أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبهِ أجميعين ، وبعد :
لقد حفظ الله سبحانه دينه وأتم نعمته ، وجعل خلفاء أنبيائه علماء راسخين ، وأئمة محققين ، جمعوا العلوم وأتقنوها ، وحرروا مسائلها ودونوها ، فكونوا منها متونًا جامعةً للشتات ، مخلِّصة العقول من الإسهاب والإغراب إلى البيان والتوضيح بكلمات يسيرات ومتون مختصرات وعبارات جامعات ململمات لما ترامى وتفرق في أمهات الكتب ومطولاتها.
ومنهم من كان هدفه أدق وأضبط ؛ مستطردًا على عادة العلماء في اختصار المطولات ، أو نظمها أو الاختيارات منها ، إلى شيء آخر وهو يقوم بالغرض وأكبر ومنها تحويل المتن المنثور إلى نظم شعري مشهور ، يشتهر به المتن ، وتسهل به لغته ، ويجمع به شعثه.
وممن خاضوا غمار هذا السبيل العلامة المحقق الفقيه المحدث محمد بن إسماعيل الأمير الكحلاني الصنعاني اليماني (المتوفى : 1182هـ)، فقد نظم متن "نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر، ومولفها هو أبو الفضل أحمد بن علي بن محمد بن أحمد بن حجر العسقلاني (المتوفى : 852هـ) ، نظمها -رحمه الله- في يوم واحدٍ أتى بها كلها في مائتين وثلاثة أبيات ؛ قال فيها -رحمه الله-:
وبعد . . فالنخبة في علم الأثر * * * مختـصـر يـا حبـذا مـن مـخـتـصـر
ألفها الحـافظ في حـال السفـر * * * وهو الشهاب ابن علي بن حجر
طــالعتُـهــا يـومًا مــــن الأيــامِ * * * فاشتقْتُ أن أُودعـــهــا نِـظـامي
فتَـــمَّ مِنْ بُــــكــرةِ ذاك الــيـــومِ * * * إلى المـــســا عنــد وفود النومِ
مشتـــملا عـلـى الذي حـــــواه * * * فالحمــد للرحــمــن لا ســـواه
وقد جاءت فيها كثير من الضروات الشعرية التي جاوزت حدها ، والولع بالسكون على المتحركات ، وإغلاق البيت أحيانا بحيث يبدو لغزًا ، وكانت هذه أسبابًا جعلت الكثيرين من الناس يعزفون عن شرحها أو حفظها .
هذا، وإن مما لا يخفى على الناس أن هذا لا يعد نقصا في قيمة ابن الأمير ، حاشا فهو صاحب المؤلفات الشهيرة ؛ فقها وحديثًا وأصولًا في الحديث ، وأدبا وشعرًا، ولكن لم يَجُدْ يومٌ واحدٌ أن يأتي بمثل هذا الأمر متقنًا.
وكان مما قلت فيها حينما كنت في مرحلة حفظها ومطالعتها أبياتًا تفسر شيئًا من هذا.
ألا فلْيرْحمِ الرحمنُ دومًا ... فتى صنعاءَ ذاكَ ابنَ الأميرِ
لقدْ ركبَ المطايا دونَ خوْفٍ ... فهاجَ على العصورِ بلا قُصورِ
أرادَ النظمَ في يومٍ وحيدٍ ... لنخبةِ فِكْرِنا بدرِ البُدوْرِ
فحمَّلها الغريبَ من المعانيْ ... وإشكالًا معظى بالستورِ
فجاءتْ دونَ ما يهفو إليهِ ... بناها دونَ إشْعالٍ بِنُورِ
وذلكَ حينما كَمُلَتْ بِلَيْلٍ ... مِنَ الصُّبٍْحِ الْمُعطّرِ بالبُخورِ
ألا يا ليتَ مبدأها بليلٍ ... ليكْمُلَ نظْمُها عندَ البُكُوْرِ
فتدخُلَ خِدْرَها من بَعْدِ نُوْرٍ ... على الإصباحِ منزوحَ الضميرِ
فجُدْ أو سابقِ الساعاتِ لكنْ ... فلا تُظلمْ بها متنَ الجديرِ
وليتَ بها سليقةُ عسقلانٍ ... فذاكَ الشمسُ أو روحَ الغديرِ
هو ابنُ عليْ إمامٌ دونَ مَيْنٍ ... ترى أقوالَهُ في كلِّ دورِ
فيا رباهُ فارحمهمْ جميعًا ... وأمِّنْهُمْ إلهي في النشورِ
وتبْ عنا جميعًا من خَطانا ... وسددْنا برأي مستنيرِ

غفر الله لهم ورحمهم ، وجزاهم عنا خير الجزاء.