المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : دور الاحتياج المعنوي في الذكر والحذف



أهــل الحـديث
14-01-2014, 06:10 PM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


ِ
دور الاحتياج المعنوي في الذكر والحذف
(1)
المبني عليه بين الذِّكر والحذف
يتألف الكلام من المبني عليه والمباني،والمبني عليه كالمبتدأ والفعل ،والمباني،كالخبر والفاعل ونائبه والمفاعيل،وتحت رعاية الاحتياج المعنوي وعلامات أمن اللبس يكون الكلام ،فالكلام يكون بحسب الحاجة المعنوية عند المتكلم ،والمتكلم يذكر في كلامه ما تدعو الحاجة المعنوية إليه ،ويحذف من كلامه ما لا يحتاج إليه ،والمبني عليه (المبتدأ)قد يكون مذكورا أو محذوفا،وذلك كما يلي:

أ- ذكر المبني عليه (المبتدأ):
كل لفظ يدل على معنى في الكلام جدير بالذكر ،لتأدية المعنى المراد منه ،كالمبني عليه (المبتدأ)،لأنه المخبر عنه والمحكوم عليه وموضوع الحديث ،فذكره واجب حيث لا قرينة تدل عليه عند حذفه ،وإلا كان الكلام معمى مبهما ،لا يستبين المراد منه ،كقولنا:زيد أمير ،وقد تدعو الحاجة المعنوية إلى ذكره مع إمكانية حذفه وذلك لأهداف معنوية بلاغية نفسية ولأمن اللبس ،وذلك كما يلي:
1-قال تعالى:أولئك على هدى من ربهم وأولئك هم المفلحون"حيث أعاد ذكر المبتدأ زيادة في التقرير والإيضاح للسامع.
2-نقول:خالد بن الوليد نعم القائد،تقول ذلك إذا سبق لك ذكر خالد وطال عهد السامع به أو ذُكر معه كلام في شأن غيره، وذلك أمنا للبس.
3- تقول:الله واحد،ردا على من قال:الله ثالث ثلاثة،من أجل التأكيد والتقرير.
4-تقول: السارق قادم ،في جواب من قال:هل حضر السارق ،وذلك من أجل الإهانة.
5-تقول:علي يقاوم الأسد،لإظهار التعجب في جواب من قال:هل علي يقاوم الأسد؟
6- تقول متلذذا:الله ربي ،الله حسبي.

ب-حذف المبني عليه (المبتدأ):
يحذف المتكلم من كلامه ما لا يحتاج إليه ،أو ما دل السياق عليه ،حيث لا حذف إلا بدليل،ووفقا لمبدأ الحدين :الأدنى والأقصى فإن المتكلم يبذل أقل جهد ممكن في سبيل الوصول إلى أعلى معنى،وقد يحذف المبني عليه (المبتدأ) لأن الحاجة المعنوية عند المتكلم لا تدعوإليه ،والكلام مفهوم بدونه، وذلك كما يلي:
1- قال تعالى:فصكَّت وجهها وقالت عجوز عقيم "أي:أنا عجوز عقيم .
2- نقول:نعم القائد خالد ،أي : هو خالد.
3- نقول:فصبر جميل،أي صبري صبر جميل ،أو أمري صبر جميل ،.
4-نقول:عالمُ الغيب والشهادة ،لأن المبتدأ معينا معلوما.
5-وقد يكون المتكلم متضجِّرا أو مُتوجِّعا ،كقول الشاعر:
قال لي كيف أنت قلت عليل//سهر دائم وحزن طويل
أي:أنا عليل ،وسهري سهر دائم ،وحزني حزن طويل .
6-وقد يكون المتكلم حذِرا،كقول منبِّه الصيَّاد:غزال،أي:هذا غزال،يحذف "هذا"حذرا من فوات الفرصة.
فالحاجة المعنوية عند المتكلم تتحكم في الذكر والحذف.

(2)
المباني بين الذكر والحذف
يتألف الكلام من المبني عليه والمباني،والمبني عليه كالمبتدأ والفعل...إلخ ،والمباني كالفاعل والخبر ونائب الفاعل،والمفاعيل....إلخ،وال علاقة بين المبني عليه والمباني هي علاقة الاحتياج المعنوي،وتحت رعاية الاحتياج المعنوي وعلامات أمن اللبس يكون الكلام ،فالمتكلم يتكلم بحسب الحاجة المعنوية ،ويذكر في كلامه ما تدعو الحاجة المعنوية إليه ،ويحذف مالا يحتاج إليه ،وقد تدعو الحاجة المعنوية إلى ذكر المباني ،كالخبر والفاعل ،وقد تحذف عندما لا تدعو الحاجة المعنوية إليها ،وإليك أمثلة على ذلك:

أولا:
الخبر بين الذكر والحذف
أ- ذكر المباني (الخبر):
الأصل في الخبر أن يكون مذكورا وهو الأصل ،وهو عمدة في الكلام ،كالمبتدأ والفاعل ونائبه ،ولا مقتضى للعدول عنه ،ولا حذف إلا بدليل ،كقولنا:العلم خير من المال .

ب-حذف المباني (الخبر):
قد لا يكون هناك حاجة معنوية لذكر الخبر ،لأن السياق مفهوم بدونه ،فيكون ذكره عبثا ،كما في الأمثلة التالية :
1-قال تعالى:إن الله بريء من المشركين ورسوله"أي:ورسوله بريء منهم أيضا ،فلو ذكر الخبر هنا لكان ذكره عبثا لعدم الحاجة إليه.
2-قال الشاعر:
نحن بما عندنا وأنت بما عندك راض والأمر مختلف.أي:نحن بما عندنا راضون ،فحذف الخبر لعدم الحاجة إليه .
قال تعالى"لولا أنتم لكنا مؤمنين"أي: لولا أنتم موجودون لكنا مؤمنين .
4- نقول:لعمرك إن الحياة عقيدة وجهاد،والأصل لعمرك قسمي ،فحذف الخبر لأن المبتدأ مشعر بالقسم ويدل عليه .

ثانيا
الفاعل والمفعول بين الذكر والحذف
تتألف الجملة العربية من المبني عليه والمباني ،والمبني عليه كالفعل والمبتدأ.....إلخ ،والمباني كالفاعل والمفاعيل ......إلخ،والعلاقة بين المبني عليه والمباني هي علاقة الاحتياج المعنوي ،والأصل في الفاعل والمفاعيل أن تكون مذكورة في الجملة لأن الفعل يطلبها والمعنى لا يتم بدونها كقولنا "ضرب زيد عمرا "إلا أن المتكلم قد يحذف الفاعل أو المفعول كما يلي:

أ-حذف الفاعل :
قال تعالى"كبُرت كلمةً تخرج من أفواههم"فقد حذف الفاعل لأنه فسَّره بالتمييز ،من أجل معنى التعجب ،والمفسِّر والمفسَّر لا يجتمعان ،ومعنى الآية هو :ما أكبرها كلمة"، كما أنَّ الأصل في الفعل أن يبنى للمعلوم ،وقد يبنى للمجهول ويحذف الفاعل إما لأن الفاعل معلوم كقوله تعالى"وخُلق الإنسان ضعيفا"أو لأن المتكلم يجهل الفاعل كقولنا" سُرق المتاع"أو للخوف على الفاعل نحو"شُتم الأمير "أو للخوف من الفاعل كقولنا"قُتل قتيل"أو لتعظيم الفاعل إذا كان الفعل خسيسا أو صونه عن اللسان نحو قولنا "تُكُلِّم بما لا يليق"أو لتحقيره بصون اللسان عنه كقولنا"قد قيل ما قيل " فالمتكلم يتكلم بحسب الحاجة المعنوية .

ب- حذف المفعول:
الأصل في المفعول أن يذكر في الجملة لأنه ضروري ،ويحتاج إليه الفعل لتمام المعنى ،إلا أن المتكلم قد يحذف المفعول إذا قصد التعميم بالاختصار كقوله تعالى"والله يدعوإلى دار السلام "،أي:يدعو جميع عباده ،لأن حذف المفعول يؤذن بالعموم ،ولو ذُكر لفات غرض الاختصار ،وقد يعتمد المتكلم على تقدم ذكره كقوله تعالى"يمحو الله ما يشاء ويثبت "أي: ويثبت ما يشاء ،فحذف المفعول لتقدم ذكره ،وقد يحذفه المتكلم طلبا للاختصاركقوله تعالى"يغفر لمن يشاء "أي:يغفر الذنوب.،وقد يستهجن المتكلم التصريح بالمفعول كقول السيدة عائشة - رضي الله عنها- "ما رأيت منه ولا رأى مني"أي:العورة ،وقد يتعين المفعول دون ذكره لأن السياق مفهوم بدونه كقولنا :رعت الماشية"أي :نباتا ،وقد لا يتعلق الغرض بالمفعول بل يُجعل المفعول نسيا كقوله تعالى"هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون".
وبهذا فالكلام يكون بحسب الحاجة المعنوية عند المتكلم ،والإنسان يتثقف لغويا ويقول وهو يفكر ويفكر وهو يقول ، ويتحدث تحت رعاية الاحتياج المعنوي وعلامات أمن اللبس .

(3)
الإيجاز والإطناب في وقت واحد
حذف الفاعل وذكره في آن واحد
الإيضاح بعد الإبهام
من المعلوم أن بناء الفعل للمجهول يعني حذف الفاعل وإحلال المفعول أو غيره مكانه ،حيث يتقدم الحالّ نحو الفعل بسبب الاحتياج المعنوي،وحذف الفاعل وعدم ذكره مرة أخرى ليس صحيحا على إطلاقه ، فقديحذف الفاعل ويعاد ذكره من ناحية المعنى مرة أخرى ،مثل قوله تعالى " آمن الرسول بما أُنزل إليه من ربه " وفي هذا إيضاح بعد إبهام ، لِيُرَى الْمَعْنَى فِي صُورَتَيْنِ أَوْ لِيَكُونَ بَيَانُهُ بَعْدَ التَّشَوُّفِ إِلَيْهِ لِأَنَّهُ يَكُونُ أَلَذُّ لِلنَّفْسِ وَأَشْرَفُ عِنْدَهَا وَأَقْوَى لِحِفْظِهَا ، والقصد منه تقرير المعنى في ذهن السامع ،وتفخيم شأن المنزِل وتمكينه في النفس زيادة تمكُّن .
ومن هنا فالمتكلم يتصرف بالكلام حذفا وذكرا وإيجازا وإطنابا بحسب الحاجة المعنوية.

(4)
مِن"بين الذكر والحذف "
قال تعالى:ودّ كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفارا حسدا من عند أنفسهم من بعد ما تبين لهم الحق(البقرة 109)
وقال تعالى:يا أيها الذين اّمنوا إن تطيعوا فريقا من الذين أوتوا الكتاب يردوكم بعد إيمانكم كافرين(اّل عمران100)
ذُكِرت (من) في الاّية الأولى ،وهي تفيد الابتداء والمباشرة ،فأهل الكتاب يريدون ردّ المؤمنين إلى حالة الكفر بعد الإيمان مباشرة ،أما عملية الرد في الاّية الثانية فليست مباشرة بل مع مرور الزمن ،ولهذا فلا حاجة معنوية لها،وهذا المعنى نلحظه كذلك من سياق الاّيتين ،فقد اختار الله سبحانه وتعالى كلمة"ودّ" التي تعني:حب الرد ،والمحب يستعجل رؤية ما يحب بسرعة ، كما نلاحظ كلمة "لو" التي تفيد التمني ،والمتمني يريد الحصول على ما يتمناه بسرعة، وهناك كذلك كلمة "حسدا" والحاسد يستعجل زوال النعمة عن المحسودمباشرة ،وهناك كذلك "من بعد ما تبين لهم الحق" التي توحي بالحقد والغيظ على المؤمنين عندما عرفوا الحق.ولهذا اختار القراّن الكريم "من" للحاجة المعنوية إليها،أما في الاّية الثانية فنفتقد إلى مثل هذه المفردات التي توحي بالسرعة،وهي تحذير للمؤمنين من أنهم سيعودون كفارا إذا ما أطاعوا أهل الكتاب ولكن هذه العودة لن تكون سريعة ومباشرة، فاللغة تقوم على الاحتياج المعنوي ،والإنسان يتحدث تحت رعاية الاحتياج المعنوي وعلامات أمن اللبس.