المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : دور الاحتياج المعنوي في النحوالعربي قبل سيبويه



أهــل الحـديث
11-01-2014, 04:30 PM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم



دور الاحتياج المعنوي في النحوالعربي قبل سيبويه
الاحتياج المعنوي والأهمية المعنوية في النحو العربي قبل سيبويه
(1)
من نحو أبي الأسود الدؤلي رحمه الله
تذكر كتب التراث أنَّ أبا الأسود الدؤلي قام بتشكيل أو نقط القرآن الكريم وأنه اختار رجلا من عبد القيس وقال له :خذ المصحف ،وصبغا يخالف لون المداد،فإذا فتحت شفتيَّ فانقط واحدة فوق الحرف،وإذا ضممتهما فاجعل النقطة إلى جانب الحرف،وإذا كسرتهمافاجعل النقطة في أسفله ،فإن أتبعت شيئا من هذه الحركات غنة فانقط نقطتين"(1)
هذا يعني أنَّ أبا الأسود كان يقرأ القرآن الكريم معربا بالحركات ،فما الأساس الذي اعتمده أبو الأسود في إعرابه أو نقطه للقرآن الكريم ؟الأساس الذي اعتمده أبو الأسود الدؤلي هو المعنى والاحتياج المعنوي بين أجزاء التركيب،وقد كان أبو الأسود يفكر وهو يقول ويقول وهو يفكر ،وكان يرفع وينصب ويجر ويجزم بحضور الألفاظ ومعانيها ،"وكان يحصر اهتمامه بما يناط بالكلمة من معنى فرعي في التركيب كالفاعلية والمفعولية وما ينجم عن ذلك من حالات الإعراب"(2)
وقد كان أبو الأسود يقرأ "ألا إنهم تثنوني صدورُهم ليستخفوا منه "(3)بدلا من قراءة الجمهور "يثنون صدورَهم"فقد أتى بالفعل على صيغة "تفْعَوْعِل"التي تدل على المبالغة مثل "يغدودن ،ويعشوشب"(4) فالمعنى والحاجة المعنوية عند الدؤلي هو الأساس الذي تتم القراءة بناء عليه ،ونقط القرآن الكريم أو تشكيله يقوم على المعنى والاحتياج المعنوي.
===================================
(1)إيضاح الوقف والابتداء ص ص 40-41
(2)د. محمد خير الحلواني - المفصل في تاريخ النحو العربي- ط1 -ج1 ص110
(3)المحتسب -ج1 ص319
(4)د.محمد خير الحلواني - المفصل في تاريخ النحو العربي- ط1 -ج1 ص102
===================================

(2)
من نحو عبدالله بن أبي إسحق الحضرمي
إخضاع العلامة الإعرابية للمعنى عند المتكلم
علامة الإعراب أو علامة أمن اللبس تابعة للمعنى،يتحكم بها المتكلم كيفما يشاء وبحسب المعنى والاحتياج المعنوي بين أجزاء التركيب ،فالرافع والناصب والجار والجازم بحضور الألفاظ ومعانيها هو المتكلم ،والإعراب تابع لقصد المتكلم ،والمتكلم يقول وهو يفكر ويفكروهو يقول تحت رعاية الاحتياج المعنوي وعلامات أمن اللبس ليكون بعيدا عن اللبس والتناقض،وإليك هاتين القصتين:
1- كان عبدالله بن أبي إسحق الحضرمي النحوي كثير التصدي للفرزدق والتعريض بأخطائه،فقد قال له يوما :على أي شيء رفعت مجلَّف ؟أو ما المعنى الذي دعاك إلى الرفع في قولك:
إليك أمير المؤمنين رمت بنا هموم المنى والهوجل المتعسِّفُ
وعضُّ زمان يا ابن مروان لم يدع// من المال إلا مسحَتا أو مجلَّفُ
فقال له الفرزدق:على ما يسوءك وينوءك،علينا أن نقول وعليكم أن تتأولوا.
ولعله بسؤاله كان يرمي إلى معرفة ما في نفس الفرزدق من معنى يقبل الرفع .
فالاثنان يعترفان بأنَّ المتحكم في العلامة هو المتكلم وبحسب المعنى ،والاحتياج المعنوي.
2- وسأل الحضرمي الفرزدق يوما:كيف تنشد هذا البيت:
وعينان قال الله كونا فكانتا // فعولان بالألباب ما تفعل الخمر
فأنشده الفرزدق:"فعولان"،فقال له عبدالله:ما كان عليك لو قلت:فعولين؟فقال الفرزدق:لو شئت أن أسبِّح لسبَّحت، ونهض فلم يعرفوا مراده ،فقال عبدالله:لو قال فعولين لأخبر أنَّ الله خلقهما وأمرهما،(وكان ناقصة ،أي:فكانتا فعولين)ولكنه أراد أنهما تفعلان ما تفعل الخمر(وكان تامة ،وفعولان :خبر لمبتدأ محذوف تقديره هما)،فالعلامة الإعرابية تابعة للمعنى بين أجزاء التركيب ،والكلام يقوم على الاحتياج المعنوي وعلامات أمن اللبس.

(3)
من نحو أبي عمرو بن العلاء
أ- كان أبو عمرو بن العلاء يقول:ادخلوا الأولُ فالأولُ
لأن الفعل "ادخلوا" عنده بمعنى "ليدخل" ،والأولُ :فاعل للفعل "ليدخل" ،أما المتأخرون فقالوا:ادخلوا الأولَ فالأولَ،وينصبون الأول على الحال والتقدير عندهم :ادخلوا مترتبين، أقول:ويمكن أن تكون الأولُ بدلا من الضمير الفاعل كما قال تعالى:وأسروا النجوى الذين ظلموا".
ب- -كان أبو عمرو بن العلاء يوجب إتباع المستثنى للمستثنى منه في الاستثناء التام المنفي ،كقولنا:ما جاء القوم إلا زيد ،لأنه كما يقول سيبويه عنه:أدخل الآخر فيما أخرج منه الأول ،أي أن الجملة بمعنى: جاء زيد .
ومن جملة هذه الآراء يمكننا قول ما يلي:
1- إن اللغة تقوم على الاحتياج المعنوي وعلامات أمن اللبس.
2- إن اللغة تقوم على المعنى وليس على الشكل.
3- وإن الإنسان يقول وهو يفكر ويفكر وهو يقول.
4- المتكلم يتحكم بعلامات أمن اللبس بحسب المعنى المقصود.
ج- فلان لغوب،جاءته كتابي فاحتقرها
يذكر ابن جني في الخصائص قول أبي عمرو بن العلاء :"سمعت رجلا من اليمن يقول:فلان لغوب،جاءته كتابي فاحتقرها.فقلت له:أتقول:جاءته كتابي؟قال:نعم،أليس بصحيفة"(1)
استغرب أبو عمرو قول اليمني:جاءته كتابي، فالفعل يتصل بتاء التأنيث ومن المفترض أن يكون الفاعل مؤنثا ،بسبب الاحتياج المعنوي بين الفعل والفاعل ،فأزال اليمني سبب الاستغراب قائلا :أليس بصحيفة ،أي أنه أنَّث الفعل لأن الكتاب بمعنى الصحيفة وهي مؤنث ،ومن هنا فالإنسان يقول وهو يفكر، ويفكروهويقول تحت رعاية الاحتياج المعنوي وعلامات أمن اللبس.

============================
(1)ابن جني -الخصائص -ج1ص249 وج2ص416
============================

(4)
من نحو يونس بن حبيب رحمه الله
يقول سيبويه في الكتاب(1)وتقول:إن تأتني آتك وإذن أكرمْك"إذا جعلت الكلام على أوله ولم تقطعه،وعطفته على الأول ،وإن جعلته مستقبلا نصبت ،وإن شئت رفعته على قول من ألغى ،وهذا قول يونس،وهو حسن "وهذا يعني جواز الجمل التالية:
إن تأتني آتك وإذن أكرمْك ،بالعطف على الجواب ،وإذن مهملة.
إن تأتني آتك وإذن أكرمَك، بالنصب لوجود معنى "إذن"
إن تأتني آتك وإذن أكرمُك،والرفع على الاستئناف ،وإذن ملغاة.
نستدل من هذا النص على جملة من الأمور:-
الأول:المتكلم يقول وهو يفكر ويفكر وهو يقول ، وهذا واضح من مراعاة الرفع والنصب والجر والجزم بحسب المعنى ،ومراعاة الاحتياج المعنوي والأهمية المعنوية بين أجزاء التركيب.
الثاني:الرافع والناصب والجار والجازم بحضور الألفاظ ومعانيها هو المتكلم ،ويظهر هذا من تحكم المتكلم بعلامة أمن اللبس ،بحسب المعنى ،ولو كانت الأداة "إذن"هي العاملة لنصبت الفعل بعدها في جميع الجمل.
الثالث:المتكلم يربط بين المعاني برابط الاحتياج المعنوي ،وهذا واضح من العطف على الجواب ،أو النصب بإذن أو الاستتئناف وقطع العلاقة النحوية مع الكلام السابق.
الرابع:المتكلم يُخضع العلامة الإعرابية للمعنى الذي يريده ،وهذا واضح من تغير علامة أمن اللبس بتغير المعنى عند المتكلم.
الخامس:العلاقة بين الألفاظ معنوية وليست شكلية ،ولو كانت شكلية لنصبت "إذن"الفعل المضارع في جميع الجمل.
السادس:القرائن اللفظية سمَّوها عوامل فيما بعد ،ونسبوا العمل إليها.
الخلاصة:وجود نحو فطري قبل نظرية العامل يقوم على الاحتياج المعنوي وعلامات أمن اللبس.


(5)
من نحو الخليل بن أحمد الفراهيدي رحمه الله
أنحى الناس من لم يلحن أحدا
هذه المقولة للخليل بن أحمد الفراهيدي - رحمه الله - وهي صحيحة إلى حدٍّ ما، وإن كان فيها شيء من المبالغة ،لأن العرب يبالغون كثيرا ، وفيها دعوة إلى التساهل والتسامح اللغوي ،وإشارة إلى المستويات اللغوية ، فكل ما يقوله العربي فصيح إلا اللبس والتناقض ،والأهم هو وضوح المعنى ، فالإنسان يتثقف لغويا ويتحدَّث بمستويات متعددة وبلغات متعددة ،فهو يقول وهو يفكر ويفكر وهو يقول تحت رعاية الاحتياج المعنوي وعلامات أمن اللبس ليكون بعيدا عن اللبس والتناقض وهو غاية كل لغة من لغات العالم.