المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : أَوْجُهُ البَيَانْ فِي كَلَامِ الرَّحْمَنْ (ظلال الساجدين)



أهــل الحـديث
03-02-2014, 03:31 AM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم




بسم الله الرحمن الرحيم



أَوْجُهُ البَيَانْ فِي كَلَامِ الرَّحْمَنْ (ظلال الساجدين)




قال تعالى : { وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَظِلَالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ } [الرعد:15]

مقدمة :
الحمدلله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيراً أما بعد
فقد استوقفتني هذه الآية الكريمة كثيراً فجهدت في فهم أوجه البيان فيها ، وعندما رجعت لكلام السلف رحمهم الله وجدت تأويلات لم أتبين منها المعنى المتسق مع قواعد كلية في القرآن الكريم حتى ظننت أن الله أكرمني جل وعلا بفهم وجه من وجوه البيان في هذه الآية الكريمة لعلي اعرضه آملاً من كل قارئ كريم أن يعقب بما يصوب ما وصلت إليه فإن أصبت فمن الله وحده وإن أخطأت فأسأل الله لي ولكم المغفرة والأجر، وسأبدأ بعرض آراء المفسرين رحمهم الله وما نقلوه من فهم بعض السلف رحمهم الله جميعاً ، ثم أبيّن ما وصلت إليه بإذن الله.
أقوال المفسرين رحمهم الله:
· تفسير القرطبي رحمه الله : قوله تعالى : ولله يسجد من في السماوات والأرض طوعا وكرها وظلالهم بالغدو والآصال قوله تعالى : ولله يسجد من في السماوات والأرض طوعا وكرهاقال الحسن وقتادة وغيرهما : المؤمن يسجد طوعا ، والكافر يسجد كرها بالسيف . وعن قتادة أيضا : يسجد الكافر كارها حين لا ينفعه الإيمان . وقال الزجاج : سجود الكافر كرها ما فيه من الخضوع وأثر الصنعة . وقال ابن زيد : " طوعا " من دخل في الإسلام رغبة ، و " كرها " من دخل فيه رهبة بالسيف . وقيل : " طوعا " من طالت مدة إسلامه فألف السجود ، و " كرها " من يكره نفسه لله تعالى ; فالآية في المؤمنين ، وعلى هذا يكون معنى " والأرض " وبعض من في الأرض . قال القشيري : وفي الآية مسلكان : أحدهما : أنها عامة والمراد بها التخصيص ; فالمؤمن يسجد طوعا ، وبعض الكفار يسجدون إكراها وخوفا كالمنافقين ; فالآية محمولة على هؤلاء ، ذكره الفراء . وقيل على هذا القول : الآية في المؤمنين ; منهم من يسجد طوعا لا يثقل عليه السجود ، ومنهم من يثقل عليه ; لأن التزام التكليف مشقة ، ولكنهم يتحملون المشقة إخلاصا وإيمانا ، إلى أن يألفوا الحق ويمرنوا عليه . والمسلك الثاني : وهو الصحيح - إجراء الآية على التعميم ; وعلى هذا طريقان : أحدهما : أن المؤمن يسجد طوعا ، وأما الكافر فمأمور [ ص: 264 ] بالسجود مؤاخذ به . والثاني : وهو الحق - أن المؤمن يسجد ببدنه طوعا ، وكل مخلوق من المؤمن والكافر يسجد من حيث إنه مخلوق ، يسجد دلالة وحاجة إلى الصانع ; وهذا كقوله : وإن من شيء إلا يسبح بحمده وهو تسبيح دلالة لا تسبيح عبادة .
· تفسير ابن كثير رحمه الله : يخبر تعالى عن عظمته وسلطانه الذي قهر كل شيء ، ودان له كل شيء . ولهذا يسجد له كل شيء طوعا من المؤمنين ، وكرها من المشركين ، ( وظلالهم بالغدو ) أي : البكر والآصال ، وهو جمع أصيل وهو آخر النهار ، كما قال تعالى : ( أولم يروا إلى ما خلق الله من شيء يتفيأ ظلاله عن اليمين والشمائل سجدا لله وهم داخرون ) [ النحل : 48 ] .
· تفسير ابن جرير رحمه الله :قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره : فإن امتنع هؤلاء الذين يدعون من دون الله الأوثان والأصنام لله شركاء من إفراد الطاعة والإخلاص بالعبادة له فلله يسجد من في السماوات من الملائكة الكرام ومن في الأرض من المؤمنين به طوعا ، فأما الكافرون به فإنهم يسجدون له كرها حين يكرهون على السجود . كما : -

- 20298 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : ( ولله يسجد من في السماوات والأرض طوعا وكرها ) ، فأما المؤمن فيسجد طائعا ، وأما الكافر فيسجد كارها .

- 20299 - حدثني المثنى قال : حدثنا سويد قال : أخبرنا ابن المبارك ، عن سفيان قال : كان ربيع بن خثيم إذا تلا هذه الآية : ( ولله يسجد من في السماوات والأرض طوعا وكرها ) قال : بلى يا رباه .

- 20300 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد ، في قوله : ( ولله يسجد من في السماوات والأرض طوعا وكرها ) قال : من دخل طائعا ، هذا طوعا ( وكرها ) من لم يدخل إلا بالسيف .[ ص: 404 ] وقوله : ( وظلالهم بالغدو والآصال ) يقول : ويسجد أيضا ظلال كل من سجد طوعا وكرها بالغدوات والعشايا . وذلك أن ظل كل شخص فإنه يفيء بالعشي ، كما قال جل ثناؤه ( أولم يروا إلى ما خلق الله من شيء يتفيأ ظلاله عن اليمين والشمائل سجدا لله وهم داخرون ) ، [ سورة النحل : 48 ] .وبنحو الذي قلنا في ذلك قال جماعة من أهل التأويل .

- ذكر من قال ذلك :

- 20301 - حدثني محمد بن سعد قال : حدثني أبي قال : حدثني عمي قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : ( وظلالهم بالغدو والآصال ) ، يعني : حين يفيء ظل أحدهم عن يمينه أو شماله .

- 20302 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا عبد الله بن الزبير ، عن سفيان قال في تفسير مجاهد : ( ولله يسجد من في السماوات والأرض طوعا وكرها وظلالهم بالغدو والآصال ) قال : ظل المؤمن يسجد طوعا وهو طائع ، وظل الكافر يسجد طوعا وهو كاره .

- 20304 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله : ( وظلالهم بالغدو والآصال ) قال : ذكر أن ظلال الأشياء كلها تسجد له ، وقرأ : ( سجدا لله وهم داخرون ) [ سورة النحل : 48 ] . قال : تلك الظلال تسجد لله .

· تفسير البغوي رحمه الله : قوله عز وجل : ( ولله يسجد من في السماوات والأرض طوعا ) يعني : الملائكة والمؤمنين ( وكرها ) يعني : المنافقين والكافرين الذين أكرهوا على السجود بالسيف .
أقول : أما في القول بأن قوله تعالى (كرهاً) فيعني به الكافر الذي يسجد خوفاً من القتل فكيف يستشهد الله بما ينهى عنه ويستنكره ؟ فهو جل وعلا يقول وقوله الحق : { وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّىٰ يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ } [يونس:99] ونهى ونفى الإكراه في الدين فقال جل من قائل : { لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىٰ لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ } [البقرة:256]، والكافر حين سجوده (إكراها) فهو بين أمرين ، إما أن سجوده تقية لا تعقد به نية لله بل قد يسجد وفي نفسه انه يصرف سجوده لإلهه وهنا لا يصح ولا ينطبق السجود المذكور في الآية على حاله ، وإما أنه يسجد لله وهنا انتفى الكفر وثبت الإيمان طالما انعقدت نيته أن سجوده لله خالصاً.
ثم أن القول بأن الإكراه يراد به هنا من اكره بالإسلام تحت سطوة السيف قول نافح المسلمين عقوداً طويلة ينكرونه ويتبرؤون منه فكيف نثبته هنا بأن المسلمين أدخلوا الناس في الإسلام بحد السيف وبقوة المنتصر وليس إيماناً والله جلَّ وعلا يقول : { لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنْفُسِكُمْ وَمَا تُنْفِقُونَ إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ } [البقرة:272] ، ويقول جل وعلا { لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ } [الكافرون:6].
أما القول باقتصار ذلك على المؤمن المتثاقل للطاعة والمؤمن الذي لا يثقل عليه السجود ففيه حصر لمقصد الآية وتضييق لمراد الله الظاهر بسعة من شملتهم في الآية من كل شيء يسجد له كالجن مثلاً، فالله جل وعلا يقول في موضع آخر : { وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ دَابَّةٍ وَالْمَلَائِكَةُ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ } [النحل:49]




أوجه الآية ومفاهيمها

لكي نتمكن من إدراك مفاهيم هذه الآية الكريمة ينبغي أن ندرك ونفهم آيتين أخريين يقودنا فهمهما إلى معرفة الوجه الصحيح من البيان ، ولا شك أن تكامل الآيات الثلاث وانتفاء التعارض بينها على الفهم الذي سأبينه يدل على صحته واتساقه.
وتلكم الثلاث آيات مترابطة معنوياً وكلُّ منها يفسر الأخرى من وجه والأخرى تفسر أختها من وجه آخر فيحصل التكامل بينها جميعا.
أول هذه الآيات قوله تعالى:
{ ثُمَّ اسْتَوَىٰ إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ } [فصلت:11]
وكان ذلك دليل رحمة الله جل وعلا حكمته وسعة علمه فقد خيَّر السماء والأرض حين شرع في خلقهما إما أن يكونا بعد اكتمال خلقهما عابدين لله (طوعاً) أم يختارا أن يعبدان الله (كرهاً) فاختارا أن يكونا طائعين ، والمراد من الإتيان (طوعاً) :
أن تسلب منهما الإرادة والاختيار فيكونا مطيعين لله لا خيار لهما في منهجهما بل يمتنع عليهما العصيان ولا يملكان من أمرهما سوى المضي في أمر الله على كل حال.
هذا اختيارهما ، ولو كانا اختارا الإتيان كرها فإن هذا يعني أن طاعتهما لله تكون بمغالبة انفسهما عن عصيانه وأن تستلزم الطاعة إرادة تسيطر عليهما وتغلب نفساً أمارة بالسوء حتى تتحقق الطاعة ، وهنا قد يخضعا للنفس الأمارة فيعصيان الله ، لذا فقد أشفقا من ذلك واختارا الجبر على الطاعة.
ولو تتبعنا السياق بعد تلك الآية لرأينا كيف أصبحت طاعتهما لا عوج فيها ولا نقص فكل من عذبه الله كان بتسخيرهما لتنفيذ أمر الله في حق كل عاصٍ مجرم بلا تردد ولا إعراض عن أمر الله يقول جل وعلا في سياق تلك الآية:
فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ (13) إِذْ جَاءَتْهُمُ الرُّسُلُ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ قَالُوا لَوْ شَاءَ رَبُّنَا لَأَنْزَلَ مَلَائِكَةً فَإِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ (14) فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ (15) فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي أَيَّامٍ نَحِسَاتٍ لِنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَخْزَىٰ وَهُمْ لَا يُنْصَرُونَ (16) وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَىٰ عَلَى الْهُدَىٰ فَأَخَذَتْهُمْ صَاعِقَةُ الْعَذَابِ الْهُونِ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (17)
فسخر الله هذه المخلوقات العظيمة الطائعة كطاعة الملائكة لا خيار فيها ولا إرادة تحتمل الرفض والعصيان.

ثاني هذه الآيات قوله تعالى:
{ إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا } [الأحزاب:72]
وهذه صورة أخرى من الصور التي يعرضها لنا ربنا جلت قدرته حين خلق السماوات والأرض والجبال فكانت الأمانة التي خيَّروا أن يحملوها وهي ( الإرادة والاختيار) فكان الاختيار لمرة واحدة فاختارا أن يكونا طائعين لا إرادة لهما في الطاعة فيكونا كالملائكة:
وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ دَابَّةٍ وَالْمَلَائِكَةُ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ (49) يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ (50)
فانضم لجمع الطائعين كل مخلوقات الله إلا الإنس والجن فهما يملكان إرادة الاختيار والتمييز يقهران أنفسهما طاعة لله ويكرهانها على التزام التقوى وإتباع أوامر الله وترك نواهيه أو يخضعان لأهواهما فيكون منهما العصيان والخلود للشهوة والشيطان.
وإشفاق السموات والأرض والجبال من الأمانة ( أمانة الاختيار) لأنهم يعلمون أنهم لو انحرفوا عن منهج الله لكان انحراف الشمس مثلا بأن تعصي الله فتتوقف عن أداء وظائفها في حين ضعفٍ أمام شهوة أو نفس أمارة فماذا عسى نتيجة ذلك إلا هلاك كل حي على وجه الأرض فيكون إشفاقا مما سيلحق بهم من عذاب بعد انحرافهم وعصيانهم فكان اختيارهم أن يكونا في طاعة لا سبيل معها للاختيار أو الانحراف.
ولكن الإنسان حملت خلقته وطبيعته أمانة الاختيار فكان (ظلوماً) لنفسه عندما لم يدرك قيمة الإرادة التي سلبت من سواه وكان (جهولا) بما ينتظره إن هو أكره نفسه على الطاعة وعسفها عن المعصية بما لا يتأتى لسواه من المخلوقات.
ثالث هذه الآيات قوله تعالى:


{ وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَظِلَالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ } [الرعد:15]

وهي موضع هذا البحث ، فالله جلت قدرته يخبرنا بأن كل من خلقه الله طائعاً لا إرادة له من ملائكة وجبال وشجر وجماد وحيوان ونحوه يسجد لله ، وكل من خلقه الله ذا إرادة يُـكْرِهُ نفسه الأمارة على التزام الطاعة وينهاها عن المعصية (كالبشر والجن) يسجدان أيضاً لله وظلال هؤلاء وهؤلاء تسجد لله بسجودهم ، ويبين تعالى أن حركة ظلال الأشياء في وقت الغدوة والروحة سجوداً له جل وعلا.
فكل أولئك يسجدون لله وظلالهم فلا يظن الكافر العاصي أن السموات والأرض خلت من الساجدين لله ولا يعلم أن كل طائع بفطرته وكل مؤمن بإرادته وظلالهم تسجد لله وتسبحه وتذكره ولم تخلوا الأرض من الطائعين الأبرار.

ومفهوم الإكراه بهذه الصورة في كتاب الله ليس بجديد ، فيقول جل جلاله:
{ وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَىٰ وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ } [الأحقاف:15]
فقد خلق الله لها آلة الحمل والولادة وأعضائها تؤدي هذه المهمة ، ولو كرهت ذلك أو أكرهت عليه فإنها لا تملك منعه بكرهها أو إكراهها فقد فطرها الله على أن تحمل وتضع وترضع فكان جسدها قابلا لذلك مهيئاً له ، وكذلك الإنسان في حمله للأمانة فقد هيأ الله نفسه أن يملك أمره بنفسه فيختار الإيمان أو ينحرف للكفر فلا يمكن أن يسلبه احد إرادته ولو تمنى أن يكون طائعاً تبقى فطرته لا تخلو من المغالبة بين الحق والباطل ، والطاعة والعصيان.
فكان مفهوم الآية الكريمة إذ ذاك يتحدث عن المؤمنين فقط ، المؤمنين فطرةً ، والمؤمنين اختياراً، وهذا أدق من القول بأن المراد هو الطائعين بلا مشقة والطائعين بتثاقل ومشقة ، فالمفهوم الذي تحدثنا عنه أوسع واشمل وأكثر تماهيا مع السياق وموافقة للمراد والله أعلى وأعلم وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم.


رابط الموضوع في المدونة (http://rolexyman.wordpress.com/2014/02/03/%d8%a3%d9%8e%d9%88%d9%92%d8%ac%d9%8f%d9%87%d9%8f-%d8%a7%d9%84%d8%a8%d9%8e%d9%8a%d9%8e%d8%a7%d9%86%d 9%92-%d9%81%d9%90%d9%8a-%d9%83%d9%8e%d9%84%d9%8e%d8%a7%d9%85%d9%90-%d8%a7%d9%84%d8%b1%d9%91%d9%8e/)