِ الأُلَى بِهِم عَلَتْ...... فِي النَّاسِ هَذِي المِلَّةُ البَيْضَاءُ
[«نظم العقدين في مدح سيد الكونين أو الغين في مدح سيد الكونين» (ص28)].
وقولِهِ أيضًا في خِتامِ قصيدةٍ أُخرى مِن قصائده في المَدِيحِ النَّبويِّ:
صَلُّوا عَلَى المُصْطَفَى وآَلٍ..... كَانُوا عَلَى الحَقِّ أَوْلِياَء
وارْضَوْا عَنِ الصَّحْبِ ولْتَكُونُوا........ مِن مُبْغِضِي صَحْبِهِ بَرَاء
[نفسه (ص33)].
ومِن أَشعارِ الأندلسيِّين الَّتِي تُفصِحُ عَن عقيدتهم في الصَّحبِ الكِرام أبياتٌ للعالِم الأديب الرَّحَّالة أبي الحسين محمد بن أحمد بن جُبَيرٍ الكِنَانيّ الأندلسي (ت: 614هـ) يَقُولُ فِيهَا:
أُحِبُّ النَّبِيَّ المُصْطَفَى وابْنَ عَمِّهِ ** عَلِيًّا وسِبْطَيْهِ وفَاطِمَةَ الزَّهْرَا
هُمْ أَهْلُ بَيْتٍ أُذْهِبَ الرِّجْسُ عَنْهُم ** وأَطْلُعُهُمْ أُفْقُ الهُدَى أَنْجُمًا زُهْرَا
مُوَالاَتُهُم فَرْضٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ ** وحُبُّهُم أَسْنَى الذَّخَائِرِ لِلأُخْرَى
ومَا أَنَا لِلصَّحْبِ الكِرَامِ بِمُبْغِضٍ ** فَإِنِّي أَرَى البَغْضَاءَ فِي حَقِّهِمْ كُفْرَا
هُمْ جَاهَدُوا فِي اللهِ حَقَّ جِهَادِهِ ** وهُمْ نَصَرُوا دِينَ الهُدَى بِالظُّبَى نَصْرَا
عَلَيهِم سَلاَمُ اللهِ مَا دَامَ ذِكْرُهُم ** لَدَى المَلإِ الأَعْلَى وَأَكْرِمْ بِهِ ذِكْرَا
[«نَفحُ الطِّيب» (2/493)].
..................
وإذا كان ذِكرُ الصَّحابةِ الكِرامِ والثَّناءُ عليهِم والدِّفاعُ عنهُم جَارِيًا في أَشعارِ المغاربة والأندلسيِّين، فهُو ظاهرٌ أيضًا في مَنظوماتهم؛ إِذ عُرِفُوا بالنَّظمِ وتَفَنَّنُوا فِيهِ، واستعملوهُ قَالَبًا لصِياغةِ مختلف العُلُومِ والفُنُون.... وبالرُّجُوعِ إلى بَعضِ هذه المنظومات نَجدُها تَتَضَمَّنُ أبياتًا بديعةً في تَقريرِ عقيدةِ أَهلِ السُّنَّةِ والجماعة في الصَّحابةِ الكِرام، وتُؤَكِّدُ على عَظِيمِ مَنزلتهِم في الإسلام، ووُجُوب تَوقِيرِهِم وتَفضِيلِهِم، والإِمساك عَمَّا شَجَرَ بينهُم، كما نَجدُهُم في كثيرٍ مِن مَنظُوماتهم يَتَصَدَّونَ للرَّدِّ على مُتَنَقِّصِي الصَّحابَةِ ومُبغِضِيهِم، وإِفحَامِهِم بالحُجَجِ المُبِينَة والبَرَاهِين القَوِيَّة......
المبحث الثَّاني: مَنزلةُ الصَّحابةِ والرَّدُّ على مُنَاوِئِيهِم فِي أَشهرِ المَنظُوماتِ العِلميَّة لعُلماءِ المغرب والأندلس:
....ومِن أَشهرِ هذه المَنظُومات «نُونِيَّةُ أبي محمد عبد الله بن محمد القَحْطَانيّ الأندلسي»، وهي مَنظومةٌ عَجيبةٌ تَناوَلَ فيها مواضيع كثيرةً تَتعَلَّقُ بأُصُولِ الدِّينِ والأَحكام الشَّرعيَّة والأَخلاق والمواعظ، وتَحَدَّثَ في عددٍ مِنها عَن مَكانةِ الصَّحابةِ وعَقيدةِ أَهلِ السُّنَّةِ والجماعةِ القَاضِيَةِ بوُجُوبِ مَحَبَّتِهِم، وشَدَّدَ القَحطانيُّ النَّكِيرَ على الشِّيعَةِ الَّذِين يُكَفِّرُونَ الصَّحابةَ ويَحُطُّونَ مِن أَقدارِهِم، وفِيمَا يَلِي الأَبيات الَّتِي رَدَّ فِيهَا على الرَّافِضَةِ مُنتَصِرًا للصَّحابَةِ:
لاَ تَعْتَقِدْ دِينَ الرَّوَافِضِ ... أَهْلِ الِمحَالِ وحِزْبَةُ الشَّيْطَانِ
جَعَلُوا الشُّهُورَ عَلَى قِيَاسِ حِسَابِهِم ... ولَرُبَّمَا كَمَّلاَ لَنَا شَهْرَانِ
ولَرُبَّمَا نَقَصَ الَّذِي هُوَ عِندَهُم ... وَافٍ وأَوْفَى صَاحِبَ النُّقْصَانِ
إِنَّ الرَّوَافِضَ شَرُّ مَنْ وَطِئَ الحَصَى ... مِنْ كُلِّ إِنْسٍ نَاطِقٍ أَو جَانِ
مَدَحُوا النَّبِيَّ وخَوَّنُوا أَصْحَابَهُ ... ورَمَوْهُم بالظُّلْمِ والعُدْوَانِ
حَبُّوا قَرَابَتَهُ وسَبُّوا صَحْبَهُ ... جَدَلاَنِ عِندَ اللهِ مُنْتَقِضَانِ
[«نُونيَّةُ القَحطاني» (ص20-21)].
وواضحٌ أَنَّ الإِمامَ القَحطاني قَد شَدَّدَ لَهجَتَهُ في هِجاءِ الرَّافضةِ بِنَاءً على أُسُسٍ مَنطقيَّةٍ؛ مِنها استحالةُ الجَمعِ بَينَ مَحَبَّةِ القَرَابَةِ وسَبِّ الصَّحَابَةِ، فهُو تَنَاقُضٌ لا يَقبلُهُ العَقل؛ فكما أَنَّ الطَّعنَ في القَرابَةِ وآلِ البَيتِ النَّبويِّ الطَّاهر يَلزمُ مِنهُ الطَّعنُ في النَّبيِّ (صلَّى الله عليه وسَلَّم)؛ كذلك الطَّعنُ في الصَّحابةِ يَلزَمُ مِنهُ الطَّعنُ في النَّبيِّ (صلَّى الله عليه وسَلَّم)، وهُو ما يُؤَكِّدُهُ الإمامُ مالكٌ بقَولِهِ عَن الرَّوافِضِ: «إِنَّمَا هؤلاءِ أَقوامٌ أَرَادُوا القَدْحَ فِي النَّبيِّ (صلَّى الله عليه وسَلَّم) فلَم يُمكِنهُم ذَلِكَ فقَدَحُوا في أَصحابِهِ حتَّى يُقَالَ: رَجُلُ سُوءٍ، لَو كَانَ رَجُلاً صَالحًا لكَانَ أَصحابُهُ صَالِحِين»[«الصَّارِم المَسلُول» (ص580)].
ثُمَّ أَنشدَ القَحطانيُّ في مَدحِ النَّبيِّ (صلَّى الله عليه وسَلَّم) المَدحَ والثَّناءَ علَيهِ وعلى آلِهِ وخُلفائِهِ وصَحَابَتِهِ:
فَكَأَنَّمَا آلُ النَّبيِّ وصَحْبُهُ ... رُوحٌ يَضُمُّ جَمِيعَهَا جَسَدَانِ
فِئَتَانِ عَقْدُهُمَا شَرِيعَةُ أَحْمَدٍ ... بأَبِي وأُمِّي ذَانِكَ الفِئَتَانِ
فِئَتَانِ سَالِكَتَانِ فِي سُبُلِ الهُدَى ... وهُمَا بدِينِ اللهِ قَائِمَتَانِ
قُلْ إِنَّ خَيْرَ الأَنبِيَاءِ مُحَمَّدٌ ... وأَجَلُّ مَن يَمْشِي عَلَى الكُثْبَانِ
وأَجَلُّ صَحْبِ الرُّسْلِ صَحْبُ مُحَمَّدٍ ... وَكَذَاكَ أَفضَلُ صَحْبِهِ العُمَرَانِ
رَجُلاَنِ قَدْ خُلِقَا لنَصْرِ مُحَمَّدٍ ... بِدَمِي ونَفْسِي ذَانِكَ الرَّجُلاَنِ
فهُمَا اللَّذَانِ تَظَاهَرَا لنَبِيِّنَا ... فِي نَصْرِهِ وهُمَا لَهُ صِهْرَانِ
بِنْتَاهُمَا أَسْنَى نِسَاءِ نَبِيِّنَا ... وهُمَا لَهُ بالوَحْيِ صَاحِبَتَانِ
أَبَوَاهُمَا أَسْنَى صَحَابَةِ أَحْمَدٍ ... يَا حَبَّذَا الأَبَوَانِ والبِنْتَانِ
وهُمَا وَزِيرَاهُ اللَّذَانِ هُمَا هُمَا ... لِفَضَائِلِ الأَعْمَالِ مُسْتَبِقَانِ
وهُمَا لأَحْمَدَ نَاظِرَاهُ وسَمْعُهُ ... وبِقُرْبِهِ فِي القَبْرِ مُضْطَجِعَانِ
كَانَا عَلَى الإِسلاَمِ أَشْفَقَ أَهْلِهِ ... وهُمَا لِدِينِ مُحَمَّدٍ جَبَلاَنِ
أَصْفَاهُمَا أَقْوَاهُمَا أَخْشَاهُمَا ... أَتْقَاهُمَا فِي السِّرِّ والإِعْلاَنِ
أَسْنَاهُمَا أَزْكَاهُمَا أَعْلاَهُمَا ... أَوْفَاهُمَا فِي الوَزْنِ والرُّجْحَانِ
صِدِّيقُ أَحْمَدَ صَاحِبُ الغَارِ الَّذِي ... هُوَ في المَغَارَةِ والنِّبِيّ اثْنَانِ
أَعْنِي أَبَا بَكرٍ الَّذِي لم يَخْتَلِفْ ... مِن شَرْعِنَا فِي فَضْلِهِ رَجُلاَنِ
هُوَ شَيخُ أَصْحَابِ النَّبيِّ وخَيرُهُم ... وإِمَامُهُم حَقًّا بِلاَ بُطْلاَنِ
وأَبُو المُطَهَّرَةِ الَّتِي تَنزِيهُهَا ... قَد جَاءَنَا في النُّورِ والفُرْقَانِ
أَكْرِمْ بعَائِشَةَ الرِّضَى مِن حُرَّةٍ ... بِكْرٍ مُطَهَّرَةِ الإِزَارِ حَصَانِ
هِيَ زَوجُ خَيرِ الأَنبياءِ وبِكْرُهُ ... وعَرُوسُهُ مِن جُمْلَةِ النِّسْوَانِ
هِيَ عِرْسُهُ هِيَ أُنْسُهُ هِيَ إِلْفُهُ ... هِيَ حُبُّهُ صِدْقًا بِلاَ أَدْهَانِ
أَوَلَيْسَ وَالِدُهَا يُصَافِي بَعْلَهَا ... وهُمَا برُوحِ اللهِ مُؤتَلِفَانِ
لَمَّا قَضَى صِدِّيقُ أَحمَدَ نَحْبَهُ ... دَفَعَ الخِلاَفَةَ للإِمَامِ الثَّانِي
أَعْنِي بِهِ الفَارُوقُ فَرَّقَ عُنْوَةً ... بِالسَّيْفِ بَينَ الكُفْرِ والإِيمَانِ
هُوَ أَظْهَرَ الإِسلاَمَ بَعدَ خَفَائِهِ ... ومَحَا الظَّلاَمَ وبَاحَ بالكِتْمَانِ
ومَضَى وخَلَّى الأَمرَ شُورَى بَينَهُم ... فِي الأَمرِ فَاجْتَمَعُوا عَلَى عُثْمَانِ
مَنْ كَانَ يَسْهَرُ لَيْلَةً في رَكعَةٍ ... وِتْرًا فيُكْمِلُ خَتْمَةَ القُرْآنِ
وَلِيَ الخِلاَفَةَ صِهْرُ أَحمَدَ بَعدَهُ ... أَعنِي عَلِيٌّ العَالمُ الرَّبَّانِي
زَوجُ البَتُولِ أَخَا الرَّسُولِ ورُكْنَهُ ... لَيْثُ الحُرُوبِ مُنَازِلُ الأَقْرَانِ
سُبْحَانَ مَن جَعَلَ الخِلاَفَةَ رُتْبَةً ... وبَنَى الإِمَامَةَ أَيَّمَا بُنْيَانِ
واسْتَخْلَفَ الأَصْحَابَ كَيْ لاَ يَدَّعِي ... مِن بَعْدِ أَحمدَ فِي النُّبُوَّةِ ثَانِي
أَكْرِمْ بفَاطِمَةَ البَتُولِ وبَعْلِهَا ... وبِمَن هُمَا لمُحَمَّدٍ سِبْطَانِ
غُصْنَانِ أَصْلُهُمَا برَوْضَةِ أَحْمَدٍ ... للهِ دَرُّ الأَصْلِ والغُصْنَانِ
أَكْرِمْ بطَلحَةَ والزُّبَيرِ وسَعْدِهِمْ ... وسَعِيدِهِمْ وبِعَابِدِ الرَّحمنِ
وأَبِي عُبَيْدَةَ ذِي الدِّيَانَةِ والتُّقَى ... وامْدَحْ جَمَاعَةَ بَيْعَةِ الرِّضْوَانِ
قُل خَيْرَ قَوْلٍ فِي صَحَابَةِ أَحْمَدٍ ... وامْدَحْ جَمِيعَ الآلِ والنِّسْوَانِ
دَعْ مَا جَرَى بَينَ الصَّحَابَةِ فِي الوَغَى ... بسُيُوفِهِم يَوْمَ الْتَقَى الجَمْعَانِ
فقَتِيلُهُم مِنهُمْ وقَاتِلُهُم لَهُم ... وكِلاَهُمَا فِي الحَشْرِ مَرْحُومَانِ
واللهُ يَومَ الحَشْرِ يَنزِعُ كُلَّ مَا ... تَحْوِي صُدُورُهُم مِنَ الأَضْغَانِ
وَالوَيْلُ للرَّكْبِ الَّذِينَ سَعَوا إِلَى ... عُثمَانَ فَاجْتَمَعُوا عَلَى العِصْيَانِ
وَيْلٌ لمَن قَتَلَ الحُسَيْنَ فإِنَّهُ ... قَدْ بَاءَ مِن مَولاَهُ بالخُسْرَانِ
لَسْنَا نُكَفِّرُ مُسلِمًا بكَبِيرَةٍ ... فَاللهُ ذُو عَفْوٍ وذُو غُفْرَانِ
[«نُونِيَّةُ القَحطاني» (ص21-24)]
وقال مُقَرِّرًا اعتقادَهُ في آلِ البَيتِ والصَّحابَةِ:
وَاحْفَظْ لأَهْلِ البَيْتِ وَاجِبَ حَقِّهِمْ ... وَاعْرِف عَلِيًّا أَيَّمَا عِرْفَانِ
لاَ تَنتَقِصْهُ وَلاَ تَزِدْ فِي قَدْرِهِ ... فعَلَيهِ تَصْلَى النَّارَ طَائِفَتَانِ
إِحدَاهُمَا لاَ تَرتَضِيهِ خَلِيفَةً ... وتَنُصُّهُ الأُخرَى إلهًا ثَانِي
والعَن زَنَادِقَةَ الجَهَالَةِ إِنَّهُم ... أَعنَاقُهُم غَلَتِ إِلَى الأَذْقَانِ
جَحَدُوا الشَّرَائِعَ والنُّبُوَّةَ واقْتَدُوا ... بفَسَادِ مِلَّةِ صَاحِبِ الإِيوَانِ
لاَ تَرْكَنَنَّ إلى الرَّوَافِضِ إِنَّهُم ... شَتَمُوا الصَّحابَةَ دُونَ مَا بُرْهَانِ
لُعِنُوا كَمَا بَغَضُوا صَحَابَةَ أَحمَدٍ ... ووِدَادُهُم فَرضٌ عَلَى الإِنسَانِ
حُبُّ الصَّحَابَةِ والقَرَابَةِ سُنَّةٌ ... أَلْقَى بِهَا رِبِّي إِذَا أَحْيَانِي
احْذَر عِقَابَ اللهِ وارْجُ ثَوَابَهُ ... حَتَّى تَكُونَ كمَن لَهُ قَلْبَانِ
[«نُونيَّة القَحطاني» (ص24-25)].
وأَنشدَ الإمامُ المُقرئ أبو عمرو عثمان بن سعيد الدَّانِي الأندلسي (ت444هـ) في أُرجُوزتِهِ المُسَمَّاة بِـ«المُنَبِّهَة»:
إِذَا رَأَيتَ المَرْءَ قَد أَحَبَّا ... أَئِمَّةَ الدِّينِ وعَنْهُم ذَبَّا
وفَضَّلَ الصَّحَابَةَ الأَبْرَارَا ... وقَدَّمَ الأَصْهَارَ والأنْصَارَا
وأَبْغَضَ البِدْعِيَّ والمُخَالِفَا ... ومَنْ تَرَاهُ لَهُمَا مُخَالِفَا
فَاعْلَم بِأَنَّهُ مِن أَهْلِ السُّنَّه ... فَالْزَمْهُ واسْتَمْسِكْ بِمَا قَدْ سَنَّهْ
[«مُنَبِّهةُ الإِمام المقرئ أبي عمرو الدَّانِي» (ص540-543)].
وقال:
وحُبُّ أَصحَابِ النَّبيِّ فَرْضُ ...ومَدْحُهُم تَزَلُّفٌ وقَرْضُ
وأَفْضَلُ الصَّحَابَةِ الصِّدِّيقُ ... وبَعْدَهُ المُهَذَّبُ الفَارُوقُ
وبَعْدَهُ عُثمَانُ ذُو النُّورَينِ ... وبَعدَهُ عَلِيٌّ أَبُو السِّبْطَينِ
وبَعدَ هَؤُلاَءِ بَاقِي العَشَرَة ... الأَتْقِيَاءُ المُرَتضِينَ البَرَرَه
أَهْلُ الخُشُوعِ والتُّقَى والخَوْفِ ... طَلحَةُ والزُّبَيرِ وابْنُ عَوْفِ
ثُمَّتَ سَعْدٌ بَعدَهُمْ وعَامِرُ ... ثُمَّ سَعِيد بنُ نُفَيلٍ العَاشِرُ
وسَائِرُ الصَّحْبِ فَهُم أَبْرَارُ ... مُنْتَخَبُونَ سَادَةٌ أَخْيَارُ
ورَبُّنَا جَلَّ لهُم إِنْعَامَه ... وخَصَّهُم بِالفَضْلِ والكَرَامَهْ
[«الأُرجُوزة المُنَبِّهَة» (ص556-558)].
وأََنشد أبو عبد الله محمد بن عيسى بن محمد بن أصبغ الأزدي المالكي المعروف بابن المُنَاصِف (ت620هـ) في المَعلم الرابع الخَاصّ بالسِّيرة النَّبويَّة مِن أُرجُوزتِهِ الطويلة المُسمَّاة «الدّرّة السّنّيّة في المعالم السّنيَّة»:
وفِرْقَةٌ مَعرُوفَةٌ بالرَّافِضَة ... صِنْفٌ مِنَ الشِّيعَةِ حَيْرَى خَائِضَة
قَومٌ تَبَرَّؤُوا مِنَ الصَّحَابَة ... وأَوْسَعُوا فِي السَّبِّ والمَعَابَة
وكَفَّرُوا هُنَاكَ بَعْضَ السَّلَفِ ... وطَعَنُوا فِي فَضْلِهِمْ والشَّرَفِ
ورُبَّمَا مَالُوا لِلاِعتِزَالِ ... فِي بَعْضِ مَا لَهُمْ مِنَ الأَقْوَالِ
قَالُوا لِزَيدِ بنِ عليِّ بنِ الحُسَين ... نَجْلِ عَلِيِّ المُعتَلِي عَن كُلِّ شَيْن
اشْتُم أَبَا بَكرٍ وأَيضًا عُمَرَا ... فَلَم يُطِعْهُم حِينَ جَاؤُوا نُكُرَا
فرَفَضُوهُ فَلِذَلِكَ نُسِبُوا ... رَافِضَةً ثُمَّ استَمَرَّ اللَّقَبُ
[«الدّرّة السّنّيّة» (ق14) مخطوط].
وأَنشد أبو عبد الله محمد بن موسى بن عمار الكلاعي، مِن أهل ميورقة (مِن علماء... القرن الخامس الهجري) في «وَصِيَّتِِه»:
وَأَبْغِض كُلَّ مُبتَدِعٍ كَفُورٍ ... كَمِثلِ الرَّافِضِينَ الكَافِرِينَا
أَلاَ إِنَّ الرَّوَافِضَ شَرُّ خَلْقٍ ... وأَكْذَبُ مِن يَهُودٍ الكَاذِبِينَا
ضَلاَلتُهُم وكُفرُهُم شَنِيعٌ ... وبَعدَهُم الكِلاَبُ الخَارِجِينَا
هُمَا طَرَفَانِ فِي كُفْرٍ وسَبٍّ ... وهُم سَبُّوا الصَّحَابَةَ مُعْلِنِينَا
وقَد قَالَ الرَّسُولُ كَلاَمَ صِدْقٍ ... صِحَابِي كالنُّجُومِ لِمُقتَدِينَا
ومَا ضَرَّ النُّجُومَ نِبَاحُ كَلْبٍ ... فَسُحْقًا لِلكِلاَبِ النَّابِحِينَا
تُسَمِّي السَّيْفَ للإِسلاَمِ جِبْتًا ... فَأَنْضَى اللهُ سَيْفَ المُسلِمِينَا
فقَنّعهُ بِهِ عَمَّا قَرِيبٍ ... فيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤمِنِينَا
إِلَهِي طَهِّرِ الحَرَمَينِ مِنهُم ... ومِصْرَ الأَرضِ مِن مُتَمَجِّسِينَا
وأَوْرِثْنَا دِيَارَ القَومِ حَتَّى ... نَكُونَ بِهَا بجُودِكَ قَاطِنِينَا
وغَيرَهُم مِن الهَوَاءِ جَنِّبْ ... فبِدعَتُهُم تَصُمُّ السَّامِعِينَا
فبُغضُهُم ولَعنَتُهُم أَكِيدٌ ... أَجَلُّ وَسِيلَةِ المُتَوَسِّلِينَا
[«وصيَّة محمد بن موسى الشَّهِير بابن عمار الكلاعي الميورقي لابنِهِ» (ص87)].
وقد جاءَ في خِتامِ نَظمِهِ:
كَتَبتُ وَصِيَّتِي نَظْمًا ووَعْظًا ... وذِكرَى تَنفَعُ المُتَذَكِّرِينَا
ولَم أَكُ شَاعِرًا لَكِنَّ نَفسِي ... تَنظِمُ مَا رَأَت لِلنَّاثِرِينَا
[نفسه (ص88)].
إلى أن قال:
وأَخْتِمُ بالصَّلاةِ على نَبِيٍّ ... سَمَاهُ اللهُ فَوقَ المُرْسَلِينَا
عَلَيهِ صَلاةُ رِبِّي ذِي الجَلاَلِ ... كمِثلِ الرَّملِ تَتْرَا كُلَّ حِينَا
[نفسه(ص89)].
وأبو العبَّاس أحمد بن محمّد المَقَّرِيّ التِّلمساني (ت:1041هـ) في منظومته «إِضَاءَةُ الدُّجْنَة»:
وأَفْضَلُ الأُمَّةِ ذَاتِ القَدْرِ ... أَصْحَابُ مَن أُعْطِيَ شَرْحَ الصَّدْرِ
إِذْ جَاءَ في القُرآنِ مَا يَقضِي لهُم ... بِالسَّبْقِ في آيٍ حَوَتْ تَفضِيلَهُم
وكَم أَحَادِيَث عَلَيهِم تُثْنِي ... كقَولِهِ خَيرُ القُرُونِ قَرْنِي
وقَولُ طَهَ المُصطَفَى لَو أَنْفَقَا ... فجَلَّ مَن زَكَّاهُم وَوَفَّقَا
ثُمَّ يَلِيهِم تَابِعُ بَادي السَّنَا ... فتَابِعٌ لتَابِعٍ قَدْ أَحْسَنَا
والخُلفَاءُ الرَّاشِدُونَ الأَربَعَة ... خَيرُ الصَّحَابَةِ الأُلَى كَانُوا مَعَهْ
ورَتِّبَن الفَضْلَ فِيمَا بَينَهُم ... عَلَى خِلاَفَةٍ وقَدِّم عَينَهُم
وهْوَ أَبُو بكرٍ وفَارُوقٌ يَلِي ... وبَعدُ عُثمانُ واختِمْ بعَلِي
زَوجِ البَتُولِ بِضْعَةِ الرَّسُولِ ... مَن نَالَ بِالسِّبْطَينِ أَقْصَى السُّول
وبَعدَ هؤلاءِ بَاقِي العَشَرَة ... طلَحةُ والزُّبيرُ زَاكِي النّشرة
وعَامِرٌ وسَعدٌ السَّامِي الحُلَى ... مَع ابنِ عَوْفٍ وسَعِيدٍ ذِي العُلاَ
فأَهلُ بَدرٍ ثُمَّ أَهلُ أُحُدِ ... فبَيعَة الرِّضوَانِ بَعدَه اعْدُدِ
والسَّابِقُون الأَوَّلُون صَرِّحَا ... بفَضلِهِم والخُلْفَ فِيهِم سَرِّحَا
وبَعض مَن بِالعِلمِ قَد تَحَلَّى ... يَقُولُ مَن لِلقِبلَتَينِ صَلَّى
والصَّحْبُ كُلُّهُم عُدُولٌ خِيَرَة ... فمَن يُرِد وَجْهَ اهتِدًا بِهِم يَرَهْ
لأَنَّ مَن أَحَاطَ بِالخَبِيِّ ... عِلمَا حَبَاهُم صُحبَةَ النَّبيِّ
فهُم نُجُومٌ فِي السُّرَى مَن اقتَدَى ... بهِم إِلى مَعَالِمِ الحَقِّ اهْتَدَى
فَلاَ تَخُضْ فِيمَا مِنَ الأَمْرِ اخْتَلَطْ ... بَينَهُم واحْذَر إِذَا خُضْتَ الغَلَطْ
والْتَمِسَنْ أَحْسَنَ المَخَارِجِ ... لَهُم فَالاِجتِهَادُ ذُو مَعَارِجِ
[«إِضَاءَةُ الدُّجْنَة» (ص95-98)]
منقول من موقع مصابيح العلم
الصَّحابةُ الكِرَام في تُراث المغاربة والأندلسيِّين
فهذه سُطُورٌ من كتاب «الصَّحابةُ الكِرَام في تُراث المغاربة والأندلسيِّين»، وهي: (بحوث النَّدوة العِلمية الدَّوليَّة الَّتي نظَّمها مركز الدِّراسات والأبحاث وإِحياء التراث بالرابطة المحمدية للعلماء بمدينة طنجة يومي الأربعاء والخميس (25-26 صفر 1431هـ)(10-11 فبراير 2010م) ).
وهذه السُّطُورُ مِن بَحثٍ مَوسُومٍ بِـ: «منزلة الصحابة الكرام والرد على مناوئيهم في أشهر المنظومات العلميَّة...» للدكتور عبد اللطيف الجيلانيّ، من المجلد الأول، (ص425-449).
ـ «مَدخلٌ تمهيدي: في بيانِ مَنزلةِ الصَّحابةِ عِندَ عُلماء المغرب والأَندلس:
مِن البديهيِّ أَن يَهتمَّ عُلماءُ الإسلام بسِيرةِ الصَّحابةِ وأَن يُصَنِّفُوا التَّصانِيف في التَّعريفِ بهِم وبيان فضائلهم؛ اعتبارًا لمكانتهم في الإسلام وأَثرهِم في نَشرِ تعاليمِهِ، يَقولُ الحافظ أبو عمر ابنُ عبد البَرِّ القُرطبيُّ (ت 463هـ): «وَمَا أَظُنُّ أَهلَ دِينٍ مِنَ الأَديانِ إِلَّا وعُلماؤُهُ مُعتَنُونَ بمَعرفةِ أَصحابِ أَنبيائهِم؛ لأَنَّهُم الواسطةُ بَينَ النَّبيِّ وبَينَ أُمَّتِهِ»[«الاِستيعاب» (1/8-9) بحاشية «الإصابة في تمييز الصحابة» لابن حجر].
وبالبَحث في التُّراث المغربي الأندلسي نَجدُهُ يَحفلُ بالتَّصَانيف والأَوضاع العِلمية النَّاطقة بتَمجيدِ الصَّحابةِ الكرام وتَبجيلهم وتعظيمهم والاعتراف بفضلهم وسبقهم في الإسلام والإمساك عَمَّا شَجَرَ بينهُم، بل يُمكنُ الجَزْمُ بأَنَّ عقيدتهُم في الصحابة الكرام وإجماعهم على القول بعَدالتهِم وعظيم منزلتهم وفضلهم يُعَدُّ خصيصةً مِن أَبرزِ خصائصِ البلاد المغربية الأندلسية وفَضيلةً مِن أَعظمِ فضائلها، ورَافِدًا مُهِمًّا مِن رَوَافِدِ وَحدتها العقدية والمذهبية مُنذُ سَالِفِ العُصور، وإلى ذلك أشار الإمام أبو عبد الله محمد ابن فتوح الحميدي (ت 488هـ) في كتابه «جذوة المقتبس في ذكر ولاة الأندلس» حينما ذكر فضائل الأندلس الَّتي تَمَيَّزت بها عَن سائر البُلدان، فقال: «ومِنْ فَضْلِهَا أَنَّهُ لم يُذْكَر قَطُّ على مَنَابِرِها أَحَدٌ مِن السَّلَفِ إِلَّا بخَيرٍ وإِلى الآنَ»[«جذوة المقتبس» (ص7)]؛ أي: إلى عَصرِهِ رحمهُ اللهُ تعالى.
............وبالجُملةِ فإِنَّ عُلماء المغرب والأندلس عَبرَ مُختلفِ العُصُور تَشَبَّتُوا بالعقيدة السُّنِّيَّة الَّتِي تُؤَكِّدُ مكانة الصَّحابة الكرام وتعترف بعظيم منزلتهم في الإسلام، بل قَرَّرُوا ذلك في كتُبهم، وهذهِ بعضُ نُصوصهِم في ذلك:
قال مسلمة بن القَاسِم القُرطبي (ت353هـ) في كتابِهِ «الرَّدّ على أهل البدع وتَبيِين أُصُول السُّنَّة»:
«ومِنْ تَمَامِ السُّنَّةِ الصَّلاةُ عَلَى مَن مَاتَ مِن أَهلِ القِبلَةِ وإِنْ عَمِلَ الكَبَائِر، وذِكر فَضَائِلِ أَصحابِ النَّبيِّ (صلَّى الله عليه وسَلَّم)، والسُّكُوتُ عَمَّا شَجَرَ بَينَهُم، وَالاِقتِدَاءُ بهِم. وخَيْرُ النَّاسِ بَعدَ النَّبيِّ (صلى الله عليه وسلم) أَبُو بكرٍ الصِّدِّيق [.....][غير واضح في الأصل المخطوط]، ثُمَّ عمرُ الفَارُوق، ثُمَّ عثمان ذُو النُّورَين بعدهُما، ثُمَّ عليٌّ الرِّضَى رابعهُم، ثُمَّ أَصحابُهُ البَاقُون خَيرُ الأَصحابِ، وأَنصارُهُ خَيرُ الأَنصَارِ، وأُمَّتُهُ خَيْرُ الأُمَمِ»[الرَّدّ على أهل البدع (الورقة 305)، وقد حَقَّقتُ هذا الكتاب وسيَصدُرُ قريبًا إِن شاءَ اللهُ].
وقال الإمام أبو بكر ابن العربي المعافري (رحمه الله) (ت543هـ) في «العواصِم من القواصِم»:
«مَا رَضِيَت النَّصَارَى واليَهُودُ في أَصحَابِ مُوسَى وعِيسَى مَا رَضِيَت الرَّوَافِضُ في أَصحَابِ مُحَمَّدٍ (صلى الله عليه وسلم) حِينَ حَكَمُوا عَلَيهِم بأَنَّهُم قَد اتَّفَقُوا عَلَى الكُفْرِ والبَاطِلِ»[العواصِم من القواصِم (ص192)].
وقال مالكٌ الصَّغير الإمام أبو محمّد عبد الله بن أبي زيد القيرواني النَّفْزِي الأندلسي (ت386هـ)، قال (رحمهُ الله): «وأَفْضَلُ الصَّحَابَةِ الخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ المَهْدِيُّونَ: أَبُو بكرٍ وعُمرُ وعُثمانُ ثُمَّ عليٌّ (رضي الله عنهُم أجمعين)، وأَن لَا يُذْكَرَ أَحَدٌ مِن صَحَابَةِ رَسُولِ اللهِ (صلى الله عليه وسلم) إِلَّا بأَحْسَنِ ذِكْرٍ، والإِمْسَاكُ عَمَّا شَجَرَ بَينَهُم، وأَنَّهُم أَحَقُّ النَّاسِ أَن يُلْتَمَسَ لهُم أَحْسَنُ المَخَارِجِ ويُظَنَّ بِهِم أَحْسَنُ الظَّنِّ»[«متن الرِّسالة» بشرح عبد المجيد الأزهري (ص20)].
ومنهم أبو عبد الله محمَّد بن أبي زَمَنَيْن (ت399هـ) قال: «ومِنْ قَوْلِ أَهْلِ السُّنَّةِ أَن يَعتَقِدَ المَرْءُ المَحَبَّةَ لأَصحَابِ النَّبيِّ (صلى الله عليه وسلم) وأَن يَنْشُرَ مَحَاسِنَهُم وفَضَائِلَهُم، ويُمْسِكَ عَنِ الخَوْضِ فِيمَا دَارَ بَينَهُم»[«أُصُولُ السُّنَّةِ» لابن أبي زَمَنَين (ص263)].
وقال الإمام أبو عمرو الداني (ت444هـ) في «الرِّسَالة الوَافِية»: «مِن قَولهِم- يَعنِي: أَهل السُّنَّة- أَن يُحسَنَ القَولُ في السَّادَاتِ الكِرام، أَصحَابِ النَّبيِّ (صلى الله عليه وسلم)، وأَن تُذْكَرَفَضَائِلُهُم، وتُنْشَرَ مَحَاسِنُهُم، ويُمْسَكَ عَمَّا سِوَى ذَلِكَ مِمَّا شَجَرَ بَينَهُم، لقَولِهِ (صلى الله عليه وسلم): «إِذَا ذُكِرَ أَصْحَابِي فَأَمْسِكُوا»؛ يَعنِي: إِذَا ذُكِرُوا بغَيرِ الجَمِيلِ، ولقَولِهِ (صلى الله عليه وسلم): «اللهَ اللهَ فِي أَصْحَابِي»، ويَجِبُ أَن يُلْتَمَسَ لهُم أَحْسَن المَخَارِج، وأَجْمَلَ المَذَاهِبِ، لمَكَانِهِم مِن الإِسلامِ، ومَوضِعِهِم مِنَ الدِّينِ والإِيمَانِ، وأَنَّهُم أَهْلُ الرَّأيِ والاِجتِهَادِ، وأَنْصَحُ النَّاسِ لِلعِبَادِ، وهُم مَن قَالَ اللهُ تعالى فِيهِم: ﴿وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلِّ إِخْوَاناً عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ﴾، وقَد شَهِدَ لهُم بِالجَنَّةِ في غَيرِِ مَوضِعٍ مِن كِتَابِهِ، فقالَ تعالى: ﴿لَكِنِ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ جَاهَدُوا بِأَموَالهِم وأَنفُسِهِم﴾ إلى قوله: ﴿العَظِيم﴾ رَحمةُ اللهِ عليهِم أجمعين»[«الرِّسالة الوَافِية لمذهبِ أهل السُّنَّةِ في الاعتقادات وأصول الدِّيَانَات» (ص132-133)].
وقال: «ومِن قَولهِم: إِنَّ أَفضَلَ الصَّحابَةِ (رضوانُ الله عليهِم): المُهَاجِرُونَ مَعَهُ والذَّابُّونَ عَنهُ، كما قَالَ سُبحانه: ﴿لاَ يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الفَتْحِ وَقَاتَلَ﴾ الآية. ثُمَّ الأَنصَارُ، ثُمَّ التَّابِعُون لهُم بإِحْسَانٍ، وقَالَ عزَّ وجَلَّ: ﴿وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ المُهَاجِرِينَ والأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ﴾ الآية.
وأَفْضَلُ المُهاجِرِين: العَشَرَةُ المُوعَدُونَ بالجَنَّةِ، وهُم: أبو بكرٍ، وعمرُ، وعثمانُ، وعليٌّ، وطَلحةُ والزُّبَيرُ، وسَعدٌ وسعيدٌ، وعبدُ الرَّحمن بن عَوفٍ، وأبو عُبيدةَ ابنِ الجَرَّاح.
وأَفضلُ هؤلاءِ العَشَرة الأَئِمَّةُ الأَربعة: أبو بكرٍ، وعمرُ، وعثمانُ وعليٌّ رضوانُ الله عليهِم أجمعين.
وأَفضلُ الأربعةِ: أبو بكرٍ، ثُمَّ عمرُ، ثُمَّ عثمانُ، ثُمَّ عليٌّ رحمةُ اللهِ عليهِم أجمعين»[نفسه (ص133-134)].
وقال الإمام أبو محمد علي بن أحمد بن حَزْمٍ الأندلسيّ (رحمهُ الله): «فإِنَّ الكلمةَ في أَوَّلِ الإِسلامِ والتَّمرةَ والصَّبرَ حِينئِذٍ، ورَكعةً في ذلِكَ الوَقت، تَعدِلُ اجتهادَ الأَزمانِ الطِّوَالِ وجِهَادَهَا وبَذْلَ الأَموالِ الجِسَامِ بَعدَ ذَلِكَ، ولذَلِكَ قالَ رسولُ الله (صلى الله عليه وسلم): «دَعُوا لِي أَصْحَابِي، فَلَوْ كَانَ لأَحَدِكُم مِثْلُ أُحُدٍ ذَهَبًا فَأَنْفَقَهُ مَا بَلَغَ مُدَّ أَحَدِهِمْ وَلَا نَصِيفَهُ»، فكَانَ نِصْفُ مُدِّ شَعِيرٍ أو تَمْرٍ في ذَلِكَ الوَقتِ أَفْضَلُ مِن جَبَلِ أُحُدٍ ذَهَبًا نُنفِقُهُ نَحنُ في سَبِيلِ اللهِ عزَّ وجلَّ بَعدَ ذَلِكَ، قَالَ اللهُ تعالى: ﴿لاَ يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وقَاتَلُوا وَكُلاًّ وَعَدَ اللهُ الحُسْنَى﴾.
ثمَّ قال أبو محمّدٍ: هَذَا في الصَّحَابَةِ فِيمَا بَينَهُم، فَكَيْفَ بِمَن بَعدَهُم مَعَهُم (رضي اللهُ عنهُم أجمعين)»[«الفِصَل في المِلَل والأَهواءِ والنِّحَل» (5/185)].
وقال الإمام أبوبكر ابن العربي المَعَافِرِيّ (ت543هـ) في شَأنِ الأَخبارِ الَّتِي يَتَدَاوَلُها النَّاسُ عَن الصَّحابَةِ الكِرَامِ: «وخُذُوا لأَنفُسِكُم بِالأَرْجَحِ في طَلَبِ السَّلاَمَةِ، والخَلاَصِ مِن بَينِ الصَّحَابَةِ والتَّابِعِين. فَلاَ تَكُونُوا -ولم تُشَاهِدُوهُم، وقَد عَصَمَكُمُ اللهُ مِن فِتْنَتِهِم- مِمَّن دَخَلَ بلِسَانِهِ في دِمَائِهِم، فوَلَغَ فِيهَا وُلُوغَ الكَلْبِ في بَقِيَّةِ الدَّمِ على الأَرضِ بَعدَ رَفعِ الفَرِيسَةِ بلَحْمِها، لَم يَلحَقِ الكَلْبُ مِنهَا إِلاَّ بَقِيَّةُ دَمٍ سَقَطَ عَلَى الأَرضِ»[«العواصم» (ص227)].
وقال أيضًا: «ومَن نَظَرَ إلى أَفعَالِ الصَّحَابَةِ تَبَيَّنَ مِنهَا بُطْلاَنُ هذهِ الهُتُوك الَّتِي يَخْتَلِقُهَا أَهْلُ التَّوَارِيخِ، فيَدُسُّونَهَا في قُلُوبِ الضُّعفاءِ»[نفسه(ص248)].
وقال العلاَّمة أحمد بن محمد البُرْنُسِيّ التَّازِيّ الفَاسِيّ المعروف بِـ(زَرُّوق) (ت899هـ) – شارح متن «الرِّسالة لابن أبي زيد القَيرواني»-: «فقد نُقِلَ عن أبي القاسم الحكيم أنَّهُ قال: «اليَهُودُ والنَّصارَى أَحسنُ حَالاً مِن الرَّوافِضِ وإن كانُوا مُسلمِين؛ لأَنَّهُ لو قِيلَ ليَهوديٍّ: مَن أَفضلُ النَّاسِ؟ قال: مُوسَى، فإذا قِيلَ: مَن أَفضلُ النَّاسِ بَعدَهُ؟ قالَ: نُقَبَاؤُهُ. ولو قِيلَ للنَّصرانيِّ: مَن أَفضلُ النَّاسِ؟ قالَ: عِيسَى. فإذا قِيلَ لَهُ: مَن بَعدَهُ في الفَضلِ؟ قالَ: حَوَارِيُّوهُ. ولو قِيلَ لرَافِضِيٍّ: مَن أَفضلُ النَّاسِ؟ قالَ: محمّدٌ ، فإِذَا قِيلَ لهُ: مَن شَرُّ النَّاسِ بَعدَ مَوتِهِ؟ قالَ: أَصحَابُهُ. فقَبَّحَ اللهُ رَأيَهُم فِيمَا أَتَوا مِن ذَلِكَ». فالوَاجِبُ ذِكرُهُم بكُلِّ جَمِيلٍ، والإِمساكُ عَن كُلِّ مَا يُؤَدِّي لخِلاَفِهِ، ومَا وَقَعَ بَينَ عليٍّ ومُعاويةَ فعَن اجتِهَادٍ، ولِكُلٍّ أَجرٌ بِمَا وَقَعَ مِنهُ، ومَذهبُ أَهلِ السُّنَّةِ أَنَّ الصَّحابَةَ كُلُّهُم عُدُولٌ»[«شَرح زَرُّوق على الرِّسالة» (1/85-86)].
ـ وغنيٌّ عَن البيان أَنَّ اهتمام عُلماء المغرب والأندلس بالصَّحابةِ الكِرام قَد تَجَلَّى في مُختلف أنماطِ كتاباتهِم النَّثريَّة والشِّعريَّة، فقد جَرَى ذِكرُ الصَّحابةِ والثَّناءِ عليهِم في كُتُبِ الرَّحلاَت ودَوَاوِين الشِّعرِ والأَمدَاحِ النَّبويَّة، فعلى سَبِيلِ الِمثَالِ:................
حكى ابنُ رُشَيدٍ فائدةً في هذا المقام يَحسُنُ إِيرَادُها عَنْوَنَهَا بقَولِهِ: «فَائِدَةٌ في الاِقتداءِ بشُيُوخِ الاِهتِدَاءِ»، ثُمَّ قال: «وَقَفتُ أَنظُرُ إلى سَلاَمِ شَيخَينَا ابنَي الزَّجَّاجِ على النَّبيِّ (صلَّى الله عليه وسَلَّم) فجاءَا حتَّى استقبلاَ مقابلةَ وجهِهِ الكريم شَرَّفَهُ اللهُ، والقِنديل المُعَلَّقِ هُناك يَكُونُ حَذْوَ رُؤُوسِهِما، فأَدَّيَا وَاجِبَ السَّلاَمِ، ... فسَلَّمَا على أبي بكرٍ (رضي الله عنه)، ثُمَّ انحَدَرَا يَسِيرًا إلى مُقابلةِ عُمرَ (رضي الله عنهما)، فسَلَّمَا عَلَيهِ (رضي الله عنه) ووَقَفَا عِندهُمَا. فقَالاَ مَا تَيَسَّرَ لهُما ثُمَّ انصَرَفَا على أَيمانهِما، فرَأيتُ أبا القاسم عبد الحميد منهُما يَبكِي وسَمعتُهُ يَقُولُ وقَد وَلَّى: مَا أُعْطِيَ أَحَدٌ مِنَ الشَّرَفِ مَا أُعْطِيَ أَبُو بكرٍ وعُمرَ، مَتىَ سُلِّمَ عَلَيهِ سُلِّمَ عَلَيهِمَا. هذا أَو مَعناهُ مِن الكلام»[«مَلْءُ العَيْبَةِ» (5/36)]..............
أمَّا شِعرُ المدائحِ النَّبويَّةِ فهُو سبيلٌ مُمَهَّدَةٌ عندَ أُدباءِ المغرب والأندلس لإِظهارِ مَدَى اعتِزازهِم بالصَّحبِ الكِرام، ويَكثُرُ وُرُودُ ذِكرُهُم في خِتَامِ قصائدهم كما نَقِفُ عليهِ مثلاً في مُعظمِ قصائدِ العلاَّمةِ الأديب الشَّهير محمد بن أحمد بن علي المعروف بابن جَابِرٍ الأندلسي (ت80هـ) كقَولِهِ:
صَلَّى الإِلَهُ عَلَى النَّبِيِّ المُجْتَبَى ... مَا رَجَّعَتْ في بَانَةٍ وَرْقَاءُ
وعَلَى صَحَابَتِهِ الأُلَى بِهِم عَلَتْ...... فِي النَّاسِ هَذِي المِلَّةُ البَيْضَاءُ
[«نظم العقدين في مدح سيد الكونين أو الغين في مدح سيد الكونين» (ص28)].
وقولِهِ أيضًا في خِتامِ قصيدةٍ أُخرى مِن قصائده في المَدِيحِ النَّبويِّ:
صَلُّوا عَلَى المُصْطَفَى وآَلٍ..... كَانُوا عَلَى الحَقِّ أَوْلِياَء
وارْضَوْا عَنِ الصَّحْبِ ولْتَكُونُوا........ مِن مُبْغِضِي صَحْبِهِ بَرَاء
[نفسه (ص33)].
ومِن أَشعارِ الأندلسيِّين الَّتِي تُفصِحُ عَن عقيدتهم في الصَّحبِ الكِرام أبياتٌ للعالِم الأديب الرَّحَّالة أبي الحسين محمد بن أحمد بن جُبَيرٍ الكِنَانيّ الأندلسي (ت: 614هـ) يَقُولُ فِيهَا:
أُحِبُّ النَّبِيَّ المُصْطَفَى وابْنَ عَمِّهِ ** عَلِيًّا وسِبْطَيْهِ وفَاطِمَةَ الزَّهْرَا
هُمْ أَهْلُ بَيْتٍ أُذْهِبَ الرِّجْسُ عَنْهُم ** وأَطْلُعُهُمْ أُفْقُ الهُدَى أَنْجُمًا زُهْرَا
مُوَالاَتُهُم فَرْضٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ ** وحُبُّهُم أَسْنَى الذَّخَائِرِ لِلأُخْرَى
ومَا أَنَا لِلصَّحْبِ الكِرَامِ بِمُبْغِضٍ ** فَإِنِّي أَرَى البَغْضَاءَ فِي حَقِّهِمْ كُفْرَا
هُمْ جَاهَدُوا فِي اللهِ حَقَّ جِهَادِهِ ** وهُمْ نَصَرُوا دِينَ الهُدَى بِالظُّبَى نَصْرَا
عَلَيهِم سَلاَمُ اللهِ مَا دَامَ ذِكْرُهُم ** لَدَى المَلإِ الأَعْلَى وَأَكْرِمْ بِهِ ذِكْرَا
[«نَفحُ الطِّيب» (2/493)].
..................
وإذا كان ذِكرُ الصَّحابةِ الكِرامِ والثَّناءُ عليهِم والدِّفاعُ عنهُم جَارِيًا في أَشعارِ المغاربة والأندلسيِّين، فهُو ظاهرٌ أيضًا في مَنظوماتهم؛ إِذ عُرِفُوا بالنَّظمِ وتَفَنَّنُوا فِيهِ، واستعملوهُ قَالَبًا لصِياغةِ مختلف العُلُومِ والفُنُون.... وبالرُّجُوعِ إلى بَعضِ هذه المنظومات نَجدُها تَتَضَمَّنُ أبياتًا بديعةً في تَقريرِ عقيدةِ أَهلِ السُّنَّةِ والجماعة في الصَّحابةِ الكِرام، وتُؤَكِّدُ على عَظِيمِ مَنزلتهِم في الإسلام، ووُجُوب تَوقِيرِهِم وتَفضِيلِهِم، والإِمساك عَمَّا شَجَرَ بينهُم، كما نَجدُهُم في كثيرٍ مِن مَنظُوماتهم يَتَصَدَّونَ للرَّدِّ على مُتَنَقِّصِي الصَّحابَةِ ومُبغِضِيهِم، وإِفحَامِهِم بالحُجَجِ المُبِينَة والبَرَاهِين القَوِيَّة......
المبحث الثَّاني: مَنزلةُ الصَّحابةِ والرَّدُّ على مُنَاوِئِيهِم فِي أَشهرِ المَنظُوماتِ العِلميَّة لعُلماءِ المغرب والأندلس:
....ومِن أَشهرِ هذه المَنظُومات «نُونِيَّةُ أبي محمد عبد الله بن محمد القَحْطَانيّ الأندلسي»، وهي مَنظومةٌ عَجيبةٌ تَناوَلَ فيها مواضيع كثيرةً تَتعَلَّقُ بأُصُولِ الدِّينِ والأَحكام الشَّرعيَّة والأَخلاق والمواعظ، وتَحَدَّثَ في عددٍ مِنها عَن مَكانةِ الصَّحابةِ وعَقيدةِ أَهلِ السُّنَّةِ والجماعةِ القَاضِيَةِ بوُجُوبِ مَحَبَّتِهِم، وشَدَّدَ القَحطانيُّ النَّكِيرَ على الشِّيعَةِ الَّذِين يُكَفِّرُونَ الصَّحابةَ ويَحُطُّونَ مِن أَقدارِهِم، وفِيمَا يَلِي الأَبيات الَّتِي رَدَّ فِيهَا على الرَّافِضَةِ مُنتَصِرًا للصَّحابَةِ:
لاَ تَعْتَقِدْ دِينَ الرَّوَافِضِ ... أَهْلِ الِمحَالِ وحِزْبَةُ الشَّيْطَانِ
جَعَلُوا الشُّهُورَ عَلَى قِيَاسِ حِسَابِهِم ... ولَرُبَّمَا كَمَّلاَ لَنَا شَهْرَانِ
ولَرُبَّمَا نَقَصَ الَّذِي هُوَ عِندَهُم ... وَافٍ وأَوْفَى صَاحِبَ النُّقْصَانِ
إِنَّ الرَّوَافِضَ شَرُّ مَنْ وَطِئَ الحَصَى ... مِنْ كُلِّ إِنْسٍ نَاطِقٍ أَو جَانِ
مَدَحُوا النَّبِيَّ وخَوَّنُوا أَصْحَابَهُ ... ورَمَوْهُم بالظُّلْمِ والعُدْوَانِ
حَبُّوا قَرَابَتَهُ وسَبُّوا صَحْبَهُ ... جَدَلاَنِ عِندَ اللهِ مُنْتَقِضَانِ
[«نُونيَّةُ القَحطاني» (ص20-21)].
وواضحٌ أَنَّ الإِمامَ القَحطاني قَد شَدَّدَ لَهجَتَهُ في هِجاءِ الرَّافضةِ بِنَاءً على أُسُسٍ مَنطقيَّةٍ؛ مِنها استحالةُ الجَمعِ بَينَ مَحَبَّةِ القَرَابَةِ وسَبِّ الصَّحَابَةِ، فهُو تَنَاقُضٌ لا يَقبلُهُ العَقل؛ فكما أَنَّ الطَّعنَ في القَرابَةِ وآلِ البَيتِ النَّبويِّ الطَّاهر يَلزمُ مِنهُ الطَّعنُ في النَّبيِّ (صلَّى الله عليه وسَلَّم)؛ كذلك الطَّعنُ في الصَّحابةِ يَلزَمُ مِنهُ الطَّعنُ في النَّبيِّ (صلَّى الله عليه وسَلَّم)، وهُو ما يُؤَكِّدُهُ الإمامُ مالكٌ بقَولِهِ عَن الرَّوافِضِ: «إِنَّمَا هؤلاءِ أَقوامٌ أَرَادُوا القَدْحَ فِي النَّبيِّ (صلَّى الله عليه وسَلَّم) فلَم يُمكِنهُم ذَلِكَ فقَدَحُوا في أَصحابِهِ حتَّى يُقَالَ: رَجُلُ سُوءٍ، لَو كَانَ رَجُلاً صَالحًا لكَانَ أَصحابُهُ صَالِحِين»[«الصَّارِم المَسلُول» (ص580)].
ثُمَّ أَنشدَ القَحطانيُّ في مَدحِ النَّبيِّ (صلَّى الله عليه وسَلَّم) المَدحَ والثَّناءَ علَيهِ وعلى آلِهِ وخُلفائِهِ وصَحَابَتِهِ:
فَكَأَنَّمَا آلُ النَّبيِّ وصَحْبُهُ ... رُوحٌ يَضُمُّ جَمِيعَهَا جَسَدَانِ
فِئَتَانِ عَقْدُهُمَا شَرِيعَةُ أَحْمَدٍ ... بأَبِي وأُمِّي ذَانِكَ الفِئَتَانِ
فِئَتَانِ سَالِكَتَانِ فِي سُبُلِ الهُدَى ... وهُمَا بدِينِ اللهِ قَائِمَتَانِ
قُلْ إِنَّ خَيْرَ الأَنبِيَاءِ مُحَمَّدٌ ... وأَجَلُّ مَن يَمْشِي عَلَى الكُثْبَانِ
وأَجَلُّ صَحْبِ الرُّسْلِ صَحْبُ مُحَمَّدٍ ... وَكَذَاكَ أَفضَلُ صَحْبِهِ العُمَرَانِ
رَجُلاَنِ قَدْ خُلِقَا لنَصْرِ مُحَمَّدٍ ... بِدَمِي ونَفْسِي ذَانِكَ الرَّجُلاَنِ
فهُمَا اللَّذَانِ تَظَاهَرَا لنَبِيِّنَا ... فِي نَصْرِهِ وهُمَا لَهُ صِهْرَانِ
بِنْتَاهُمَا أَسْنَى نِسَاءِ نَبِيِّنَا ... وهُمَا لَهُ بالوَحْيِ صَاحِبَتَانِ
أَبَوَاهُمَا أَسْنَى صَحَابَةِ أَحْمَدٍ ... يَا حَبَّذَا الأَبَوَانِ والبِنْتَانِ
وهُمَا وَزِيرَاهُ اللَّذَانِ هُمَا هُمَا ... لِفَضَائِلِ الأَعْمَالِ مُسْتَبِقَانِ
وهُمَا لأَحْمَدَ نَاظِرَاهُ وسَمْعُهُ ... وبِقُرْبِهِ فِي القَبْرِ مُضْطَجِعَانِ
كَانَا عَلَى الإِسلاَمِ أَشْفَقَ أَهْلِهِ ... وهُمَا لِدِينِ مُحَمَّدٍ جَبَلاَنِ
أَصْفَاهُمَا أَقْوَاهُمَا أَخْشَاهُمَا ... أَتْقَاهُمَا فِي السِّرِّ والإِعْلاَنِ
أَسْنَاهُمَا أَزْكَاهُمَا أَعْلاَهُمَا ... أَوْفَاهُمَا فِي الوَزْنِ والرُّجْحَانِ
صِدِّيقُ أَحْمَدَ صَاحِبُ الغَارِ الَّذِي ... هُوَ في المَغَارَةِ والنِّبِيّ اثْنَانِ
أَعْنِي أَبَا بَكرٍ الَّذِي لم يَخْتَلِفْ ... مِن شَرْعِنَا فِي فَضْلِهِ رَجُلاَنِ
هُوَ شَيخُ أَصْحَابِ النَّبيِّ وخَيرُهُم ... وإِمَامُهُم حَقًّا بِلاَ بُطْلاَنِ
وأَبُو المُطَهَّرَةِ الَّتِي تَنزِيهُهَا ... قَد جَاءَنَا في النُّورِ والفُرْقَانِ
أَكْرِمْ بعَائِشَةَ الرِّضَى مِن حُرَّةٍ ... بِكْرٍ مُطَهَّرَةِ الإِزَارِ حَصَانِ
هِيَ زَوجُ خَيرِ الأَنبياءِ وبِكْرُهُ ... وعَرُوسُهُ مِن جُمْلَةِ النِّسْوَانِ
هِيَ عِرْسُهُ هِيَ أُنْسُهُ هِيَ إِلْفُهُ ... هِيَ حُبُّهُ صِدْقًا بِلاَ أَدْهَانِ
أَوَلَيْسَ وَالِدُهَا يُصَافِي بَعْلَهَا ... وهُمَا برُوحِ اللهِ مُؤتَلِفَانِ
لَمَّا قَضَى صِدِّيقُ أَحمَدَ نَحْبَهُ ... دَفَعَ الخِلاَفَةَ للإِمَامِ الثَّانِي
أَعْنِي بِهِ الفَارُوقُ فَرَّقَ عُنْوَةً ... بِالسَّيْفِ بَينَ الكُفْرِ والإِيمَانِ
هُوَ أَظْهَرَ الإِسلاَمَ بَعدَ خَفَائِهِ ... ومَحَا الظَّلاَمَ وبَاحَ بالكِتْمَانِ
ومَضَى وخَلَّى الأَمرَ شُورَى بَينَهُم ... فِي الأَمرِ فَاجْتَمَعُوا عَلَى عُثْمَانِ
مَنْ كَانَ يَسْهَرُ لَيْلَةً في رَكعَةٍ ... وِتْرًا فيُكْمِلُ خَتْمَةَ القُرْآنِ
وَلِيَ الخِلاَفَةَ صِهْرُ أَحمَدَ بَعدَهُ ... أَعنِي عَلِيٌّ العَالمُ الرَّبَّانِي
زَوجُ البَتُولِ أَخَا الرَّسُولِ ورُكْنَهُ ... لَيْثُ الحُرُوبِ مُنَازِلُ الأَقْرَانِ
سُبْحَانَ مَن جَعَلَ الخِلاَفَةَ رُتْبَةً ... وبَنَى الإِمَامَةَ أَيَّمَا بُنْيَانِ
واسْتَخْلَفَ الأَصْحَابَ كَيْ لاَ يَدَّعِي ... مِن بَعْدِ أَحمدَ فِي النُّبُوَّةِ ثَانِي
أَكْرِمْ بفَاطِمَةَ البَتُولِ وبَعْلِهَا ... وبِمَن هُمَا لمُحَمَّدٍ سِبْطَانِ
غُصْنَانِ أَصْلُهُمَا برَوْضَةِ أَحْمَدٍ ... للهِ دَرُّ الأَصْلِ والغُصْنَانِ
أَكْرِمْ بطَلحَةَ والزُّبَيرِ وسَعْدِهِمْ ... وسَعِيدِهِمْ وبِعَابِدِ الرَّحمنِ
وأَبِي عُبَيْدَةَ ذِي الدِّيَانَةِ والتُّقَى ... وامْدَحْ جَمَاعَةَ بَيْعَةِ الرِّضْوَانِ
قُل خَيْرَ قَوْلٍ فِي صَحَابَةِ أَحْمَدٍ ... وامْدَحْ جَمِيعَ الآلِ والنِّسْوَانِ
دَعْ مَا جَرَى بَينَ الصَّحَابَةِ فِي الوَغَى ... بسُيُوفِهِم يَوْمَ الْتَقَى الجَمْعَانِ
فقَتِيلُهُم مِنهُمْ وقَاتِلُهُم لَهُم ... وكِلاَهُمَا فِي الحَشْرِ مَرْحُومَانِ
واللهُ يَومَ الحَشْرِ يَنزِعُ كُلَّ مَا ... تَحْوِي صُدُورُهُم مِنَ الأَضْغَانِ
وَالوَيْلُ للرَّكْبِ الَّذِينَ سَعَوا إِلَى ... عُثمَانَ فَاجْتَمَعُوا عَلَى العِصْيَانِ
وَيْلٌ لمَن قَتَلَ الحُسَيْنَ فإِنَّهُ ... قَدْ بَاءَ مِن مَولاَهُ بالخُسْرَانِ
لَسْنَا نُكَفِّرُ مُسلِمًا بكَبِيرَةٍ ... فَاللهُ ذُو عَفْوٍ وذُو غُفْرَانِ
[«نُونِيَّةُ القَحطاني» (ص21-24)]
وقال مُقَرِّرًا اعتقادَهُ في آلِ البَيتِ والصَّحابَةِ:
وَاحْفَظْ لأَهْلِ البَيْتِ وَاجِبَ حَقِّهِمْ ... وَاعْرِف عَلِيًّا أَيَّمَا عِرْفَانِ
لاَ تَنتَقِصْهُ وَلاَ تَزِدْ فِي قَدْرِهِ ... فعَلَيهِ تَصْلَى النَّارَ طَائِفَتَانِ
إِحدَاهُمَا لاَ تَرتَضِيهِ خَلِيفَةً ... وتَنُصُّهُ الأُخرَى إلهًا ثَانِي
والعَن زَنَادِقَةَ الجَهَالَةِ إِنَّهُم ... أَعنَاقُهُم غَلَتِ إِلَى الأَذْقَانِ
جَحَدُوا الشَّرَائِعَ والنُّبُوَّةَ واقْتَدُوا ... بفَسَادِ مِلَّةِ صَاحِبِ الإِيوَانِ
لاَ تَرْكَنَنَّ إلى الرَّوَافِضِ إِنَّهُم ... شَتَمُوا الصَّحابَةَ دُونَ مَا بُرْهَانِ
لُعِنُوا كَمَا بَغَضُوا صَحَابَةَ أَحمَدٍ ... ووِدَادُهُم فَرضٌ عَلَى الإِنسَانِ
حُبُّ الصَّحَابَةِ والقَرَابَةِ سُنَّةٌ ... أَلْقَى بِهَا رِبِّي إِذَا أَحْيَانِي
احْذَر عِقَابَ اللهِ وارْجُ ثَوَابَهُ ... حَتَّى تَكُونَ كمَن لَهُ قَلْبَانِ
[«نُونيَّة القَحطاني» (ص24-25)].
وأَنشدَ الإمامُ المُقرئ أبو عمرو عثمان بن سعيد الدَّانِي الأندلسي (ت444هـ) في أُرجُوزتِهِ المُسَمَّاة بِـ«المُنَبِّهَة»:
إِذَا رَأَيتَ المَرْءَ قَد أَحَبَّا ... أَئِمَّةَ الدِّينِ وعَنْهُم ذَبَّا
وفَضَّلَ الصَّحَابَةَ الأَبْرَارَا ... وقَدَّمَ الأَصْهَارَ والأنْصَارَا
وأَبْغَضَ البِدْعِيَّ والمُخَالِفَا ... ومَنْ تَرَاهُ لَهُمَا مُخَالِفَا
فَاعْلَم بِأَنَّهُ مِن أَهْلِ السُّنَّه ... فَالْزَمْهُ واسْتَمْسِكْ بِمَا قَدْ سَنَّهْ
[«مُنَبِّهةُ الإِمام المقرئ أبي عمرو الدَّانِي» (ص540-543)].
وقال:
وحُبُّ أَصحَابِ النَّبيِّ فَرْضُ ...ومَدْحُهُم تَزَلُّفٌ وقَرْضُ
وأَفْضَلُ الصَّحَابَةِ الصِّدِّيقُ ... وبَعْدَهُ المُهَذَّبُ الفَارُوقُ
وبَعْدَهُ عُثمَانُ ذُو النُّورَينِ ... وبَعدَهُ عَلِيٌّ أَبُو السِّبْطَينِ
وبَعدَ هَؤُلاَءِ بَاقِي العَشَرَة ... الأَتْقِيَاءُ المُرَتضِينَ البَرَرَه
أَهْلُ الخُشُوعِ والتُّقَى والخَوْفِ ... طَلحَةُ والزُّبَيرِ وابْنُ عَوْفِ
ثُمَّتَ سَعْدٌ بَعدَهُمْ وعَامِرُ ... ثُمَّ سَعِيد بنُ نُفَيلٍ العَاشِرُ
وسَائِرُ الصَّحْبِ فَهُم أَبْرَارُ ... مُنْتَخَبُونَ سَادَةٌ أَخْيَارُ
ورَبُّنَا جَلَّ لهُم إِنْعَامَه ... وخَصَّهُم بِالفَضْلِ والكَرَامَهْ
[«الأُرجُوزة المُنَبِّهَة» (ص556-558)].
وأََنشد أبو عبد الله محمد بن عيسى بن محمد بن أصبغ الأزدي المالكي المعروف بابن المُنَاصِف (ت620هـ) في المَعلم الرابع الخَاصّ بالسِّيرة النَّبويَّة مِن أُرجُوزتِهِ الطويلة المُسمَّاة «الدّرّة السّنّيّة في المعالم السّنيَّة»:
وفِرْقَةٌ مَعرُوفَةٌ بالرَّافِضَة ... صِنْفٌ مِنَ الشِّيعَةِ حَيْرَى خَائِضَة
قَومٌ تَبَرَّؤُوا مِنَ الصَّحَابَة ... وأَوْسَعُوا فِي السَّبِّ والمَعَابَة
وكَفَّرُوا هُنَاكَ بَعْضَ السَّلَفِ ... وطَعَنُوا فِي فَضْلِهِمْ والشَّرَفِ
ورُبَّمَا مَالُوا لِلاِعتِزَالِ ... فِي بَعْضِ مَا لَهُمْ مِنَ الأَقْوَالِ
قَالُوا لِزَيدِ بنِ عليِّ بنِ الحُسَين ... نَجْلِ عَلِيِّ المُعتَلِي عَن كُلِّ شَيْن
اشْتُم أَبَا بَكرٍ وأَيضًا عُمَرَا ... فَلَم يُطِعْهُم حِينَ جَاؤُوا نُكُرَا
فرَفَضُوهُ فَلِذَلِكَ نُسِبُوا ... رَافِضَةً ثُمَّ استَمَرَّ اللَّقَبُ
[«الدّرّة السّنّيّة» (ق14) مخطوط].
وأَنشد أبو عبد الله محمد بن موسى بن عمار الكلاعي، مِن أهل ميورقة (مِن علماء... القرن الخامس الهجري) في «وَصِيَّتِِه»:
وَأَبْغِض كُلَّ مُبتَدِعٍ كَفُورٍ ... كَمِثلِ الرَّافِضِينَ الكَافِرِينَا
أَلاَ إِنَّ الرَّوَافِضَ شَرُّ خَلْقٍ ... وأَكْذَبُ مِن يَهُودٍ الكَاذِبِينَا
ضَلاَلتُهُم وكُفرُهُم شَنِيعٌ ... وبَعدَهُم الكِلاَبُ الخَارِجِينَا
هُمَا طَرَفَانِ فِي كُفْرٍ وسَبٍّ ... وهُم سَبُّوا الصَّحَابَةَ مُعْلِنِينَا
وقَد قَالَ الرَّسُولُ كَلاَمَ صِدْقٍ ... صِحَابِي كالنُّجُومِ لِمُقتَدِينَا
ومَا ضَرَّ النُّجُومَ نِبَاحُ كَلْبٍ ... فَسُحْقًا لِلكِلاَبِ النَّابِحِينَا
تُسَمِّي السَّيْفَ للإِسلاَمِ جِبْتًا ... فَأَنْضَى اللهُ سَيْفَ المُسلِمِينَا
فقَنّعهُ بِهِ عَمَّا قَرِيبٍ ... فيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤمِنِينَا
إِلَهِي طَهِّرِ الحَرَمَينِ مِنهُم ... ومِصْرَ الأَرضِ مِن مُتَمَجِّسِينَا
وأَوْرِثْنَا دِيَارَ القَومِ حَتَّى ... نَكُونَ بِهَا بجُودِكَ قَاطِنِينَا
وغَيرَهُم مِن الهَوَاءِ جَنِّبْ ... فبِدعَتُهُم تَصُمُّ السَّامِعِينَا
فبُغضُهُم ولَعنَتُهُم أَكِيدٌ ... أَجَلُّ وَسِيلَةِ المُتَوَسِّلِينَا
[«وصيَّة محمد بن موسى الشَّهِير بابن عمار الكلاعي الميورقي لابنِهِ» (ص87)].
وقد جاءَ في خِتامِ نَظمِهِ:
كَتَبتُ وَصِيَّتِي نَظْمًا ووَعْظًا ... وذِكرَى تَنفَعُ المُتَذَكِّرِينَا
ولَم أَكُ شَاعِرًا لَكِنَّ نَفسِي ... تَنظِمُ مَا رَأَت لِلنَّاثِرِينَا
[نفسه (ص88)].
إلى أن قال:
وأَخْتِمُ بالصَّلاةِ على نَبِيٍّ ... سَمَاهُ اللهُ فَوقَ المُرْسَلِينَا
عَلَيهِ صَلاةُ رِبِّي ذِي الجَلاَلِ ... كمِثلِ الرَّملِ تَتْرَا كُلَّ حِينَا
[نفسه(ص89)].
وأبو العبَّاس أحمد بن محمّد المَقَّرِيّ التِّلمساني (ت:1041هـ) في منظومته «إِضَاءَةُ الدُّجْنَة»:
وأَفْضَلُ الأُمَّةِ ذَاتِ القَدْرِ ... أَصْحَابُ مَن أُعْطِيَ شَرْحَ الصَّدْرِ
إِذْ جَاءَ في القُرآنِ مَا يَقضِي لهُم ... بِالسَّبْقِ في آيٍ حَوَتْ تَفضِيلَهُم
وكَم أَحَادِيَث عَلَيهِم تُثْنِي ... كقَولِهِ خَيرُ القُرُونِ قَرْنِي
وقَولُ طَهَ المُصطَفَى لَو أَنْفَقَا ... فجَلَّ مَن زَكَّاهُم وَوَفَّقَا
ثُمَّ يَلِيهِم تَابِعُ بَادي السَّنَا ... فتَابِعٌ لتَابِعٍ قَدْ أَحْسَنَا
والخُلفَاءُ الرَّاشِدُونَ الأَربَعَة ... خَيرُ الصَّحَابَةِ الأُلَى كَانُوا مَعَهْ
ورَتِّبَن الفَضْلَ فِيمَا بَينَهُم ... عَلَى خِلاَفَةٍ وقَدِّم عَينَهُم
وهْوَ أَبُو بكرٍ وفَارُوقٌ يَلِي ... وبَعدُ عُثمانُ واختِمْ بعَلِي
زَوجِ البَتُولِ بِضْعَةِ الرَّسُولِ ... مَن نَالَ بِالسِّبْطَينِ أَقْصَى السُّول
وبَعدَ هؤلاءِ بَاقِي العَشَرَة ... طلَحةُ والزُّبيرُ زَاكِي النّشرة
وعَامِرٌ وسَعدٌ السَّامِي الحُلَى ... مَع ابنِ عَوْفٍ وسَعِيدٍ ذِي العُلاَ
فأَهلُ بَدرٍ ثُمَّ أَهلُ أُحُدِ ... فبَيعَة الرِّضوَانِ بَعدَه اعْدُدِ
والسَّابِقُون الأَوَّلُون صَرِّحَا ... بفَضلِهِم والخُلْفَ فِيهِم سَرِّحَا
وبَعض مَن بِالعِلمِ قَد تَحَلَّى ... يَقُولُ مَن لِلقِبلَتَينِ صَلَّى
والصَّحْبُ كُلُّهُم عُدُولٌ خِيَرَة ... فمَن يُرِد وَجْهَ اهتِدًا بِهِم يَرَهْ
لأَنَّ مَن أَحَاطَ بِالخَبِيِّ ... عِلمَا حَبَاهُم صُحبَةَ النَّبيِّ
فهُم نُجُومٌ فِي السُّرَى مَن اقتَدَى ... بهِم إِلى مَعَالِمِ الحَقِّ اهْتَدَى
فَلاَ تَخُضْ فِيمَا مِنَ الأَمْرِ اخْتَلَطْ ... بَينَهُم واحْذَر إِذَا خُضْتَ الغَلَطْ
والْتَمِسَنْ أَحْسَنَ المَخَارِجِ ... لَهُم فَالاِجتِهَادُ ذُو مَعَارِجِ
[«إِضَاءَةُ الدُّجْنَة» (ص95-98)]
منقول من موقع مصابيح العلم