المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الكلام في تفسير قوله تعالي " لا إكراه في الدين "



أهــل الحـديث
25-01-2014, 05:50 PM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم




بسم الله الرحمن الرحيم



الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام علي النبي الأمين أما بعد .... فبعد أن تمادي الزمان منذ أن نزل القرآن زاغت قلوب وأذهان ففشت آراء ومفاهيم واضحة البطلان في هدي المصطفي وشريعة الرحمان فقد نشأ أقوام في هذا الزمان زعموا أن القرآن يمنع اكراه أهل الأديان للدخول في دين الأسلام وتعلقوا بقول ذي الجلال والإكرام


{لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ} [البقرة: 256]

وقبل أن نخوض في الكلام نود الإعلام بقواعد استنباط الأحكام لدي علماء الاسلام وهو-
الجمع بين الأدلة بلا نقصان ولا كتمان: فلقد ضل كثير من الأنام بأن تمسكوا بطرف من أدلة القرآن والسنن وأغمضوا العيون عن طرف آخر كالعميان كما فعل الخوارج في أقدم الزمان فزعموا ما فعله الصحابيان علي ومعاوية عليهما رضا الرحمن من تحكيم أبي موسي وعمرو ابن العاص في الإصلاح بين المسلمين الإخوان شركا وكفرا بحجة قوله تعالي {إن الحكم إلا لله} [الأنعام:57] فقال علي رضي الله تعالي عنه وأرضاه {كلمة حق أريد بها الباطل} [صحيح مسلم] فلم يلتفتوا الي الآيات الأخري التي تدل علي تحكيم الأناس في أمور الدنيا والدين كقوله تعالي {فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا} [النساء: 35] وقوله تعالي {فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ} [المائدة: 95] فإذا تمسكوا بواحدة من الأيات وغفلوا عن غيرها من الأخوات تحيروا وضلوا ضلالا بعيدا من الخروج من طاعة الإمام وتكفير خير القرون والأمم وهكذا القدرية وأهل الاعتزال وغيرهم من البدعية فلم يأت أحد ببدعة مخترعة إلا واستدل عليها بما يناسبها من الآيات مغمضين النظر عن باقي الأدلة في ذاك الصدد
أما بالنسبة لآية الإكراه فنقول قبل الحكم بأن الإسلام لا يكره أحدا علي الإسلام بناء علي هذه الآية المباركة ينبغي التريث والتفقد في الكتاب العزيز وفي سيرة الرسول عليه الصلاة والسلام وأصحابه الكرام هل وجد الإكراه أم لا وأما الإجابة فيه من قبلنا فنقول نعم وجد الإكراه في غيرما موطن وأدل دليل علي ذلك قوله تبارك وتعالي
{قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} [التوبة: 29]
وبين الرسول هذا الحكم أكمل بيان في وصيته لأمراء الجيوش
وَإِذَا لَقِيتَ عَدُوَّكَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، فَادْعُهُمْ إِلَى ثَلَاثِ خِصَالٍ فَأَيَّتُهُنَّ مَا أَجَابُوكَ فَاقْبَلْ مِنْهُمْ، وَكُفَّ عَنْهُمْ،
1- ادْعُهُمْ إِلَى الْإِسْلَامِ، فَإِنْ أَجَابُوكَ، فَاقْبَلْ مِنْهُمْ، وَكُفَّ عَنْهُمْ،
ثم بين ما لهم وما عليهم حين أسلموا ثم قال
2- فَإِنْ هُمْ أَبَوْا فَسَلْهُمُ الْجِزْيَةَ، فَإِنْ هُمْ أَجَابُوكَ فَاقْبَلْ مِنْهُمْ، وَكُفَّ عَنْهُمْ،
إلي أن قال في بيان الخصلة الثالثة
3- فَإِنْ هُمْ أَبَوْا فَاسْتَعِنْ بِاللهِ وَقَاتِلْهُمْ
وبناء علي ما سبق من القرآن والسنن أجمع علماء الإسلام سلفا وخلفا علي أن أهل الإيمان مأمورون بقتال أهل الشرك والكفران فيكرهونهم علي أحد الأمرين إماالدخول في الإسلام ناجين به من النار أو عقد الجزية ملتزمين به التذمم والصغار كما في قوله تعلي {حتي يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون} فلم تكن الجزية كما يتخيلها كثير من المفكرين الإسلامين الجدد!!! فيزعمون أن الجزية تضمن كمال الحرية في التفكير والتعبير والتساوي بين المؤمن الكافر فظنوا الجزية مجرد ضريبة تضرب علي الكافر في دار الإسلام ونسوا الشرائط التابعة للجزية من عدم إظهار شعائر دينهم وعدم الإعتلاء علي مناصب عالية في دنياهم قال شيخ الإسلام إبن تيمية رحمه الله تعالي
بَلْ قَدْ شَرَطَ عَلَيْهِمْ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَالصَّحَابَةُ وَسَائِرُ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ أَنْ لَا يُظْهِرُوا أَعْيَادَهُمْ فِي دَارِ الْمُسْلِمِينَ وَإِنَّمَا يَعْمَلُونَهَا سِرًّا فِي مَسَاكِنِهِمْ [ مجموع الفتاوي]
وقال ابن كثير رحمه اله تعالي
لا يجوز إعزاز أهل الذمة ولا رفعهم على المسلمين، بل هم أذلاء صَغَرة أشقياء، كما جاء في صحيح مسلم، عن أبي هريرة، رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا تبدءوا اليهود والنصارى بالسلام، وإذا لقيتم أحدهم في طريق فاضطروه إلى أضيقه"ولهذا اشترط عليهم أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، تلك الشروط المعروفة
ثم ذكر تلك الشروط التي ألزم عمر ابن الخطاب علي أهل الذمة عملا بقوله تعالي {وهم صاغرون}
وفيه
ولا نظهرشركا، ولا ندعو إليه أحدًا ورواه ابن القيم بلفظ ولا نرغب في ديننا ولا ندعو إليه أحدا
وقال بان القيم في أحكام أهل الذمة
فصل حكم تولية أهل الذمة بعض شؤون البلاد الإسلامية ولما كانت التولية شقيقة الولاية كانت توليتهم نوعا من توليهم وقد حكم تعالى بأن من تولاهم فإنه منهم ولا يتم الإيمان إلا بالبراءة منهم والولاية تنافي البراءة فلا تجتمع البراءة والولاية أبدا والولاية إعزاز فلا تجتمع هي وإذلال الكفر أبدا والولاية صلة فلا تجامع معاداة الكافر أبدا[ أحكام أهل الذمة ]
فهذه النقول عن العلماء الفحول يوضح لذي الألباب والعقول مفوهوم الجزية في دين الرسول صلي الله عليه وسلم أنها ليست مجرد مبلغ من المال يؤخذ سنويا بل هي تعبير عن ذلة وصغار يفرض علي أهل الأديان الأخري ما يضيق عليهم الكثير من أمور دينهم ودنياهم وهذا يؤدي إلي دخولهم في دين الإسلام نهائيا وذالك هو المراد من الجزية من إدخال الكفرة ولامشركين في دين الإسلام فليست الجزية بحرية الاعتقاد ولا هي بإقرار الكافر علي كفره فافهم وقد استشكل بعض الناس قوله صلي الله عليه وسلم
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله أثناء كلامه في الجواب علي شبهة {الغرض من ضرب الجزيه اضطرارهم إلى الإسلام} [فتح الباري]
فإذا علمت أن الجزية نوع من الإكراه وعلمت أن المسلمين لا يترك الكفار ما لم يسلموا أو يقبلوا الدنية في أداء الجزية علمت علم اليقين أن الإكراه في الدين حاصل واليك بعض النصوص الصريحة في ذالك قال رسول صلي الله عليه وسلم
أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَيُقِيمُوا الصَّلاَةَ، وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ، فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إِلَّا بِحَقِّ الإِسْلاَمِ، وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ [متفق عليه]
وقال عليه الصلاة والسلام
وَأَنَا المَاحِي الَّذِي يَمْحُو اللَّهُ بِي الكُفْرَ [صحيح البخاري]
وسأله عليه الصلاة والسلام عمرو بن عبسة حين أراد الإسلام قال : بأي شيء أرسلك فقال رسول الله صلي الله عليه والسلام
أَرْسَلَنِي بِصِلَةِ الْأَرْحَامِ، وَكَسْرِ الْأَوْثَانِ، وَأَنْ يُوَحَّدَ اللهُ لَا يُشْرَكُ بِهِ شَيْءٌ [صحيح مسلم]
وله رواية عند الحاكم في المستدرك وفيه أن الرسول صلي الله عليه وسلم قال في جواب هذا السؤال
أن تعبد الله و تكسر الأوثان و الأديان و توصل الأرحام
فقال عمرو بن عبسة : نعم ما أرسلك به
بعثت بين يدي الساعة بالسيف حتى يعبد الله وحده لا شريك له وجعل رزقي تحت ظل رمحي وجعل الذلة والصغار على من خالف أمري [مسند أحمد بن حنبل] حسنه الشيخ الألباني في إرواء الغليل
فهذا لنصوص صرحية في أن الكافر يكره علي الإسلام بالسيف إما مباشرة بأن يدخل في الإسلام أو بأن يرضب أحكام الجزية من الضيق والصغار ما يؤدي إلي إسلامهم نهائيا وكلا النوعين إكراه بلا شك
فالسؤال الآن ما معني قوله تعالي لا إكراه في الدين
فلمفسرين فيها قولان
الأول: النسخ ولثاني التتخصيص وجمع البيضاوي القولين في عبارة مختصرة فقال


وهو إما عام منسوخ بقوله { جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم } أو خاص بأهل الكتاب

قال ابن العربي في أحكام القرآن
قَوْله تَعَالَى : ( لَا إكْرَاهَ ) : عُمُومٌ فِي نَفْيِ إكْرَاهِ الْبَاطِلِ ؛ فَأَمَّا الْإِكْرَاهُ بِالْحَقِّ فَإِنَّهُ مِنْ الدِّينِ ؛
وَهَلْ يُقْتَلُ الْكَافِرُ إلَّا عَلَى الدِّينِ ؛ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : {أُمِرْت أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا : لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ}
وَهُوَ مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْله تَعَالَى : { وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ }
ففرق بين الإكراه علي الحق وهو ما شرعه الله في دينه وهو قتال الكفار حتي يسلموا أو يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون وبين الإكراه علي الباطل وهو كل إكراه يمنعه الإسلام ومن ضمنه إكراه أهل الذمة علي الإسلام بعد إلتزامهم شروط الجزية فإطلاق القول بأنه لا إكراه في الدين ليس صحيحا بل هناك إكراه علي الحق وإكراه علي الباطل فمن أكره أحدا علي الحق وبالحق فلا ملامة ولكن من أكره أحدا بغير هدي ولا سلطان من الله ففيه قوله تعالي لا إكراه في الدين
الحاصل: من فهم من آية الإكراه نفي الإكراه مطلقا لم يحسن ولم يتقن ولكن الإسلام يشرع الإكراه في الدين في مسائل ويمنعه في آخري كما دلت عليه صريح النصوص فالمنصف من جمع بين أطراف الآيات والأحاديث وأم من تمسك بطرف وتطرف عليه فقد ضل سواء السبيل والله أسأل السلامة من أنواع الأباطيل اللهم آمين