المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : لطائف واستدراكات من تفسير السمعاني رحمه الله



أهــل الحـديث
03-02-2014, 01:40 PM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم



بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد خاتم النبيين وأشرف المرسلين وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
الحمد لله الذي ختم الرسل بهذا النبي الكريم عليه من الله الصلاة والتسليم, كما ختم الكتب السماوية بهذا القرآن العظيم, وهدى الناس بما فيه من الآيات والذكر الحكيم, وتمت كلمة ربك صدقا وعدلا لا مبدل لكلماته وهو السميع العليم, فأخباره كلها صدق, وأحكامه كلها عدل, وبعضه يشهد بصدق بعض ولا ينافيه, لأن آياته فصلت من لدن حكيم خبير.فففأَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراًققق .أما بعد :
فعند قرأتي لتفسير الإمام السمعاني ، وهو أبو المظفر، منصور بن محمد بن عبد الجبار ابن أحمد المروزى السمعاني التميمي الحنفي ثم الشافعي (المتوفى: 489هـ) ، عثرت على درر ونفائس في هذا التفسير السلفي ؛ فلخصتها وضممت بعضها لبعض ، ورأيت أن أفرد لها موضوعاً في هذا الملتقى المبارك .والله الموفق
تنبيهان :
1- غالب ما يجده القارىء هو من باب التدبر لكتاب الله تعالى ، ودرء المشكل ، ولم أناقش المصنف رحمه الله تعالى
2- الطبعة المعتمدة : طبعة دار الوطن /الرياض - بتحقيق : ياسر بن إبراهيم وغنيم بن عباس بن غنيم





المجلد الأول

ص37 : ((فَإِن قَالَ قَائِل: لم خص يَوْم الدّين بِالذكر، وَالله - تَعَالَى - مَالك الْأَيَّام كلهَا؟ يُقَال: إِنَّمَا خصّه لِأَن الْأَمر فِي الْقِيَامَة يخلص لَهُ، كَمَا قَالَ: {وَالْأَمر يَوْمئِذٍ لله} . وَأما فِي الدُّنْيَا للملوك أَمر، وللمسلمين أَمر، وللأنبياء أَمر)).
ص37 : ((فَإِن قيل: لم قدم ذكر الْعِبَادَة على الِاسْتِعَانَة؛ تكون قبل الْعِبَادَة؟ وَلم ذكر قَوْله: إياك مرَّتَيْنِ، وَكَانَ يكفى أَن يَقُول: إياك نعْبد ونستعين؛ فَإِنَّهُ أوجز وألخص؟ يُقَال: أما الأول فَإِنَّمَا يلْزم من يَجْعَل الِاسْتِطَاعَة قبل الْفِعْل، وَنحن بِحَمْد الله نجْعَل الِاسْتِعَانَة والتوفيق مَعَ الْفِعْل، سَوَاء قرنه بِهِ أم أَخّرهُ جَازَ.
أَو يُقَال: لِأَن الِاسْتِعَانَة نوع تعبد، فَكَأَنَّهُ ذكر جملَة الْعِبَادَة، ثمَّ ذكر مَا هُوَ من تفاصيلها)).
ص38 : ((إِن قَالَ قَائِل: أَي معنى للاسترشاد، وكل مُؤمن مهتد، فَمَا معنى قَوْله {اهدنا} ؟ قُلْنَا: هَذَا سُؤال من يَقُول بتناهي الألطاف من الله تَعَالَى. وَمذهب أهل السّنة أَن الألطاف والهدايات من الله تَعَالَى لَا تتناهى، فَيكون ذَلِك بِمَعْنى طلب مزِيد الْهِدَايَة، وَيكون بِمَعْنى سُؤال للتثبيت، اهدنا بِمَعْنى ثبتنا، كَمَا يُقَال للقائم: " قُم حَتَّى أَعُود إِلَيْك ". أَي: أثبت قَائِما)).
ص42 : ((فَإِن قَالَ قَائِل: كَيفَ أخبر قَالَ: " لَا ريب فِيهِ " وَقد ارتاب فِيهِ كثير من النَّاس، وَخبر الله تَعَالَى لَا يكون بِخِلَاف مخبره؟ يُقَال: مَعْنَاهُ أَنه الْحق والصدق لَا شكّ فِيهِ.
وَقيل: هُوَ خبر بِمَعْنى النهى، أَي: لَا ترتابوا فِيهِ)).
ص42 : ((فَإِن قَالَ قَائِل: لم خص الْمُتَّقِينَ بِالذكر وَهُوَ هدى لجَمِيع الْمُؤمنِينَ؟ قيل: إِنَّمَا خصهم بِالذكر تَشْرِيفًا، أَو لأَنهم هم المنتفعون بِالْهدى، حَيْثُ نزلُوا منزل التَّقْوَى دون غَيرهم، {الَّذين يُؤمنُونَ بِالْغَيْبِ ويقيمون الصَّلَاة وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفقُونَ (3) } فَلهَذَا خصهم بِهِ)).
ص45 : ((فَإِن قيل: لم ذكر الْهدى ثَانِيًا وَقد وَصفهم بِالْهدى مرّة؟ قيل: كَرَّرَه لفائدة التَّأْكِيد أَو يُقَال: الْهدى الأول من الْقُرْآن، وَالْهدى الثَّانِي من الله، وَفِيه بَيَان أَن الْهِدَايَة من الله تَعَالَى وَمن كَلَامه كَمَا هُوَ مَذْهَب أهل السّنة)).
ص48 : ((فَإِن قَالَ قَائِل: مَا معنى قَوْله: {يخادعون الله} وَهَذَا يُوهم الشّركَة فِي المخادعة، وَقد جلّ الله تَعَالَى عَن الْمُشَاركَة فِي المخادعة؟ ! الْجَواب: قَالَ الْحسن الْبَصْرِيّ: مَعْنَاهُ يخادعون نَبِي الله.
وَقَالَ غَيره من الْمُفَسّرين مَعْنَاهُ: يعاملون الله مُعَاملَة المخادعين)).

قوله تعالى : ((وَإِذا قيل لَهُم آمنُوا كَمَا آمن النَّاس قَالُوا أنؤمن كَمَا آمن السُّفَهَاء أَلا إِنَّهُم هم السُّفَهَاء وَلَكِن لَا يعلمُونَ )) [البقرة : 13]
ص50 : ((فَإِن قيل: كَيفَ يلْزمهُم الْحجَّة إِذا كَانُوا لَا يعلمُونَ؟
قيل: يلْزمهُم الْحجَّة بِمَا أوضح من السَّبِيل، وَنصب من الدَّلَائِل، وجهلهم لَا يكون عذرا لَهُم)).
ص51 : ((فَإِن قَالَ قَائِل: مَا معنى الِاسْتِهْزَاء من الله تَعَالَى؟ قُلْنَا فِيهِ أَقْوَال: قَالَ بَعضهم: مَعْنَاهُ يجازيهم على صنيعهم، إِلَّا أَنه سَمَّاهُ الله استهزاء؛ لِأَنَّهُ جَزَاء الِاسْتِهْزَاء؛ كَمَا قَالَ: {وَجَزَاء سَيِّئَة سَيِّئَة مثلهَا} وَإِن لم يكن الْجَزَاء سَيِّئَة حَقِيقَة.
وَقَالَ بَعضهم: يستهزىء بهم أَي يعيبهم، وَمِنْه قَوْله تَعَالَى: {يكفر بهَا ويستهزأ بهَا} أَي: يعاب كَذَلِك هَذَا.
وَقَالَ أهل الرِّوَايَة مَعْنَاهُ: الله يستهزىء بهم فِي الْآخِرَة، والاستهزاء بهم فِي الْآخِرَة يحْتَمل وَجْهَيْن؛ أَحدهمَا: أَن يضْرب للْمُؤْمِنين على الصِّرَاط نورا يَمْشُونَ بِهِ، وَإِذا وصل المُنَافِقُونَ إِلَيْهِ حَال بَينهم وَبَين الْمُؤمنِينَ، فَذَلِك الِاسْتِهْزَاء بهم؛ كَمَا قَالَ: {فَضرب بَينهم بسور لَهُ بَاب} .
وَالثَّانِي: أَنه يقربهُمْ من الْجنَّة، حَتَّى إِذا رأو زهرتها وحسنها وبهجتها، واستنشقوا رائحتها صرفهم عَنْهَا إِلَى النَّار، فَذَلِك الِاسْتِهْزَاء بهم، وَقد نطق عَنهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام بِمَعْنَاهُ حَدِيث فِي الصِّحَاح)).
ص52 : ((فَإِن قَالَ قَائِل: كَيفَ قَالَ: {ذهب الله بنورهم} وَلَا نور لَهُم، وَقَالَ فِي مَوضِع آخر: {يخرجهم من الظُّلُمَات إِلَى النُّور} وَلَا نور لَهُم؟ قيل: أَرَادَ بِهِ نور مَا أظهرُوا من الْإِسْلَام؛ وَذَلِكَ نوع نور.
وَقيل: قد يذكر مثله على معنى الحرمان كَمَا يُقَال: أخرجتني من صلتك، وَإِن لم يكن دَاخِلا فِي صلته. بِمَعْنى: أَنَّك حرمتني صلتك، كَذَلِك قَوْله تَعَالَى: {ذهب الله بنورهم} أَي: حرمهم ذَلِك النُّور)).
ص56 : ((فَإِن قيل: أَي فَائِدَة فِي قَوْله: {وَالَّذين من قبلكُمْ} فَإِن من عرف أَن الله خالقه فقد عرف أَنه خَالق غَيره من قبله؟ قيل: فَائِدَته الْمُبَالغَة فِي الْبَيَان، أَو يُقَال: فَائِدَته الْمُبَالغَة فِي الدعْوَة، يعْنى: إِذا كَانَ الله خالقكم وخالق من قبلكُمْ فَلَا تعبدوا إِلَّا إِيَّاه. وَفِيه إِشَارَة لِأَنَّهُ خلق الْأَوَّلين وأماتهم وابتلاهم فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة؛ فَأَشَارَ بِهَذَا إِلَى أَنى أفعل بكم مَا فعلت بهم)).
ص57 : ((فَإِن قَالَ قَائِل: التَّقْوَى [هِيَ] الْعِبَادَة، فَأَي شَيْء معنى قَوْله: اعبدوا لكَي تعبدوا؟ قُلْنَا مَعْنَاهُ: اعبدوه وَكُونُوا على حذر مِنْهُ، وَهَذَا دأب العابد أَن يعبد الله وَيكون على حذر مِنْهُ. وَقيل مَعْنَاهُ: اعبدوه وَكُونُوا على رَجَاء التَّقْوَى؛ بِأَن تصيروا فِي ستر ووقاية من عَذَاب الله تَعَالَى، وَحكم الله من وَرَائِكُمْ يفعل بكم مَا يَشَاء؛ وَهَذَا مثل قَوْله تَعَالَى: {فقولا لَهُ قولا لينًا لَعَلَّه يتَذَكَّر أَو يخْشَى} أَي: ادعواه إِلَى الْحق وكونا على رَجَاء التَّذَكُّر والخشية مِنْهُ. وَحكم الله وَرَاءه يفعل بِهِ مَا يَشَاء)).
ص58 : ((وَقَوله تَعَالَى: (وَإِن كُنْتُم فِي ريب) أَي: شكّ. فَإِن قيل: كَيفَ ذكره على التشكيك وهم فِي ريب على التَّحْقِيق؟ قيل: مثله جَائِز فِي كَلَام الْعَرَب؛ كَمَا يَقُول الرجل لغيره: إِن كنت رجلا فافعل كَذَا؛ وَإِن عرف أَنه رجل على التَّحْقِيق. قيل: أَرَادَ بِهِ " وَإِذ كُنْتُم " فَيكون على التَّحْقِيق، {مِمَّا نزلنَا} من الْقُرْآن {على عَبدنَا} يَعْنِي: على الرَّسُول)).
ص59 : ((فَإِن قيل: كَيفَ قَالَ: من مثل الْقُرْآن، وَلَا مثل لَهُ؟ قيل: أَرَادَ بِهِ من مثله على زعمهم.
وَفِيه قَول آخر: أَنه أَرَادَ بِهِ من مثل مُحَمَّد؛ لأَنهم كَانُوا يَقُولُونَ: إِنَّه مفتري فَقَالَ: فَأتوا بِسُورَة من مفترى مثله)).
ص63-64 : ((وَاخْتلفُوا فِي أَنه لما سمى خَليفَة؟ مِنْهُم من قَالَ: لِأَنَّهُ خَليفَة الْجِنّ؛ فَإِن الله تَعَالَى لما خلق الأَرْض أسكنها الْجِنّ، وَلما خلق السَّمَاء أسكنها الْمَلَائِكَة، ثمَّ لما خلق آدم أزعج الْجِنّ إِلَى أَطْرَاف الأَرْض؛ فَهُوَ الْخَلِيفَة الْجِنّ فِي الأَرْض.
وَقيل: إِنَّمَا سَمَّاهُ خَليفَة؛ لِأَنَّهُ يخلفه غَيره. فَيكون الْخَلِيفَة بِمَعْنى أَنه يخلف غَيره. وَيكون الْخَلِيفَة أَنه يخلفه غَيره.
وَقيل: إِنَّمَا سمى خَليفَة لِأَنَّهُ خَليفَة الله فِي الأَرْض؛ لإِقَامَة أَحْكَامه، وتنفيذ قضاياه، وَهَذَا هُوَ الْأَصَح)).
ص64 : ((قَوْله تَعَالَى: (قَالُوا أَتجْعَلُ فِيهَا من يفْسد فِيهَا) الْآيَة قَالَت الْمَلَائِكَة: أَتجْعَلُ فِيهَا من يفْسد فِيهَا ويسفك الدِّمَاء؟ ! فَإِن قيل: من أَيْن عمِلُوا ذَلِك؟ قيل: إِن الله تَعَالَى أعلمهم بذلك. وَقيل: اطلعوا عَلَيْهِ فِي اللَّوْح الْمَحْفُوظ)).
ص64 : ((فَإِن قيل: قَوْلهم {أَتجْعَلُ فِيهَا} . يشبه الِاعْتِرَاض عَلَيْهِ. وَقَوْلهمْ نَحن {نُسَبِّح بحَمْدك} يشبه التفاخر بِالْعَمَلِ؛ وَكِلَاهُمَا لَا يجوز على الْمَلَائِكَة. فَمَا معنى هَذَا الْكَلَام؟
قُلْنَا: أما قَوْلهم: {أَتجْعَلُ فِيهَا} مَعْنَاهُ: أَنْت جَاعل فِيهَا على سَبِيل التَّقْدِير، وَمثله قَول الشَّاعِر:
(ألستم خير من ركب المطايا ... وأندى الْعَالمين بطُون رَاح)
يَعْنِي أَنهم بِهَذِهِ الصّفة.
وَقَالُوا: إِنَّمَا قَالُوهُ على سَبِيل التَّعَجُّب طلبا لوجه الْحِكْمَة فِيهِ)).
ص68 : ((قَوْله تَعَالَى: {وَقُلْنَا يَا آدم اسكن أَنْت وزوجك الْجنَّة} أَرَادَ بزوجه حَوَّاء، فَإِن قيل: [لِمَ] أَمرهمَا بِدُخُول الْجنَّة، وَقد وعد أَن من دَخلهَا يكون خَالِدا فِيهَا فَكيف أخرجهُمَا من الْجنَّة؟
قُلْنَا: إِنَّمَا ذَلِك الْوَعْد فِي حق من يدخلهَا للثَّواب وَالْجَزَاء، وآدَم إِنَّمَا دخل الْجنَّة بالكرامة دون الثَّوَاب)).
قال تعالى : ((يَا بني إِسْرَائِيل اذْكروا نعمتي الَّتِي أَنْعَمت عَلَيْكُم وأوفوا بعهدي))
ص71 : ((فَإِن قَالَ قَائِل: لم أَمرهم بِالذكر وهم كَانُوا ذاكرين لتِلْك النعم؟ قُلْنَا: الذّكر بِمَعْنى الشُّكْر، وَمَعْنَاهُ: اشكروا نعمتي. وَإِنَّمَا ذكر بِلَفْظ الذّكر؛ لِأَن فِي الشُّكْر ذكرا، وَفِي الْكفْر نِسْيَانا. {وأوفوا بعهدي} أوفي يُوفى، ووفى يَفِي، بِمَعْنى وَاحِد. وَقد جمعهَا الشَّاعِر فِي بَيت وَاحِد فَقَالَ:
(أما ابْن عَوْف فقد أوفى بِذِمَّتِهِ ... كَمَا وفى بقلاص النَّجْم حاويها) )).
ص72 : (({وَلَا تَكُونُوا أول كَافِر بِهِ} يَعْنِي أول من كفر بِهِ. وَقيل: أول فريق كَافِر بِهِ. وهما فِي الْمَعْنى سَوَاء. فَإِن قيل: قد كفر بِهِ مشركو الْعَرَب قبلهم، فَكيف قَالَ: وَلَا تَكُونُوا أول كَافِر بِهِ؟ قُلْنَا: أَرَادَ بِهِ من أهل الْكتاب؛ لِأَن الْخطاب مَعَ أهل الْكتاب)).
قال تعالى : ((وَأقِيمُوا الصَّلَاة وَآتوا الزَّكَاة واركعوا مَعَ الراكعين))
ص73 : ((فَإِن قيل: قد أَمرهم فِي أول الْآيَة بِإِقَامَة الصَّلَاة، فَأَي شَيْء معنى هَذَا الْأَمر الثَّانِي: قُلْنَا: الأول مُطلق فِي حق الْكل، وَهَذَا الثَّانِي خطاب لقوم مخصوصين، قَالَ لَهُم: صلوا مَعَ الَّذين [سبقوكم] بِالْإِيمَان وَالصَّلَاة)).
قال تعالى : ((وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ))
ص74 : ((فَإِن قيل: مَا معنى الِاسْتِعَانَة بِالصَّوْمِ وَالصَّلَاة؟ قيل: لِأَن الصَّوْم يزهده فِي الدُّنْيَا. (وَكَذَلِكَ) فِي الصَّلَاة يقْرَأ مَا يحثه على الزّهْد فِي الدُّنْيَا. فَكَأَنَّهُ قَالَ: اسْتَعِينُوا بِهَذَيْنِ على الدّين؛ لتقووا على الإقبال على الْآخِرَة والإعراض عَن الدُّنْيَا)).
قال تعالى : ((وَإِذْ وَاعَدْنَا مُوسَى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظَالِمُونَ))
ص79 : ((فَإِن قَالَ قَائِل: المواعدة على وزن المفاعلة، فتقتضي اثْنَيْنِ يتواعدان، فَكيف تكون المواعدة من الله مَعَ مُوسَى؟
قُلْنَا: المواعدة من الله تَعَالَى بِالْأَمر، وَمن مُوسَى صلوَات الله عَلَيْهِ بِالْقبُولِ وَكَذَلِكَ الْوَعْد)).
قال تعالى : ((وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ))
ص81 : ((فَإِن قيل: إِذا مَاتُوا كَيفَ نظرُوا؟ قيل: مَعْنَاهُ: ينظر بَعْضكُم إِلَى بعض حِين أخذكم الْمَوْت. قيل: مَعْنَاهُ: تعلمُونَ وَيكون النّظر معنى الْعلم)).
قَال تَعَالَى: ((وَإِذ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لن نصبر على طَعَام وَاحِد))
ص85 : ((فَإِن قيل: كَانَ لَهُم الْمَنّ والسلوى، فَلم سماهما وَاحِدًا؟ ! قيل: كَانُوا يَأْكُلُون أَحدهمَا بِالْآخرِ (فَكَانَ) كطعام وَاحِد ، وَقيل: إِنَّه كَانَ أبدا على نسق وَاحِد، وَكَانَ من حَيْثُ اتساقه كطعام وَاحِد)).
ص86 : ((قَوْله تَعَالَى: {قَالَ أتستبدلون الَّذِي هُوَ أدنى بِالَّذِي هُوَ خير} يَعْنِي: أتختارون الْأَدْنَى على مَا هُوَ خير. فَإِن قيل: أَلَيْسَ فِيمَا سَأَلُوا الْحِنْطَة وَالْخبْز، وَهِي خير من الْمَنّ والسلوى فَلم سَمَّاهُ أدنى؟ قيل: أَرَادَ بِهِ أدنى فِي الْقيمَة، أَو أَرَادَ بِهِ أسهل وجودا على الْعَادة)).
ص87 : ((قَوْله تَعَالَى: ((وَيقْتلُونَ النَّبِيين بِغَيْر الْحق)) فَإِن قَالَ قَائِل: لم قَالَ: " بِغَيْر الْحق " وَقتل النَّبِيين لَا يكون إِلَّا بِغَيْر الْحق؟ ! قُلْنَا: ذكره وَصفا للْقَتْل، وَالْقَتْل يُوصف تَارَة بِالْحَقِّ، وَتارَة بِغَيْر الْحق وَهُوَ مثل قَوْله تَعَالَى ((قَالَ رب احكم بِالْحَقِّ)) . ذكر الْحق وَصفا للْحكم لَا أَن حكمه يَنْقَسِم إِلَى الْجور وَالْحق)).
قال تعالى : ((إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ))
ص88 : ((فَإِن قيل: قد ذكر فِي الْجُمْلَة ((إِن الَّذين آمنُوا)) فَكيف يَسْتَقِيم قَوْله ((من آمن بِاللَّه)) ؟ .
قيل: هَذَا فِي سلمَان وَأَتْبَاعه الَّذين آمنُوا بِمُحَمد قبل الْبَعْث. ثمَّ أقرُّوا بِهِ بعد الْبَعْث.
وَقيل: أَرَادَ بِهِ: من ثَبت على الْإِيمَان. وَقيل: أَرَادَ بالذين آمنُوا: الْمُنَافِقين الَّذين آمنُوا بِاللِّسَانِ)).
ص90 : ((فَإِن قيل: لم قَالَ: " قردة خَاسِئِينَ " وَإِنَّمَا تنْعَت القردة بالخاسئات؟ قيل: فِيهِ تَقْدِيم وَتَأْخِير. وَتَقْدِيره. خَاسِئِينَ قردة)).

قال تعالى : ((فَجَعَلْنَاهَا نَكَالًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهَا وَمَا خَلْفَهَا وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ))
ص90 : ((فَإِن قيل: كَيفَ يكون نكالا لما بَين يَديهَا وهم قد مضوا؟ قيل: أَرَادَ بِهِ الَّذين حَضَرُوا فِي ذَلِك الزَّمَان.
{وَمَا خلفهَا} الَّذين يأْتونَ من بعد " وَمَا " هَاهُنَا: بِمَعْنى " من " وَفِيه قَول آخر: أَرَادَ " لما بَين يَديهَا ": مَا سبقت من الذُّنُوب {وَمَا خلفهَا} مَا حضرت من الذُّنُوب الَّتِي أخذُوا بهَا.
وَفِيه قَول ثَالِث: أَرَادَ " بِمَا بَين يَديهَا " الْقرى الَّتِي كَانَت مَبْنِيَّة فِي الْحَال. وَمَا خلفهَا: بِالْحَدَثِ من الْقرى من بعد)).
ص92 : (({قَالُوا الْآن جِئْت بِالْحَقِّ} فَإِن قيل: قد كَانَ جَاءَ بِالْحَقِّ فِي كل مرّة. فَمَا معنى قَوْله {الْآن جِئْت بِالْحَقِّ} ؟ ! قيل: مَعْنَاهُ: الْآن أتيت بِالْبَيَانِ التَّام الشافي الَّذِي لم يبْق مَعَه لبس وَلَا إِشْكَال)).
قال تعالى : ((ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً))
ص95 : ((فَإِن قيل: لم قَالَ: أَو أَشد قسوة و " أَو " كلمة التشكيك؟ وَلم شبه بِالْحِجَارَةِ وَالْحَدِيد أَصْلَب من الْحِجَارَة؟ .
قُلْنَا: أما الأول مَعْنَاهُ وَأَشد قسوة. وَقيل: بل أَشد قسوة، وَهُوَ مثل قَوْله تَعَالَى: {إِلَى مائَة ألف أَو يزِيدُونَ} أَو بل يزِيدُونَ.
وَقَالَ جمَاعَة النَّحْوِيين: مَعْنَاهُ إِن شِئْت مثلهم بِالْحِجَارَةِ؛ وَإِن شِئْت مثلهم بِمَا هُوَ أَشد من الْحِجَارَة، فَأَنت مُصِيب فِي الْكل. وَهَذَا قَول حسن.
وَإِنَّمَا لم يشبه بالحديد؛ لِأَنَّهُ قَابل للين، فَإِنَّهُ يلين بالنَّار، وَقد لَان لداود عَلَيْهِ السَّلَام، وَالْحِجَارَة لَا تلين قطّ)).
ص96-97 : ((فَإِن قيل: الْحجر جماد لَا يفهم؛ فَكيف يخْشَى؟ ! قُلْنَا: قد قَالَ أهل السّنة: إِن لله تَعَالَى علما فِي الْموَات لَا يُعلمهُ غَيره.
وَقيل: إِن الله تَعَالَى يفهمهم ويلهمهم ذَلِك فيخشون بإلهامه، وبمثل هَذَا وَردت الْأَخْبَار.... وروى عَن النَّبِي أَنه قَالَ: " كَانَ حجر يسلم على بِمَكَّة قبل أَن أبْعث، وَأَنا أعرفهُ الْآن " الْخَبَر صَحِيح.
وَفِي الْبَاب حَدِيث أنس وَسَهل بن سعد، " أَن رَسُول الله كَانَ يخْطب إِلَى جذع فِي الْمَسْجِد قَائِما، فَلَمَّا اتخذ لَهُ الْمِنْبَر تحول إِلَيْهِ فَلَمَّا رقاه حن الْجذع ".... وَيشْهد لكل مَا قُلْنَا. قَوْله تَعَالَى: ((لَو أنزلنَا هَذَا الْقُرْآن على جبل لرأيته خَاشِعًا متصدعا من خشيَة الله)) .)).
ص100-101 : ((فَإِن قيل: مَا معنى قَوْله: ((مِمَّا كتبت أَيْديهم)) والكتب لَا يكون إِلَّا بِالْيَدِ؟ قيل: ذكره مُبَالغَة فِي التَّحْقِيق. وَقيل: مَعْنَاهُ أَنهم كتبُوا بِأَنْفسِهِم اختراعا)).
ص109 : (( ((قل فَلم تقتلون أَنْبيَاء الله من قبل إِن كُنْتُم مُؤمنين)) فَإِن قَالَ قَائِل: الْقَتْل كَانَ من آبَائِهِم فَكيف خَاطب الْأَبْنَاء بِهِ؟
الْجَواب قُلْنَا: قتل الْأَنْبِيَاء وَإِن وجد من الْآبَاء لَكِن الْأَبْنَاء رَضوا بِهِ، ووالوهم عَلَيْهِ؛ فَلهَذَا خَاطب الْأَبْنَاء بِهِ. وَأَيْضًا فَإِنَّهُ قَالَ: ((فَلم تقتلون أَنْبيَاء الله من قبل)) على صِيغَة الِاسْتِقْبَال، فَكَانَ اللَّائِق بِالْحَال أَن يَقُول فَلم قُلْتُمْ؟
وَأما قَوْله: ((فَلم تقتلون)) مَعْنَاهُ: فَلم قتلتم، لَكِن الْعَرَب قد تضع الْمَاضِي فِي مَوضِع الْمُسْتَقْبل، والمستقبل فِي مَوضِع الْمَاضِي، وَالدَّلِيل عَلَيْهِ قَوْله: ((من قبل إِن كُنْتُم مُؤمنين)) يَعْنِي فِي زعمكم.
وَقيل: مَعْنَاهُ: مَا كُنْتُم مُؤمنين على النَّفْي. كَقَوْلِه تَعَالَى: ((قل إِن كَانَ للرحمن ولد)) أَي: مَا كَانَ للرحمن ولد. وَفِيه قَول آخر سَيَأْتِي)).
ص117-118 : ((فَإِن قيل: مَا معنى إِنْزَال السحر على الْملكَيْنِ، وَمَا معنى تَعْلِيم السحر من الْملكَيْنِ، وَكِلَاهُمَا مستبعد؟ !
قيل: أما إِنْزَال السحر: بِمَعْنى التَّعْلِيم والإلهام يَعْنِي علما وألهما السحر.
وَقيل: هُوَ حَقِيقَة الْإِنْزَال، وَهُوَ إِنْزَال هَيْئَة السحر وكيفيته؛ لِيَنْتَهُوا عَنهُ، وَأما تَعْلِيم السحر من الْملكَيْنِ: بِمَعْنى الْإِعْلَام. وَمثله قَول الشَّاعِر:
(تعلم أَن بعد [الغي رشدا] ... وَأَن لهَذِهِ الغبر انقشاعا)
يعْنى: اعْلَم.
وَقيل: هُوَ على حَقِيقَة التَّعْلِيم، ثمَّ فِيهِ قَولَانِ: أَحدهمَا: أَنَّهُمَا يعلمَانِ كَيْفيَّة السحر لِيَنْتَهُوا) عَنهُ كَانَ الرجل يأتيهما فَيَقُول: مَا الَّذِي نهى الله عَنهُ؟ فَيَقُولَانِ: الشّرك. فَيَقُول: وَمَا الشّرك؟ فَيَقُولَانِ: كَذَا وَكَذَا.
ويأتيهما آخر فَيَقُول: مَا الَّذِي نهى الله عَنهُ؟ فَيَقُولَانِ: السحر. فَيَقُول: وَمَا السحر [فيعلمانه] كَيْفيَّة السحر لينتهي عَنهُ، وَكَذَا فِي كل الْمعاصِي.
وَالْقَوْل الثَّانِي: أَنه تَعْلِيم ابتلاء، سلطهما الله على تَعْلِيم السحر ابتلاء للنَّاس حَتَّى أَن كل من تعلم واعتقد وَعمل بِهِ كفر
وَمن لم يتَعَلَّم وَلم يعْمل بِهِ؛ لم يكفر. وَالدَّلِيل عَلَيْهِ قَوْله تَعَالَى: {إِنَّمَا نَحن فتْنَة} أَي: بلية {فَلَا تكفر} أَي: لَا تتعلم السحر. فتعمل بِهِ؛ فتكفر)).
ص122 : ((فَإِن قَالَ قَائِل: إِذا كَانَ الإنساء بِمَعْنى إِبَاحَة التّرْك. فَأَي فرق بَينه وَبَين النّسخ.
قُلْنَا: هما وَجْهَان من النّسخ إِلَّا أَنه أَرَادَ بالنسخ الأول: رفع الحكم وَإِقَامَة غَيره مقَامه، وَأَرَادَ بِالثَّانِي: نسخ الحكم، من غير إِقَامَة غَيره مقَامه. كَمَا ذكرنَا)).
ص123 -124:(( فَإِن قيل: أيش معنى قَوْله: ((نأت بِخَير مِنْهَا )) وآيات الْقُرْآن سَوَاء، لَا فضل لبعضها على بعض. وَإِن أَرَادَ بِهِ الْخَيْر فِي السهولة، فقد نسخ الأسهل بالأشق، مثل الصَّوْم كَانَ على التَّخْيِير بَينه وَبَين الْفِدْيَة، فنسخه بِصَوْم رَمَضَان على الحتم. فَمَا معنى الْخَيْرِيَّة؟
قُلْنَا: قد قيل، تَقْدِيره: نأت مِنْهَا بِخَير، أَي: نرفع آيَة ونأت بِآيَة.
وَالصَّحِيح: أَنه أَرَادَ بِالْخَيرِ الْأَفْضَل، يَعْنِي فِي النَّفْع والسهولة. وَمَعْنَاهُ: نأت بِخَير مِنْهَا، أَي: أَنْفَع وأسهل {أَو مثلهَا} فِي النَّفْع والسهولة. وَإِن نسخ الأسهل بالأشق فَمَعْنَى الْخَيْر فِيهِ بالثواب. فَإِن ثَوَاب الأشق أَكثر. فَإِن قيل: هما سَوَاء فِي (امْتِثَال) الْأَمر فَكيف يَخْتَلِفَانِ فِي الثَّوَاب؟ وَالْجَوَاب: أَن الله تَعَالَى يجوز أَن يثيب على الأشق أَكثر مِمَّا يثيب على الأسهل، وَقد وعد الثَّوَاب على صَوْم رَمَضَان مَا لم يعد على الصَّوْم الْمُخَير فِيهِ أَولا.
وَفِيه قَول آخر: أَنه أَرَادَ بقوله: {نأت بِخَير مِنْهَا} فِي نسخ الْقبْلَة خَاصَّة.
وَبِقَوْلِهِ: {أَو مثلهَا} على الْعُمُوم، وَذَلِكَ أَن التَّوَجُّه إِلَى الْكَعْبَة كَانَ خيرا للْعَرَب وأدعى لَهُم إِلَى الْإِسْلَام؛ إِذْ كَانَت فِي قُلُوبهم نفرة عَن التَّوَجُّه إِلَى الْبَيْت الْمُقَدّس؛ لِأَنَّهُ قبله الْيَهُود.
وَفِيه قَول ثَالِث: أَن المُرَاد بقوله: {نأت بِخَير مِنْهَا} يعْنى: فِي حَال نسخ الأول فَإِن الثَّانِي - الَّذِي نزل جَدِيدا وَيعْمل بِهِ - خير من الأول الْمَنْسُوخ الَّذِي لَا يعْمل بِهِ، وَهَذَا قَول بعيد)).
ص126 : ((فَإِن قيل: مَا معنى قَوْله {حسدا من عِنْد أنفسهم} وَلَا يكون الْحَسَد من عِنْد الْغَيْر؟ قيل: مَعْنَاهُ: من تلقائهم لم ينزل بِهِ كتاب وَلَا ورد بِهِ أَمر.
وَقيل: فِي الْآيَة تَقْدِيم وَتَأْخِير، وتقديرها: ود كثير من أهل الْكتاب من عِنْد أنفسهم لَو يردونكم من بعد إيمَانكُمْ كفَّارًا حسدا)).
ص134 : (({وَلَا يقبل مِنْهَا عدل وَلَا تنفعها شَفَاعَة وَلَا هم ينْصرُونَ} إِن قيل: أَلَيْسَ قد جعل الشَّفَاعَة للأنبياء وَغَيرهم، حَيْثُ قَالَ: {وَلَا يشفعون إِلَّا لمن ارتضى} وَقَالَ النَّبِي: " شَفَاعَتِي لأهل الْكَبَائِر من أمتِي "؟ قيل: أَرَادَ بقوله: {وَلَا تنفعها شَفَاعَة} فِي قوم مخصوصين، وهم الْيَهُود وَالْكفَّار)).
قال تعالى : ((وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ))
ص142 : ((فَإِن قيل: كَيفَ قَالَ: فَلَا تموتمن إِلَّا وَأَنْتُم مُسلمُونَ وَلَيْسَ بيدهم أَن لَا يموتوا إِلَّا مُسلمين؟
قيل مَعْنَاهُ: داوموا على الْإِسْلَام حَتَّى لَا يصادفكم الْمَوْت. إِلَّا وَأَنْتُم مُسلمُونَ، وَهَذَا كَقَوْل الْقَائِل: لَا أريتك تفعل كَذَا مَعْنَاهُ: لَا تفعل كَذَا، حَتَّى لَا أَرَاك وَأَنت فَاعل لَهُ)).
ص147-148 : ((قَوْله تَعَالَى: (تِلْكَ أمة قد خلت) أَي: مَضَت ((لَهَا مَا كسبت وَلكم مَا كسبتم وَلَا تسْأَلُون عَمَّا كَانُوا يعْملُونَ)) يَعْنِي: أَنكُمْ غير مسؤولين عَن أَعْمَالهم بل هم المسئولون.
فَإِن قيل: هَذَا تكْرَار؛ فَإِنَّهُ قد ذكره مرّة.
قُلْنَا: أما الأول: كَانَ فِي الْأَنْبِيَاء الَّذين سبق ذكرهم. وَهَذَا الثَّانِي: فِي الْيَهُود وَالنَّصَارَى الَّذِي سبق ذكرهم فِي هَذِه الْآيَات. أَو كَرَّرَه تَأْكِيدًا.
وَحكى عَن بعض الْعلمَاء أَنه سُئِلَ عَمَّا وَقع من الْفِتَن بَين عَليّ وَمُعَاوِيَة وَطَلْحَة وَالزُّبَيْر وَعَائِشَة رضوَان الله عَلَيْهِم - فَقَرَأَ ((تِلْكَ أمة قد خلت لَهَا مَا كسبت وَلكم مَا كسبتم)) الْآيَة وَهَذَا جَوَاب حسن فِي مثل هَذَا السُّؤَال)).
ص149 : ((قَوْله تَعَالَى: {وَمَا جعلنَا الْقبْلَة الَّتِي كنت عَلَيْهَا} أَي: مَا حولنا الْقبْلَة من بَيت الْمُقَدّس إِلَى الْكَعْبَة {إِلَّا لنعلم من يتبع الرَّسُول مِمَّن يَنْقَلِب على عَقِبَيْهِ} فَإِن قَالَ قَائِل: مَا معنى قَوْله: {إِلَّا لنعلم} وَهُوَ عَالم بالأشياء قبل كَونهَا؟
قُلْنَا بلَى كَانَ عَالما بِهِ علم الْغَيْب، وَإِنَّمَا أَرَادَ بِهَذَا: الْعلم الَّذِي يتَعَلَّق بِهِ الثَّوَاب وَالْعِقَاب، وَهُوَ الْعلم بِوُجُود الأتباع؛ فَإِن كَونه مَوْجُودا إِنَّمَا يعلم بعد الْوُجُود.
وَقيل: مَعْنَاهُ إِلَّا لنرى، وَهُوَ قريب من الأول.
وَقيل: الِابْتِلَاء مُضْمر فِيهِ، وَتَقْدِيره: إِلَّا لنبتلي فَيظْهر المتبع من المنقلب، وَفِي الْخَبَر: " أَن الْقبْلَة لما حولت إِلَى الْكَعْبَة، ارْتَدَّ قوم من الْمُسلمين إِلَى الْيَهُودِيَّة، وَقَالُوا: إِن مُحَمَّدًا رَجَعَ إِلَى دين آبَائِهِ ". فَهَذَا معنى قَوْله: ((مِمَّن يَنْقَلِب على عَقِبَيْهِ)) وَقَوله تَعَالَى: ((وَإِن كَانَت لكبيرة)) لثقيلة)).
ص154 -155: ((قَوْله تَعَالَى: {كَمَا أرسلنَا فِيكُم رَسُولا مِنْكُم} فَإِن قَالَ قَائِل: الْكَاف للتشبيه فَأَيْنَ الْمُشبه بِهِ؟ قُلْنَا: قَالَ عَليّ رَضِي الله: عَنهُ تَقْدِيره: فاذكره لي، كَمَا أرسلنَا فِيكُم رَسُولا فَيكون الذّكر على هَذَا القَوْل بِمَعْنى الشُّكْر. وَقيل: تَقْدِيره: ولأتم نعمتي عَلَيْكُم كَمَا أرسلنَا فِيكُم رَسُولا مِنْكُم، وَذَلِكَ أَن إِبْرَاهِيم صلوَات الله عَلَيْهِ كَانَ قد دَعَا دعوتين: دَعَا أَن يبْعَث فيهم رَسُولا مِنْهُم، ودعا إتْمَام النِّعْمَة على ذُريَّته بالرزق من الثمرات، فَأجَاب إِحْدَى الدعوتين بِأَن بعث فيهم رسلًا، ثمَّ أجَاب الدعْوَة الثَّانِيَة فَقَالَ: ولأتم نعمتي عَلَيْكُم، كَمَا أرسلنَا فِيكُم رَسُولا مِنْكُم)).
ص161 : ((قَوْله تَعَالَى: ((إِن الَّذين كفرُوا وماتوا وهم كفار أُولَئِكَ عَلَيْهِم لعنة الله وَالْمَلَائِكَة وَالنَّاس أَجْمَعِينَ)) فَإِن قَالَ قَائِل: قد قَالَ: ((النَّاس أَجْمَعِينَ)) والملعون من جملَة النَّاس؛ فَكيف يلعن نَفسه؟ قيل: يلعن نَفسه فِي الْقِيَامَة. قَالَ الله تَعَالَى: ((ويلعن بَعْضكُم بَعْضًا)) . )).
ص175-176 : ((قَوْله تَعَالَى: ((فَمن بدله بعد مَا سَمعه)) فَإِن قَالَ قَائِل: لم قَالَ: ((فَمن بدله)) بعلامة التَّذْكِير، وَالْمَذْكُور مؤنث، وَهِي: الْوَصِيَّة؟ قيل مَعْنَاهُ: فَمن بدل أَمر الْوَصِيَّة.وَقيل: مَعْنَاهُ: فَمن بدل قَول الْمُوصي؛ لِأَن الْوَصِيَّة تصدر عَن قَول الْمُوصي؛ فَرجع إِلَى الْمَعْنى دون اللَّفْظ، وَهَذَا مثل قَوْله تَعَالَى: {فَمن جَاءَهُ موعظة} أَي: جَاءَهُ وعظ، فَرجع إِلَى الْمَعْنى، كَذَا وَأَرَادَ بالتبديل: تَبْدِيل الشُّهَدَاء والأوصياء والأولياء)).
ص183 : ((وَقَوله تَعَالَى: {الَّذِي أنزل فِيهِ الْقُرْآن} فَإِن قَالَ قَائِل: إِنَّمَا أنزل الْقُرْآن فِي ثَلَاث وَعشْرين سنة فَكيف قَالَ: أنزل فِيهِ الْقُرْآن؟ وَالْجَوَاب: قَالَ ابْن عَبَّاس: أنزل الله تَعَالَى الْقُرْآن جملَة فِي رَمَضَان إِلَى بَيت فِي السَّمَاء الدُّنْيَا يُسمى بِبَيْت الْعِزَّة، ثمَّ مِنْهُ أنزل إِلَى الأَرْض إرْسَالًا.
روى وائله بن الْأَسْقَع عَن النَّبِي أَنه قَالَ: " أنزلت صحف إِبْرَاهِيم فِي أول لَيْلَة من رَمَضَان، وأنزلت التَّوْرَاة فِي اللَّيْلَة السَّادِسَة من رَمَضَان، وَأنزل الْإِنْجِيل فِي لَيْلَة الثَّالِث عشر من رَمَضَان، وَأنزل الْقُرْآن لأَرْبَع وَعشْرين من رَمَضَان ".
وَفِيه قَول ثَالِث مَعْنَاهُ: أنزل فِيهِ الْقُرْآن بفريضة صَوْم رَمَضَان)).
ص 198-199 : ((وَقَوله تَعَالَى: {تِلْكَ عشرَة كَامِلَة} فَإِن قَالَ قَائِل: لَا يشكل أَن الثَّلَاثَة والسبع عشرَة، فَلم قَالَ: تِلْكَ عشرَة كَامِلَة؟ قُلْنَا: قيل: إِنَّمَا قَالَه تَأْكِيدًا، وَمثله قَول الفرزدق:
(ثَلَاث وَاثْنَتَانِ فهن خمس ... وسادسة تميل إِلَى شمام)
وَهَذَا لِأَن الْعَرَب مَا كَانُوا يَهْتَدُونَ إِلَى الْحساب، وَكَانُوا يَحْتَاجُونَ إِلَى فضل شرح وَزِيَادَة بَيَان وَقد صَحَّ عَن رَسُول الله أَنه قَالَ: " الشَّهْر هَكَذَا وَهَكَذَا وَهَكَذَا حبس إبهامه فِي الكرة الثَّالِثَة ". فَأَشَارَ إِلَيْهِم بأصابعه ليعرفوا الْحساب.
وَقيل: فِيهِ تَقْدِيم وَتَأْخِير، يَعْنِي: فَصِيَام عشرَة أَيَّام: ثَلَاثَة أَيَّام فِي الْحَج، وَسَبْعَة إِذا رجعتم، وَقيل: إِنَّمَا قَالَ ذَلِك؛ لقطع توهم الزِّيَادَة، فَإِن قَوْله: فَصِيَام ثَلَاثَة أَيَّام فِي الْحَج وَسَبْعَة إِذا رجعتم. يُوهم وَخَمْسَة إِذا فَعلْتُمْ كَذَا، وَنَحْو ذَلِك، فَقَالَ: تِلْكَ عشرَة ليقطع توهم الزِّيَادَة)).
ص202-203 : ((قَوْله تَعَالَى: {ثمَّ أفيضوا من حَيْثُ أَفَاضَ النَّاس} يَعْنِي: من عَرَفَات.فَإِن قيل: كَيفَ قَالَ: ثمَّ أفيضوا بِكَلِمَة التعقيب والإفاضة من عَرَفَات إِنَّمَا تكون قبل الْوُصُول إِلَى الْمزْدَلِفَة؟ قُلْنَا: " ثمَّ " بِمَعْنى " الْوَاو " هَهُنَا، يَعْنِي: وأفيضوا. وَهُوَ مثل قَوْله: {ثمَّ كَانَ من الَّذين آمنُوا} أَي: وَكَانَ من الَّذين آمنُوا، فَيكون جمعا بَين الْحكمَيْنِ.
وَقيل: تَقْدِيره: ثمَّ أَمركُم أَن تفيضوا من عَرَفَات. وَهَذَا مثل قَوْله تَعَالَى: {ثمَّ آتَيْنَا مُوسَى الْكتاب} (وَإِنَّمَا آتَاهُ الْكتاب قبل مُحَمَّد لَكِن مَعْنَاهُ ثمَّ أخْبركُم أَنا آتَيْنَا مُوسَى الْكتاب) ، كَذَلِك هَاهُنَا، فَيكون عمل " ثمَّ " فِي الْأَمر لَا فِي الْإِفَاضَة)).
قال تعالى : ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ))
ص210 : ((فَإِن قَالَ قَائِل: كَيفَ خَاطب الْمُؤمنِينَ بِالدُّخُولِ فِي الْإِسْلَام؟ قيل: يحْتَمل مَعْنَاهُ: الثَّبَات على الْإِسْلَام، وَيحْتَمل أَنه خطاب للَّذين آمنُوا بِاللِّسَانِ وَلم يُؤمنُوا بِالْقَلْبِ)).
ص222 : ((فَإِن قَالَ قَائِل: الْكفَّار عنْدكُمْ مشركون كلهم، فَمن لَا يُنكر إِلَّا نبوة مُحَمَّد كَيفَ يكون مُشْركًا بِاللَّه؟
قُلْنَا: قَالَ أَبُو الْحُسَيْن بن فَارس صَاحب الْمُجْمل: هُوَ مُشْرك؛ لِأَنَّهُ يَقُول: الْقُرْآن الَّذِي أَتَى بِهِ مُحَمَّد كَلَام غير الله، وَهَذَا الْقُرْآن معجز لَا يَقُوله إِلَّا من كَانَ إِلَهًا، فَإِذا هُوَ كَلَام غير الله. وَكَأَنَّهُم أشركوا بِاللَّه غير الله)).
قال تعالى : ((وَلَا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ))
ص230 : ((فَإِن قيل: مَا معنى قَوْله: {إِن كن يُؤمن بِاللَّه} وَالْحكم فِي الْكَافِرَة مثل الحكم فِي المؤمنة؟ قيل: مَعْنَاهُ: أَن هَذَا من فعل الْمُؤْمِنَات، كَمَا يُقَال: إِن كنت مُؤمنا فأد حَقي. يَعْنِي: من فعل الْمُؤمنِينَ أَدَاء الْحُقُوق)).
ص236 : ((قَوْله تَعَالَى: (والوالدات يرضعن أَوْلَادهنَّ) هَذَا خبر بِمَعْنى الْأَمر.{حَوْلَيْنِ كَامِلين لمن أَرَادَ أَن يتم الرضَاعَة} .فالحولان: (مُدَّة) الرَّضَاع، فَإِن قَالَ قَائِل: لم قَالَ: كَامِلين؟
قيل: لِأَن الْحَوْلَيْنِ قد ينْطَلق على الْحول وَبَعض الْحول الثَّانِي، كَمَا فِي قَوْله: {الْحَج أشهر مَعْلُومَات} أطلق الْأَشْهر على شَهْرَيْن وَبَعض الثَّالِث، فَقَالَ: كَامِلين ليعرف أَنه أَرَادَ تَمام الْحَوْلَيْنِ. وَقيل: إِنَّمَا قَالَه تَأْكِيدًا)).
قال تعالى : ((نْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ))
ص247 : ((فَإِن قيل: كَيفَ يكون الْإِقْرَاض من الله تَعَالَى؟ قيل مَعْنَاهُ: يقْرض أَنْبيَاء الله. فَقَالَ الضَّحَّاك: مَعْنَاهُ: يتَصَدَّق لله، وَسَماهُ قرضا لِأَن الله تَعَالَى قد وعد الثَّوَاب عَلَيْهِ)).
قال تعالى : ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خُلَّةٌ وَلَا شَفَاعَةٌ وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ))
ص256-257 : ((وَقَوله: {وَلَا خلة} فَإِن قَالَ قَائِل: قد نفى الْخلَّة هَاهُنَا فِي الْقِيَامَة، وَقد قَالَ فِي آيَة أُخْرَى: {الأخلاء يَوْمئِذٍ بَعضهم لبَعض عَدو} فَأثْبت الْخلَّة.وَقيل: تَقْدِيره: الأخلاء فِي الدُّنْيَا بَعضهم لبَعض عَدو يَوْم الْقِيَامَة، وَإِنَّمَا قَالَ {وَلَا خلة وَلَا شَفَاعَة} وَذَلِكَ أَن الْكفَّار كَانُوا يَقُولُونَ: إِن الْمَلَائِكَة أخلاؤنا والأصنام شفعاؤنا فَقَالَ: لَا تَنْفَع خلتهم وَلَا شفاعتهم)).
ص261 : ((وَقَوله: {وَالَّذين كفرُوا أولياؤهم الطاغوت يخرجونهم من النُّور إِلَى الظُّلُمَات} أَي: من الْإِسْلَام إِلَى الْكفْر.
فَإِن قَالَ قَائِل: كَيفَ يخرجونهم من الْإِسْلَام وَلم يدخلُوا فِيهِ؟ قيل: هُوَ فِي قوم من الْمُرْتَدين خَاصَّة.
وَقيل: هُوَ على الْعُمُوم؛ وَذَلِكَ أَنهم لما عدلوا وصرفوا عَن الْإِسْلَام؛ فكأنهم أخرجُوا عَنهُ، يَقُول الرجل لغيره: أخرجتني عَن صلتك، أَي: لم تعطني، وَلم تصلني)).
ص262 : ((وَقَوله: {قَالَ إِبْرَاهِيم فَإِن الله يَأْتِي بالشمس من الْمشرق فأت بهَا من الْمغرب} فَإِن قَالَ قَائِل: لم انْتقل إِبْرَاهِيم من حجَّة إِلَى حجَّة، وَهَذَا يكون عَجزا؟ قيل: كَانَت الْحجَّة الأولى لَازِمَة، ومعارضة نمروذ إِيَّاه كَانَت فَاسِدَة؛ لِأَنَّهُ أَرَادَ بِهِ الْحَيَاة وَالْمَوْت اختراعا، وَلم يُعَارضهُ بِمثلِهِ لكنه خَافَ أَن يشْتَبه على السامعين، فَأتى بِحجَّة أوضح من الأولى؛ مُبَالغَة فِي الْإِلْزَام، وقطعا لشغب)).
ص262 : ((وَقَوله: {فبهت الَّذِي كفر} أَي: تحير بِغَلَبَة الْحجَّة عَلَيْهِ. وَمِنْه قَول الشَّاعِر:
(وَمَا هُوَ إِلَّا أَن أَرَاهَا فَجْأَة ... فأبهت حَتَّى مَا أكاد أُجِيب)
فَإِن قَالَ قَائِل: كَيفَ بهت وَكَانَ يُمكنهُ أَن يُعَارض إِبْرَاهِيم فَيَقُول لَهُ: سل أَنْت رَبك حَتَّى يَأْتِي بهَا من الْمغرب؟ قُلْنَا: إِنَّمَا لم يقلهُ؛ لِأَنَّهُ خَافَ أَن لَو سَأَلَهُ ذَلِك دَعَا، فَأتى بهَا من الْمغرب؛ فَكَانَ زِيَادَة فِي فضيحته وانقطاعه.
وَالصَّحِيح أَن الله صرفه عَن تِلْكَ الْمُعَارضَة إِظْهَار للحجة عَلَيْهِ، ولتكون معْجزَة لإِبْرَاهِيم)).
ص263 : ((فَإِن قَالَ قَائِل: كَيفَ قَالَ: أَنى يحيى هَذِه الله بعد مَوتهَا، وَهَذَا يكون سَببه الشَّك فِي قدرته؟ قيل: لم يكن شاكا فِيهِ؛ وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِك استبعادا على مَا يُقَال فِي الْعَادة، أَي: لَا يحي هَذِه الله بعد خرابها.
قَالَ عَطاء: دخل فِي قلبه مَا يدْخل فِي قُلُوب النَّاس)).
ص265-266 : ((وَقَوله: {قَالَ بلَى وَلَكِن لِيَطمَئِن قلبِي} فَإِن قَالَ قَائِل: أَكَانَ إِبْرَاهِيم شاكا فِيهِ حَتَّى احْتَاجَ إِلَى السُّؤَال، وَمَا معنى قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام: " نَحن أَحَق بِالشَّكِّ من إِبْرَاهِيم "؟ وَالْجَوَاب: أَنه لم يكن شاكا فِيهِ، وَلكنه إِنَّمَا آمن بالْخبر وَالِاسْتِدْلَال، فَأَرَادَ أَن يعرفهُ عيَانًا.
قَالَ عِكْرِمَة: لِيَزْدَادَ يَقِينا على يَقِين؛ لِأَن العيان فَوق الْخَبَر فِي ارْتِفَاع الْعلم. وَقد قَالَ عَلَيْهِ السَّلَام: " لَيْسَ الْخَبَر كالمعاينة " وَأما قَوْله: {وَلَكِن لِيَطمَئِن قلبِي} ؛ وَذَلِكَ أَنه لما سَأَلَ ذَلِك تعلق بِهِ قلبه، فَقَالَ: وَلَكِن لِيَطمَئِن قلبِي عَن ذَلِك التَّعَلُّق.
وَقيل: إِنَّمَا قَالَ ذَلِك لِأَن الله تَعَالَى لما اتَّخذهُ خَلِيلًا، قَالَ ملك الْمَوْت: يَا رب، ائْذَنْ لي حَتَّى أُبَشِّرهُ؛ فبشره بِأَن الله اتخذك خَلِيلًا فَأَرَادَ أَن يرِيه الله إحْيَاء الْمَوْتَى تَخْصِيصًا لَهُ بكرامته؛ لِيَطمَئِن قلبه بالخلة.
وَقيل مَعْنَاهُ: وَلَكِن لِيَطمَئِن قلبِي، فأعرف أَنِّي إِذا سَأَلتك أَعْطَيْتنِي، وَإِذا دعوتك أجبتني. وَأما قَوْله: " نَحن أَحَق بِالشَّكِّ من إِبْرَاهِيم " إِنَّمَا قَالَه على سَبِيل التَّوَاضُع، يَعْنِي: نَحن دونه، وأحق بِالشَّكِّ مِنْهُ، فَإِذا لمن نشك نَحن فَكيف يشك إِبْرَاهِيم)).
ص268 : ((وَقَوله: {كَمثل حَبَّة أنبتت سبع سنابل فِي كل سنبلة مئة حَبَّة} ضربه مثلا لِلْمُتقين وَمَا وعد من الثَّوَاب على الْإِنْفَاق.
فَإِن قَالَ قَائِل: كَيفَ ضرب الْمثل بِهِ، وَهل يتَصَوَّر فِي كل سنبلة مئة حَبَّة؟
قيل: لما كَانَ ذَلِك متصورا فِي الْجُمْلَة، صَحَّ ضرب الْمثل بِهِ وَإِن لم يعرف، وَمثله مَا قَالَه امْرُؤ الْقَيْس:
(ومسنونة زرق كأنياب أغوال ... )
وناب الغول لَا يعرف، وَلَكِن لما تصور وجوده بِالْجُمْلَةِ مثل بِهِ. وَقيل: هُوَ يتَصَوَّر فِي سنبلة الدخن وَنَحْوه)).
قال تعالى : ((هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ))
ص294-295 : ((فَإِن قَالَ قَائِل: لم لم يقل: هن أُمَّهَات الْكتاب؟ قيل: قَالَ الْفراء: تَقْدِيره: هن الشَّيْء الَّذِي هُوَ أصل الْكتاب. وَقَالَ غَيره: مَعْنَاهُ: كل وَاحِدَة مِنْهُنَّ أصل الْكتاب، كَمَا يُقَال: الْقَوْم أَسد على، أَي: كل وَاحِد مِنْهُم أَسد على، وَمَعْنَاهُ: هن أصل الْكتاب؛ لِأَن الْخلق يفزعون إِلَيْهِ، كَمَا تفزع الْفُرُوع إِلَى الْأُصُول، فَإِن قَالَ قَائِل: كَيفَ فرق هَا هُنَا بَين المحكمات والمتشابهات، وسمى كل الْقُرْآن متشابها فِي قَوْله تَعَالَى {الله نزل أحسن الحَدِيث كتابا متشابها} . وسمى الْكل محكما حَيْثُ قَالَ: {الر. كتاب أحكمت آيَاته} ؟ قُلْنَا: لما ذكر هُنَالك {كتابا متشابه} على معنى: أَنه يشبه بعضه بَعْضًا فِي الْحق والصدق، وَإِنَّمَا ذكر فِي الْموضع الآخر {أحكمت آيَاته} على معنى أَن الْكل حق وجد، لَيْسَ فِيهِ عَبث وَلَا هزل، ثمَّ ذكر تَفْصِيلًا آخر بعده، فَجعل الْبَعْض محكما وَالْبَعْض متشابها)).
قال تعالى : ((قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ))
ص311 : ((فَإِن قَالَ قَائِل: لم كرر اسْم الله مرَارًا، وَكَانَ يَكْفِيهِ: أَن يَقُول فَإِنَّهُ لَا يحب الْكَافرين؟ قيل: هُوَ على عَادَة الْعَرَب؛ فَإِن من عَادَتهم أَنهم إِذا عظموا شَيْئا كرروا ذكره، وَأنْشد سِيبَوَيْهٍ فِي مثل ذَلِك:
(لَا أرى الْمَوْت سبق الْمَوْت شَيْء ... نغص الْمَوْت زلته الْغَنِيّ وَالْفَقِير) )).
ص312 : (({وَإِنِّي سميتها مَرْيَم} ، فَإِن قَالَ قَائِل: مَا معنى قَوْلهَا: وَإِنِّي سميتها مَرْيَم؟ قيل: حَتَّى تعرف هَل وَقع ذَلِك الِاسْم بِرِضا الله تَعَالَى حَتَّى يُغير أَو يُقرر)).
قال تعالى : ((فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ))
ص315-316 : ((فَإِن قَالَ قَائِل: " كلمة الله " لَا يكون مخلوقا، وَقد أَنْكَرْنَا على النَّصَارَى قَوْلهم: " الْمَسِيح ابْن الله "، وَقَوْلهمْ: " إِن الله ثَالِث ثَلَاثَة "، فَكيف نَعْرِف أَن عِيسَى كلمة الله؟ قيل: فِيهِ ثَلَاثَة أَقْوَال:
أَحدهمَا: أَنه كلمة الله على معنى: أَنه يكون بِكَلِمَة من الله حَيْثُ قَالَ لَهُ: " كن فَكَانَ "، من غير سَبَب وَلَا عِلّة، وصنع بشر وإلقاء نُطْفَة.
الثَّانِي: أَنه كلمة الله على معنى: أَنه يهتدى بِهِ، كَمَا يهتدى بِكَلَام الله.
وَالثَّالِث: أَن الله تَعَالَى كَانَ قد أخبر سَائِر الْأَنْبِيَاء، وَوَعدهمْ فِي كتبه أَنه يخلق نَبيا بِلَا أَب، ووعد مَرْيَم أَنه يُولد لَهَا ولد بِلَا أَب، فَلَمَّا تكون عِيسَى سَمَّاهُ كلمة؛ لِأَنَّهُ حصل بِتِلْكَ الْكَلِمَة، وَذَلِكَ الْوَعْد، وَهُوَ كَمَا تَقول الْعَرَب: أَنْشدني كلمتك، أَي: قصيدتك، وَقيل لحسان: إِن الحوديرة أنشأ قصيدة، فَقَالَ: لعن الله كَلمته، أَي: قصيدته، فَلَمَّا حصلت القصيدة بكلمته سمى ذَلِك كلمة)).
قال تعالى : ((قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ وَامْرَأَتِي عَاقِرٌ قَالَ كَذَلِكَ اللَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ))
ص316 : ((فَإِن قيل: كَانَ شاكا فِي وعد الله تَعَالَى حِين قَالَ: {رب أَنى يكون لي غُلَام} قيل: إِنَّمَا قَالَه على سَبِيل التَّوَاضُع، يَعْنِي: مثلي على هَذَا الْكبر من مثل هَذِه الْعَجُوز يكون لَهُ الْوَلَد، وَقيل مَعْنَاهُ: كَيفَ يكون لي هَذَا الْغُلَام؟ أتردني لحالة الشَّبَاب، أم يكون الْغُلَام على حَال الْكبر؟)).
ص323-325 : ((قَوْله تَعَالَى: {إِذْ قَالَ الله يَا عِيسَى إِنِّي متوفيك} أَي: وَاذْكُر قَول الله لعيسى: إِنِّي متوفيك {ورافعك إِلَيّ} . فَإِن قَالَ قَائِل: مَا معنى التوفي، وَعِيسَى فِي الْأَحْيَاء على زعمكم؟ قُلْنَا: فِيهِ أَقْوَال، قَالَ الْحسن الْبَصْرِيّ: مَعْنَاهُ: إِنِّي قابضك من الأَرْض، وَهُوَ صَحِيح عِنْد أهل اللُّغَة، فَيُقَال: توفيت حَقي من فلَان. أَي: قبضت.
قَالَ الازهري: كَأَنَّهُ يَقُول: إِنِّي متوفى عدد آبَائِك فِي الأَرْض، وكل شَيْء تمّ فَهُوَ متوفى، ومستوفى، وَقَالَ الْفراء: فِيهِ تَقْدِيم وَتَأْخِير، وَتَقْدِيره: إِنِّي رافعك إِلَى ومتوفيك " أَي: بعد النُّزُول من السَّمَاء.
وَقد ثَبت عَن رَسُول الله أَنه قَالَ: " ليهبطن عِيسَى بن مَرْيَم حكما مقسطا يكسر الصَّلِيب وَيقتل الْخِنْزِير "، وَفِي رِوَايَة: " أَنه يقتل الدَّجَّال بِبَاب لد " من دمشق، وَفِي الْأَخْبَار: أَنه يعِيش بعد ذَلِك فِي الأَرْض سبع سِنِين، ويتزوج، ويولد لَهُ. ثمَّ يَمُوت، ويصلوا عَلَيْهِ الْمُؤْمِنُونَ من هَذِه الْأمة.
وَهَذَا التَّقْدِيم وَالتَّأْخِير الَّذِي ذكرنَا فِي الْآيَة محكى عَن ابْن عَبَّاس وَله قَول آخر: أَن الْآيَة على حَقِيقَة الْمَوْت، وَأَن عِيسَى قد مَاتَ، ثمَّ أَحْيَاهُ الله تَعَالَى وَرَفعه إِلَى السَّمَاء.
قَالَ وهب بن مُنَبّه: أَمَاتَهُ الله ثَلَاث سَاعَات من النَّهَار، ثمَّ أَحْيَاهُ الله، وَرَفعه إِلَيْهِ، وَقَالَ الرّبيع ابْن أنس: التوفي: هُوَ النّوم، وَكَانَ عِيسَى قد نَام، فرفعه الله نَائِما إِلَى السَّمَاء، وَالْمَعْرُوف: الْقَوْلَانِ الْأَوَّلَانِ.
وَقد روى عَن رَسُول الله أَنه قَالَ: " رَأَيْت ابْني الْخَالَة: عِيسَى، وَيحيى فِي السَّمَاء الثَّانِيَة لَيْلَة الْمِعْرَاج "، وروى أَيْضا: " أَنه رآهما فِي السَّمَاء الدُّنْيَا " وَالْأول أصح، وَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام: " رَأَيْت الْمَسِيح بن مَرْيَم يطوف بِالْبَيْتِ " فَدلَّ على أَن الصَّحِيح أَنه فِي الْأَحْيَاء، وَفِي أَخْبَار الْمِعْرَاج: " أَن النَّبِي لقى آدم فِي السَّمَاء الأولى وَعِيسَى فِي السَّمَاء الثَّانِيَة ويوسف فِي السَّمَاء الثَّالِثَة، وَإِدْرِيس فِي السَّمَاء الرَّابِعَة وَهَارُون فِي السَّمَاء الْخَامِسَة ومُوسَى فِي السَّمَاء السَّادِسَة، - وَفِي رِوَايَة السَّمَاء السَّابِعَة - وَإِبْرَاهِيم فِي السَّمَاء السَّابِعَة ")).
ص326 : ((قَوْله تَعَالَى: {الْحق من رَبك فَلَا تكن من الممترين} ، فَإِن قيل: أَكَانَ شاكا فِي الْحق حَتَّى نَهَاهُ عَن الشَّك؟ قيل: الْخطاب مَعَ النَّبِي، وَالْمرَاد بِهِ: الْأمة، وَقيل مَعْنَاهُ: قل للشاك فِيهِ: الْحق من رَبك فَلَا تكن من الشاكين)).
قال تعالى : ((فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ))
ص327 : ((فَإِن قَالَ قَائِل: كَيفَ قَالَ: {وأنفسنا} وَعلي - رَضِي الله عَنهُ - غَيره؟ قيل: الْعَرَب تسمى ابْن عَم الرجل نَفسه، وَعلي كَانَ ابْن عَمه، وَقيل: ذكره على الْعُمُوم لجَماعَة أهل الدّين)).
قال تعالى : ((مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ))
ص330 : ((فَإِن قَالَ قَائِل: لم قَالَ {حَنِيفا مُسلما} وَالْمُسلم: هُوَ الَّذِي يكون على جَمِيع مَا أَتَى بِهِ مُحَمَّد رَسُول الله، وَإِبْرَاهِيم لم يكن على جملَة شَرِيعَته؟
قيل: قد كَانَ على بعض شَرِيعَته؛ فَيكون بذلك مُسلما؛ كمن مَاتَ من هَذِه الْأمة فِي بَدْء الْأَمر، كَانَ مُسلما بِبَعْض شَرِيعَته؛ فَإِنَّهَا إِنَّمَا تمت، واستقرت فِي آخر الْأَمر، وَيحْتَمل أَن يكون قَوْله: {مُسلما} بِمَعْنى: الانقياد من قَوْله: {أسلم قَالَ أسلمت لرب الْعَالمين} ؛ فَلذَلِك قَالَ: {حَنِيفا مُسلما وَمَا كَانَ من الْمُشْركين} )).
قال تعالى : ((وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ))
ص344 : ((فَإِن قَالَ قَائِل: مَنعه إيَّاهُم عَن الْكفْر؛ يكون الرَّسُول فيهم، يُوهم إِبَاحَة الْكفْر فِي حَال لَا يكون الرَّسُول فيهم، قيل: وَلَا يَخْلُو حَال من كَون الرَّسُول فيهم، فَإِنَّهُ الْيَوْم وَإِن كَانَ خَارِجا من بَينهم، فشرعه قَائِم بَينهم، فَيكون كَأَنَّهُ فيهم)).
ص345 : (({وَلَا تموتن إِلَّا وَأَنْتُم مُسلمُونَ} ، فَإِن قَالَ قَائِل: كَيفَ نَهَاهُم عَن الْمَوْت على الْكفْر، وَالْمَوْت لَا يدْخل تَحت الْأَمر وَالنَّهْي؟ ! قيل: مَعْنَاهُ: دوموا على الْإِسْلَام، حَتَّى إِذا وافاكم الْمَوْت ألفاكم على الْإِسْلَام، هَذَا كَمَا يَقُول الرجل لغيره: لَا أريتك تفعل كَذَا. مَعْنَاهُ: لَا تفعل كَذَا، حَتَّى إِذا رَأَيْتُك (لَا) أَرَاك على فعله)).
ص348 : ((قَوْله تَعَالَى: {كُنْتُم خير أمة} فَإِن قَالَ قَائِل: مَا معنى قَوْله: {كُنْتُم خير أمة} وَمَتى كَانُوا بِتِلْكَ الصّفة؟ قيل: أَرَادَ بِهِ: كُنْتُم خير أمة فِي اللَّوْح الْمَحْفُوظ. وَقيل: أَرَادَ بِهِ صرتم خير أمة إِذا آمنتم. وَقيل: يُقَال لَهُم يَوْم الْقِيَامَة: {كُنْتُم خير أمة أخرجت للنَّاس تأمرون بِالْمَعْرُوفِ وتنهون عَن الْمُنكر}...)).
قال تعالى : ((لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ))
ص356 : ((فَإِن قَالَ قَائِل: أَي اتِّصَال لقَوْله: {أَو يَتُوب عَلَيْهِم} بقوله {لَيْسَ لَك من الْأَمر شَيْء} ؟ قيل: مَعْنَاهُ: لَيْسَ لَك من الْأَمر شَيْء، حَتَّى يَتُوب عَلَيْهِم، أَو إِلَى أَن يَتُوب عَلَيْهِم، وَمثله قَول امْرِئ الْقَيْس: (فَقلت لَهَا لَا تبك عَيْنك إِنَّمَا ... نحاول ملكا أَو نموت فنعذرا)
أَي: حَتَّى نموت، فنعذرا، وَيحْتَمل أَنه على نسق قَوْله: ليقطع طرفا من الَّذين كفرُوا أَو يكبتهم أَو يَتُوب عَلَيْهِم أَو يعذبهم فَإِنَّهُم ظَالِمُونَ لَيْسَ لَك من الْأَمر شَيْء.وَالْأَمر أَمْرِي فِي ذَلِك كُله)).
ص357 : ((فَإِن قيل: قد قَالَ الله تَعَالَى: {وَفِي السَّمَاء رزقكم وَمَا توعدون} ، وَأَرَادَ بِالَّذِي وعدنا الْجنَّة، فَإِذا كَانَت فِي السَّمَاء، فَكيف يكون عرضهَا السَّمَوَات وَالْأَرْض؟ قيل: إِن بَاب الْجنَّة فِي السَّمَاء وعرضها السَّمَوَات وَالْأَرْض كَمَا أخبر ، وَقيل: أَرَادَ بِهِ فِي الْقِيَامَة، فَإِن الله يزِيد فِيهَا، فَيصير عرضهَا السَّمَوَات وَالْأَرْض إِذا (وصلت السَّمَوَات وَالْأَرْض) بَعْضهَا بِبَعْض، وَأما طولهَا [فَلَا يُعلمهُ] إِلَّا الله)).
قال تعالى : ((إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ))
ص361 : ((فَإِن قَالَ قَائِل: مَا معنى قَوْله: {وليعلم الله الَّذين آمنُوا} ، وَهُوَ عَالم بهم أبدا؟ قيل: مَعْنَاهُ: وليعلم الصابرين على الْجِهَاد فِي مَوَاطِن الْجِهَاد ليعاملهم مُعَاملَة من يبتليهم؛ فيعلمهم، وَالْعلم بِالْجِهَادِ فِي مَوَاطِن الْجِهَاد إِنَّمَا يَقع بعد وُقُوع الْجِهَاد، وَقيل: الْعلم الأول: علم الْغَيْب، وَقَوله: {وليعلم} يَعْنِي: علم الْمُشَاهدَة، والوقوع والمجازة على علم الْوُقُوع لَا على علم الْغَيْب)).
قال تعالى : ((وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ))
ص362 : ((فَإِن قيل: مَا معنى قَوْله: {وَأَنْتُم تنْظرُون} ، وَقد قَالَ: {فقد رَأَيْتُمُوهُ} ؟ (قيل) : يحْتَمل [أَن تكون] الرُّؤْيَة بِمَعْنى الْعلم؛ فَقَالَ:
{وَأَنْتُم تنْظرُون} ليعلم أَن المُرَاد بِالرُّؤْيَةِ هَا هُنَا: التفكر، قَالَه الْأَخْفَش، وَقيل: إِنَّمَا قَالَه تَأْكِيدًا، وَقيل: مَعْنَاهُ: وَأَنْتُم تنْظرُون إِلَى مُحَمَّد)).
قال تعالى : ((وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ كِتَابًا مُؤَجَّلًا وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الْآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ))
ص363 : (( (وَمن يرد ثَوَاب الدُّنْيَا نؤته مِنْهَا) فَإِن قيل: نَحن نرى من يُرِيد الدُّنْيَا، فَلَا يُؤْتى؟ قيل: مَعْنَاهُ: لَا يمْنَع عَنهُ مَا قدر لَهُ من ثَوَاب الدُّنْيَا بِسَبَب كفره.{وَمن يرد ثَوَاب الْآخِرَة نؤته مِنْهَا} فَإِن قيل: وَهل يُؤْتى ثَوَاب الْآخِرَة بِمُجَرَّد الْإِرَادَة؟ قيل مَعْنَاهُ: وَمن يرد بِالْعَمَلِ، وَهَذَا كَمَا يُقَال: فلَان يُرِيد الْجنَّة، أَي: يعْمل للجنة)).
ص384 : (({وَللَّه مِيرَاث السَّمَوَات وَالْأَرْض} فَإِن قَالَ قَائِل: كَيفَ يكون لَهُ مِيرَاث السَّمَوَات وَالْأَرْض؟ قيل: الْعَرَب تسمى كل مَا انْتقل من أحد إِلَى غَيره مِيرَاثا بِأَيّ سَبَب كَانَ، فَلَمَّا خلصت السَّمَوَات وَالْأَرْض لله تَعَالَى بعد هَلَاك الْعباد، سَمَّاهُ مِيرَاثا، كَأَنَّهُ انْتقل مِنْهُم إِلَيْهِ )).
ص385-386 : ((فَإِن قَالَ قَائِل: أَي فرق بَين الزبر وَالْكتاب؟ وَقد قَالَ: {والزبر وَالْكتاب الْمُنِير} قيل: الْكتاب اسْم لما كتب، وَضم بعض الْكَلِمَات فِيهِ إِلَى بعض من الْكتب (وَهُوَ) الضَّم، وَأما الزبر: مَأْخُوذ من الزبر وَهُوَ الزّجر، فالزبور: كتاب فِيهِ مزاجر)).
ص386 : ((فَإِن قَالَ قَائِل: لَا يخفي أَن كل نفس تَمُوت، فأيش الْفَائِدَة فِي قَوْله: {كل نفس ذائقة الْمَوْت} ؟ قيل: أَرَادَ بِهِ: التزهيد بالدنيا، يَعْنِي: أَن النُّفُوس إِلَى الفناء؛ فتزهدوا بالدنيا، {وَإِنَّمَا توفون أجوركم يَوْم الْقِيَامَة} )).
قال تعالى : {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا}
ص395-396 : ((فَإِن قيل: كَيفَ يعرف هَذَا، وَكَيف يلتئم بِذَاكَ هَذَا؟ قيل: مَعْنَاهُ: أَن الله تَعَالَى لما شدد فِي أَمْوَال الْيَتَامَى، تحرج الْمُسلمُونَ عَنْهَا غَايَة التحرج، وشرعوا فِي نِكَاح النِّسَاء، واستهانوا بِهِ؛ فَنزلت الْآيَة، وَأَرَادَ: إِنَّكُم كَمَا تحرجتم عَن أَمْوَال الْيَتَامَى؛ خوفًا من الْجور، فتحرجوا عَن الزِّيَادَة على الْأَرْبَع أَيْضا؛ خوفًا من الْجور والميل، فَهَذَا معنى قَوْله: {فانكحوا مَا طَابَ لكم} أَي: مَا حل لكم {من النِّسَاء مثنى وَثَلَاث وَربَاع} أَي: لَا تجاوزوا الْأَرْبَع)).