أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يُضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، أما بعد:

فهذه مقالة كاشفة لما نشرَه الناس من الحديث المروي عن عبد الله بن العباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما من مسلم يصبح ووالداه عنه راضيان إلا كان له بابان من الجنة، وإن كان واحدا فواحد وما من مسلم يصبح ووالداه عليه ساخطان إلا كان له بابان من النار، وإن كان واحدا فواحد». وفي رواية: فقال - أراه رجلًا - : يا رسول الله ! فإن ظلماه؟ قال صلى الله عليه وسلم: «وإن ظلَماه، وإن ظلَماه، وإن ظلَماه» ثلاث مرات.
ثم نشروا بعدها كلمة الحافظ ابن حجر: (إسناد أبي يعلى حسَن، وقد روي موقوفًا). المطالبُ العالية بزوائد المسانيد الثمانية (11/ 323).

وهذا الحديث له طُرُق عديدة، وسنوردها كلها ومنها طريق أبي يعلى، وبه يتضح منزلة أسانيد الحديث من حيث الصحة والضعف.

جاء هذا الحديث من رواية عبد الله بن العبّاس رضي الله عنهما مرفوعًا وموقوفًا، ومن رواية زيد بن أرقم رضي الله عنه مرفوعًا.

•• حديث عبد الله بن العباس رضي الله عنهما:
[1] أخرجه عبد الرزاق في "جامع معمر" (ح: 20128) عن معمر، عن «أبان»، عن سعد بن مسعود - أو غيره -، عن ابن عباس، به، مرفوعا.

[2] وأخرجه ابن وهب في "الجامع" (93) فقال: أخبرني شبيب بن سعيد، عن «أبان بن أبي عياش»، عن محمد بن المنكدر، عن عطاء الخراساني، عن ابن عباس، مرفوعا.
وأبان بن أبي عياش متروك الحديث؛ كما في "التقريب" (رقم: 142) .
فهذه علة قادحة لهذين الطريقين.

[3] وأخرجه البيهقي في "شعب الإيمان" (7538) من طريق «عبد الله بن يحيى بن موسى السرخسي»، عن سعيد بن يعقوب الطالقاني، عن عبد الله بن المبارك، عن يعقوب ابن القعقاع، عن عطاء، عن ابن عباس، به، مرفوعا.
وفي سنده عبد الله بن يحيى بن موسى السرخسي؛ قال عنه ابن عدي في "الكامل" (4/268) : «حدث بأحاديث لم يتابعوه عليه، وكان متهما في روايته عن قوم أنه لم يلحقهم».
وذكر ابن حجر في "لسان الميزان" (3/376-377) هذا الحديث في ترجمة عبد الله بن يحيى هذا، ثم قال: «رجاله ثقات أثبات غير هذا الرجل، فهو آفته» !.

[4] وأخرجه ابن أبي عمر في "مسنده"- كما في "المطالب العالية" (2537) - ومن طريقه ابن عدي في "الكامل" (5/343) عن «عبد القدوس بن حبيب الدمشقي»، عن عكرمة، عن ابن عباس، به، مرفوعا.
وعبد القدوس بن حبيب متهم بوضع الحديث؛ كما في "الكشف الحثيث" (454) .

[5] وأخرجه هناد بن السري في "الزهد" (2/485 رقم 993) من طريق سعيد بن سنان، عن «رجل»، عن ابن عباس، به، مرفوعا.
وسنده ضعيف؛ لإبهام الراوي عن ابن عباس.

[6] ورواه أبو خيثمة زهير بن حرب؛ قال: حدثنا شبابة؛ قال: حدثنا المغيرة بن مسلم، عن عطاء، عن ابن عباس، به، مرفوعا. أوردها ابن أبي أحاتم في علل الحديث (5/ 475) ..
ورواه أبو يعلى - كما في المطالب العالية (11/323)-، حدثنا زهير، حدثنا شبابة، حدثنا المغيرة هو ابن مسلم، عن عطاء، عن ابن عباس رضي الله عنه، به، مرفوعًا.
قال الإمام الناقد أبو زرعة الرازي عندما سئل عنه: المغيرة لم يسمع من عطاء شيء؛ وهو مرسل. علل الحديث (5/ 475).
وكلمة (مرسل) عند المتقدمين في مثل هذا المحل تعني المنقطع بالمعنى المشتهر في كتب المصطلح المتأخرة، أي إسناده منقطع، لا يصح.
ورواه ابن الجوزي كما في البر والصلة (96/ رقم 113)، أخبرنا أبو القاسم الجريري، قال: أنبأ أبو بكر محمد بن علي الخياط، قال: أنبأ أبو عبد الله بن دوست العلاف، قثنا عبد الله بن إسحاق الخراساني، قثنا أحمد بن عبيد النحوي، قثنا شبابة بن سوار، به، مرفوعًا.
فهو يلتقي عند رواية المغيرة بن مسلم عن عطاء، وقد تبين حكمها.

**** وأما الموقوف على ابن عباس:
[7] فأخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف" (25398) ، والبيهقي في "الشعب" (7537) من طريق يزيد بن هارون، ومسدد في "مسنده"- كما في "المطالب العالية" (2537/3) - من طريق يحيى القطان، والبخاري في: الأدب المفرد" (7) من طريق حماد بن سلمة، ثلاثتهم عن سليمان التيمي، عن سعد بن مسعود، عن ابن عباس، به، موقوفا عليه.
لكن الراوي عن ابن عباس جاء اسمه عند البيهقي: «سعيد بن مسعود» ، وعند البخاري: «سعيد القيسي» . وقد ترجم له البخاري في "التاريخ الكبير" (4/63 رقم 1972) هكذا: «سعد ابن مسعود القيسي» ، ومثله ابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل" (4/94 رقم 415) ، ولم يذكرا فيه جرحا ولا تعديلا.

•• وأما حديث زيد بن أرقم رضي الله عنه:
فأخرجه ابن شاهين في "الترغيب في فضائل الأعمال وثواب ذلك" (92 / رقم 291) : حدثنا يوسف بن يعقوب بن إسحاق البهلول، حدثني جدي، حدثني أبي، عن محمد بن يونس بن خباب، عن يونس بن خباب، عن يزيد التيمي، عن زيد بن أرقم، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من أصبح عنه والداه راضيين؛ أصبح له بابان مفتوحان إلى الجنة».
وهكذا لفظه، دون تتمة الحديث.
وأخرجه ابن الجوزي في البر والصلة (96/ رقم 112)-: أخبرنا أبو منصور محمد بن عبد الملك، وعبد الرحمن بن محمد، قالا: أنبأ عبد الصمد بن علي بن المأمون، قثنا الدارقطني، قثنا أحمد بن إسحاق بن البهلول، قال: حدثني أبي، عن محمد بن يونس بن خباب، عن يزيد التميمي، عن زيد بن أرقم، به، مرفوعًا.

ومحمد بن يونس بن خباب لم أجد له ترجمة، فليس بمعروف.

وأبوه يونس بن خباب. كوفيٌّ.
قال عنه ابن معين : (رجل سوء) "تاريخ ابن معين رواية الدوري (3/407)".
وقال أيضًا عنه: (كان يونس بن خباب يشتم عثمان) "تاريخ ابن معين رواية الدوري (3/ 470)".
وقال ابن محرز: سمعت عليًّا - هو ابن المديني - يقول: (يونس بن خباب لا أروي عنه حديثا أبدًا وذلك أن ذلك الكلام قد صح عنه) "تاريخ ابن معين برواية ابن محرز (2/ 207)".
وقال عنه الجوزجاني: (كذاب مفتر) "أحوال الرجال (50/ رقم 22)".
وذكره علي ابن المديني فيمن يغلو في الرفض. "أحوال الرجال (64/ رقم 36)".
وقال النسائي: (ضعيف). "الضعفاء والمتروكون (ص: 106)".
وقال أبو حاتم: (مضطرب الحديث، ليس بالقوي) "الجرح والتعديل لابن أبي حاتم (9/ 238)".
وقال ابن حبان: (وكان رجل سوء، غاليًا في الرفض، كان يزعم أن عثمان بن عفان قتل ابنتي رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تحل الرواية عنه لأنه كان داعية إلى مذهبه، ثم مع ذلك ينفرد بالمناكير التي يرويها عن الثقات، والأحاديث الصحاح التي يسرقها عن الأثبات فيرويها عنهم) "المجروحين لابن حبان (3/ 140) "
هذه طرق الحديث كلها، وليس فيها ما يعضد بعضها بعضا.

• وأما تحسين الحافظ ابن حجر -رحمه الله-، فلعلّه لم يكن مستحضرًا للانقطاع بين المغيرة بن مسلم، وبين عطاء فحكم بحُسنه وكلام الإمام أبي زرعة مُقَدَّمٌ، وهَذهِ علّةٌ قادحةٌ في السند.

والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

* استفدت مما كتبه محققو كتاب علل ابن أبي حاتم جزاهم الله خيرا..

( 27 / 9 / 1434 )