لا يخفى على المسلم أن الله جل جلاله سمّى نفسه بأسماء عظيمة و وصف ذاته بصفات كثيرة لا تليق إلا بالذات الإِلهية , فالله نور السماوات و الأرض , قال تعالى: ( اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ .. ) النور, 35. و أنه يدرك الأبصار جلّ جلاله ولا تدركه الأبصار كما ورَد في قصة موسى عليه السلام , قال تعالى : ( وَ لَمّا جَاءَ مُوسى لِمِيقاتِنا وَ كَلَّمَهُ رَبُّهُ قالَ رَبِّ أَرِنِى اَنْظُرْ اِلَيْكَ قالَ لَنْ تَرَانِى وَ لكِنِ انْظُرْ اِلى الْجَبَلِ فَاِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِى فَلَمّا تَجَلّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكّاً وَ خَرَّ مُوسى صَعِقاً فَلَمَّا اَفاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ اِلَيْكَ وَ اَنَا أَوَّلُ المُؤْمِنِينَ ) الأعراف, 143 و قد فضّل الله الإنسان على سائر خلقه و ميَّزه بالعقل ليعرِف الله و يعبد الله على بصيرة و لم يترك الناس تائهين في تلك الحياة الواسعة التي تعصِف بالخير و الشر و تقلّب القلوب في الفتن و تغمسهم في الملذّات , بل أرسل إليهم الرسل و أنزل معهم الكتب لتكون حجّة عليهم قال تعالى : ( لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَىٰ قَوْمِهِ فقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَٰهٍ غَيْرُهُ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ ) الأعراف, 59. و قد كان آخرهم الرسول صلى الله عليه و سلم و كان القرآن الكريم معجزته الخالدة إلى يوم القيامة حيث لا تنقضي عجائبه فيه نبأ من قبلَنا ، وخبر من بعدَنا ، وهو الفصل ليس بالهزل ، و هو الحكم بيننا , وقد جاء بأنباء القرون الماضية المؤمنة التي حفظها الله ,أو الكافرة التي قصَمها الله قال تعالى : ( وكَمْ أَهْلَكْنَا مِنَ الْقُرُونِ مِنْ بَعْدِ نُوحٍ وَكَفَى بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا) الإسراء, 17. فالمسلم يعرِف ربه بعلامات كثيرة كخلق الكون و ما فيه من مخلوقات عظيمة محسوسات كالساوات و الأرضين و الجبال و الشمس و القمر و النجوم أو عوالم عظيمة أو صغيرة خافيات اكتشفها الإنسان أو ما جاء في الكتاب و السنة عن خلْق الإنسان و الموت و الحياة و البعث و النشور. كلّها آيات تدلّ على عظمة الله البديع الذي خلَق و أتقن و أبدع و كل شيء عنده بمقدار و أنه هو الواحد الأحد المستحق للعبادة دُون سِواه , فيزداد المؤمن إيمانًا .فكم من ضالٍّ اهتدى إلى ربه ، و كم من حائرٍ في الحياة عرَف الحق وكم من فقيرٍ اغتنى حُبًّا لله و في الله حينما عرف ربه ، وكم جاهلٍ تعلّم فعرَف الله و امتلأ قلبه بنور العلم والإيمان، وكم من ضعف نصَره الله ، وكم ظالم طغى وتكبر فأهلكه الله , و كم أمّة ٍ جاءتها الآيات و الرسل فأعرضت عن الله فقصمَها الله قال جلّ جلاله : ( تِلْكَ الْقُرَىٰ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَائِهَا وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا بِمَا كَذَّبُوا مِنْ قَبْلُ كَذَٰلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِ الْكَافِرِينَ ) الأعراف, 101
عبد العزيز السلامة ـ أوثال