،،عرفت منها معنى العواطف ومعنى العطف ...معنى اللطف والإحساس
منها أيضا عرفت معنى القوة والجلد
ومنها عرفت الحيوية وحب الحياة
تكبرني بما يقارب 16سنة...
تعشق السهر.. والاجتماعات العائلية...
خفيفة الظل... اجتماعية... مرحة... عاطفية
خالتي الحنونة..كانت لي كأختي الكبرى ما جمعتنا نفس المدينة..ولم يمنع ذلك علاقتنا من التوثق..كنا نذهب إليهم في كل إجازة ..نسهر معا ونخرج سويا
ولم يكن فرق السن عائقا فخالتي تجيد التعامل مع كل الفئات والأعمار،،،كانت تجلس معي ومع أخواتي اللاتي يكبرنني سنا ..تستمع لأحاديثنا ..وتضاحكنا..
أتذكرك جيدا..أتذكر شكلك،،مشيتك،،صوتك،،،وكم هي جميلة ابتسامتك،،
كل هذا محفور في ذاكرتي ومرسوم في مخيلتي،،،
لحظات جميلة وسعيدة قضيناها معا،،،
،،كبرت خالتي و تزوجت
حضرت زواجها كنت في الصف الخامس الإبتدائي.لم أكن أريدها أن تتزوج ..خشيت أن تتغير وتصبح ثقيلة الظل..خشيت أن لا تعود للسهر معنا ولا للجلوس معنا،،،،،
خشيت أن أفتقدها،،،،،،،،
أتذكر صباح زفافك.. بكيتي ونحن نفطر ..
أتذكر شكلك حين زففت كانت عيناك ملأى بالدموع ،،،،أنا أيضا كنت أرغب بالبكاء،،،أتذكر كل شئ بزفافك فقد كان أول زفاف أحضره....
،،مرت السنون وأنجبت خالتي توأم بنات ثم حملت بعد ذلك كان ولد بقي على ولادة خالتي مولودها الثاني وقت يسير،،،
اتصلت بعد مدة خالتي(عواطف) على والدتي و أخبرتها بأن لديها مراجعة في مستشفى بالرياض..ولم تخبرها عن السبب،،، قلقت أمي بعض الشئ!!!!
بعد ليال،،، دق جرس منزلنا،،، نزلت لأنظر من الآتي،،كانت خالتي الكبرى التي تسكن في الرياض لقد أتت في ساعة متأخرة.... وكانت غريبة... لم أعرف مابها ومالذي أتى بها الآن؟!!
سقطت خالتي عند الباب وهي تبكي..أقبلت عليها أمي هزتها... مابك!!أجيبي..
لم تجبها خالتي..
سألتها أمي مابها (عواطف)؟؟،،،،استغربت هذه الجملة من أمي..لم أعرف لم قالتها ....
حالة خالتي وبكاؤها أفزع أمي كثيرا،،ذهبت أمي مسرعة لزوج خالتي دون أن ترتدي غطاء،،وصرخت مابها أختي؟؟؟؟
بجهد وقوة استطعنا أن ندخلها،،،
،، في تلك الليلة جاءنا الخبر بأن خالتي عواطف مريضة بداء السرطان في صدرها،،
أتت خالتي للرياض بعد أيام لمراجعتها وقد ادهشتني قوتها ورباطة جأشها لم تكن مستسلمة للحزن أو اليأس...كافحت مع المرض وصبرت واحتسبت وعادت بعد ذلك المرض لربها وأصبحت كثيرة الصلاة والصدقة والعبادة..فرحت وأخواتي لذلك واستبدلت حجابها السابق بحجاب آخر ساتر......
بدأت خالتي بالعلاج بعدما وضعت ابنها وأخذت الكيماوي وبدأ شعرها بالتساقط ولم تكن تسمح لمخلوق أن يرى رأسها.... كانت تلف رأسها بطرحة سوداء
ثم اشترت لها شعرا مستعارا لتلبسها دائما...
لم تكن خالتي تفصح لأحد عن ماتعانيه،،،كانت كتومةومكابرة...
خضعت لعملية لإزالة الورم ... وكانت تأخذ علاجا نفسيا فترة علاجها من المرض وهذا أمر طبيعي لكل مريض بالسرطان ولكل من يتعالج بالكيماوي خاصة من النساء..
،،،تماثلت خالتي للشفاء بحمد الله وعادت لمدينتها التي تسكن بها،،، وعادت لوظيفتها ورجعت لحياتها السابقة كان الكل مندهشا من قوتها وعزمها وعدم استسلامها..لقد ضربت أروع الأمثلة في القوة والمجاهدة والصبر،،،
مالبثت خالتي بعد أن تشافت وتعالجت إلا وعاودها المرض بعدما يقارب الحولين أو الثلاث ...رجع لها في نفس المكان ولكم أن تتخيلوا الحالة النفسية التي مرت بها،،
ومررنا بها جميعا أسى على حالها..
لقد انهارت بعدما سمعت بالخبر للمرة الثانية..ثم لم يكن بالخيار غير الصبر والإحتساب
،،،ثم خضعت لعملية استئصال الصدر،،وعملت عملية التجميل اللازمة لها بعد ذلك،،
لكن خالتي مازالت ذلك الجبل القوي الشامخ مثال الصبر والتحمل........
كانت خالتي رغم المرض تزاول الحياة كأي شخص سليم وتخرج للعمل والوظيفة وتلبي الدعوات وتخرج للمجتمع..
كانت معنا في كل مناسبة تتحمل عناء السفر كي تحضر أفراحنا..ومناسباتنا العائلية..حتى أن من يراها لأول مرة ممن قد سمع عنها لايصدق بأنها خالتي المريضة فهي دائما ماتظهر بمظهر جميل وأنيق..فضلا عن روحها الشابة...
بعد مرضها الثاني،،عانت خالتي نفسيا لأنها أرادت أن تترك العلاج النفسي فله أعراض انسحابية كما يسميه الأطباء ،،وانقطعت عن عملها في تلك الفترة حتى استقرت حالها..
لقد قاست خالتي كثيرا فهي هذه الحياة لكن((عسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم))
ومازالت خالتي في عيني ذلك البطل الصامت..
ومازالت تعطر لنا أفراحنا واجتماعاتنا بطلتها البهية..وتملأها لنا فرحا وابتسامة..
حضرت زفاف أختي الثانية،،،، وكانت فيه كعادتها مبتهجة ومبهجة لمن حولها..
كنت مزهوة بها وطالما شعرت بالفخر بأن لي قريبة مثلها،،،،،،
،،بعد ذلك بمدة قصيرة وبعد ثلاث سنوات من مرضها الثاني،،تلقت أختي الكبرى اتصالا من خالتي التي تسكن في الرياض قالت بصوت مريب ..أنها في الطريق مغادرة للمدينة التي بها خالتي ..سألتها أختي عن السبب!!!!ثم أغلقت أختي وعينيها غرقى بالدموع !!اضطرب قلبي،،،
مالذي جرى؟؟؟سألتها عن الخطب!!أجابت وقد حبست عبرتها،،،،،،،
خالتي عواطف....؟؟ مابها!!
مريضة.......؟؟ بماذا؟؟
قالت بنفس المرض!!!أين وكيف!!!!!
قالت بسرطان العظام وهو منتشر بعظام جسمها كله............ ......... .......
لم أعرف أصدق ؟أولا..
الأمر أشبه بالخيال..هذه صدمة قوية...لم أحر حينها جوابا ،،،مااستطعت الكلام إلا بـ(لاحول ولاقوة إلا بالله وإنالله وإنا إليه راجعون)
هل حقا مايحصل لخالتي!وهل هو صحيح هذا الخبر؟؟
خالتي تمشي وتتحرك وتضحك...هل هي حقا مريضة بهذا الداء العضال؟
وهل يعقل أن يأتيها للمرة الثالثة على التوالي!!!
،،جاءت خالتي للرياض لتتعالج ولتجري الفحوصات اللازمة واتضح أن المرض كان في العظام منذ زمن طويل..منذ مرضها الأول وهو الآن في مرحلة متأخرة ومنتشرفي عظمة الكتف والصدر والحوض والظهر والساق...منتشر بالعظام عموما...
كانت تشتكي من ألم في عظامها منذ مدة لكن الأطباء لم يكتشفوه مبكرا
بات لديها الآن عرج في مشيتها ...وهي تعاني أيضا من كحة في صدرها لأن الورم الذي في عظام الصدر قذ ضغط على الرئة....
،،،أتتنا خالتي ذات نهار وكانت في انهيار،،كانت تبكي وهي أول مررره نراها تبكي فيها ..
قالت وقد أتت من الطبيب:إن حالتي صعبة وليس لها علاجا ..وقد خيرني الطبيب بين أن آخذ جرعات الكيماوي أو أن لاأفعل فالأمر سيان...
وقال لها: بأن المرض قد لايمهلها كثيرا فهو ينتشر لباقي أعضاء الجسم بصورة سريعة..فقد يصل لعظام الجمجمة وقد يصل للدماغ..وهو في طريقه أيضا للقلب!!
وقال:اذهبي واستمتعي مع أهلك وعائلتك فأنت محظوظة بأنهم حولك جميعا...!
لم نعرف كيف نصبرها بعد أن سمعنا منها هذا الكلام فربما يكون وقعه علينا أشد من وقعه عليها....شاركناها البكاء والدموع..
أردفت قائلة:أنا لاتهمني الحياة بل مايهمني هم أولادي الثلاثة الصغار..من لهم بعدي!
استجمعنا قوانا وأجبناها بأن الله أرحم بهم منك ولن يضيعهم الله-جل وعلا-
خرجت من عندنا وجلسنا أسيري الأحزان ..حبيسي الدموع..ومكثنا في شجون مما أخبرتنا به..
،،لم تخبر خالتي أحد بهذا الكلام غيرنا..فقد كانت تخشى على جدي وجدتي وباقي خالاتي فهم لايتحملوا ذلك ..ولم تذهب لهم مباشرة وهي في تلك الحالة حتى لايعلموا أن في الأمر سوء بل أتت إلينا ومكثت حتى هدأت ثم ذهبت لهم حرصا على مشاعرهم،،تفكر بغيرها وهي في هذا الحال!!...من مثلك ياخالتي..
،،مااستسلمت بل إنها استعانت بالله وبالعلاج بالقرأن..واستعانت بالطب البديل بعد استعانتها بالله-جل وعلا-..واتبعت حمية غذائية كادت أن تميتها جوعا..استمرت عليها حتى أصبحت شديدة النحالة،،
كان يؤلمني كثيرا اجتماعنا على طعام لاتشاركنا فيه وهي تتضور جوعا...
،،،رجعت خالتي لمنزلها بعد أن مكثت عندنا أشهر ..
،،عدناها في منزلها بعد شهرين،،،،،وكيف أصف مارأيت!!هالني منظرها!!أهذه خالتي الشابة الجميلة الحيوية؟؟
الحمدلله على قضائه..لم تكن تذهب لدورة المياة وحدها ولم تكن لتمشي إلا وهي مستندة على أحد..
تغيير حالهاا في وقت قصير..لانت شخصيتها وكأنها كبرت عشر سنين بعد مرضها الأخير..
لكن روح الدعابة فيها لم تتغير،،،سألتني وأختي الصغرى إن كنا قد خطبنا؟؟..أجبنا بابتسامة وهززنا رؤوسنا بلا..
لم تصدقنا وقالت: (يالله عاد قولوا)...ضحكت وسكت
وددت أن أقول لها ..بأني أتمنى أن تحضري زفافي كما حضرت حفلات زفاف أخواتي ...لكن للأسف هذا لم يحصل!!
،،حان وقت السفر،،واقتربت ساعة الوداع،،،حاولت بوالدتي أن نمكث عندها أكثر لكن هذا لم يكن في مقدورنا..
أخذت خالتي غفوة ،،وكان هذا يحصل لها من أثر المسكنات القوية التي تأخذها..فدنت أمي منها وقبلت جبينها فاستيقظت وبكت كطفل صغير..
اقتربنا منها جميعا وجلسنا حولها..نحاول التخفيف عنها...
قالت بنبرة لاأنساها:(ستتركوني! .... ستذهبوون وتدعوني وحيدة..)
كلماتها مزقت قلبي ،،ثم قالت وهي تبكي:ادعوا لي بالصبر،،،،،،
ورددت مخاوفها..على جدي وجدتي وأبنائها إذا حصل لها مكروه
قالت لنا أخيرا،،اذهبوا دون أن أسلم عليكم ...خرجت حينها مسرعة فقد أراحتني هذه الكلمة..فلم أود أن أودعها ولم أر كيف ودعتها أمي؟؟؟
ماكنت أعلم آنذاك بأن هذه هي آخر مرره أحدثها فيها وتحدثني!!!
خرجت من منزلها وقد أنكرت كل شيء ..تغيرت الحياة بعيني...فعلا رأيتها سوداء..فليس فيها أمان..
كنت حزينة طوال الطريق ونحن عائدين،،أمي كذلك ،،،كنت أتساءل متى سأراها !!
ذرفت دموع الألم ...رفعت كفيي أدعو لها ..وكذلك فعلت أمي..
،،،انتابت خالتي بعد مدة ليست بالطويلة..أزمة تنفس شديدة فلم تستطع أخذ نفس رغم وضعها لجهاز التنفس الذي في منزلها...
أصبحت تحرك يديها بقوة كطير مصاب...فالرئة تقريبا تعطلت عندها ..
نقلت للمستشفى ووضع لها جهاز تنفس وهي تحت المخدر!!
زرتها وهي في العناية المركزة..كنا جميعا حولها....ننظر إليها لساعات...صمتت أفواهنا لكن المكان كان يضج بأصوات مشاعرنا الجريحة..
ويقطع صمت المكان بين اللحظة والأخرى صفير هذا الجهاز وذاك ...صوت جهاز التنفس ..وصوت جهاز القلب...أصوات مزعجة أثارت دواخلنا...المكان مخيف ومظلم!!
تتابع شريط الذكريات في مخيلتي..أتذكر خالتي ..صوتها ..كلامها..وقوتها السابقة المعهودة ...
نظرت لكل الموجودين حولها قرأت وجوههم،،،رأيت الدموع لامعة في أعينهم..
تساءلت في نفسي عن مدى فرحتها وسعادتها لو فتحت عينيها ونظرت لنا مجتمعين حولها.........كم كانت تحب اجتماعنا.........
أيام مظلمة مرت بنا..بسبب محنة خالتي.....فكأنها قد نعيت إلينا!!
،،استيقظت خالتي بعد أن خففوا عنها المخدر ....وتحدثت بطريقتها القديمة وبنفس أسلوبها الرقيق...لكنى مارأيتها حينئذ وماكنت عندها....
،،غابت عن الوعي بعد ذلك بفترة.......بعد أن صلت فرضها..لكن في هذه المررة بدون مخدر... بل هي سكرة الموت....
ووافتها المنية فجر يوم الأحد6/1/1427.... ........انتقلت إلى رحمة الله عن عمر يقارب 38 سنة بعد معاناة دامت طويلا مع المرض...تردد عليها في ثمان سنوات ثلاث مرررات....حتى قضى عليها بإرادة ربها
رحمك الله ياخالتي..كان مصابنا فيك عظيما..خاصة على جدي وجدتي
وكان عظيما على صديقاتك أيضا اللا تى ماغادرننا طوال وقت العزاء...كنا جميعا في وضع يرثى له........فلست أي إنسانة ولا أي خالة....
علمتني ياخالتي درسا في الصبر..لم تشتكي ولم تجزعي رغم ما ألم بك......
علمتني كيف تكون القوة والتحمل........
وهذا مصداق لقول الرسول صلى الله عليه وسلم- ( أشد الناس بلاء الأنبياء، ثم الأمثل فالأمثل، يبتلى الرجل على قدر دينه، فإن كان في دينه صلابة شدد عليه وإلا خفف عنه )
كثر من رأوها..بعد وفاتها برؤى حسنة..نحسبها من الأبرار...فأنا أرجو أن يكون ماأصابها تكفيرا لذنوبها ورفعة..
رحمك الله ياخالتي ...لن أنساك ماحييت ولن أنساك من الدعاء....فأنا أتذكرك كثيرا.. وكلما سمعت أنشودة (أنا صرت كبيرا ياماما)أشعر برغبة بالبكاء وأتذكر ابنك الذي في الصف الثالث الآبتدائي فقد كنت ترددينها له........
رحمك الله برحمته الواسعة ورحم والدك الذي تبعك بعد سبعة أشهر من وفاتك..دونما مرض ............ ......... ......... ..الملتقى الجنة بإذن الله
منقووووول
من البريد
رد مع اقتباس
<<أفهموها
