أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


الغاية من نقد الخبر:
لا يكفي في الحكم على حديث: النظر في حال الإسناد فحسب.
اعلم أن الأئمة ينظرون إلى الحديث: سندًا ومتنًا كوحدة واحدة، يرتبط كل منهما بالآخر، ولا يفصلون بينهما.
فمقتضى نقدهم للخبر أنه: هل هذا المتنُ محفوظٌ بهذا الإسناد، فإن انتهى نقدهم إلى صحة خبر ما، فمعناه أن رواةَ إسناده قد حدَّث بعضُهم بعضًا بمتنه، حتى يبلغَ أولَ قائلٍ له، مع توفر سائر الشروط المختلفة لحال الإسناد والمتن.
ولا يُعَوِّلُ الأئمةُ على النظر في حال إسناد خبر، بقطع النظر عن المتن المنقول به؛ لأنه لا فائدة في تصحيح إسناد إن لم يكن من أجل الحكم على متنه بالقبول أو الرد.
وكذلك لا يصححون متنًا – كأن يكون معناه مقبولا – بقطع النظر عن حال إسناده؛ لأن الكلامٍ الصحيح من حيث المعنى إن لم يكن له إسنادٌ يقوم به فلا يَسُوِغُ نسبتُه إلى قائله.
ولذا تراهم يحكمون ببطلان أخبار تكون تارةً ذاتَ أسانيد كالشمس ومتونها منكرة، أو ذات متون معروفة بأسانيد مظلمة أو مختلقة.
أو قد يذهبون إلى أن إسنادَ خبرٍ ما إنما هو لمتنٍ آخر، أو أن متنَه لإسنادٍ آخر.
وقد وقع انحرافٌ عن هذا المقصد لدى كثيرٍ ممن لم ينتهجوا منهجَ أهل الحديث، فتراهم مولَعين بالحكم على الحديث من خلال النظر في رجال الإسناد واحدًا واحدًا، دونَ العناية بالنقد الداخلي للإسناد والمتن، أوالعناية بحكم الأئمة على هذا المتنِ: هل هو محفوظٌ بهذا الإسناد أم لا؟.
قال ابن أبي حاتم في العلل (1968):
«سألت أبي عن حديثٍ رواه أبو سعيد الأشج، عن الحسين بن عيسى الحنفي، عن معمر، عن الزهري، عن أبي حازم، عن ابن عباس قال :
بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة إذا قال : « الله أكبر الله أكبر ، جاء نصر الله وجاء الفتح وجاء أهل اليمن ، قومٌ تقيَّةٌ قلوبهم ليِّنَةٌ طاعتُهم، الإيمانُ يمان، والفقه يمان ،والحكمة يمانية » .
قال أبي : هذا حديث باطل ليس له أصل ، الزهري عن أبي حازم لا يجيء .
وسئل أبو زرعة عن هذا الحديث فقال : هذا حديث منكر ، وأبو حازم لا أظنه المديني».اهـ
أقول: قول أبي حاتم: «وهذا حديث باطل، ليس له أصل، الزهري عن أبي حازم لا يجيء». يعني أن الزهري ليست له رواية عن أبي حازم –وهو سلمة بن دينار- فالرواية خطأ بلا شك؛ مما جعل أبا زرعة يظن أنه أبو حازم آخر غير سلمة.
قال ابن عدي في الكامل (2/355):
«هذا الحديث قد روي عن الحسين أيضًا عن معمر عن الزهري عن عكرمة عن ابن عباس .. وكلا الروايتين عن معمر عن الزهري، فسواء عن عكرمة أو عن أبي حازم عن ابن عباس: منكر جدا».اهـ
ومعمر والزهري من أساطين الرواة الذين جمع الأئمة أحاديثهم، فما رُوي بعد ذلك عنهم مما لم يره الأئمة في كتبهم لاشك أنه خطأ أو معمول.
ولذا فقد أبطل ابن عدي الطريقين إلى معمر عن الزهري، سواء كان: الزهري عن أبي حازم، أو الزهري عن عكرمة.
والنُّقَّاد لا يغترون بظواهر الأسانيد، ولا يثبتون رواية راوٍ عن آخر من خلال أسانيد شاذة غير محفوظة بل أعلوا بعض الأسانيد بأنها لا تجيء بناءً على ما حفظوه ودونوه في كتبهم مما اشتهر من سلاسل الأسانيد التي تداولونها بينهم.
وهذا في وادٍ، وصنيعُ كثير من المتأخرين في وادٍ، إذ يحكمون على رجال الإسناد واحدًا واحدًا، مع وجود نسبة معقولة من الإدراك وعدم التدليس (كما صنع ابن حبان في إخراجه لهذا الإسناد في صحيحه (7298) ولم يفطن إلى ما فيه من الشذوذ. )،
ثم هم لا يلتفتون إلى نحو إعلال أبي حاتم هنا برده رواية الزهري عن أبي حازم، إذ ليس هناك ما يمنع من روايته عنه، سوى معرفة الناقد بأنه لا تحفظ له عنه رواية، فيحملها حينئذٍ على الخطأ أيًّا كان نوعه، أو على أنها من عملِ مغفلٍ لا يعرف أحوال الرواة وعلاقتهم بعضهم ببعض.