المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : ما هكذا تنصر السنة في الجزائر ويكون البحث العلمي؟/ للبحاثة الشيخ أبي عبد الباري عبد الحميد العربي الجزائري، نزيل المدينة النبوية ودولة الامارات....



أهــل الحـديث
14-01-2014, 05:00 PM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم



قال الإمام علي بن المديني: (الباب إذا لم تجمع طرقه لم يتبين خطؤه).

ما هكذا تنصر السنة في الجزائر ويكون البحث العلمي؟

بقلم الشيخ:
أبي عبد الباري عبد الحميد العربي الجزائري
كان الله في عونه.

بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمدُ الله أحمدك ربّي تعالى، وأسألك أعلى مراتب الشهادة، وأشهدُ أن لا إله إلا أنت وأستودعك هذه الشهادة، وأبوأ لك بنعمتك عليّ وأستزيدك منها، والشكر قمن بالزيادة، وأبرأ إليك من الحول والقوة والإرادة، أحمدك وأنت ولي الصّالحين، وَعدت بالعقبى لكلّ من أطاعك واتقاك في كل حين، وأنذرت بالخزي لكل من عداك من الظالمين.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة أرجو بها النجاة يوم البقاء، وأشهد أن محمدا عبد الله ورسوله خاتم الرّسل والأنبياء، صلى الله عليه وعلى آله الكرام الأوفياء، وصحبه البررة الأتقياء.
أما بعد:
لقد أوقفني الطالبُ النجيبُ عبد الرحيم المسيلي بارك الله فيه وزاده ربي توفيقا وعلما منذ أيام على نقدٍ لكتابنا "بريق المهو في أحكام سجود السهو" كتبه رجلٌ اسمه (عبد الوهاب مهية من مدينة مسيلة الجزائرية)، زعم فيه هداه الله أنني جازفت في تضعيف أحاديث التشهد في سجود السهو، وأنني قصرت في البحث، ولم أذكر كلّ ما ورد في الباب، وبذلك أكون قد أخللت بالأمانة العلمية في نظره، وأوهمت القراء أنّه لم يرد في الباب إلا ما ذكرتُه وحكمتُ عليه بالضَعف، وحتى لا أكرر ما قاله "مهية" أُورد كلامه كاملا كما أرسله إليّ الطالبُ عبد الرحيم ثم أتبعه بنقد علمي موجز قربة إلى الله تعالى في شهر رمضان، سالكا طريقة أهل الحديث حقا في نشر العلم والذّب عن السنّة، بعيداً بُعد الأرض عن السماء عن منهج أهل البدع من زمرة الكوثري، والغماريين شيوخ الطريقة الدرقاوية كما قال العلامة الألباني في الضعيفة (1/193 في الهامش، ط: مكتبة المعارف)، وعبد الفتاح أبي غدة ومحمد عوامة، ومحمود سعيد ممدوح المصري، وعبد الله بن يوسف الجديع، ومن تشبه بهم من جماعة الإخوان المفلسين الذين تربوا في مدينة الرياض على يدّ عبد الفتاح أبي غدة من أمثال أحمد الزاوي الجزائري ومن كان على شاكلته، وهذه الطبقة درست علم الحديث وتوسعت في دراسته لا لنشر معتقد أهل الحديث والأثر كما فعل الإمام مالك، والإمام الشافعي، والإمام أحمد، والإمام البخاري، والإمام مسلم، والإمام أبو داود من سار على طريقتهم من العلماء من أمثال شيخ الإسلام ابن تيمية، والعلامة ابن القيم، ومن ورث علمهم من المعاصرين من أمثال الإمام محمد بن عبد الوهاب التميمي، والعلامة محمد بن إبراهيم، والعلامة عبد العزيز بن باز، والعلامة محمد ناصر الدين الألباني، والعلامة محمد بن صالح العثيمين، والعلامة مقبل بن هادي الوادعي، والعلامة عبد المحسن العباد، والعلامة ربيع بن هادي المدخلي، وغيرهم كثير من علماء الحديث؛ ولكن ولجت أبواب علم الحديث، وجمعت ما تيسر لها من فصوله للطعن في منهج المحدثين من الداخل، والرد على علماء أهل الحديث المعاصرين بالباطل، وهذه الطبقة لما ساءت نواياها، وظهر خطل أعمالها صارت أخطر على منهج أهل الحديث من الطبقة المباينة له من الصوفية والليبرالية وفقهاء أهل الكلام.
قال ابن الجوزي رحمه الله: (قال أبو الوفاء علي بن عقيل الفقيه: قال شيخنا أبو الفضل الهمذاني: مبتدعة الإسلام والواضعون للأحاديث أشد من الـمُلْحِدين، لأن الملحدين قصدوا إفساد الدِّين من خارجٍ، وهؤلاء قصدوا إفساده من داخلٍ، فهم كأهل بلدٍ سعَوْا في إفساد أحواله، والملحدون كالـمُحاصرين من خارجٍ، فالدُّخلاء يفتحون الحِصنَ، فهو شرٌّ على الإسلام من غير الملابس له).انظر الموضوعات (1/51 ط: المكتبة السلفية بالمدينة).
ودونك الآن نقد "مهية" غفر الله له لكتابنا "بريق المهو" كما أرسله إليّ الطالب النجيب عبد الرحيم.
قال عبد الوهاب مهية المسيلي: ((زعم صاحب رسالة (بريق المهو في أحكام سجود السهو)، تبعا لبعض أهل العلم أن التشهد في سجود السهو لا يثبت. ثم ذكر تحت عنوان :"ضعف حديثي التشهد "
الحديث الأول : "عن عمران بن حصين رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه و سلم صلى بهم فسها فسجد سجدتين ثم تشهد ثم سلم " . قال فيه : ضعيف شاذ ...
الحديث الثاني: عن عبد الله بن مسعود عن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال: "إذا كنت في صلاة فشككت في ثلاث أم أربع و أكبر ظنك على أربع ، تشهد ثم اسجد سجدتين و أنت جالس قبل أن تسلم ثم تشهد أيضا ثم سلم " . و أعله بالإنقطاع لعدم سماع أبي عبيدة من أبيه كما صرح بذلك الحافظ .
قلت : و كلامه هذا يشتمل على مغالطات عدة.
أولا: أوهم أنه ليس في المسألة سوى حديثين. و الواقع خلاف ذلك، كما سأبيّنه بعد.
ثانيا: قوله : "أن الحديث شاذ" غريب لا يتوافق و تعريف الحديث الشاذ الذي نقله في الحاشية من كلام الحافظ ابن حجر حيث قال: "الشاذ هو أن يروي الضابط والصدوق شيئا، فرواه من هو أحفظ منه أو أكثر عددا بخلاف ما روى، بحيث يتعذر الجمع على قواعد المحدثين "
و هذا التعريف الذي نقله لا يسعفه و لا يؤيده ... لأن الحديث الذي نحن بصدده هو من قبيل " الزيادة التي لا تعارض غيرها و لا تخالفه" و لا يتعذر معها الجمع .
و أما قول من قال: تفرد به (أشعث) و قد رواه جماعة عن خالد الحذاء و لم يذكر أحد منهم ما ذكر أشعث عن محمدبن سيرين .
فالجواب : أن (أشعث) ثقة لا يضر تفرده . و من حفظ حجة على من لم يحفظ ... و قد قال ابن معين :
" لم أدرك أحدا من أصحاب ابن سيرين بعد ابن عون أثبت منه " ( تهذيب التهذيب 1/312).
و لعل لهذا المعنى حسنه الترمذي و صححه الحاكم على شرط الشيخين و ابن حبان و غيرهم ...
قال الحافظ في (الفتح 3/79) بعد أن تكلم في علة الحديث: " ... لكن قد ورد في التشهد في سجود السهو عن ابن مسعود عند أبي داود و النسائي، و عن المغيرة عند البيهقي، و في إسنادهما ضعف ، و قد يقال : إن الأحاديث الثلاثة في التشهد باجتماعها ترتقي إلى درجة الحسن ، قال العلائي: و ليس ذلك ببعيد، و قد صح ذلك عن ابن مسعود من قوله، أخرجه ابن أبي شيبة ."
و روى الطحاوي ( 1/252 ) عن ربيع المؤذن عن يحيى بن حسان ، ثنا وهيب ، ثنا منصور ، عن ابراهيم ، عن علقمة ، عن عبد الله قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : " إذا صلى أحدكم فلم يدر أثلاثا صلى أم أربعا ، فلينظر أحرى ذلك إلى الصواب فليتمه ، ثم ليسلم ، ثم ليسجد سجدتي السهو و يتشهد و يسلم " قال في حاشية( نصب الراية 2/171) : رجاله ثقات. و قال الشيخ شعيب الأرنؤوط في (شرح السنة للبغوي 1/323) :)إسناده قوي .
قلت: و يشهد له رواية أبي عبيدة عن أبيه السالفة الذكر .
وهكذا يظهر للمنصف أن التشهد في سجود السهو مشروع ثابت، ومن المجازفة بمكان أن يحشر في زمرة المحدثات. ومن خاف الله احتاط لدين الله و كفّ عن التوثب على شريعة الله).اهـ

قلت مستعينا بالله تعالى:
انتهى كلام عبد الوهاب مهية وجله مأخوذ من حاشية محمد عوامة على نصب الراية، التي أسماها بغية الألمعي في تخريج الزيلعي (2/171ط: مؤسسة الريان).
وأقول وبالله التوفيق:
لقد تتبعت بعض كتابات "عبد الوهاب مهية" فوجدتها مكسوة بلباس الغرابة، ومن أغرب ما وقفت عليه قوله: "إن السنّة في الإزار أو الثوب عند الرجال أن يكون تحت الكعبين!"، وكذا خلطه في مسألة قنوت الفجر المعروف حاليا في مساجدنا بأسلوب لا يخدم البحث العلمي المتين الذي يَنشده بقوله (و من خاف الله احتاط لدين الله و كفّ عن التوثب على شريعة الله)، والذي يُمدح عليه زورا في المواقع الإلكترونية، وأحسن ما صادفني من بحوثه " القِطْفُ الجَنِيّ في بيان نجاسة المَنِيّ" مع ما يحمله من فهوم محدثة وغريبة لا يعرفها فطاحلة علماء الإسلام.
قال الإمام الشافعي رحمه الله: (مَن تكلّمَ بكلام في الدِّين، أو في شَيء مِن هذه الأَهواء لَيس له فيهِ إمَامٌ مُتقدَّمٌ من النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم، وأَصْحابِهِ فَقَد أَحْدَثَ في الإسْلامِ حَدَثا). أخرجه الأصبهاني في سير السلف الصالحين (ج3 ص1171) بإسناد حسن.
وقال المروزي كما في شرح علل الترمذي لابن رجب (ص:235 تحقيق السّامرائي): (سمعت أحمد يقول: تركوا الحديث وأقبلوا على الغرائب، ما أقل الفقه فيهم).
ولهذا خلصتُ أن أعماله –وأرجو أن أكون مخطأ- مرصودة لخدمة مناهج الفرق الضالة، وموجهة للرد على علماء أهل الحديث المعاصرين من أمثال العلامة محمد ناصر الدين الألباني، ومحمد بن صالح العثيمين رحمهما الله وطلابهما، حتى ولو أصاب في بعض المسائل الفقهية، فإن أهل الحديث صدقا وحقا لا يستبشرون بعمله أبدا لعلمهم أن ريعه في الأخير يعود إلى خزينة أهل الأهواء.
قال الإمام أحمد بن حَنْبل رحمه الله: (لا تُجالِسوا أصحابَ الكلام، وإن ذبُّوا عن السُّنة).
وفي رواية: (لا تُجالِس صاحب كَلامٍ وإنْ ذبّ عَن السُّنة فإنّه لا يَؤُول أمره إلى خَيْر).
أخرجه ابن بطة في الإبانة الكبرى (ج2 ص540) وابن الجوزي في مناقب الإمام أحمد (ص156) من طريقين عن أحمد بن حنبل به. وإسناده صحيح، وذكره ابن أبي يعلى في طبقات الحنابلة (ج1 ص334).
وقد رأيت أن أهل الأهواء يركضون لنشر ردوده على مواقعهم الإلكترونية متوهمين بزعمهم الكاذب أن فيها إفحاما للوهابية كما صرح بعضهم، ولست أدري من أين جاء هذا التآلف.
قال ابن القيم رحمه الله في إغاثة اللهفان (ج1 ص345 ط: المكتب الإسلامي) عند حديثه عن المغبونين والمفتونين بسماع الغناء بالآلات المحرمة: (كل امرئ يَصْبو إلى ما يناسبه، ويميل إلى ما يشاكله، والجِنْسِيّةُ عِلَّةُ الضّم قَدَراً وشرعاً، والمشاكلة سبب الميل عقلا وطبعاً، فمن أين هذا الإخاء والنسب؟ لولا التعلقُ من الشيطان بأقْوى سبب، ومن أين هذه المصلحة التي أوقعت في عَقْد الإيمان، وعَهْد الرحمن خَلَلاً ﴿أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلا﴾ [الكهف:50])اهـ.
لقد خبرت هذا الصنف من الكُتَّاب الذي يزعم درايته بالعلم الحديث، فألفته مضطربا جدا في بحوثه، ووجدته يكتب لنصرة المناهج الباطلة، ولا يجتهد في نشر العلم على طريقة أهله ولو كان مرجوحا في نظر مخالفيه، بل يتأمم بعض المواضيع ويجعلها عربونا يتقرب بها من بعض التكتلات السياسية عسى أن يجد عندهم شيئا من حطام الدنيا، وإلا لو كان صادقا في كتاباته لوجه سهامه إلى رؤوس الإخوان المسلمين من أمثال سيد قطب، وحسن البنا، وعمر التلمساني، الذين أفسدوا دين المسلمين إفسادا لا نظير له في التاريخ الإسلامي، ولو سجد المنغمس في منهاجهم ألاف السجدات سجودا للسهو، وتشهد بعدد السجدات لما أمكنه أن يجبر الخلل الذي أحدثه الإخوان المسلمون في دينه، بل إن البلاء والفتاوى القاتلة لروح الإسلام التي يعاني منها العالم، والإرهاب الأعمى الذي يعصف بمفاصل بعض الدول الإسلامية كلّه خرج من مدرسة الإخوان المسلمين بأنواعها، القديم منها؛ كالبنائية والقطبية والهجرة والتكفير، أو الجيل الجديد منها والمعدل فكريا، الذي سعى إلى تصحيح مدرسة الإخوان المسلمين من الداخل مع البقاء على أصولها الحركية كما هو صنيع محمد سرور، وسلمان العودة، وعائض القرني، وعدنان عرعور، وبعض دعاة مدرسة الإسكندرية الذين تربوا على فكر محمد قطب، وأطلقوا على مدرستهم اسم "سلفية المعتقد عصرية المواجهة"، وإن تظاهر هذا الجيل المعدل فكريا بالردّ على بعض رموز الإخوان ورؤوسهم كيوسف القرضاوي فهو من باب التصحيح الداخلي ليس إلا.
ولو كان هذا الصنف صادقا في دعوته، وجادا في خدمة العلم الشريف لشمّر عن ساعد الجد وكشف عن ضلال الخوارج والروافض الأنجاس والعقلانيين أحفاد المعتزلة كما فعل الأسلاف من علماء الحديث رحمهم الله.
ولو كان هذا الصنف منصفا وعادلا في مسيرته الدعوية لما سكت عن شرك أهل التصوف والقبوريين ودعاة الطروقية، ولسعى في كشف بدعهم الكبيرة التي تأنُّ الأرض من ضلالها، والله المستعان.
إن علماءَ الحديث لما صنَّفوا في العلم كان قصدُهم تعريف البرية بالحق الذي في الكتاب والسنة، وتحذيرهم من الشرك والشّر والبدع التي أحدثها أهل الأهواء كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في التسعينية (1/158-159، ط: مكتبة المعارف بالرياض): (إنّ سلف الأمة وأئمتها ما زالوا يتكلمون ويفتون ويحدثون العامة والخاصة بما في الكتاب والسنة من الصفات، وهذا في كتب التفسير والحديث والسنن أكثر من أن يحصيه إلا الله، حتى إنّه لمّا جمع الناس العلم وبوبوه في الكتب، فصنف ابن جريج التفسير والسنن، وصنف معمر -أيضا-، وصنف مالك بن أنس، وصنف حماد بن سلمة، وهؤلاء من أقدم من صنف في العلم، فصنف حماد بن سلمة كتابه الصفات، كما صنف كتبه في سائر أبواب العلم، وقد قيل: إنّ مالكاً إنما صنف الموطأ تبعا له، وقال: جمعت هذا خوفا من الجهمية أن يضلوا الناس لما ابتدعت الجهمية النفي والتعطيل، وكذلك كان يجمعها ويحدث بها غير واحد من أئمة السلف لما ابتدعت الجهمية النفي والتعطيل...)اهـ.
ولو لمست من هذا الصنف أنه يسير على منهج الأئمة الأخيار كما كان حماد بن سلمة، ومالك بن أنس في نشر العلم والتحذير من أهل البدع والأهواء، واستفاض فعلهم هذا في الأوساط العلمية، وتلقاه أهل الشأن بالقبول، ثم بعد ذلك صححوا خطأ وقع فيه العلامة الألباني، أو خالفوه في مسألة أو أكثر لعددتُ هذا من اجتهادهم في العلم، وتقصيهم للحق، أما وأنهم أموات غير أحياء أمام أهل البدع، لا يعلم لهم سوداء على بيضاء في نقدهم لهم، وفي المقابل أجدهم سيوفا مسلطة على رقاب علماء الحديث كما هو صنيع محمود سعيد ممدوح المصري في كتابه "التعريف بأوهام من قسّم السنن إلى صحيح وضعيف" فلا أقبل منهم صنيعهم الكاذب في خدمة العلم، وأعدُّ فعلهم من فقه المعاكسات كما كان يصنع الكرابيسي.
قال المروزي: (مضيت إلى الكرابيسى، وهو إذ ذاك مستور، يذب عن السنة، ويظهر نصرة أبي عبد الله فقلت له: إن كتاب المدلسين يريدون أن يعرضوه على أبي عبد الله، فأظهر أنّك قد ندمت حتى أخبر أبا عبد الله، فقال لي: إن أبا عبد الله رجل صالح ومثله يوفق لإصابة الحق، وقد رضيت أن يعرض كتابي عليه.
وقال: قد سألني أبو ثور، وابن عقيل، وحبيش أن أضرب على هذا الكتاب فأبيت عليهم، وقلت: بل أزيد فيه.
ولجّ في ذلك وأبى أن يرجع عنه، فجِيء بالكتاب إلى أبي عبـد الله، وهو لا يدري من وَضَع الكتاب، وكان في الكتاب الطعنُ على الأعمش والنصرةُ للحسن بن صالح، وكان في الكتاب: إن قلتم: إن الحسن بن صالح كان يرى رأي الخوارج، فهذا ابن الزبير قد خرج.
فلما قُرئ على أبي عبد الله قال: هذا قد جمع للمخالفين ما لم يحسنوا أن يحتجوا به، حذّروا عن هذا ونهى عنه)، انظر شرح العلل للترمذي (2/893 ط: مكتبة الرشد).
قال ابن رجب في شرح العلل: (وقد تسلط بهذا الكتاب طوائف من أهل البدع من المعتزلة وغيرهم في الطعن في أهل الحديث، كابن عباد الصاحب ونحوه، وكذلك بعض أهل الحديث ينقل منه دسائس إما أنّه يخفى عليه أمرها، أو لا يخفى عليه في الطعن في الأعمش ونحوه كيعقوب الفسوي وغيره).
وأعود إلى عبد الوهاب مهيّة وأسأل ربي العظيم في شهر الصيام أن يطهره من فقه المعاكسات وأن يستخدمه في نصرة منهج أهل الحديث فقد لاحظت أن له دراية ببعض فنون علم الحديث كالتخريج وتتبع الطرق وإلا لما أتعبت نفسي للرد عليه، وأن يوفقه لنشر التوحيد الخالص الذي دعت إليه جميع الأنبياء، والتحذير من البدع التي أحدثتها الفرق الضالة، وأسأل ربي أن يكون حواري معه سببا لتبصيره بمنهج المحدثين حقا، وتشجيعا له لخدمته فالدّال على الخير كفاعله، وفي الختام أذكره بكلام الإمام الشافعي رحمه الله في الرسالة (ص140): (فالواجب على العاملين أن لا يقولوا إلا من حيث علموا، وقد تكلم في العلم من لو أمسك عن بعض ما تكلم فيه منه لكان الإمساك أولى به وأقرب من السلامة له إن شاء الله).
وأعتذر من القراء على هذا الاستطراد أقول وبالله التوفيق رادا على اتهاماته الباطلة ولله الأمر من بعد ومن قبل:
الحديث الأول:
عن عمران بن حصين رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم صلّى بهم فسها، فسجد سجدتين ثم تشهد ثم سلَّم).
قلت: شاذا بلفظ: (ثم تشهد).
أخرجه أبو داود (2/79 برقم 1031 ط: محمد عوامة) والترمذي (1/420 برقم395 ط: بشار عواد)، وقال: هذا حديث حسن غريب، وروى ابن سرين، عن أبي المهلّب، وهو عمّ أبي قلابة غير هذا الحديث.
وروى محمد هذا الحديث عن خالد الحذّاء، عن أبي قلابة، عن أبي المهلّب.
أبو المهلّب اسمه: عبد الرحمن بن عمرو، ويقال أيضا: معاوية بن عمرو.
وقد روى عبد الوهاب الثقفي، وهشيم، وغير واحد هذا الحديث عن خالد الحذّاء، عن أبي قلابة بطوله، وهو حديث عمران بن حصين أنّ النبي صلى الله عليه وسلم سلّم في ثلاث ركعات من العصر، فقام رجل يقال له الخرباق.
واختلف أهل العلم في التشهد في سجدتي السهو:
فقال بعضهم: يتشهد فيهما ويسلّم.
وقال بعضهم: ليس فيهما تشهد وتسليم، وإذا سجدهما قبل السلام لم يتشهد، وهو قول أحمد وإسحاق، قالا: إذا سجد سجدتي السهو قبل السلام لم يتشهد.
وأخرجه النسائي في الصغرى (3/30 برقم1235) وليس فيه ذكر (ثم تشهد)، وأخرجه في الكبرى (1/314 برقم609، 2/50 برقم1160) وليس فيه ذكر التشهد، وابن الجارود في المنتقى (برقم 247) والحاكم (1/461 برقم1208،ط: مقبل بن هادي الوادعي) والبيهقي في السنن الكبرى (2/499 برقم3896)، والبغوي في شرح السنة (3/297 برقم761)، وأبو عوانة في مسنده (1/515 برقم 1926)، والحافظ أبو القاسم تمام الرازي في فوائده (1/372 برقم 374- الروض البسام)، وابن خزيمة (برقم1062) وابن حبان في صحيحه (6/392 برقم2670-2672)، والطبراني في الكبير (18/195)، وفي الأوسط (2/360 برقم2229)، وغيرهم من طرق عن محمد بن عبد الله بن المثنى الأنصاري، قال: حدثنا أشعث بن عبد الملك الحُمراني عن محمد بن سيرين عن خالد الحذاء عن أبي قلابة عن أبي المهلّب عن عمران بن حصين به.
قال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين، ووافقه الذهبي.
قال العلامة والخبير بعلل الأحاديث في العصر الحديث مقبل بن هادي الوادعي رحمه الله في تعليقه على المستدرك الذي أسماه "تتبع أهوام الحاكم التي سكت عليها الذهبي" (1/461) معقبا على الحاكم في حكمه: (أشعث ما روى له البخاري إلا تعليقا، وذِكْرُ التَّشهد بعد سجدتي السهو شاذ).
ثم أخرجه الحاكم (برقم1209 ط: مقبل) من طريق محمد بن يحي، عن محمد الأنصاري ولم يذكر التشهد.
قال الحافظ ابن رجب في فتح الباري شرح صحيح البخاري (6/480-481 تحقيق طارق بن عوض الله) بعد ما ذكر تصحيح الحاكم: (وضعّفه آخرون، وقالوا: ذكر التشهد فيه غير محفوظ، منهم: محمد بن يحي الذهليّ، والبيهقي، ونسبا الوهم إلى أشعث).اهـ.
قلت: وللحفاظ وجهان في ردّ هذا الحرف [ثم تشهد].
=الوجه الأول: الحملُ على أشعث بن عبد الملك الحمراني.
قال البيهقي في السنن الكبرى: (تفرد به أشعث الحُمراني، وقد رواه شعبة، ووهيب، وابن علية، والثقفي، وهيثم، وحماد بن زيد، ويزيد بن زريع، وغيرهم عن خالد الحذّاء، ولم يذكر أحدٌ منهم ما ذكر أشعث عن محمد عنه.
ورواه أيوب عن محمد قال: أخبرت عن عمران فذكر السلام دون التشهد، وفي رواية هشيم ذكر التشهد قبل السجدتين، وذلك يدل على خطأ أشعث فيما رواه).
ثم ساق البيهقي رحمه الله بسنده الحديث هشيم وفيه: (فقام فصلى ثم سجد، ثم تشهد وسلم، وسجد سجدتي السهو ثم سلم)، وقال رحمه الله: هذا هو الصحيح بهذا اللفظ، والله أعلم)اهـ.
قلت وبالله التوفيق: الحديث في صحيح مسلم (برقم574-575) من رواية إسماعيل بن إبراهيم، وعبد الوهاب الثقفي كلاهما عن خالد الحذاء، عن أبي قلابة، عن أبي المهلّب، عن عمران بن حصين، بلا ذكر التشهد فيه.
وقد تعقّب ابنُ التركماني الحنفي البيهقيَ في الجوهر النقي وهي حاشية على السنن (2/499) وقال: (أشعث الحمراني ثقة، أخرج له البخاري في المتابعات في باب يخوف الله عباده بالكسوف، ووثقه ابن معين وغيره، وقال يحي بن سعيد: ثقة مأمون، وعنه أيضا قال: لم أدرك أحدا من أصحابنا هو أثبت عندي منه، ولا أدركت من أصحاب ابن سرين بعد ابن عون أثبت منه، وإذا كان كذلك فلا يضر تفرده بذلك، ولا يصير سكوت من سكت عن ذكره حجة على من ذكره وحفظه، لأنه زيادة ثقة، كيف وقد جاء له الشاهدان اللذان ذكرهما البيهقي، وكذلك هشيم في روايته ذكر التشهد في الصلاة، وسكت عن التشهد في سجود السهو كما سكت أولئك، فكيف يدلّ سكوته على خطأ أشعث فيما حفظه وزاده على غيره)اهـ.
وقال الحافظ ابن حجر في الفتح (3/98): (وضعفه البيهقي، وابن عبد البر وغيرهما، ووهموا رواية أشعث لمخالفته غيره من الحفاظ عن ابن سيرين، فإن المحفوظ عن ابن سرين في حديث عمران ليس فيه ذكر التشهد، وروى السرّاج من طريق سلمة بن علقمة أيضا في القصة: قلت: لابن سرين: فالتشهد؟ قال: "لم أسمع في التشهد شيئا"، ثم قال: وكذا المحفوظ عن خالد الحذاء بهذا الإسناد في حديث عمران ليس فيه ذكر التشهد كما أخرجه مسلم، فصارت زيادة أشعث، ولهذا قال ابن المنذر: لا أحسب التشهد في سجود السهو يثبت)اهـ.
أقول وبالله العظيم التوفيق: إنّ الحافظ البيهقي لم يجادل في مسألة توثيق أشعث، ولم ينازع غيره في هذا الأمر، وأشعث الحمراني ثقة ولا أعلم من غمزه بشيء يضر برواته، وإنما الحديث هنا عن التفرد من الثقة وهي شيء آخر غير الجرح والتعديل، وهذا الذي لم يستطع أن يفهمه عبد الوهاب مهية ومن كان على شاكلته ممن تأثر بمنهج أهل الرأي في دراسة الحديث.
إنّ الشذوذ الذي يكون في المتن أو السند أو في صيغ التحديث هو خطأ وقع فيه الراوي، وعبارة الحفاظ في التعبير عن هذا الخطأ تختلف؛ فبعضهم يعبر عنه بالشاذ كما هو صنيع الإمام الشافعي حين قال: (ليس الشاذ من الحديث أن يروي الثقة حديثا لا يرويه غيره، إنما الشاذ من الحديث أن يروي الثقة حديثا يخالف فيه الناس)اهـ. وبعضهم يعبر عنه بالمنكر.
وكلام الإمام الشافعي رحمه الله لا يحصر وصف الحديث بالشذوذ إلا إذا كان الراوي المخطئ ثقة، لا شك ولا ريب أن الراوي إذا كان في طبقة الصدوق وما فوق إذا أخطأ في الرواية يطلق عليها شاذة، ولكن هل هذا الحكم خاص فقط بالثقة، فإن المتتبع لصنيع الإمام الشافعي رحمه الله يدرك أن وصفه للرواية بالشذوذ يشمل كل راوي أخطأ سواء كان مقبولا أو مردودا، وأن عبارته التي قالها سالفا صدرت منه في موضع المناظرة رادا على من ردّ رواية الثقة من أجل مطلق التفرد دون النظر في القرائن كما بيّن ذلك العلامة ابن القيم في إغاثة اللهفان.
والمتتبع في صنيع الحفاظ يجد أن لكل عالم مصطلحا في ردّ خطأ الراوي بغض النظر عن مرتبته، فبعضهم يعبر عنه بالشذوذ كالإمام الشافعي والإمام الترمذي، وبعضهم يعبر عنه بالمنكر كما هو فعل الإمام أحمد، ولو عبرتُ عن حديث عمران السابق بلفظة منكر لم أكن قد خرجت عن منهج الحفاظ رحمهم الله في بيان خطأ الراوي.
قال العلامة الحافظ أبو يعلى خليل بن عبد الله الخليلي (م:446هـ) في كتابه "الإرشاد في معرفة علماء الحديث" (1/176): (والذي عليه حفاظ الحديث: الشاذ: ما ليس له إلاّ إسناد واحد يشذّ بذلك شيخ؛ ثقة كان، أو غير ثقة، فما كان عن غير ثقة فمتروك لا يقبل، وما كان عن ثقة يتوقف فيه، ولا يحتج به)اهـ.
وأما الذي فهم الحافظ ابن حجر من تعريف الخليلي للشاذ أنه يسوي بين الشاذ والفرد المطلق كما قال في النكت (2/652-653) فغير مسلم به وفيه نظر، فإن الحافظ الخليلي رحمه الله غاير بين الفرد وبين الشاذ حين قال (1/167): (وأما الأفراد: فما يتفرّد به حافظ، مشهور، ثقة، أو إمام عن الحُفَّاظ والأئمّة فهو صحيح متفق عليه).
قال ابن رجب في شرح علل الترمذي (ص:256 تحقيق صبحي السّامرائي، وهي النسخة التي درستها أثناء الطلب، وهي ناقصة جدا)، وانظر النسخة التي اشتغل عليها الدكتور همام عبد الرحيم سعيد (2/658 ط: مكتبة الرشد): (ولكن كلام الخليلي في تفرد الشيوخ، والشيوخ في اصطلاح أهل هذا العلم عبارة عمن دون الأئمة والحفاظ، وقد يكون فيهم الثقة وغيره، فأما ما انفرد به الأئمة والحفاظ فقد سماه الخليلي فردا، وذكر أن أفراد الحفاظ المشهورين الثقات أو أفراد إمام عن الحفاظ والأئمة صحيح متفق عليه..).
ومن هذا التفصيل الموجز فإن الحافظ الخليلي يرى أن الشاذ يصدق عليه ما يرويه الثقة وما يرويه الضعيف إذا ظهرت القرائن أنه أخطأ، إما بتفرده، أو مخالفته لغيره من الحفاظ، ثم وجدت أن كلام الإمام الحاكم النيسابوري قريب من كلام الحافظ الخليلي حيث قال في جزئه "علوم الحديث" وهو من أوائل الأجزاء التي قرتها في بداية الطلب: (الشاذ من الروايات، غير المعلول، فإن المعلول ما يوقف على علته، أنه دخل حديث في حديث، أو وهم فيه راوي، أو أرسله واحد فوصله واهم، فأما الشّاذ فإنه: حديث يتفرد به ثقة من الثقات، وليس للحديث أصل متابع لذلك الثقة).
وإن كان بعض أهل العلم يرون الشاذ من قبيل المعلول.
قلت: إن الحفاظ رحمهم الله كانوا لا يهرعون إلى قبول الحديث اعتمادا على ظاهر الإسناد بل رحمهم الله كانوا يعودون إلى الأصول وينظرون فيها، هل هذا الحديث مما هو محفوظ في أصل الراوي أم لا؟.
قال الخليلي في الإرشاد (1/202): (وإذا أسند لك الحديث عن الزهري أو عن غيره من الأئمة فلا تحكم بصحته لمجرد الإسناد فقد يخطئ الثقة).
وقال البيهقي في معرفة السنن والآثار (1/144): (وهذا النوع من معرفة صحيح الحديث من سقيمه لا يعرف بعدالة الرواة وجرحهم، وإنما يعرف بكثرة السماع ومجالسة أهل العلم بالحديث، ومذاكرتهم والنظر في كتبهم، والوقوف على روايتهم حتى إذا شذّ منها عرفه)اهـ.
وقال يزيدُ بن أبي حبيب كما في رسالة أبي داود إلى أهل مكة، انظر «عون المعبود» (1/7): (إذا سمعتَ الحديث فانشده كما تنشد الضالة فإن عُرف وإلاّ فدعه).
وقال الخطيب البغدادي رحمه الله في الجامع لأخلاق الراوي (2/295): (والسبل إلى معرفة علة الحديث أن يجمع بين طرقه وينظر في اختلاف رواته ويعتبر بمكانهم من الحفظ ومنزلتهم في الإتقان والضبط).
والله تعالى أعلم.
وخلاصة كلام الحافظ البيهقي في ردّه لرواية أشعث:
أولا: أنه تفرد بها دون جماعة من كبار الحفاظ، وهم أشهر منه قدرا وأثبت حفظا، وهو لا يرقى إلى مرتبة الأئمة الذين يتسامح في تفردهم.
ثانيا: أن ابن سرين كما في رواية السرّاج التي ذكرها الحافظ ابن حجر لم يسمع في التشهد شيئا، فكيف يروي عنه أشعث هذا الحرف.
ثالثا: إنّ البيهقي احتج برواية هشيم لبيان موضع التشهد، وأنه في الركعة المقضية، وأراد بذلك تخطئة أشعث حين عدّ التشهد في سجدتي السهو.
=الوجه الثاني في رد هذا الحرف (ثم تشهد) والحمل فيه على محمّد بن عبد الله بن المثنى بن عبد الله بن أنس بن مالك الأنصاري البصري.
قال أبو حاتم محمد بن حبان البستي (م: 354 هـ) في صحيحه (6/393 الإحسان): (تفرّد به الأنصاريُّ، ما روى ابن سرين عن خالد غير هذا الحديث، وخالد تلميذه)اهـ.
ثم روى ابن حبان عقب قوله السابق الحديث على الجادة بلا ذكر التشهد.
وقد جنح الحافظ الذهبي في المهذّب (2/321) إلى الحمل على محمد بن عبد الله الأنصاري وتخطئته فقال: (ولا رواه عن أشعث سوى الأنصاري، فلعل الخطأ منه).اهـ.
وقال الحافظ ابن رجب رحمه الله في فتح الباري شرح صحيح البخاري: (وعندي؛ أن نسبة الوهمي إلى الأنصاري فيه أقرب، وليس هو بذاك المتقن جدا في حفظه، وقد غمزه ابن معين وغيره.
ويدل على هذا: أن يحي القطان رواه عن أشعث، عن ابن سيرين، عن خالد، عن أبي قلابة، عن أبي المهلّب، عن عمران في السلام خاصة، كما رواه عند الإمام أحمد، ذكره ابنه عبد الله عنه في مسائله.
فهذه رواية يحي القطان مع جلالته وحفظه وإتقانه عن أشعث، إنما فيها ذكر السلام فقط.
وخرجه النسائي عن محمد بن يحي بن عبد الله، عن الأنصاري، عن أشعث، ولم يذكر التشهد، فإما أن يكون الأنصاري اختلف عليه في ذكره، وهو دليل على أنه لم يضبطه، وإما أن يكون النسائي ترك ذكر التشهد من عمد، لأنه استنكره.
وقد روى معتمر بن سليمان، وهشيم، عن خالد الحذاء حديث عمران بن حصين، وذكر فيه: أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى ركعة، ثم تشهد وسلم، ثم سجد سجدتي السهو، ثم سلّم. فهذا هو الصحيح في حديث عمران، ذكر التشهد في الركعة المقضية، لا في سجدتي السهو)اهـ.
قال أبو عبد الباري عبد الحميد العربي الجزائري غفر الله له تأييدا للحافظ ابن رجب رحمه الله أن ذكر التشهد جاء في الركعة المقضية وليس في سجدتي السّهو، وأن الحمل في زيادة هذا الحرف في سجدتي السهو على الأنصاري أنّ:
رواية معتمر بن سليمان التيمي عن خالد، عن أبي قلابة، عن أبي المهلّب، عن عمران بن حصين أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم صلى صلاة الظهر أو العصر ثلاث ركعات، فقيل له، فقال: أ كذلك؟ قالوا: نعم، فصلى ركعة ثم تشهد وسلم، ثم سجد سجدتي السّهو، ثم سلّم)، أخرجها الإمام أحمد في مسنده (4/431)، وابن الجارود في المنتقى (245)، وابن خزيمة في صحيحه (برقم1054)، وابن حبان في صحيحه (2/394 برقم2673، وبوّب له: ذكر الخبر المُدحض قول من زعم أن سجدتي السّهو يجب أن تكونا في كل الأحوال قبل السلام).
ورواية هشيم، عن خالد، عن أبي قلابة، عن أبي المهلّب، عن عمران، أخرجها البيهقي في السنن الكبرى كما أسلفنا، وقال عقبها: (هذا هو الصحيح بهذا اللفظ، والله أعلم).
وجاء من رواية شعبة بن حجاج الوردي عن خالد الحذاء، أخرجها أحمد (4/441)، والطيالسي (847)، وأبو عوانة في مسنده (1/515 برقم1924)، والطحاوي (1/443)، والطبراني (18/466).
وجاء من رواية إسماعيل بن علية عن خالد عند أحمد (4/427)، ومسلم (برقم575)، وابن خزيمة (1054)،(1060)، والطبراني (18/470)، والبيهقي (2/505 برقم 3912)، وابن أبي شيبة (1/386برقم4440)، (1/392 برقم4513).
وجاء من رواية وهيب عن خالد فهي عند الطحاوي (1/443) وغيره.
وجاء من رواية حماد بن زيد عن خالد عند ابن خزيمة (برقم1054)
وجاء من رواية عبد الوهاب الثقفي عن خالد عند مسلم (برقم574) كما مر بنا، وابن خزيمة (برقم1054).
وجاء من رواية حماد بن زيد عن خالد عند أبي عوانة في مسنده (1/514برقم1923)، وابن خزيمة (برقم1054).
وجاء من رواية إسماعيل بن إبراهيم عن خالد عند مسلم (برقم574) كما مر بنا.
وجاء من رواية يزيد بن زريع عن خالد عن أبي عوانة في مسنده (1/514برقم1922).
وجاء من رواية مسلمة بن محمد عن خالد عند أبي عوانة (1/514برقم1922).
فكل هؤلاء يثبتون أن ذكر التشهد جاء في الركعة المقضية، وأن ذكره في سجدتي السهو سهو وخطأ، والحمل عندي على الأنصاري رحمه الله تعالى، ولعل هذا الذي ذكرناه بإيجاز شديد يجعل عبد الوهاب مهية غفر الله له يعيد النظر في كلامه السابق الذي وسمنا به ظلما، وإن كنت لم أذكر في جزئي ما ذكرته هنا، لأن الجزء كان الغاية منه تقريب كتاب السهو من الطلاب دون التوسع في ذكر العلل لأن كثيرا منهم لا تدرك عقولهم هذا الفن.
قال الإمام البغوي في شرح السنة (3/298 ط: المكتب الإسلامي): (ورى عبد الوهاب الثقفي، وإسماعيل بن علية، وغير واحد هذا الحديث عن خالد الحذاء، عن أبي قلابة، عن أبي المهلّب، عن عمران بن الحصين أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى العصر، فسلّم من ثلاث ركعات، ثم دخل منزله، فقام إليه رجل يقال له: الخرباق وكان في يده طول، فقال: أقصرت الصلاة؟ فخرج مغاضبا يجرّ رداءه، فقال: "أصدق هذا" قالوا: نعم، فصلى ركعة، ثم سلم، ثم سجد سجدتين، ثم سلم، ولم يذكروا التّشهّد.
وسلّم أنس والحسن ولم يتشهدا.
قال قتادة: لا يتشهد)اهـ.
قلت: وقد اختلفت الرواية عن قتادة كما سيأتي بيانه.

الشواهد التي عدّها مهية طرقا لتقوية خطأ أشعث أو الأنصاري!!:

أولا: عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه قال: ( إذا كنت في صلاة فشككت في ثلاث أم أربع، وأكبر ظنك على أربع، تشهد ثم اسجد سجدتين وأنت جالس قبل أن تسلم، ثم تشهد أيضاً ثم سلم). منكر بهذا اللفظ.
أخرجه أبو داود (برقم1020 باب: من قال: يُتم على أكثر ظنّه، ط: محمد عوامة)، والنسائي في الكبرى (1/314برقم608)، وأحمد (1/429) والبيهقي (2/500 برقم3901)، والدارقطني في سننه (2/46 برقم 1400)، من طريق محمد بن سلمة، عن خصيف عن أبي عبيدة عن عبد الله بن مسعود به.
قال الإمام أبو داود رحمه الله في سننه: (رواه عبد الواحد عن خصيف ولم يرفعه، ووافق عبد الواحد أيضا: سفيان، وشريك، وإسرائيل، واختلفوا في الكلام في متن الحديث، ولم يسندوه).
وقال الحافظ البيهقي رحمه الله: (وهذا غير قوي، ومختلف في رفعه ومتنه).
قلت: وخصيف؛ وهو ابن عبد الرحمن الجزري، أبو عون، قال فيه الحافظ في التقريب: "صدوق سيء الحفظ، خلط بأخرة، ورمي بالإرجاء"، وقد اختلف عليه فرواه عنه محمد بن سلمة ورفعه كما مرّ، وخالفه غيره، وهم: عبد الواحد، وسفيان، وشريك، وإسرائيل، ولم يسندوه.
ورواية سفيان: رواها الطحاوي في شرح معاني الآثار (1/441)، وعبد الرزاق في المصنف (2/312برقم3491) من طرق عن سفيان، [وجاء عند الطحاوي:حصين] وأظنه خصيف قد تصحف، عن أبي عبيدة عن عبد الله رضي الله عنه قال: السهو أن يقوم في قعود، أو يقعد في قيام، أو يسلم في ركعتين، فإنه يسلم، ثم يسجد سجدتي السهو، ويتشهد، ويسلم.
وأخرج عبد الرزاق في المصنف (2/314 برقم3499) عن الثوري، عن خصيف، عن أبي عبيدة، عن ابن مسعود أنه تشهد في سجدتي السهو.
وأخرجها ابن أبي شيبة بلفظ آخر (1/392 برقم4505) قال: حدثنا وكيع، عن سفيان، عن خصيف، عن أبي عبيدة، عن عبد الله؛ (أنه سلم في ركعتين، فقام فأتم، وسجد سجدتين) وليس فيها التشهد.
ورواية محمد بن فضيل: أخرجها الإمام أحمد في مسنده (1/429)، وابن أبي شيبة (1/384برقم4407) وليس فيها ذكر التشهد.
وأخرجها ابن أبي شيبة (1/388برقم4458) قال حدثنا محمد بن فضيل، عن خصيف، عن أبي عبيد، عن عبد الله قال: يتشهد فيهما.
وهناك علة أخرى، وهي الانقطاع بين عامر بن عبد الله بن مسعود أبي عبيدة وأبيه، فقد نصّ الحفاظ كشعبة بن حجاج، وأبي حاتم الرازي أنه لم يسمع منه شيئا، انظر تحفة التحصيل (ص221 برقم430).
وقال المنذري في مختصر السنن (1/467): (وقد تقدّم أن أبا عبيدة لم يسمع من أبيه).
فهذه الرواية عن ابن مسعود لا تصح سندا ولا متنا كما قال الإمام أبو داود، والحافظ البيهقي.
وقال الحافظ ابن رجب رحمه الله في فتح الباري (6/482 ط: طارق عوض الله): (وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم التشهد في سجود السهو، من حديث ابن مسعود، وله طرق:
أجودها: رواية خصيف، عن أبي عبيدة، عنه، مع الاختلاف في رفع الحديث، ووقفه أشبه، أو مع الاختلاف في ذكر السجود قبل السلام وبعده.
وروى من وجه آخر لا يثبت منها شيء.
وروى أيضا من حديث عائشة مرفوعا، خرجه الطبراني، وإسناده ساقط.
وقال الجوزجاني: لا نعلم في شيء من فعل الرسول صلى الله عليه وسلم في سجدتي السهو قبل السلام وبعده أنه يتشهد فيهما.
وقال –أيضا-: ليس في التشهد في سجود السهو سنة قائمة تتبع)اهـ.
قلت: ورواية أم المؤمنين عائشة التي ذكرها الحافظ ابن رجب وحكم عليها بالسقوط أخرجها الطبراني في الأوسط (4/345 برقم4392) قال: حدثنا عبد الله بن محمد بن عزير، قال: نا غسّان بن الربيع، قال: نا موسى بن مطير، عن أبيه، عن عائشة قالت: شكوتُ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم السّهو في الصلاة، قال: "إذا صلّيتِ فرأيت أنّك قد أتممتِ صلاتك، وأنت في شكّ، فتشهدي، وانصرفي، ثم اسجدي سجدتين وأنت قاعدة، ثم تشهدي بينهما ونصرفي)
قال الطبراني رحمه الله: لا يروى هذا الحديث عن عائشة إلا بهذا الإسناد من حديث موسى بن مطير.
قلت: وموسى بن مطير الكوفي متروك الحديث.
قال يحي بن معين في تاريخه (2/596): موسى بن مطير: كذاب.
وقال ابن حبان في المجروحين: كان صاحب عجائب ومناكير..
وقال الإمام النسائي: متروك الحديث.
وأعود إلى رواية عبد الله بن مسعود:
ثم وجدت أن ابن أبي شيبة (1/388 برقم4459)قال: حدثنا عباد بن العوام عن حصين، عن إبراهيم، عن عبد الله قال: فيهما تشهد.
وحصين هو بن عبد الرحمن السّلمي أبو الهذيل الكوفي ثقة تغير حفظه في الآخر، وقد انتقى الإمام البخاري في صحيحه من روى عنه قبل تغيره وليس عباد بن عوام منهم، وعلى فرض أنه أخذ عنه قبل تغيره فهذه فتوى لعبد الله بن مسعود ليست رواة له، خالفه فيها أنس بن مالك وغيره كما يأتي بيانه، هذا إن ثبت سماع إبراهيم من ابن مسعود.
قال علي بن المديني في علل الحديث (ص:75): (لم يلق أحدا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم...).
وقال العلائي في الجامع (ص:141): (هو مكثر من الإرسال، وجماعة من الأئمة صححوا مراسيله، وخصّ البيهقي بما أرسله عن ابن مسعود).
قلت: قال الأعمش كما في التهذيب: قلت لإبراهيم: أسند لي عن ابن مسعود؛ فقال إبراهيم: (إذا حدثتكم عن رجل عن عبد الله، فهو الذي سمعت، وإذا قلت: قال عبد الله، فهو عن غير واحد عن عبد الله) ووصله الطحاوي وابن سعد في الطبقات وأبو زرعة في تاريخ دمشق وسنده صحيح عنه. انظر للفائدة الضعيفة الجزء الأول، وانظر إن شئت معجم أسامي الرواة الذين ترجم لهم العلامة الألباني (1/85-86).
ثانيا: الشاهد الثاني.
أخرج الطحاوي في شرح معاني الآثار (1/434) قال: حدثنا ربيع المؤذن، ثنا يحي بن حسان، قال: ثنا وهيب، قال: ثنا منصور، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا صلى أحدكم، فلم يدر أثلاثا صلى أم أربعا؟ فلينظر أحرى ذلك إلى الصواب، فليتمه ثم ليسلم، ثم ليسجد سجدتي السهو ويتشهد ويسلم).
وهذا السند ظاهره الجودة إلا أنه معلّ:
قلت: قد روى الطحاوي عقبه مباشرة قال: حدثنا ابن أبي داود،، قال: ثنا محمد بن منهال، قال: ثنا يزيد بن زريع، قال: ثنا روح بن القاسم، عن منصور، فذكره بإسناده مثله، غير أنه لم يقل: (ويتشهد).
وأخرجه الإمام مسلم في صحيحه (برقم 572) عن شيخه عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي، قال: أخبرنا يحي بن حسان، حدثنا وهيب بن خالد، حدثنا منصور بنفس إسناد الطحاوي وليس فيه ذكر التشهد.
وقد رواه مسعر، وشعبة، وسفيان الثوري، وجرير، والفضيل بن عياض، وعبد العزيز بن عبد الصمد، وجمع كثير عن منصور ولم يذكر واحد منهم ما ذكره شيخ الطحاوي الربيع بن سليمان المؤذن صاحب الإمام الشافعي، وراوي كتبه عنه، فهو وإن كان ثقة، فلا يقبل منه هذا الحرف، وقد قال عنه مسلمة كما في التهذيب: كان من كبار أصحاب الشافعي ينتمي إلى مراد، كان يوصف بغفلة شديدة، وهو ثقة.
ثالثا: الشاهد الثالث: عن المغيرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم تشهد بعد أن رفع رأسه من سجدتي السهو.
أخرجه البيهقي في السنن الكبرى (2/500برقم3900)، الطبراني في الكبير (20/355) من طريق محمد بن عمران بن أبي ليلى، ثنا أبي، ثنا ابن أبي ليلى، قال: حدثني الشعبي، عن المغيرة بن شعبة به.
قال الحافظ البيهقي رحمه الله: (وهذا تفرد به محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن الشعبي، ولا يفرح بما تفرد به، والله أعلم).
وقد ضعفها الحافظ في الفتح.
قلت: ومحمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى سيء الحفظ وإن كان صدوقا في دينه، فقد قال الإمام البخاري كما في العلل الترمذي الكبير ترتيب أبي طالب القاضي (1/294-295): (ولا أروي عن ابن أبي ليلى شيئا). وقال الدارقطني: كان رديء الحفظ كثير الوهم، انظر ترجمته في تهذيب الكمال (25/622). فلا يقبل منه ما تفرد به عن عامر بن شَراحيل الشعبي الإمام.
وابنه عمران لم يوثقه إلا ابن حبان.
وفي نهاية هذا العمل الذي أسأل الله تعالى أن يكون خالصا لوجهه الكريم، وأن يثقل به ميزاني يوم الدين أقول:
ومن العلماء الذين قالوا ليس في سجود السهو البعدي تشهد: أنس ابن مالك، والحسن البصري، وعطاء بن أبي رباح، وعبد الرحمن بن أبي ليلى، وهو رواية ثانية عن ابن سرين، وقتادة، والأوزاعي، والشعبي، واختيار ابن المنذر، وابن عبد البر، وابن تيمية. انظر المصنف لعبد الرزاق في المصنف (2/315) لأوسط لابن المنذر (3/314)، ومصنف ابن أبي شيبة، والتمهيد (10/208)، والمغني (2/431)، والفروع (1/520)، والإنصاف (2/159).
قال العلامة الحافظ المحدث شيخ الإسلام أحمد بن تيمية رحمه الله في مجموع الفتاوى (23/48-49-50-51) ملخصا ما حرر الحفاظ سابقا: (وأما التشهد في سجدتي السهو: فاعتمد من أثبته على ما روي من حديث عمران بن حصين: "أنّ النبي صلى الله عليه وسلم صلى بهم فسها، فسجد سجدتين، ثم تشهد، ثم سلم" رواه أبو داود، والترمذي، وقال: حديث حسن غريب.
قلت: كونه غريبا يقتضي أنه لا متابع لمن رواه، بل قد انفرد به، وهذا يُوهِي هذا الحديث في مثل هذا، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد ثبت عنه أنه سجد بعد السلام غيرة مرة، كما في حديث ابن مسعود لما صلى خمسا، وفي حديث أبي هريرة حديث ذي اليدين، وعمران بن حصين لما سلّم، سواء أ كانت قضيتين أو قضية واحدة، وثبت عنه أنه قال: "إذا شكّ أحدكم في صلاته فليتحر الصواب، فليتم عليه ثم يسلم، ثم يسجد سجدتين"، وقال في حديث أبي هريرة الصحيح: "فإذا وجد أحدكم ذلك فليسجد سجدتين"، وليس فيه شيء من أقواله أمرٌ بالتشهد بعد السجود، ولا في الأحاديث الصحيحة المتلقاة بالقبول: أنه يتشهد بعد السجود، بل هذا التشهد بعد السجدتين عمل طويل بقدر السجدتين، أو أطول، ومثل هذا مما يحفظ ويضبط، وتتوفر الهمم والدواعي على نقله، فلو كان قد تشهد لذَكَر ذلك من ذكر أنه سجد، وكان الداعي إلى ذكر ذلك أقوى من الداعي إلى ذكر السلام، وذكر التكبير عند الخفض والرفع، فإن هذه أقوال خفيفة والتشهد عمل طويل، فكيف ينقلون هذا ولا ينقلون هذا؟
وهذا التشهد عند من يقول به كالتشهد الأخير، فإنه يتعقبه السلام فتسنُّ معه الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم والدعاء، كما إذا صلى ركعتي الفجر، أو ركعة الوتر وتشهد، ثم الذي في الصحيح من حديث عمران ليس فيه ذكر التشهد، فانفراد واحد بمثل هذه الزيادة التي تتوفر الهمم والدواعي على نقلها يضعف أمرها، ثم هذا المنفرد بها يجب أن ينظر لو انفرد بحديث، هل يثبت أنه شريعة للمسلمين؟
وأيضا فالتشهد إنما شُرِع في صلاة تامة ذات ركوع وسجود، لم يشرع في صلاة الجنازة، مع أنه يقرأ فيها بأم القرآن، وسجدتا السهو لا قراءة فيهما، فإذا لم يشرع في صلاة فيها قراءة، وليست بركوع وسجود، فكذلك في صلاة ليس فيها قيام ولا قراءة ولا ركوع.
وقد يقال: إنه أولى وأنفع، فليس هو مشروعا عقب سجدتي الصلب، بل إنما يتشهد بعد ركعتين، لا بعد كلّ سجدتين، فإذا لم يتشهد عقب سجدتي الصلب، وقد حصل بهما ركعة تامة، فأن لا يتشهد عقب سجدتي السهو أولى، وذلك أن عامة سجدتي السهو أن يقوما مقام ركعة، كما قال صلى الله عليه وسلم: "فإن كان قد صلى خمسا شفعتا له صلاته، وإن كان صلى لتمامٍ كانتا ترغيما للشيطان"، فجعلهما كركعة لا كركعتين، وهي ركعة متصلة بغيرها، ليس كركعة الوتر المستقلة بنفسها، ولهذا وجب فيها المولاة أن يسجدهما عقب السلام، لا يتعمد تأخيرهما، فهو كما لو سجدهما قبل السلام، وقبل السلام لا يعيد التشهد بعدهما، فكذلك لا يعيد بعد السلام.
ولأن المقصود أن يختم صلاته بالسجود لا بالتشهد، بدليل أن السجود قبل السلام لم يشرع قبل التشهد، بل إنما شُرع بعد التشهد، فعُلم أنه جعل خاتما للصلاة، ليس بعده إلا الخروج منها، ولأن إعادة التشهد والدعاء يقتضي تكرر ذلك مع قرب الفصل بينهما، فلم يكن ذلك مشروعا، كإعادته إذا سجد قبل السلام؛ ولأنه لو كان بعدهما تشهد لم يكن المشروع سجدتين.
والنبي صلى الله عليه وسلم إنما أمر بسجدتين فقط لا بزيادة على ذلك، وسماهما المرغمتين للشيطان، فزيادة التشهد بعد السجود كزيادة القراءة قبل السجود، وزيادة تكبيرة الإحرام، ومعلوم أنه لا افتتاح لهما، بل يكبر للخفض، لا يكبر وهو قاعد، فعلم أنهما داخلتان في تحريم الصلاة، فيكونان جزءً من الصلاة، كما لو سجدهما قبل السلام فلا يختصان بتشهد، ولكن يسلم منهما، لأن السلام الأول سقط، فلم يكن سلاما منهما، فإن السلام إنما يكون عند الخروج..)اهـ.
هذا ما يسر الله لي ذكره، فإن أصبت منه وحده لا شريك له وإن أخطأت فمني ومن الشيطان، وأستغفر الله وأتوب إليه
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
وكتبه على عجالة: أبو عبد الباري عبد الحميد العربي الجزائري كان الله في عونه.