أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


قال تعالى “قُتِلَ الْإِنْسَانُ مَا أَكْفَرَهُ (17) مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ (18) مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ (19) ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ (20) ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ (21) ثُمَّ إِذَا شَاءَ أَنْشَرَهُ (22) كَلَّا لَمَّا يَقْضِ مَا أَمَرَهُ (23) “ سورة عبس.

لقد كان الإنسان البدائي الأول هو الذي يسره الله إلى السبيل وكان هو الذي أماته الله وكان هو الذي أقبره الله أي صيره ذا قبر وكان هو الذي إذا متى شاء أنشره وبالتالي أي أذاع خبر إحياءه وأقامته من الموت بخلق جديد فخلقه ظاهراً وجعله خليفة في الأرض، حيث كان السبب في لعنته وإنتهاء أجله وموته هو عدم قضاءه لأمر الله بالعبادة حين خلقه من قبل،

قال تعالى "أولا يذكُر الإنسان أنّا خلقناه من قبل ..." سورة مريم 67 .

ولذلك حكم الله عليه بالموت والتستر،

فقال تعالى"ثم أماته فأقبره" سورة عبس 21 .

فكان بأن بقي الإنسان البدائي الأول على ذلك الحال أي مقبور ومخفي حتى أنشأه الله ثانياً بخلق جديد وجهزه بآلتي السماع والبصر وذلك من أجل امتحانه فكان قوله تعالى فيه “إذا شاء أنشره” أي متى شاء أعاد إحياءه بصورة آدم عليه السلام.

نقول أرض قبور أي أرض غامضة وبالتالي فقوله تعالى "ثم أماته فأقبره" أي جعل الغموض يُحيط بموته أو أحاط موته بالغموض، وإن إعترض البعض بالقول بأنه لا يمكن لوجود أي من الإنس كان قد سبق خلقهم لآدم عليه السلام وقدموا الدليل على زعمهم هذا عن طريق الإستشهاد بآية تعليم الدفن والمأخوذة من سورة المائدة 31 وفيها كان،

قوله تعالى ” فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْءَةَ أَخِيهِ قَالَ يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَـٰذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْءَةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ “ سورة المائدة 31 .

وتم التساؤل على أن لو كان لآدم أم وأب لعلماه الدفن ...، فنجيب على ذلك بالقول بأننا لا ندعي بأن آدم كان له أب وأم أحياء أو أي شيء من هذا القبيل، فلقد خلق الله آدم من ذرية سلفت وكانت ميتة وصنعه الله بخلق ونشأة جديدة من ذرة من تراب الموتى السابقين فلم يكونوا هم أحياء وموجودين حتى يعلموا آدم الدفن هو وذريته، فأرسل الله تعالى الغراب ليُعلمهم وهذا أيضاً لا يعني بأن كل الطيور والحيوانات تدفن موتاها فمنهم من يدفن موتاه ومنهم من يتركه يتعفن وتأكله الحيوانات الأخرى ونحن لا نعلم فيما إذا كان الله قد علم الإنسان الأول الدفن أم لا ولكن نعلم بأن الله أخبرنا بأنه أماته وأقبره أي تكفل الله به وبالتالي كان الله هو المسؤول عن إقباره أي حفظه سواء عن طريق تعليمه لدفن موتاه داخل الأرض أي إخفاء بقايا الميت في داخل الأرض أم عن طريق تيسير من يقبره وبالتالي فقول الله تعالى "ثم أماته فأقبره" تعني إحكام الأغلاق على بقاياه والتستير عليه وتغليفه.

فالأصل في القبر هو صيانة وحفظ بقايا الميت عن طريق إخفاءها ضمن حيز ومكان أُريد به التغليف والحفظ الكامل، فتَحَوُل الإنسان إلى تراب يُبقي عليه خفي ومقبور، فقدرة الله على هذا التحول العجيب أي إلى تراب جعلت من الإنسان يتستر، حتى فيما إذا بقيت رفات الإنسان والحيوان فوق الأرض فهي سرعان ما تذوب ويختفي أثرها، ولذلك لا فرق بين من يدفن في حفرة أو يوضع في كهف أو يُسدل عليه التراب فقط أو حتى يُحرق ويُذر رماده فتحوله للرماد هو ستر له وتخفي لما كان عليه وحين إختلاطه بتراب الأرض لا يمكن التعرف عليه فيُصبح مقبور وخفي لأن الأصل في القبر حتى عند الإشارة عليه بمكان الدفن هو المواراة والإستتار والإخفاء في الأرض فيصبح المدفون فيه بعد حين من الزمان تراب كباقي تراب القبر، وهذا لا ينتقص من إشارتنا على مكان الدفن بالقبر لأنه يخدم نفس المفهوم.

أما فقوله تعالى،
ثُمَّ إِذَا شَاءَ أَنْشَرَهُ (22) “ سورة عبس.

ففي لسان العرب: ونَشَر الله الميت يَنْشُره نَشْراً ونُشُوراً وأَنْشره فَنَشَر الميتُ لا غير: أَحياه؛ قال الأَعشى: حتى يقولَ الناسُ مما رَأَوْا: يا عَجَباً للميّت النَّاشِرِ وفي التنزيل العزيز: وانْظُرْ إِلى العظام كيف ننشرها؛ قرأَها ابن عباس: كيف نُنْشِرُها، وقرأَها الحسن: نَنْشُرها؛ وقال الفراء: من قرأَ كيف نُنشِرها، بضم النون، فإِنْشارُها إِحياؤها، وفي حديث الدُّعاء: لك المَحيا والمَمَات وإِليك النُّشُور. يقال: نَشَر الميتُ يَنْشُر نُشُوراً إِذا عاش بعد الموت، وأَنْشَره الله أَي أَحياه؛ ومنه يوم النُّشُور.

وانتشَر الخبرُ: انْذاع.
ونَشَرت الخبرَ أَنشِره وأَنشُره أَي أَذعته.


فأنشره أي نشره فهي تحتوي على معنيين متلازمين أحدهما هو الإحياء "أحياه" والثاني الإذاع "أذاعه" :

فكان قول الله تعالى في نشر خبر إحياءه،

قال تعالى ” كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ۖ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ” سورة البقرة 28 .

وكان قوله تعالى في نشر وإذاعة خبر قدومه والتبشير به،

“وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِّن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ” سورة الحجر 28 .

وقوله تعالى ” وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً … ” سورة البقرة 30 .


***


ويمكننا أيضاً لأن نستفيد من دليل آخر على إحياء الإنسان من الموت والذي نستمده من قوله تعالى

“وَأَنَّهُ هُوَ أَمَاتَ وَأَحْيَا (44) وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى (45) مِنْ نُطْفَةٍ إِذَا تُمْنَى (46) وَأَنَّ عَلَيْهِ النَّشْأَةَ الْأُخْرَى (47)” سورة النجم.

ففي الآية الكريمة من سورة النجم نرى بأن الله سبحانه وتعالى يُخبرنا بأنه خلق كل من الذكر والأُنثى “من نطفة إذا تُمنى” وهذا يُشير على معنيين متقاربين، الأول وهو من المَنى والمَنِيَّةُ: وهو الموت لأَنه قُدِّر علينا أي من نطفة كانت قد مُنيت أي قد ماتت أو قُدر الموت عليها، والآخر وهو من نطفة كانت قد مُنيت بالمني، فالنطفة التي تُمنى هي التى تُلقح بالمني وكلا المعنيين يخدم الماضي أي حدث سابق كان قد تم وانتهى.

وهنا أيضاً يبدأ الله تعالى الآية الكريمة بتذكيرنا بأنه كان قد أمات وأحيا كدليل “للقيامة من الموت” وهذا يرجع على الإنسان، ولو إستشهدنا بالقاموس المُحيط لنتعرف على ما تعنيه إذا في الآية الكريمة “من نطفة إذا تُمنى” لرأينا بأن من الممكن بأن إذا تأتي بمعنى متى وهي كما عرفها الزَّجاجُ: ظَرْفُ زمانٍ تَدُلُّ على زَمانٍ مُسْتَقْبَل، وتَجِيءُ للماضي ، ونستدل بالآية الكريمة التالية قال تعالى،

وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا ۚ قُلْ مَا عِندَ اللَّهِ خَيْرٌ مِّنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ ۚ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ” سورة الجمعة 11.

والجدير بالذكر هنا وهو ذكر الله في بداية الآية 44 من سورة النجم وقوله تعالى “وأنه هو أمات وأحيا” وقوله تعالى في الآية 47 “وأن عليه النشأة الأخرى” بأنه ذكر الموت والإحياء أولاً ثم ألحقهما بالنشأة، وهذا في حديثه عن الإنسان والتعريف بأصل خلقه من النطفة والتي تبعت ولحقت بعملية الإحياء بعد تلقيحها وموتها أي إشارة إلى موت الإنسان البدائي الأول ومن ثم إحياءه بنشأة جديدة، وإخبار الله تعالى لنا بالنشأة الأخرى دليل قاطع على نشأة أولى لحقت بإحياءه كانت قد سبقت نشأته القادمة "النَّشْأَةَ الْأُخْرَى" والمؤجلة والمستقبلية الحدث.


***


كما ويمكننا لأن نُشير على دليل آخر على إحياء الإنسان من الموت والذي نستمده من الآية الكريمة التالية وفيه:
قوله تعالى “أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى (36) أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى (37) ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى (38) فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى (39) أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى (40)” سورة القيامة.

إن أول ما نُريد الإشارة إليه هو أسم السورة وهي سورة القيامة ”فهل هذه صدفة … أم ماذا” فهي ثُشير على أن الإنسان بشخص وصورة آدم كان قد خُلق من نطفة ميتة كان مصدرها الأساسي هو المني ومن ثم أقامه الله من الموت وهذا نستدله من قوله “ألم يكُ نطفة” ولم يقل الله تعالى “ألم يكن نطفة” حيث خلت يكُ من نون التوكيد أي لم تكن النطفة لها كيان حي بعد، وبالتالي لم يحضره الله من كيان حي بل أحضره وخلقه من النطفة الميتة والتي لا حياة فيها ومن ثم أخضعه للخلق الحي والتسوية، ثم أتى عليه الجعل لكل من الذكر والأُنثى، ثم يُنهي الله الآية الكريمة بالتذكير بقدرته على إحياء الموتى مرة أُخرى وهذا أيضاً ليس صدفة بل فيه إشارة واضحة على إحياء الله للإنسان بصورة ونشاة جديدة من الموت.

صفحات من رسالة الله - عبدالله أحمد خليل