أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


* كيف يمكن الجمع بين أن العمل ركن من أركان الإيمان وأن إنتفاء العمل بالكلية يترتب عليه كفر العناد والإستكبار وبين الأحاديث الواردة في أن أناسا يدخلون النار ثم يدخلون الجنة لم يعملوا خيرا قط؟

وهذه الأحاديث التي تكلمنا عنها هي :

× عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صصصقال:(............... حتى إذا خَلَّصَ المؤمنينَ من النارِ، فوالذي نفسي بيدِه ! ما منكم من أحدٍ بِأَشَدَّ منا شِدَّةً للهِ ، في استِقْصاءِ الحَقِّ ، من المؤمنينَ للهِ يومَ القيامةِ لإخوانِهِمُ الذين في النارِ . يقولونَ : ربَّنا ! كانوا يصومون معنا ويُصَلُّونَ ويَحُجُّونَ . فيُقالُ لهم : أَخْرِجُوا مَن عَرَفْتُم . فَتُحَرَّمُ صُوَرُهم على النارِ . فَيُخْرِجُونَ خَلقًا كثيرًا قد أَخذتِ النارُ إلى نِصْفِ ساقَيْهِ وإلى رُكْبَتَيْهِ . ثم يقولونَ : ربَّنا ! ما بَقِيَ فيها أحدٌ مِمَّن أَمَرْتَنَا به . فيقولُ : ارجِعوا . فمَن وَجَدتم في قلبِه مِثقالَ دينارٍ من خيرٍ فَأَخْرِجُوه . فيُخْرِجونَ خَلْقًا كثيرًا . ثم يقولونَ : ربَّنا ! لم نَذَرْ فيها أحدًا مِمَّن أمرتَنا . ثم يقولُ : ارجِعوا . فمَن وجدتم في قلبِه مِثقالَ نِصْفِ دينارٍ من خيرٍ فَأَخْرِجوه . فيُخْرِجونَ خَلْقًا كثيرًا . ثم يقولون : ربَّنا ! لم نَذَرْ فيها مِمَّن أمرتَنا أحدًا . ثم يقول : ارجِعوا . فمن وجدتم في قلبِه مِثقالَ ذرةٍ من خيرٍ فَأَخْرِجوه . فيُخْرِجون خَلْقًا كثيرًا . ثم يقولونَ : ربَّنا ! لم نَذَرْ فيها خيرًا . وكان أبو سعيدٍ الخُدْرِيِّ يقول : إن لم تُصَدِّقُوني بهذا الحديثِ فاقرؤوا إن شِئْتُم : { إِنَّ اللهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِن تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِن لَّدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا } [ 4 / النساء / الآية - 4 ] فيقولُ اللهُ عز وجل : شَفَعَتِ الملائكةُ وشَفَعَ النَّبِيُّونَ وشَفَعَ المؤمِنونَ . ولم يَبْقَ إلا أَرْحَمُ الراحِمِينَ . فَيَقْبِضُ قَبْضَةً من النارِ فيُخْرِجُ منها قومًالميَعْمَلُوا خيرًاقَطُّ. قد عادوا حِمَمًا . فَيُلْقِيهِم في نهرٍ في أَفْوَاهِ الجنةِ يُقالُ له نهرُ الحياةِ . فيَخْرُجونَ كما تَخْرُجُ الحِبَّةُ في حَمِيلِ السَّيْلِ ................ قال فيَخْرُجون كاللُّؤْلُؤِ في رقابِهم الخواتِمُ . يعرِفُهم أهلُ الجنةِ .هؤلاءِ عُتَقَاءُ اللهِ الذين أدخلهم اللهُ الجنةَ بغيرِ عَمَلٍ عمِلوه ولا خيرٍ قَدَّمُوهُ. ثم يقولُ : ادخُلُوا الجنةَ فما رأيتُموه فهو لكم . فيقولونَ : ربَّنا ! أعطيتَنا ما لم تُعْطِ أحدًا من العالمينَ ............... .)صحيح مسلم.

× عن أبي هريرة أن رسول الله صصص قال(قال رجلٌلميعملْخيرًاقطُّ: فإذا مات فحرِّقوه ، واذْروا نصفَه في البَرِّ ونصفَه في البحرِ ، فواللهِ لئن قدَر اللهُ عليه لَيُعذِّبنَّه عذابًا لا يُعذِّبُه أحدًا من العالمينَ ، فأمر اللهُ البحرَ فجمع ما فيه ، وأمر البَرَّ فجمعَ ما فيه ، ثم قال : لِمَ فعلْتَ ؟ قال : مِن خَشْيَتِك ، وأنت أعلمُ ، فغَفَر له)صحيح البخاري.

× عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صصصقال :( كان فيمن كان قبلكم رجلٌ قتل تسعةً وتسعين نفسًا . فسأل عن أعلمِ أهلِ الأرضِ فدُلَّ على راهبٍ فأتاه فقال : إنَّه قتل تسعةً وتسعين نفسًا . فهل له من توبةٍ ؟ فقال : لا . فقتله . فكمَّل به مائةً . ثمَّ سأل عن أعلمِ أهلِ الأرضِ فدُلَّ على رجلٍ عالمٍ . فقال : إنَّه قتل مائةَ نفسٍ . فهل له من توبةٍ ؟ فقال : نعم . ومن يحولُ بينه وبين التَّوبةِ ؟ انطلق إلى أرضِ كذا وكذا . فإنَّ بها أُناسًا يعبدون اللهَ فاعبُدِ اللهَ معهم . ولا ترجِعْ إلى أرضِك فإنَّها أرضُ سوءٍ . فانطلق حتَّى إذا نصَف الطَّريقَ أتاه الموتُ . فاختصمت فيه ملائكةُ الرَّحمةِ وملائكةُ العذابِ . فقالت ملائكةُ الرَّحمةِ :جاء تائبًا مقبلًا بقلبِه إلى اللهِ . وقالت ملائكةُ العذابِ : إنَّهلميعمَلْخيرًاقطُّ. فأتاه ملَكٌ في صورةِ آدميٍّ . فجعلوه بينهم . فقال : قِيسوا ما بين الأرضين . فإلى أيَّتِهما كان أدنَى ، فهو له . فقاسوه فوجدوه أدنَى إلى الأرضِ الَّتي أراد . فقبضته ملائكةُ الرَّحمةِ . قال قتادةُ : فقال الحسنُ : ذُكِر لنا ؛أنَّه لمَّا أتاه الموتُ نأَى بصدرِه)صحيح مسلم.

× عن أبي هريرة أن رسول اللهصصصقال (نزَعَرجلٌلميَعْمَلْخيرًاقطُّغُصْنَ شوكٍ عن الطريقِ، إما كان في شجرةٍ فقَطَعَه وألقاه ، وإما كان موضوعًا فأَماطَه ، فشَكَرَ اللهَ له بها ؛ فأدَخَلَه الجنةَ) أبي داود و حسنه الألباني.

× وعن أبي هريرة أن رسول الله صصصقال (إن رجلاًلميعملخيرًاقطُّ، وكان يُدايِنُ الناسَ ، فيقولُ لرسولِه:خذ ما تَيسَّرَ واتركْ ما عَسُرَ ، وتَجاوزْ لعل اللهَ تعالى ، أن يتجاوزَ عنا ، فلما هلك قال اللهُ عز وجل له:هل عَمِلتَ خيرًا قطُّ؟ قال:لا إلا أنه كان لي غلامٌ وكنتُ أُداينُ الناسَ ، فإذا بعثتُه ليتقاضى ، قلتُ له: خذ ما تَيسَّرَ، واترك ما عَسُرَ، وتجاوزْ ، لعل اللهَ يتجاوزُ عنا ، قال اللهُ تعالى:قد تجاوزتُ عنك)النسائي وصححه الألباني.

× عن عبدالله بن عمرو أن رسول الله صصصقال (إنَّ اللَّهَ سيُخَلِّصُ رجلًا من أمَّتي على رؤوسِ الخلائقِ يومَ القيامةِ فينشُرُ علَيهِ تسعةً وتسعينَ سجلًّا ، كلُّ سجلٍّ مثلُ مدِّ البصرِ ثمَّ يقولُ : أتنكرُ من هذا شيئًا ؟ أظلمَكَ كتبتي الحافِظونَ ؟يقولُ : لا يا ربِّ ، فيقولُ : أفلَكَ عذرٌ ؟ فيقولُ : لا يا ربِّ ، فيقولُ : بلَى ، إنَّ لَكَ عِندَنا حسنةً ، وإنَّهُ لا ظُلمَ عليكَ اليومَ ، فيخرجُ بطاقةً فيها أشهدُ أن لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ ، وأشهدُ أنَّ محمَّدًا عبدُهُ ورسولُهُ ، فيقولُ : احضُر وزنَكَ فيقولُ يا ربِّ ، ما هذِهِ البطاقةُ ما هذِهِ السِّجلَّاتِ ؟ فقالَ : فإنَّكَ لا تُظلَمُ ، قالَ : فتوضَعُ السِّجلَّاتُ في كفَّةٍ ، والبطاقةُ في كفَّةٍفطاشتِالسِّجلَّاتُ وثقُلتِ البطاقةُ ، ولا يثقلُ معَ اسمِ اللَّهِ شيءٌ)الترمذي وصححه الألباني.

الرد على ذلك يكمن فيما يلي :

1- يجب العلم أنه لا يخلد موحدا في النار فيعذب بذنوبه ثم يدخل الجنة بشفاعة الشافعين أو بعتق الرحمن له.

2- يجب العلم أن الجنة محرمة على الكافرين كفرا أكبر والمشركين شركا أكبر والمنافقين نفاقا أكبر فكل من عمل عملا يدخله في نواقض التوحيد الثلاثة السابقة الكفر والشرك والنفاق يعتبر خارج من الملة مخلدا في النار.

3- يجب العلم أن هؤلاء الذين يخرجون من النار إلى الجنة والذي قيل فيهم أنهم لم يعملوا خيرا قط ، أو الذين يدخلون الجنة ولم يدخلوا النار كما في حديث البطاقة هؤلاء جميعا موحدون وليسوا كافرون أو مشركون أو منافقون.

4- يجب عدم إستنباط الحكم من دليل واحد دون النظر إلى باقي الأدلة فالأدلة يفسر بعضها بعضا ويقيد بعضها بعضا.

5- قوله (لم يعلموا خيرا قط ) : هذه اللفظة من الجنس الذي تقوله العرب بنفي الاسم عن الشيء لنقصه عن الكمال و التمام ، فمعنى هذه اللفظة على هذا الأصل: لم يعملوا خيراً قط على التمام و الكمال ، لا على ما أُوجب عليه ، و أُمر به ، ويؤكد ذلك ما يلي:

× ما في مسلم من حديث أنس بن مالك قال قال رسول الله صصص: ((يؤتى بأنعم أهل الدنيا من أهل النار يوم القيامة فيصبغ في النار صبغة ثم يقال يا بن آدم هل رأيت خيرا قط هل مر بك نعيم قط فيقول لا والله يا رب ويؤتى بأشد الناس بؤسا في الدنيا من أهل الجنة فيصبغ صبغة في الجنة فيقال له يا بن آدم هل رأيت بؤسا قط هل مر بك شدة قط فيقول: لا، والله يا رب ما مر بي بؤس قط ، ولا رأيت شدة قط)).

فهذا الرَّجُل مع كونه من أنعم أهل الدُّنيا أجاب عن قوله: (هل رأيت خيرًا ، هل مرَّ بك نعيمٌ قط) فقال: لا، وكذلك الآخر الذي هو أبأس أهل الدنيا ، أي ان لم ير خيرا قط على وجه التمام والكمال.

وكلام العرب المستفيض عندنا غير مستنكر في إزالة العمل عن عامله إذا عمله على غير حقيقته ، ألا ترى أنهم يقولون للصانع إذا كان ليس بمحكم لعمله : ما صنعت شيئاً و لا عملت شيئاً ، و إنما وقع معناه هاهنا على نفي التجويد لا على الصنعة نفسها ، فهو عامل عندهم بالاسم ، و غير عامل بالإتقان ، ويشهد لهذا القول حديث " ارجع فصل فإنك لم تصل " فإنه صلى ولكنه لم يصلي على التمام والكمال لذلك النفي كان عن الكمال وليس عن أصل العمل , وقاتل المائة جاء عنه " أنه لم يعمل خيراً قط " مع كونه تائباً وشرع في الهجرة إلى الأرض الصالحة .

وهذا أمر سائغ في لغة العرب يقولون : أنت لست بولدي ولا يريد نفي البنوة عنه بالمرة بل يريد لست بولدي الطائع لأن من صفات الولد الطاعة لأبيه أي نفي كمال البنوة.

× ورد لفظ ( لم يعمل خيراً قط) في من عمل بعض العمل ؛ مثل حديث من كان يقرض الناس و يسامح المعسر منهم ، و كذلك حديث قاتل مائة نفس ، و في غيرها من الأحاديث التي تدل على أن نفي العمل ليس على إطلاقه ، فهؤلاء قد أتوا بأعمال صالحة ولم يتركوا العمل البتة كالذي كان يتجاوز عن المعسر إبتغاء وجه الله فهذا عمل صالح ، وكالذي قتل مائة نفس وتاب إلى الله والتوبة تجب ما قبلها فغفر الله له ذنوبه ثم هو تاب إلى الله والتوبة عمل من الأعمال يشترك فيها القلب واللسان والجوارح فهذا عمل من الأعمال الصالحة ، ثم هو قد هم بحسنات ومن هم بحسنة فلم يعملها كتبت لها حسنة وهذه الحسنات التي هم بها هي عبادة الله بسائر أنواع العبادات ، وهو بالفعل مشى في الطريق إلى الأرض التي يعبد فيها لله وهذا السعي والمشي عمل من الأعمال الصالحة يثاب عليه كما أنه انقادت جوارحه للعمل وبذلك كملت أركان إيمانه وحيل بينه وبين باقي الأعمال الصالحة بالقدر ولذلك كتب من أهل الجنة لأن ما منعه من العمل الصالح هو القدر ، وكالذي أماط الأذى والغصن عن الطريق فهذا عمل من الأعمال الصالحة وشكر الله له العمل لأنه كان إبتغاء وجه الله وفي الحديث أنه لم يعمل خيرا قط مع أنه قد أتى بهذا العمل ومن ثم فهذا يدل على أن نفي العمل ليس على إطلاقه.

6- النصوص يقيد بعضها بعضا فهم لم يعملوا خيرا قط إلا الأعمال التي يترتب على تركها الخروج من الملة مثل ترك الصلاة بالكلية فيكون بذلك قد صلى والصلاة عمل صالح ومن ثم فقد قام ركن العمل الذي هو ركن من أركان الإيمان.

7- يمكن حمل الأحاديث على أنهم كان لهم أعمال ذهب ثوابها فكأنهم لم يعملوا خيرا قط ، كما في حديث المفلس فالرجل جاء بصيام وصلاة وزكاة وحج وجاء وقد قتل وسب وضرب وأكل المال فيؤخذ كل صاحب مظلمة من حسناته حتى إذا فنيت حسناته طرح في النار فهذا لأنه فنيت حسناته يقال عنه أنه لم يعمل خيرا قط.

من كتاب السراج المنير في شرح العقيدة الإسلامية

لتحميل الكتاب أدخل على الرابط التالي - في الملتقى - المرفقات أسفل الموضوع


http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=318807