المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : خطبة : الجوال نعمة أم نقمة ؟!



أهــل الحـديث
30-01-2014, 09:00 PM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم



الجوال نعمة أم نقمة؟!

للشيخ / موسى بن سعيد آل ماهل
بجامع راحة سنحان 11/1/1435هـ


الخطبة الأولى

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه ..
ثم أما بعد...
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ)
عنوان هذه الخطبة : الجوال نعمة أم نقمة؟!
وبينما أطفاله في انتظاره ، يرقبون تلك اليدَ الحانية ، والقُبْلة الساخنة ، والنظْرةَ الغالية ، والابتسامةَ الواسعة ، تفاجؤوا بخَيْبةِ أمَل ، فقد دخل والدهم الغالي في عيونهم حاملاً جوالَه في يده ، لا يدري ما أمامَه ، ولا يعي ما حوله ، دخل منهمكاً في جواله يقلب ناظرَيْهِ فيه ، فلا سلامَ ولا كلام ، ولربما يستمر الحالُ ساعاتٍ طويلة حينما يرجعُ الأطفالُ في سباتهم ولَهْوهم ولعِبِهم مُدْركين أنْ لا أبَ لهم!
تحادثه زوجتُه فيتظاهر لها بشغله العميق ، وما ذاك إلا جهاز في يده يقلّبه كيفما شاء!
بل وصل الحال بالبعض أنّ جوالَه لا يفارق يده في حالة جلوسه أمام والديه ، فكلمةٌ لهم وعشراتُ الكلمات لجواله وخليله ، ولحظةٌ معهم ولحَظَاتُ مع جهازه وحبيبه!
يدخل مجلساً عامراً بالضيوف وإذْ بجواله لا يفارق أُصْبَعه ، ولربما كان في استقبالٍ لزائره ومحبيه ولكن يا ليْتَهم ما زارُوه!
عباد الله : واقعنا فرَضَ علينا مثل هذه الأجهزة ، وأصبحت كأساسٍ في حياة الفرد صغيراً كان أو كبيراً ، ذكراً كان أو أنثى ، بل أصبحت في أيدي البعض مُفاخَرةً ومكابرة ، يتابع كل جديد منها ، ولا يأْبَهُ بمالٍ في سبيلها ، ولا بوقتٍ يصرف من أجلها!
أيها المؤمنون : عارٌ والله وأي عارٍ أن يتعدَّى الأمر ببعض المسلمين حتى يصبح هذا الجهاز في يده أثناءَ خطبةِ الجمعة ، أو أثناءَ درسٍ علمي ، أو أثناء محاضرةٍ دينية.
ألهذا المستوى وصل الحال بالبعض؟! أهذا دليلٌ على أهمية هذا الجهاز؟! أم دليلٌ على عَشْوائيةٍ وفراغٍ يعيشهما صاحبُه؟!
ويا ليت أنّ الأمر يقتصر على شيءٍ مباح ، لكنّك تخشى والله أن يصل الأمر إلى نظرٍ لمِاَ حرّم الله ، أو رسائلَ تُنْشَر تحمل الغيبةَ والكذبَ والسخريةَ بالمسلمين ، تخشى من قصصٍ مكذوبة ، وأحاديثَ موضوعةٍ يبُثُّها البعض من خلال جواله ولا يهتمّ لذلك ، ولا يفكر في عواقب فعله ، فإذا به يخسر وقتَه ، ويقع في معصية ربِّه ، وينشر الجُرْم في مجتمعه.
عباد الله : كم من رسالة قد يرسلها الشخص وهي تحمل غِيْبةً لمسلم فتُنْشَر في الآفاق ، ويبقى الإثم والوِزْرُ على مُرسِلها.
كم من رسالة قد يرسلها الشخص وهي تحمل كذباً وافتراءً ، ومِن أعظم الكذبِ ما يُنْقل من أحاديثَ مكذوبةٍ وتُنْسب لرسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ، ثم تُبَثُّ على نطاقٍ واسع ، وحينها يبقى الإثمُ والعار.
أيها المؤمنون : لا أعْني بكلماتي هذه نسْفَ ما للجوال من فوائد . كَلاَّ ، ولا أعْني احتقارَ من بيده جوال . أبداً ، فهذا واقع غزانا في قَعْر بيوتنا ، وأصبح لدى أطفالنا ، ويكادُ أن يكون من بدائِيَّات حاضرنا.
لكني قصدْتُ التذكيرَ بهذه المساوئِ والسلبياتِ الناجمةِ عن استخدام البعض لهذا الجهاز من نظرٍ حرامٍ ورسائلَ تُنْشَر وهي غير موثوقةٍ ، وهدْرٍ للأوقات ، وذهابٍ لهيْبةِ المجالس ، وتفكُّكٍ للأُسَر ، من باب الحذَر ، والحذرَ أُريد.
ولنتذكر قول ربنا (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ)
ويقول تعالى (إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ) ويقول النبي صلى الله عليه وسلم ( لاتزولُ قدَمَا عبدٍ يوم القيامة حتى يُسألَ عن أربعِ خصالٍ : عن عُمُرِه فِيمَ أفناه ، وعن شبابه فِيمَ أبلاه ، وعن ماله من أين اكتسبه وفِيمَ أنفقه ، وعن علمه ماذا عمل فيه) رواه الترمذي وقال حسن صحيح .
ويقول صلى الله عليه وسلم (نِعْمتان مغبونٌ فيهما كثير من الناس : الصحّة والفراغ) رواه البخاري.
عباد الله : ولعلَّ مِن أبرز ما يُعالجَ ُبه هذا الاستخدامُ السلبيّ لهذا الجهاز عند البعض أن يتذكر أهمية الوقت ما سمعنا من الأدلة السابقة ، وعلاوةً على ذلك فقد أقسم الله به في كتابه فقال (والعصر)(والضحى)(والشمس)(وال� �يل)(والفجر) وغيرها .
فالله ما أوْجَدَنا إلا لعبادته والسعي في مرضاته ، فلا يكن هذا الجوالُ مختلساً لأوقاتنا مُهدِراً لأعمارنا.
فكم من الساعات تُقضَى مع هذا الجهاز ولربما أن كثيراً منها فيما لا فائدة منه ، بل قد يعود بالإثم والنكال على صاحبه.
ثانياً/ مما يُعالِجُ مثلَ هذه السلبيات أثناء استخدامِ هذا الجوال أن تكون قدوةً في بيتك ، وفي عملك ، وفي مجتمعك، فكم من مُرَبٍّ قد يَعِيْبُ على من تحتَ يدِه من ولدِه أو تلميذِه أو غيرِ ذلك ، وهو السبب في ذلك.
لا يكاد يرفع رأسه عن جواله ، ولربما فيما يغضبُ الله ، فأنَّى لولده ولمن تحتَ يده أن يستجيب؟!
ونيبنا صلى الله عليه وسلم يقول (ما من عبْدٍ يَسْتَرْعِيهِ اللهُ رعيةً ، يموت يوم يموت وهو غاشٌّ لرعيّته إلا حرّم الله عليه الجنة) متفق عليه.
قال ابن القيم يرحمه الله : "فمَنْ أهملَ تعليمَ ولدِه ما ينفعُه ، وترَكَه سُدىً فقد أساءَ غايةَ الإساءة ، وأكثرُ الأولاد إنما جاء فسادُهم من قِبَلِ الآباء وإهمالهِم ، وترْكِ تعليمِهم فرائضَ الدِّين وسُننِه فأَضَاعوهم صغاراً ، فلم ينتفعوا بأنفسهم ، ولم ينفعوا آباءَهم كبارا"]تحفة المولود في أحكام المولود[.
ثالثاً/ مما تُعالَجُ به سلبياتُ الجوال التذكيرُ بالله وبمراقبته ، والخوف منه وخشيته ، فعندما يتذكر المرء ربَّه ، ويتعرَّف على مولاه ، ويغرِس هذا الخوف في قلوب أولاده ومن يعول ، ينتج عن ذلك ما تحمد عُقْباهُ بإذن الله.
فهذا واقع تَحَتَّم ، والخَلاص منه بالكليّة قد يصعُب ، ورفْضُ إدخاله للبيوت قد ينْدُر ، فلا أنجحَ من زرْع الخوف من الله في القلوب (يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ) ، (مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ) ، (وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ)
عباد الله : قلت ما قلت ، وأستغفر الله لجميع المسلمين إنه غفور رحيم .




الخطبة الثانية

الحمد لله حمداً حمداً ، والشكر له شكراً شكراً ، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلّم تسليماً كثيراً ، ثم أما بعد :
فإنّ مِن علاج هذه السلبيات أيضا أن نعْلمَ أن للجوال من الفوائد والإيجابيات الشيءَ الكثير ، فكما أنّه نقمةٌ في أيدي البعض إلا أنه نعمةٌ في أيد أخرى ، وكما أنّ هناك من يعصي الله به إلا أنّ هناك من يطيع الله به ، وكما أنّ هناك من يدعو إلى الشرِّ به إلا أن هناك من يدعو إلى الخير به.
فالجوال نعمة . إذْ بِه تَصِلُ الرَّحِمَ البعيد ،وتتفقّد حال القريب والبعيد ، وتدعو برسائلك وتغريداتك إلى الله العزيز الحميد ، فكن ممن استفاد من حاضره لمستقبله ، ومن ماضيه لحاضره .
ختاماً/ الجوال سلاح ذو حدَّيْن ، فهو نعمة بِيَدِ رَجُل قدَرَهُ قَدْرَه ، فلم يَغْلِب على وقته ، جعله نبراسَ هداية الناس برسائلَ معطَّرةٍ بالذّكْر ، وتغريداتٍ مهذّبةٍ بالحكمة ، ومكالماتٍ طابِعُها الأدب ، فهو مُحتَرِمٌ لوقته وعقله ، ولوقت غيره وعقولهم ، فهنيئاً لهذا وأمثاله ، وهنيئاً لجوالٍ هذا صاحبه!
كما أنه نقمة في يد رجل جعله لُبَّ وقته ، فأضاع عُمُرَهُ في القيل والقال ، والغيبة والكذب ، فلا لنفسِه نفَع ، ولا لوقته منَع ، ولا لعقله رفَع .
الجوال نعْمةٌ أم نقْمة؟! سؤال اجعله بخَلَدِك ، وأجب عنه لوحْدِك ، وأَعِدَّ العُدّة لموتك ، وصلِّ وسلِّم على حبيبك .
(إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)...