أهــل الحـديث
24-01-2014, 10:10 PM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم
الأحكام لِمطاردات الحُكَّام
المطاردة والتعقُّب والبحث عن المدَّعى عليه من الموضوعات العميقة التي لم يُشبع الكلام حولها في الفقه الاسلامي المقارن .
ولعل من أسباب ذلك هيمنة السلطة التنفيذية على القضاء ردحاً من الزمن ، ولسطوة بعض الحكام على المخالفين وفتاويهم في كثير من الأحيان في ظل الفِتن السياسية في القرون الماضية .
ولا يخفى أن باب فتح الذرائع كسدِّ الذراع يجب فيه الحزم لا سِّيما في آخر الزمان الذي اختلطت فيه الفتن واضطربت فيه نفوس الناس .
لكن بعض أحكام المطاردة الدقيقة مرقومة في ثنايا أبواب الحدود والجنايات وأحكام قُطَّاع الطريق والمحاربين ، في بعض المصنفات الفقهية وفي بعض كتب الأشباه والنظائر .
ويمكن للبصير بالفقه وأصوله استخراج ما يشفي غليله منها بأيسر سبيل وبلا عناء أو كلفة .
وقد قيَّدتُ على نسختي من الموسوعة الفقهية الكويتية ملاحظات حول هذه المسألة . فقد أغفل المحرِّرون لها تدوين الحكم الإجمالي والتفصيلي لأحكام المطاردة على غير عادتهم ، فلم يتناولوا الناحية الفقهية واقتصروا على التأصيل الأصولي واللُّغوي للحكم . فليُستدرك هذا التنبيه في محلِّه من الموسوعة فإنه مهم .
وكنتُ قد وقفتُ طويلاً عند سيرة الإمام سفيان الثوري (ت: 161هـ) ومطاردة الخليفة العباسي المهدي ( ت: 169هـ) له من مكة إلى البصرة ومن اليمن إلى أذربيجان ومن بغداد إلى بيت المقدس ، وكيف كان يعاني من التشرُّد والخوف من العيون في أسفاره ورحلاته حتى مات مستخفيًا رحمه الله تعالى .
ومن قلَّب صفحات تاريخ الدولة الأموية والعباسية لن يعاني كثيراً من الوقوف على أخبار المطاردين من الفرسان والعلماء وأهل الوقائع . وكلٌّ بحسب نيته .
وفي تاريخ ابن عساكر ( ت: 571 ه ) رحمه الله تعالى أخبار كثيرة بأسانيد حسنة وضعيفة عن المطارَدين والمتوارين عن الحكام ، وفيها من العِبر ما يجعلها كماء العين الذي يشتاق إليه أهل العمى والبصائر .
وفي تاريخ نجد لابن بِشر الحرقوصي ( ت: 1288هـ ) سرد لكثير من الأخبار عن جور بعض الولاة وهروب الصالحين منهم .
وفي العصر الحاضر هروب مسلمي الروهينغا من التطرف البوذي ،وهروب علماء الشام من النصيرية الظالمة المجرمة وهروب مجاهدي فلسطين من الموساد اليهودي الغاشم .
وقد ورد مفهوم الطرد بتعابير مختلفة لهذا المعنى في الولايات وأحكامها مثل: العزل والإقاله والتسريح والاستغناء والإقصاء والإعفاء والفصل والتنحية من المنصب والجاه والمقام . ويشترط لتحقق هذه المعاني لتكون بمعنى الطرد : الزجر والتعنيف والعقاب البدني والمعنوي . نسأل الله العافيه .
والمقصود بالمطاردة البحث والسعي للقبض على متهم ومطلوب للعدالة بتهمة ثابتة عليه أو مقاربة للثبوت أو بسبب وشاية مغرضة .
والمطاردة تتم من السلطة التنفيذية للحاكم أو نائبه في إقليم معين ممن له صولة على غيره .
والمطرود هو المتهم الهارب المختفي عن المحاكمة في مكان قريب أو بعيد أو محتمي بقبيلة أو جماعة أو تنظيم مُسلَّح له القدرة على الإيواء والحماية .
وقد ألمح الكتاب العزيز إلى مفهوم المطاردة كما في قول الله تعالى : "وجاء رجلٌ من أقصى المدينة يسعى قال يا موسى إن الملأ يأتمرون بك ليقتلوك فاخرج إني لك من الناصحين * فخرج منها خائفاً يترقَّب قال ربِّي نجنِّي من القوم الظالمين " ( القصص :19-20 ) .
ويتضح من المفهوم الأصولي للآية أن الالتفات والترصد والفزع من الناس قرينة على المطاردة والملاحقة البدنية .
والقتل والحبس ملازمان للمطاردة العامة ،كما في قصة الإختباء المشهورة وفرار النبي صلى الله عليه وسلم مع صاحبه عن أعين المشركين . وكما في قصص الصحابة والتابعين مع خصومهم وفي بعض أخبار الفتن التاريخية .
· ومن خلال النقاط الآتية يمكن تأصيل مجموع هذه المسألة :
1- يجوز للحاكم المسلم طلب المتهم الهارب للتحقق من برآءته :
لأن هذا من أوجب حقوق الولاية . وتركه يُفضي للمنازعات . والولاية قضاء والقاضي يتحتم عليه ملاحقة أصحاب الدعاوى ومرتكبيها حتى يتضح الحق فيها . والقاعدة الأصولية نصَّت على أن القاضي لا يجوز أن يحكم بعلمه . بل يلزمه احضار الخصوم وإن تباعدت أماكنهم لسماع بينِّاتهم ، ولا تتحقق هيبة الوالي في الشرع إلا بهذا مع العدل . وفرق بين قضاء القاضي بعلمه وبين قضائه بفتواه . وهذا هو الراجح في هذه المسألة . وقد نص شيخ الاسلام ابن تيمية (ت: 728هـ) رحمه الله تعالى في فتاويه على أن كل حكم حكم به القاضي وكان به ضرر للمسلمين وإثارة للفتن وجب نقضه من الحاكم العادل .
2- يجب على المتواري المتحقِّق من برآءته حماية نفسه :
فلا يجوز تعريض نفسه للمهالك .وقاعدة الشرع في الأقوال أن لازم قول الإنسان قسمان : لازم قوله الحق فهذا حق . ولازم قوله الذي ليس بحق فهذا لا يجب التزامه ولا يجوز محاكمته عليه إن لم يقر به . وعليه فلا يجوز محاكمة شخص بكناية كلامه إلا إذا أقرَّ بقصده ذلك ورضي به. وللإمام أحمد (ت: 241هـ )رحمه الله تعالى رواية في عدم وجوب حضور المدَّعى عليه إذا كان بعيدا طريداً، بدعوى لا أصل لها حتى تثبت شرعاً .
3- طلب الإجارة من الغير للحماية جائز شرعاً :
وهي قائمة على المصلحة الشرعية الخالية من المفسدة الحاضرة والمتوقعة . والضرورة تُقدَّر بقدرها فلا يجوز تعميمها بدعوى التخلص من مظالم الناس وحقوقهم .وفي المرفوع : " ذمة المسلمين واحدة يسعى بها أدناهم، فمن أخفر مسلماً فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل الله منه صرفاً ولا عدلا " . أخرجه البخاري . وقد اتفقت المذاهب الأربعة على كراهة عمل المسلم عند الكافر إلا لضرورة . والضرورة تُقدَّر بقدرها .ويقاس عليه طلب الحماية والنجدة منهم .
4- قصر الصلاة للمتواري والهارب من القضاء :
يجوز للمتواري قصر الصلاة إذا كان بقاؤه في مكانه أربعة أيام فأقل . أما إذا كان مستقراً في بلد معين فوق هذه المدة فلا يشرع له القصر بدعوى التعقُّب والطلب . وفي المسألة كلام لأهل العلم والراجح ما قيدتُّه . وقد تقرر عند الأصوليين أن أكثر العمومات مخصوصة فلا يجوز الاحتجاج بالعام لكل عُذر .
5- تسليم المطلوبين للقضاء من المتوارين واجب شرعًا :
فلا يجوز ضمان أحد إلا بشهادة على برآءة أو بكفالة . وعلى مستوى الحكومات فإن الدول ألزمت نفسها بوثائق ومعاهدات موجبة لذلك .
والانتربول الدولي اليوم يقوم بهذه المهمة بالتنسيق مع الدول الموقِّعة على تحقيق ذلك . ومن اللطائف أن التعزير الذي قلَّ العمل به : العقوبة بالنفي وهو الإخراج من البلد وهو ثابت بنص القرآن : " أو يُنفوا من الأرض " ( المائدة : 33 ) وهو تفسير ابن عباس رضي الله عنه للطرد عقوبة لمن أخاف الناس في بلده . فهو عقوبة في بلد الجاني وأثر لعمله بعد وقوع التهمة .
6- التخفِّي في دار الكفر من المسلم المضطهد جائز إن أمن على نفسه ودينه وماله :
لكن يشترط له التحول عنها إلى دار إسلام إن أمن من الظُّلم وانتهاك الحقوق . ويجوز للحاكم المسلم تقيِّيد حق اللجوء السياسي عن الغير من المطاردين تحت قاعدة تقييِّد المباح ، لأنه من حقوقه في الولاية ولردع أهل الجنايات .
7- حماية المسلم المتواري في البلاد الكافرة حق وواجب شرعًا وعقلاً :
حتى يحاكم محاكمة عادلة أو ينتقل لبلد مسلم يُحكم فيه بالعدل . وأدلة الشريعة تنصُّ على عصمة دماء المسلمين وأموالهم في بلادهم وخارجها . والقوانين المعاصرة أكَّدت على هذه الحقوق ومشروعيتها كما في نظام مفوضية حماية اللاجئين الدولية .
8- من ولغ في حدِّ من حدود الله أو ارتكب جناية مالية وجب عليه تسليم نفسه :
ويجب على الحاكم المسلم القصاص منه أو يفدي المتهم نفسه من أهل الحق . وقد تقرر عند الأصوليين أن التحريم المطلق يقتضي تحريم كل جزء منه ، فلا يجوز تحليل العمل مع تحريم أثره .
فإن كان له بيِّنة أقامها ببلده أو بغير بلده أو وكِّل وكيلاً شرعياً للدِّفاع عنه. والأصل براءة ذمة المدَّعى عليه حتى تثبت إدانته .
9- لازم سياحة المطاردة عدم الطمأنينة بطعام أو شراب أو حياة آمنة : وبذلك يحرم المسلم نفسه من الأمن القلبي في الشعائر التعبدية والتنعم بالطيبات . فالواجب الكفُّ عن الأذى وعمارة الأرض والاشتغال بما يصلح النفس . والخلافة الإسلامية لن تعود إلا بالعمل للدِّين ، وتغيِّير السنن الكونية بأمر الله وتدبيره ، لا بخراب المجتمعات وتدمير أهلها . والعمل بضد ذلك يوقع صاحبه في المهالك والمعاطب . والشواهد حولنا لا يحصيها إلا الله .وقد تقرر عند الأصوليين أن الإحتمال البعيد لا يكون دليلاً في محل النِّزاع فلا يجوز اللجوء العمل به .
10- العمل بالقرائن والأمارات واجب في مطاردة المتهمين والمدَّعى عليهم . وفي الفقه الاسلامي ما يُعرف بقاعدة ( اللوث ) وهي القرينة الدالَّة على وقوع الجناية . ولهذا يتحقق في الشرع العمل بالقسامة إذا قُتل قتيل ولم يعرف قاتله ووجد اللوث. واذا وجد اللوث صح توجيه التهمة الى من دلَّ اللوث عليه في داخل البلد أو خارجه .
والمقصود أن أحكام المطاردة يمكن التقاطها من أبواب الحدود والجنايات والدعاوى ، ويكفي استحضار الأدلة وتطبيقها على النوازل بحكمة مع مراعاة مقاصد الشرع .
هذا ما تيسر تحريره ، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات .
أ/ أحمد بن مسفر بن معجب العتيبي
عضو هيئة التدريس بقوات الأمن الخاصة
الأحكام لِمطاردات الحُكَّام
المطاردة والتعقُّب والبحث عن المدَّعى عليه من الموضوعات العميقة التي لم يُشبع الكلام حولها في الفقه الاسلامي المقارن .
ولعل من أسباب ذلك هيمنة السلطة التنفيذية على القضاء ردحاً من الزمن ، ولسطوة بعض الحكام على المخالفين وفتاويهم في كثير من الأحيان في ظل الفِتن السياسية في القرون الماضية .
ولا يخفى أن باب فتح الذرائع كسدِّ الذراع يجب فيه الحزم لا سِّيما في آخر الزمان الذي اختلطت فيه الفتن واضطربت فيه نفوس الناس .
لكن بعض أحكام المطاردة الدقيقة مرقومة في ثنايا أبواب الحدود والجنايات وأحكام قُطَّاع الطريق والمحاربين ، في بعض المصنفات الفقهية وفي بعض كتب الأشباه والنظائر .
ويمكن للبصير بالفقه وأصوله استخراج ما يشفي غليله منها بأيسر سبيل وبلا عناء أو كلفة .
وقد قيَّدتُ على نسختي من الموسوعة الفقهية الكويتية ملاحظات حول هذه المسألة . فقد أغفل المحرِّرون لها تدوين الحكم الإجمالي والتفصيلي لأحكام المطاردة على غير عادتهم ، فلم يتناولوا الناحية الفقهية واقتصروا على التأصيل الأصولي واللُّغوي للحكم . فليُستدرك هذا التنبيه في محلِّه من الموسوعة فإنه مهم .
وكنتُ قد وقفتُ طويلاً عند سيرة الإمام سفيان الثوري (ت: 161هـ) ومطاردة الخليفة العباسي المهدي ( ت: 169هـ) له من مكة إلى البصرة ومن اليمن إلى أذربيجان ومن بغداد إلى بيت المقدس ، وكيف كان يعاني من التشرُّد والخوف من العيون في أسفاره ورحلاته حتى مات مستخفيًا رحمه الله تعالى .
ومن قلَّب صفحات تاريخ الدولة الأموية والعباسية لن يعاني كثيراً من الوقوف على أخبار المطاردين من الفرسان والعلماء وأهل الوقائع . وكلٌّ بحسب نيته .
وفي تاريخ ابن عساكر ( ت: 571 ه ) رحمه الله تعالى أخبار كثيرة بأسانيد حسنة وضعيفة عن المطارَدين والمتوارين عن الحكام ، وفيها من العِبر ما يجعلها كماء العين الذي يشتاق إليه أهل العمى والبصائر .
وفي تاريخ نجد لابن بِشر الحرقوصي ( ت: 1288هـ ) سرد لكثير من الأخبار عن جور بعض الولاة وهروب الصالحين منهم .
وفي العصر الحاضر هروب مسلمي الروهينغا من التطرف البوذي ،وهروب علماء الشام من النصيرية الظالمة المجرمة وهروب مجاهدي فلسطين من الموساد اليهودي الغاشم .
وقد ورد مفهوم الطرد بتعابير مختلفة لهذا المعنى في الولايات وأحكامها مثل: العزل والإقاله والتسريح والاستغناء والإقصاء والإعفاء والفصل والتنحية من المنصب والجاه والمقام . ويشترط لتحقق هذه المعاني لتكون بمعنى الطرد : الزجر والتعنيف والعقاب البدني والمعنوي . نسأل الله العافيه .
والمقصود بالمطاردة البحث والسعي للقبض على متهم ومطلوب للعدالة بتهمة ثابتة عليه أو مقاربة للثبوت أو بسبب وشاية مغرضة .
والمطاردة تتم من السلطة التنفيذية للحاكم أو نائبه في إقليم معين ممن له صولة على غيره .
والمطرود هو المتهم الهارب المختفي عن المحاكمة في مكان قريب أو بعيد أو محتمي بقبيلة أو جماعة أو تنظيم مُسلَّح له القدرة على الإيواء والحماية .
وقد ألمح الكتاب العزيز إلى مفهوم المطاردة كما في قول الله تعالى : "وجاء رجلٌ من أقصى المدينة يسعى قال يا موسى إن الملأ يأتمرون بك ليقتلوك فاخرج إني لك من الناصحين * فخرج منها خائفاً يترقَّب قال ربِّي نجنِّي من القوم الظالمين " ( القصص :19-20 ) .
ويتضح من المفهوم الأصولي للآية أن الالتفات والترصد والفزع من الناس قرينة على المطاردة والملاحقة البدنية .
والقتل والحبس ملازمان للمطاردة العامة ،كما في قصة الإختباء المشهورة وفرار النبي صلى الله عليه وسلم مع صاحبه عن أعين المشركين . وكما في قصص الصحابة والتابعين مع خصومهم وفي بعض أخبار الفتن التاريخية .
· ومن خلال النقاط الآتية يمكن تأصيل مجموع هذه المسألة :
1- يجوز للحاكم المسلم طلب المتهم الهارب للتحقق من برآءته :
لأن هذا من أوجب حقوق الولاية . وتركه يُفضي للمنازعات . والولاية قضاء والقاضي يتحتم عليه ملاحقة أصحاب الدعاوى ومرتكبيها حتى يتضح الحق فيها . والقاعدة الأصولية نصَّت على أن القاضي لا يجوز أن يحكم بعلمه . بل يلزمه احضار الخصوم وإن تباعدت أماكنهم لسماع بينِّاتهم ، ولا تتحقق هيبة الوالي في الشرع إلا بهذا مع العدل . وفرق بين قضاء القاضي بعلمه وبين قضائه بفتواه . وهذا هو الراجح في هذه المسألة . وقد نص شيخ الاسلام ابن تيمية (ت: 728هـ) رحمه الله تعالى في فتاويه على أن كل حكم حكم به القاضي وكان به ضرر للمسلمين وإثارة للفتن وجب نقضه من الحاكم العادل .
2- يجب على المتواري المتحقِّق من برآءته حماية نفسه :
فلا يجوز تعريض نفسه للمهالك .وقاعدة الشرع في الأقوال أن لازم قول الإنسان قسمان : لازم قوله الحق فهذا حق . ولازم قوله الذي ليس بحق فهذا لا يجب التزامه ولا يجوز محاكمته عليه إن لم يقر به . وعليه فلا يجوز محاكمة شخص بكناية كلامه إلا إذا أقرَّ بقصده ذلك ورضي به. وللإمام أحمد (ت: 241هـ )رحمه الله تعالى رواية في عدم وجوب حضور المدَّعى عليه إذا كان بعيدا طريداً، بدعوى لا أصل لها حتى تثبت شرعاً .
3- طلب الإجارة من الغير للحماية جائز شرعاً :
وهي قائمة على المصلحة الشرعية الخالية من المفسدة الحاضرة والمتوقعة . والضرورة تُقدَّر بقدرها فلا يجوز تعميمها بدعوى التخلص من مظالم الناس وحقوقهم .وفي المرفوع : " ذمة المسلمين واحدة يسعى بها أدناهم، فمن أخفر مسلماً فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل الله منه صرفاً ولا عدلا " . أخرجه البخاري . وقد اتفقت المذاهب الأربعة على كراهة عمل المسلم عند الكافر إلا لضرورة . والضرورة تُقدَّر بقدرها .ويقاس عليه طلب الحماية والنجدة منهم .
4- قصر الصلاة للمتواري والهارب من القضاء :
يجوز للمتواري قصر الصلاة إذا كان بقاؤه في مكانه أربعة أيام فأقل . أما إذا كان مستقراً في بلد معين فوق هذه المدة فلا يشرع له القصر بدعوى التعقُّب والطلب . وفي المسألة كلام لأهل العلم والراجح ما قيدتُّه . وقد تقرر عند الأصوليين أن أكثر العمومات مخصوصة فلا يجوز الاحتجاج بالعام لكل عُذر .
5- تسليم المطلوبين للقضاء من المتوارين واجب شرعًا :
فلا يجوز ضمان أحد إلا بشهادة على برآءة أو بكفالة . وعلى مستوى الحكومات فإن الدول ألزمت نفسها بوثائق ومعاهدات موجبة لذلك .
والانتربول الدولي اليوم يقوم بهذه المهمة بالتنسيق مع الدول الموقِّعة على تحقيق ذلك . ومن اللطائف أن التعزير الذي قلَّ العمل به : العقوبة بالنفي وهو الإخراج من البلد وهو ثابت بنص القرآن : " أو يُنفوا من الأرض " ( المائدة : 33 ) وهو تفسير ابن عباس رضي الله عنه للطرد عقوبة لمن أخاف الناس في بلده . فهو عقوبة في بلد الجاني وأثر لعمله بعد وقوع التهمة .
6- التخفِّي في دار الكفر من المسلم المضطهد جائز إن أمن على نفسه ودينه وماله :
لكن يشترط له التحول عنها إلى دار إسلام إن أمن من الظُّلم وانتهاك الحقوق . ويجوز للحاكم المسلم تقيِّيد حق اللجوء السياسي عن الغير من المطاردين تحت قاعدة تقييِّد المباح ، لأنه من حقوقه في الولاية ولردع أهل الجنايات .
7- حماية المسلم المتواري في البلاد الكافرة حق وواجب شرعًا وعقلاً :
حتى يحاكم محاكمة عادلة أو ينتقل لبلد مسلم يُحكم فيه بالعدل . وأدلة الشريعة تنصُّ على عصمة دماء المسلمين وأموالهم في بلادهم وخارجها . والقوانين المعاصرة أكَّدت على هذه الحقوق ومشروعيتها كما في نظام مفوضية حماية اللاجئين الدولية .
8- من ولغ في حدِّ من حدود الله أو ارتكب جناية مالية وجب عليه تسليم نفسه :
ويجب على الحاكم المسلم القصاص منه أو يفدي المتهم نفسه من أهل الحق . وقد تقرر عند الأصوليين أن التحريم المطلق يقتضي تحريم كل جزء منه ، فلا يجوز تحليل العمل مع تحريم أثره .
فإن كان له بيِّنة أقامها ببلده أو بغير بلده أو وكِّل وكيلاً شرعياً للدِّفاع عنه. والأصل براءة ذمة المدَّعى عليه حتى تثبت إدانته .
9- لازم سياحة المطاردة عدم الطمأنينة بطعام أو شراب أو حياة آمنة : وبذلك يحرم المسلم نفسه من الأمن القلبي في الشعائر التعبدية والتنعم بالطيبات . فالواجب الكفُّ عن الأذى وعمارة الأرض والاشتغال بما يصلح النفس . والخلافة الإسلامية لن تعود إلا بالعمل للدِّين ، وتغيِّير السنن الكونية بأمر الله وتدبيره ، لا بخراب المجتمعات وتدمير أهلها . والعمل بضد ذلك يوقع صاحبه في المهالك والمعاطب . والشواهد حولنا لا يحصيها إلا الله .وقد تقرر عند الأصوليين أن الإحتمال البعيد لا يكون دليلاً في محل النِّزاع فلا يجوز اللجوء العمل به .
10- العمل بالقرائن والأمارات واجب في مطاردة المتهمين والمدَّعى عليهم . وفي الفقه الاسلامي ما يُعرف بقاعدة ( اللوث ) وهي القرينة الدالَّة على وقوع الجناية . ولهذا يتحقق في الشرع العمل بالقسامة إذا قُتل قتيل ولم يعرف قاتله ووجد اللوث. واذا وجد اللوث صح توجيه التهمة الى من دلَّ اللوث عليه في داخل البلد أو خارجه .
والمقصود أن أحكام المطاردة يمكن التقاطها من أبواب الحدود والجنايات والدعاوى ، ويكفي استحضار الأدلة وتطبيقها على النوازل بحكمة مع مراعاة مقاصد الشرع .
هذا ما تيسر تحريره ، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات .
أ/ أحمد بن مسفر بن معجب العتيبي
عضو هيئة التدريس بقوات الأمن الخاصة