أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


ابن النيل الأسمر شاعر الوطن والجذور
الشاعر عبد الرحمن الأبنودي
كنتُ قد كتبتُ هذه المقالة سنة 2009وذك قبل الثورات وتغير النظرات,واليوم الأبنودي أصبح يهاجم المسلمين في مصر,قلا أدري اشتريث ذمته أم ماذا؟
يعتبر الشاعر الكبير ابن النيل الأسمر ، عبد الرحمن الأبنودي من الشعراء الكبار العمالقة الذين اتخذوا اللغة العامية ليعبروا عن مخزونهم الحضاري ، والاجتماعي في شعرهم ، وهو يعتبر الحارس الشخصي للشعر العامي الذي يحكي قصصاً رائعة لأمة زخرف الحب والحنان والقوة والبأس ماضيها ، وازدانت لياليها برنين شعراء حطوا رحالهم في بلاط الملوك ، لينشدوا ويؤرخوا لأمة ما عرف الجهل لها سبيلاً ، وليشعلوا نوراً من العلم لأمة من خلفهم ضعاف الهمة ، ليسجلوا للتاريخ أن العرب الأمة الأمية ، هي بوتق حضارات الدنيا جميعها .

ولادة الأبنودي :
ولد الأبنودي في إبريل 1938م , في مدينة أبنود بمحافظة قنا بصعيد مصر , حصل على ليسانس الآداب , قسم اللغة العربية من جامعة القاهرة ، كتب العديد من الدواوين الشعرية , من أهمها : الأرض والعيال , الزحمة , جوابات حراجي القط , وجوه على الشط , الموت على الإسفلت ، كما جمع سيرة بني هلال كاملة , على مدى خمسة وعشرين عاماً , من مصر والسودان وتونس ، كتب ما يزيد عن 700 أغنية لكبار المطربين : عبد الحليم حافظ , محمد رشدي , فايزه أحمد , ورده , ماجدة الرومي , ومحمد منير ، بالإضافة إلى أغاني مسلسل النديم , وفيلم البريء ، وحوار وأغاني فيلم شئ من الخوف , وحوار فيلم الطوق والأسوارة ، وحصل على العديد من الجوائز في الداخل والخارج , لعل أهمها جائزة الدولة التقديرية في الآداب عام 2000م ، وقد استطاع الأبنودي ببراعة فائقة أن يلتقط في شعره الخواص التعبيرية البسيطة للسان أهل بيئته البسطاء في صعيد مصر , وأن يجسد أحلامهم وأمانيهم , ورهافة وحدة مجتمعهم الصعيدي , الذي كان المجال الحيوي الملهم لمعظم قصائده ، ولهذا عُد شاعر البسطاء ومْلحِ الأرض من المصريين , وهم عامة الشعب المصري , الذين يقوم على أكتافهم عبء التحرير والتعمير , والذين يمنحون الحياة معنى ومغزى , ولا يمكن أن تستقيم الحياة من دونهم , ولذلك نربط بينهم وبين ملح الطعام الذي لا غنى عنه .

تواضع الأبنودي :
في أمسية الشاعر الكبير عبد الرحمن الأبنودي بمعرض الكتاب الأبنودي يتبنى المواهب الشعرية الجديدة ويلقى شعراً لغزة ولمصر ولزمن عبد الحليم !!
في ثالث أيام وفعاليات معرض القاهرة الدولي للكتاب كان جمهور المعرض بالأمس على موعد مع الأمسية الشعرية الكبيرة للشاعر الكبير عبد الرحمن الأبنودي.
والتي طال انتظار جمهور المعرض لها بعدما أعلن عنها أنها في السادسة مساءاً وتوافد الجمهور للقاعة منذ الخامسة والنصف ثم لم يحضر الأبنودي إلا في السابعة والربع مساءاً وقال اعذروني في الربع ساعة تأخير دول فقال له الجمهور الندوة موعدها في السادسة مساءاً وليس السابعة فقال الأبنودي الإدارة هنا بلغتني أنها الساعة 7 !!
ولهذا أدرك الجميع أن إدارة المعرض تعانى من أشد أنواع سوء التنظيم مما أثار تذمر الناس جدا وفتح الباب للأحاديث الجانبية التي تعيب في إدارة المعرض بشدة .
لكن مع حضور الأبنودي ومرحة وسخريته الشديدة مع كل الحضور بدأ غضب الناس واستنكارهم لاستهانة إدارة المعرض بهم يتلاشى حيث كان الأبنودي يداعب الجميع بكلمات ساخرة فرَّقها على جميع الحضور .
وقد حضر الندوة كل من الأستاذة فريدة الشوباشى والكاتب الكبير جمال الغيطانى ، كما حضر مع الأبنودي زوجته الإعلامية نهال كمال وابنتيه آية ونور .
وقد بدأت الأمسية الشعرية بكلمات رحب فيها الأبنودي بالجميع وقال أنه يريد قبل أن يلقى على مسامعنا من شعره أن نرحب ببعض المواهب الشعرية الجديدة وان لم يكن أصحابها صغار السن حيث قال أن ابنته أتت له منذ فترة وقالت إن لها زميل في الدراسة يقول أن والده شاعر جيد جداً وأنها ليست واثقة من هذا وهو يريد أن يسمعه شعره فالتقى به فعلا ووجده شاعراً ممتازاً بالفعل ودعي الجميع لآن يستمعون إليه واسمه حسام نصار والذي قام ليلقى قصيدتين قصيرتين . الأولى باسم ( سيبك عنوانك ) والثانية باسم ( تايه بدور على البلد ) وهى القصيدة التي ظهر باسمها عنوان الديوان الخاص به ، وقد أثار إعجاب الحضور جدا حتى أن البعض ردد للأبنودي نشكرك أنك اخترته .
ثم قدم شاعرنا الكبير الموهبة الثانية لديه وهو شاعر جديد اسمه مصباح المهدي والذي قال عنه أنه قرأ له قصيدة أعجبته فسعى هو إليه ، واكتشف أنه ( بلوة مسيحة ) على حد تعبيره ، ثم عندما استدعاه قابله بحفاوة كبيرة فرحاً بدعوته له لكنه انزعج واعتقد انه ربما يسلمه للأمن لجرأة شعره !!

الأبنودي اليوم عليلاً :
فالأمراض تعرف كيف تختار مكامنها ومساكنها , وقد استطاعت أن تتمكن من جسد الأبنودي , الذي يعاني من تضخم في الرئة , وانسداد والتهابات في الشرايين , ومتاعب في العمود الفقري ، وفي الشهور الأخيرة تدهورت صحته بشكل كبير , مما استدعى سفره إلى فرنسا للعلاج , التي لا يزال متوجداً بها إلي اليوم ، وعلى الرغم من تاريخ الأبنودي الطويل مع الألم , الذي هذبه وطهر روحه , وجعله يكرر دوماً عبارة الفيلسوف الألماني نيتشة , التي يقول فيها : ( إن التأدب بالألم وحده خلق حتى الآن كل ترقيات الإنسان ) ، إلا أنه - كما صرح أخيراً - لم يتألم في حياته كما يتألم الآن بسبب مرضه الأخير .
الأبنودي اليوم عليلاً , وبعيداً عن الوطن الذي عشق أرضه وسمائه , وبعيداً عن محبيه من الفقراء والبسطاء , أبناء البلد المحرومين والمعذبين في الأرض الذين يفتقدون دفء وجوده بينهم , لأنه كان دوماً درعاً لصدورهم , ولساناً لحالهم في انكسارتهم وانتصارتهم , هم في حاجة ماسة إليه اليوم , ليبصر الغافلين بهذا التردي الصاعق الذي نعيشه على جميع الأصعدة , وليكتب الأغاني لـشهدائنا الجدد , في معارك طوابير لخبز ، حتماً سيعود الأبنودي إلى مصر ؛ فهو لا يستطيع أن يعيش أو يموت في مكان آخر ، سيعود ليظل كما كان سفيراً لأرواح البسطاء , وحاملاً ومعبراً عن أحلامهم . شفاك الله و أطال عمرك يا خال ؛ فأنت كما قالت عنك العمة آمنة : ( والله حبيبي .. وتتحب على قد ما سارقاك الغربة لكن ليك قلب مش زي ولاد الكلب اللي نسيونا زمان ) نشر بجريدة القاهرة .
ويتفاجأ الأبنودي بمكالمة رفعت من خلالها سويته المرضية ، ألا وهي مكالمة الرئيس مبارك ويقول له محاولاً التخفيف عنه : يا عبد الرحمن إنت كل شهر تتعب ولا إيه ؟ فرد عبد الرحمن : ماحدش بيحب المرض مش في سنناده ، وهو أنا متضايق من مصر أنا عاشقها ترابها وناسها .
ورغم شهرة الأبنودي لم تجرفه تلك الشهرة نحو الخوض مع الخائضين في هبوطهم الذوقي والفني للحفاظ أو الكسب المالي ، نحو قلة الذوق في طرحهم لمجموعة من الأغاني الشعرية الهابطة .
ولقد أجرت مجلة محيط مع الشاعر الكبير عبد الرحمن وسألته عن هذه المسألة فقال :
محيط / الشاعر الكبير عبد الرحمن الأبنودي اسمح لي أن انتقل بك إلي عالم الفن ، وأسألك رغم كونك شاعر غنائي كبير إلا إنني أشعر إن تيار الغناء لم يجرفك ناحيته وإبداعاتك الشعرية تكاد تطغى علي ما كتبته من أغنيات ، فهل هذا صحيح ؟
نعم وتفسير ذلك إنني شاعر من المقام الأول وأعرف طول عمري إنني جئت لأكون الشاعر ومن سنة 64 كنت كل سنة بطبع ديوان جديد لي ( الأرض والعيال ) ( الزحمة ) ( عماليات ) ( حراجي القط ) علي حسابي وكانت الأغاني هي التي تمول هذه الدواوين ، وذلك كان سبباً رئيسياً لكتابتي للأغاني يعني مثلاً ( حراجي )مدين لعدوية ووهيبه .
حبه لأمه :
محيط / إذن كتابتك للأغاني لم تكن بدافع حبك للغناء أو سعياً وراء الشهرة ؟
لا ، أنا كنت بحب الغناء لأن العمل عندنا في أبنود مرتبط بالغناء وتحديداً ما كانت تغنيه ( فاطمة قنديل ) أمي رحمة الله عليها ، يعني أنا مرة أخذت أغنية كاملة منها ووضعتها في فيلم ( عرق البلح ) للمخرج رضوان الكاشف ، وقلت لأخونا ياسر عبد الرحمن ضعها كما غنتها أمي ، لا أنا أضع كلمة ولا أنت تؤلف نغمة مخالفة وهي أغنية ( بيبه ) دي غنوة أمي وهو وضع لها توزيعاً موسيقياً ووضع لها بناء موسيقياً جميلاً لأنها جملة شعبية ولو لم تكن تعيش لولا أنها حقيقية وأصيلة زي أغنية ( أنا كل ما أجول التوبة ) مثلاً .

حب الشاعر الكبير لمصر رغم معاناته في مرضه حمل مصر معه في غربته ومرضه :
حبه لوطنه :
كيف أمرض وأقول آه ومصر بداخلي تحفزني على الثبات والقوة ، هل من شخص يحب مصر أن يهتز أو يتألم ؟! هرمونات قوتي أستمدها من شمسها وأوجاعي أعمل لها حمام تراب ( مش مساج ) على أرضها ، الحمد لله أنا بخير وعدت بكل قوة وأتمنى أن أموت وأنا واقف على قدمي لا أن ينقلونني من فراش المرض إلى الكفن .
رحلة مرضك استمرت 45 يوما في باريس ، فيما كنت تفكر ؟
لم أفكر في أني أريد أن أشفى ، لأني كنت ( رامي توكالي ) على الله ، كل ما كنت أفكر فيه هو أن أموت هنا على أرض مصر ، وأن تخرج جنازتي من أحد المساجد التي شهدت رحيل مصريين سفوا تراب مصر ، وأموت بين بناتي وزوجتي وأهلي فلا أحتمل في موتي أن يقف أهلي على أبواب المطار ويعلن بصوت عالي عن وصول جثمان عبد الرحمن الأبنودي ، نفسي أموت في حضن بناتي وزوجتي والوطن .
أمد الله في عمرك ، بس يعني إيه وطن ؟
تساؤل رغم غرابته إلا أني أحترمه لأن هناك كثيرون يرددون كلمة وطن وأرض وعرض دون أن يفهموها ، يا ولاد ، الوطن ده قصة مليناه بالأم وأوجاع لا يشعر بها سوى من عاش أزماته وانتصاراته .

عبد الرحمن الأبنودي وصراحته بعدما وصل إلى قمة المجد :
كثير من شعرائنا الكبار المخضرمين الأرستقراطيين ، لما وصلوا إلى المجد والشهرة ، بنوا حولهم هالة من الكذب والغش ، بل تعداه إلى تزوير الحقائق وتلبيسها على محبيه ومريديه وقرائه ، بل تعداه إلى الاعتداء بالمجون بأنه كان في فترة من الفترات إلهاً ما لسيدات وإناث العالم العربي ، بل وصلت عنده ( الإنا ) والنرجسية حتى في قصائده الغزلية ، بل تغنى بنفسه وشعره ووجنتيه لتصل عنده ( فوبيسا ) الأنا قمته ، على عكس الشاعر العملاق الأسمر الأبنودي الذي قال لمجلة المحيط :
صراحته مع الثقة :
شهدت طفولتي وأيام فقري ، وأوقات كنا ننام فيها بدون طعام ، كنت أجري على قوت يومي وأنا لا زلت طفلاً صغيراً ، فكنت أذهب إلى الغيط لجمع القطن ، وكان حتماً أن أتعلم الصيد لأستطيع أن أخرج من النهر ولو بسمكة لأكلها لتسد جوعي ومع الصيد تعلمت الصبر .
تفتكر كان مصروفك كام ؟ 10 قروش ، ولكن هذا المصروف ليس كل يوم مثلما كان يحدث مع كل أصدقائي ، لكن كان كل ما ربنا يسهل لأبويا وكلما تزداد دعوات أمي .

الأبنودي وأمه وقريته :
لقد قدم لنا الأبنودي نموذجاً رائعاً للفلاح ( أي فلاح ) أردني ، فلسطيني ، سوري ، سعودي ، سوداني ، الذي كد واجتهد ، وبذر ، وسهر ، وحصد ، وقدم لنا الفلاح البسيط ، قدم لنا الساقية ، والمسحاة ، والفأس ، قدم لنا قريته أبنود ومظاهرها الاجتماعية وعاداتها وأفراحها وأحزانها ، قدم لنا الرجال والنساء والشيوخ والأطفال ، ولقد قدم لنا الأبنودي قمة الإخلاص والوفاء والمحبة لوطنه الصغير أبنود لينطلق منها إلى الوطن الكبير ليتجلى ذلك في أبها صورة حملها الشاعر الكبير الأبنودي حتى في محنته المرضية ، فماذا حمل الأبنودي لأمه ؟
حبه لأمه :
فاطمة قنديل والدتك ، ماذا تقول عنها ؟ لا أستطيع أن أقول أقل من أنها وطن بداخل وطن .
لهذه الدرجة تحبها ؟ حب الولد لأمه شيء طبيعي ، لكن ما بيني وبينها كان أكثر من قصائد العشق ، فالحياة معها مختلفة وكانت تستطيع أن تحول العلقم إلى شهد .
متى بدأت بذورك كشاعر؟ منذ أن قولت ( واء ) ، فكان عليّ ورغما عني أن أكون شاعراً أو مغنياً فكل من في قريتي يغني ، فأتذكر إنني كنت أعمل في الغيط وأغني مع الفلاحين أغاني تشد من همتنا وتقوينا ، أتصدقون أن الأفراح التي كانت تقام في قريتنا كنا يستحيل أن نأتي بمطرب ، كنا كأهل أبنود من نغني ، فالغناء كان سمة أساسية في قريتنا وكانت أمي صوتها جميل واستعنت بأغنية لها من قبل في فيلم ( عرق البلح ) للراحل رضوان الكاشف .
كيف ترى شباب مصر الآن ؟ محتاجين يحبوا مصر ، فالحل ليس في الهجرة ، وأقول لهم إنكم تعيشون في أحلى فتراتها مقارنة بالماضي . العالم العربي في تدهور والموقف متخاذل .

قصيدته عن القدس :
كما كانت مصر في قلبه فلقد كانت فلسطين في قلبه وهمه ، ولم حصلت النكسة عام 1967م انتكس مع الأمة ، لكنه لم ينعزل بل نهض بقلمه وكتب للقدس فقال :
القدس قدس ي..
يمامة صيف في غيتها .
تطير . تيجيني ..
بأشواقها .. وغيتها .
فاكراني من يد صيادها
أنا اغيتها !!
فاكراني صوت الأدان الحي
في ( حطين )
ومخبي في ضلوعي قلبك
يا ( صلاح الدين ) ..
شايل صراخ اليتامى
ولوعة المساكين
فاكراني كفن الشهيد
وخيمة اللاجئين
وأول الأتقيا ..
وآخر الهاربين ..
***
تجيني وتبوسني
وتملس على خدودي
هاربة بـ حدودها القدام
تتحامى في حدودي
تبكي على صدري
دبكة حزن على عودي
تبكي وفاكرة حد هدها
وأسكتها !!
أنا ..
ياللي من موت شراييني
اتنسج موتها
وصوتي ..
يوم الغنا الباطل
بلع صوتها
مافيش في قلبي
ولا آهة أموتها
كل الآهات ميتة
أنا حبيس همسي
نزعت صورتها من بُكرايا
من أمسي
حطين ولا حطيني
ولا قدس الهموم .. قدسي
ولا عارفة تنساني
زي ما تهت .. ونسيتها !!
***
القدس ..
تيجي يمامة نور
مطفية
طالعالي م البرد
للصيف الجديد تسعى
فاكرة في كفي طعام
وف قلبي أخوية
هية اللي مش واعية ..
والا أنا اللي مش باوعى .. ؟
لا دمع يسقى عطش عيني
ولا مية .
يا حزن لا تترجمه أهة ..
ولا دمعة ..
...
ما كنا فاكرينا
أطفالك
يا ست الكل .
الكدب ما يجيبش همه
إحنا مش أطفال
وكنا فاكرينا أبطالك


كنتُ قد كتبتُ هذه المقالة سنة 2009وذك قبل الثورات وتغير النظرات,واليوم الأبنودي أصبح يهاجم المسلمين في مصر,قلا أدري اشتريث ذمته أم ماذا؟
يعتبر الشاعر الكبير ابن النيل الأسمر ، عبد الرحمن الأبنودي من الشعراء الكبار العمالقة الذين اتخذوا اللغة العامية ليعبروا عن مخزونهم الحضاري ، والاجتماعي في شعرهم ، وهو يعتبر الحارس الشخصي للشعر العامي الذي يحكي قصصاً رائعة لأمة زخرف الحب والحنان والقوة والبأس ماضيها ، وازدانت لياليها برنين شعراء حطوا رحالهم في بلاط الملوك ، لينشدوا ويؤرخوا لأمة ما عرف الجهل لها سبيلاً ، وليشعلوا نوراً من العلم لأمة من خلفهم ضعاف الهمة ، ليسجلوا للتاريخ أن العرب الأمة الأمية ، هي بوتق حضارات الدنيا جميعها .

ولادة الأبنودي :
ولد الأبنودي في إبريل 1938م , في مدينة أبنود بمحافظة قنا بصعيد مصر , حصل على ليسانس الآداب , قسم اللغة العربية من جامعة القاهرة ، كتب العديد من الدواوين الشعرية , من أهمها : الأرض والعيال , الزحمة , جوابات حراجي القط , وجوه على الشط , الموت على الإسفلت ، كما جمع سيرة بني هلال كاملة , على مدى خمسة وعشرين عاماً , من مصر والسودان وتونس ، كتب ما يزيد عن 700 أغنية لكبار المطربين : عبد الحليم حافظ , محمد رشدي , فايزه أحمد , ورده , ماجدة الرومي , ومحمد منير ، بالإضافة إلى أغاني مسلسل النديم , وفيلم البريء ، وحوار وأغاني فيلم شئ من الخوف , وحوار فيلم الطوق والأسوارة ، وحصل على العديد من الجوائز في الداخل والخارج , لعل أهمها جائزة الدولة التقديرية في الآداب عام 2000م ، وقد استطاع الأبنودي ببراعة فائقة أن يلتقط في شعره الخواص التعبيرية البسيطة للسان أهل بيئته البسطاء في صعيد مصر , وأن يجسد أحلامهم وأمانيهم , ورهافة وحدة مجتمعهم الصعيدي , الذي كان المجال الحيوي الملهم لمعظم قصائده ، ولهذا عُد شاعر البسطاء ومْلحِ الأرض من المصريين , وهم عامة الشعب المصري , الذين يقوم على أكتافهم عبء التحرير والتعمير , والذين يمنحون الحياة معنى ومغزى , ولا يمكن أن تستقيم الحياة من دونهم , ولذلك نربط بينهم وبين ملح الطعام الذي لا غنى عنه .

تواضع الأبنودي :
في أمسية الشاعر الكبير عبد الرحمن الأبنودي بمعرض الكتاب الأبنودي يتبنى المواهب الشعرية الجديدة ويلقى شعراً لغزة ولمصر ولزمن عبد الحليم !!
في ثالث أيام وفعاليات معرض القاهرة الدولي للكتاب كان جمهور المعرض بالأمس على موعد مع الأمسية الشعرية الكبيرة للشاعر الكبير عبد الرحمن الأبنودي.
والتي طال انتظار جمهور المعرض لها بعدما أعلن عنها أنها في السادسة مساءاً وتوافد الجمهور للقاعة منذ الخامسة والنصف ثم لم يحضر الأبنودي إلا في السابعة والربع مساءاً وقال اعذروني في الربع ساعة تأخير دول فقال له الجمهور الندوة موعدها في السادسة مساءاً وليس السابعة فقال الأبنودي الإدارة هنا بلغتني أنها الساعة 7 !!
ولهذا أدرك الجميع أن إدارة المعرض تعانى من أشد أنواع سوء التنظيم مما أثار تذمر الناس جدا وفتح الباب للأحاديث الجانبية التي تعيب في إدارة المعرض بشدة .
لكن مع حضور الأبنودي ومرحة وسخريته الشديدة مع كل الحضور بدأ غضب الناس واستنكارهم لاستهانة إدارة المعرض بهم يتلاشى حيث كان الأبنودي يداعب الجميع بكلمات ساخرة فرَّقها على جميع الحضور .
وقد حضر الندوة كل من الأستاذة فريدة الشوباشى والكاتب الكبير جمال الغيطانى ، كما حضر مع الأبنودي زوجته الإعلامية نهال كمال وابنتيه آية ونور .
وقد بدأت الأمسية الشعرية بكلمات رحب فيها الأبنودي بالجميع وقال أنه يريد قبل أن يلقى على مسامعنا من شعره أن نرحب ببعض المواهب الشعرية الجديدة وان لم يكن أصحابها صغار السن حيث قال أن ابنته أتت له منذ فترة وقالت إن لها زميل في الدراسة يقول أن والده شاعر جيد جداً وأنها ليست واثقة من هذا وهو يريد أن يسمعه شعره فالتقى به فعلا ووجده شاعراً ممتازاً بالفعل ودعي الجميع لآن يستمعون إليه واسمه حسام نصار والذي قام ليلقى قصيدتين قصيرتين . الأولى باسم ( سيبك عنوانك ) والثانية باسم ( تايه بدور على البلد ) وهى القصيدة التي ظهر باسمها عنوان الديوان الخاص به ، وقد أثار إعجاب الحضور جدا حتى أن البعض ردد للأبنودي نشكرك أنك اخترته .
ثم قدم شاعرنا الكبير الموهبة الثانية لديه وهو شاعر جديد اسمه مصباح المهدي والذي قال عنه أنه قرأ له قصيدة أعجبته فسعى هو إليه ، واكتشف أنه ( بلوة مسيحة ) على حد تعبيره ، ثم عندما استدعاه قابله بحفاوة كبيرة فرحاً بدعوته له لكنه انزعج واعتقد انه ربما يسلمه للأمن لجرأة شعره !!

الأبنودي اليوم عليلاً :
فالأمراض تعرف كيف تختار مكامنها ومساكنها , وقد استطاعت أن تتمكن من جسد الأبنودي , الذي يعاني من تضخم في الرئة , وانسداد والتهابات في الشرايين , ومتاعب في العمود الفقري ، وفي الشهور الأخيرة تدهورت صحته بشكل كبير , مما استدعى سفره إلى فرنسا للعلاج , التي لا يزال متوجداً بها إلي اليوم ، وعلى الرغم من تاريخ الأبنودي الطويل مع الألم , الذي هذبه وطهر روحه , وجعله يكرر دوماً عبارة الفيلسوف الألماني نيتشة , التي يقول فيها : ( إن التأدب بالألم وحده خلق حتى الآن كل ترقيات الإنسان ) ، إلا أنه - كما صرح أخيراً - لم يتألم في حياته كما يتألم الآن بسبب مرضه الأخير .
الأبنودي اليوم عليلاً , وبعيداً عن الوطن الذي عشق أرضه وسمائه , وبعيداً عن محبيه من الفقراء والبسطاء , أبناء البلد المحرومين والمعذبين في الأرض الذين يفتقدون دفء وجوده بينهم , لأنه كان دوماً درعاً لصدورهم , ولساناً لحالهم في انكسارتهم وانتصارتهم , هم في حاجة ماسة إليه اليوم , ليبصر الغافلين بهذا التردي الصاعق الذي نعيشه على جميع الأصعدة , وليكتب الأغاني لـشهدائنا الجدد , في معارك طوابير لخبز ، حتماً سيعود الأبنودي إلى مصر ؛ فهو لا يستطيع أن يعيش أو يموت في مكان آخر ، سيعود ليظل كما كان سفيراً لأرواح البسطاء , وحاملاً ومعبراً عن أحلامهم . شفاك الله و أطال عمرك يا خال ؛ فأنت كما قالت عنك العمة آمنة : ( والله حبيبي .. وتتحب على قد ما سارقاك الغربة لكن ليك قلب مش زي ولاد الكلب اللي نسيونا زمان ) نشر بجريدة القاهرة .
ويتفاجأ الأبنودي بمكالمة رفعت من خلالها سويته المرضية ، ألا وهي مكالمة الرئيس مبارك ويقول له محاولاً التخفيف عنه : يا عبد الرحمن إنت كل شهر تتعب ولا إيه ؟ فرد عبد الرحمن : ماحدش بيحب المرض مش في سنناده ، وهو أنا متضايق من مصر أنا عاشقها ترابها وناسها .
ورغم شهرة الأبنودي لم تجرفه تلك الشهرة نحو الخوض مع الخائضين في هبوطهم الذوقي والفني للحفاظ أو الكسب المالي ، نحو قلة الذوق في طرحهم لمجموعة من الأغاني الشعرية الهابطة .
ولقد أجرت مجلة محيط مع الشاعر الكبير عبد الرحمن وسألته عن هذه المسألة فقال :
محيط / الشاعر الكبير عبد الرحمن الأبنودي اسمح لي أن انتقل بك إلي عالم الفن ، وأسألك رغم كونك شاعر غنائي كبير إلا إنني أشعر إن تيار الغناء لم يجرفك ناحيته وإبداعاتك الشعرية تكاد تطغى علي ما كتبته من أغنيات ، فهل هذا صحيح ؟
نعم وتفسير ذلك إنني شاعر من المقام الأول وأعرف طول عمري إنني جئت لأكون الشاعر ومن سنة 64 كنت كل سنة بطبع ديوان جديد لي ( الأرض والعيال ) ( الزحمة ) ( عماليات ) ( حراجي القط ) علي حسابي وكانت الأغاني هي التي تمول هذه الدواوين ، وذلك كان سبباً رئيسياً لكتابتي للأغاني يعني مثلاً ( حراجي )مدين لعدوية ووهيبه .
حبه لأمه :
محيط / إذن كتابتك للأغاني لم تكن بدافع حبك للغناء أو سعياً وراء الشهرة ؟
لا ، أنا كنت بحب الغناء لأن العمل عندنا في أبنود مرتبط بالغناء وتحديداً ما كانت تغنيه ( فاطمة قنديل ) أمي رحمة الله عليها ، يعني أنا مرة أخذت أغنية كاملة منها ووضعتها في فيلم ( عرق البلح ) للمخرج رضوان الكاشف ، وقلت لأخونا ياسر عبد الرحمن ضعها كما غنتها أمي ، لا أنا أضع كلمة ولا أنت تؤلف نغمة مخالفة وهي أغنية ( بيبه ) دي غنوة أمي وهو وضع لها توزيعاً موسيقياً ووضع لها بناء موسيقياً جميلاً لأنها جملة شعبية ولو لم تكن تعيش لولا أنها حقيقية وأصيلة زي أغنية ( أنا كل ما أجول التوبة ) مثلاً .

حب الشاعر الكبير لمصر رغم معاناته في مرضه حمل مصر معه في غربته ومرضه :
حبه لوطنه :
كيف أمرض وأقول آه ومصر بداخلي تحفزني على الثبات والقوة ، هل من شخص يحب مصر أن يهتز أو يتألم ؟! هرمونات قوتي أستمدها من شمسها وأوجاعي أعمل لها حمام تراب ( مش مساج ) على أرضها ، الحمد لله أنا بخير وعدت بكل قوة وأتمنى أن أموت وأنا واقف على قدمي لا أن ينقلونني من فراش المرض إلى الكفن .
رحلة مرضك استمرت 45 يوما في باريس ، فيما كنت تفكر ؟
لم أفكر في أني أريد أن أشفى ، لأني كنت ( رامي توكالي ) على الله ، كل ما كنت أفكر فيه هو أن أموت هنا على أرض مصر ، وأن تخرج جنازتي من أحد المساجد التي شهدت رحيل مصريين سفوا تراب مصر ، وأموت بين بناتي وزوجتي وأهلي فلا أحتمل في موتي أن يقف أهلي على أبواب المطار ويعلن بصوت عالي عن وصول جثمان عبد الرحمن الأبنودي ، نفسي أموت في حضن بناتي وزوجتي والوطن .
أمد الله في عمرك ، بس يعني إيه وطن ؟
تساؤل رغم غرابته إلا أني أحترمه لأن هناك كثيرون يرددون كلمة وطن وأرض وعرض دون أن يفهموها ، يا ولاد ، الوطن ده قصة مليناه بالأم وأوجاع لا يشعر بها سوى من عاش أزماته وانتصاراته .

عبد الرحمن الأبنودي وصراحته بعدما وصل إلى قمة المجد :
كثير من شعرائنا الكبار المخضرمين الأرستقراطيين ، لما وصلوا إلى المجد والشهرة ، بنوا حولهم هالة من الكذب والغش ، بل تعداه إلى تزوير الحقائق وتلبيسها على محبيه ومريديه وقرائه ، بل تعداه إلى الاعتداء بالمجون بأنه كان في فترة من الفترات إلهاً ما لسيدات وإناث العالم العربي ، بل وصلت عنده ( الإنا ) والنرجسية حتى في قصائده الغزلية ، بل تغنى بنفسه وشعره ووجنتيه لتصل عنده ( فوبيسا ) الأنا قمته ، على عكس الشاعر العملاق الأسمر الأبنودي الذي قال لمجلة المحيط :
صراحته مع الثقة :
شهدت طفولتي وأيام فقري ، وأوقات كنا ننام فيها بدون طعام ، كنت أجري على قوت يومي وأنا لا زلت طفلاً صغيراً ، فكنت أذهب إلى الغيط لجمع القطن ، وكان حتماً أن أتعلم الصيد لأستطيع أن أخرج من النهر ولو بسمكة لأكلها لتسد جوعي ومع الصيد تعلمت الصبر .
تفتكر كان مصروفك كام ؟ 10 قروش ، ولكن هذا المصروف ليس كل يوم مثلما كان يحدث مع كل أصدقائي ، لكن كان كل ما ربنا يسهل لأبويا وكلما تزداد دعوات أمي .

الأبنودي وأمه وقريته :
لقد قدم لنا الأبنودي نموذجاً رائعاً للفلاح ( أي فلاح ) أردني ، فلسطيني ، سوري ، سعودي ، سوداني ، الذي كد واجتهد ، وبذر ، وسهر ، وحصد ، وقدم لنا الفلاح البسيط ، قدم لنا الساقية ، والمسحاة ، والفأس ، قدم لنا قريته أبنود ومظاهرها الاجتماعية وعاداتها وأفراحها وأحزانها ، قدم لنا الرجال والنساء والشيوخ والأطفال ، ولقد قدم لنا الأبنودي قمة الإخلاص والوفاء والمحبة لوطنه الصغير أبنود لينطلق منها إلى الوطن الكبير ليتجلى ذلك في أبها صورة حملها الشاعر الكبير الأبنودي حتى في محنته المرضية ، فماذا حمل الأبنودي لأمه ؟
حبه لأمه :
فاطمة قنديل والدتك ، ماذا تقول عنها ؟ لا أستطيع أن أقول أقل من أنها وطن بداخل وطن .
لهذه الدرجة تحبها ؟ حب الولد لأمه شيء طبيعي ، لكن ما بيني وبينها كان أكثر من قصائد العشق ، فالحياة معها مختلفة وكانت تستطيع أن تحول العلقم إلى شهد .
متى بدأت بذورك كشاعر؟ منذ أن قولت ( واء ) ، فكان عليّ ورغما عني أن أكون شاعراً أو مغنياً فكل من في قريتي يغني ، فأتذكر إنني كنت أعمل في الغيط وأغني مع الفلاحين أغاني تشد من همتنا وتقوينا ، أتصدقون أن الأفراح التي كانت تقام في قريتنا كنا يستحيل أن نأتي بمطرب ، كنا كأهل أبنود من نغني ، فالغناء كان سمة أساسية في قريتنا وكانت أمي صوتها جميل واستعنت بأغنية لها من قبل في فيلم ( عرق البلح ) للراحل رضوان الكاشف .
كيف ترى شباب مصر الآن ؟ محتاجين يحبوا مصر ، فالحل ليس في الهجرة ، وأقول لهم إنكم تعيشون في أحلى فتراتها مقارنة بالماضي . العالم العربي في تدهور والموقف متخاذل .

قصيدته عن القدس :
كما كانت مصر في قلبه فلقد كانت فلسطين في قلبه وهمه ، ولم حصلت النكسة عام 1967م انتكس مع الأمة ، لكنه لم ينعزل بل نهض بقلمه وكتب للقدس فقال :
القدس قدس ي..
يمامة صيف في غيتها .
تطير . تيجيني ..
بأشواقها .. وغيتها .
فاكراني من يد صيادها
أنا اغيتها !!
فاكراني صوت الأدان الحي
في ( حطين )
ومخبي في ضلوعي قلبك
يا ( صلاح الدين ) ..
شايل صراخ اليتامى
ولوعة المساكين
فاكراني كفن الشهيد
وخيمة اللاجئين
وأول الأتقيا ..
وآخر الهاربين ..
***
تجيني وتبوسني
وتملس على خدودي
هاربة بـ حدودها القدام
تتحامى في حدودي
تبكي على صدري
دبكة حزن على عودي
تبكي وفاكرة حد هدها
وأسكتها !!
أنا ..
ياللي من موت شراييني
اتنسج موتها
وصوتي ..
يوم الغنا الباطل
بلع صوتها
مافيش في قلبي
ولا آهة أموتها
كل الآهات ميتة
أنا حبيس همسي
نزعت صورتها من بُكرايا
من أمسي
حطين ولا حطيني
ولا قدس الهموم .. قدسي
ولا عارفة تنساني
زي ما تهت .. ونسيتها !!
***
القدس ..
تيجي يمامة نور
مطفية
طالعالي م البرد
للصيف الجديد تسعى
فاكرة في كفي طعام
وف قلبي أخوية
هية اللي مش واعية ..
والا أنا اللي مش باوعى .. ؟
لا دمع يسقى عطش عيني
ولا مية .
يا حزن لا تترجمه أهة ..
ولا دمعة ..
...
ما كنا فاكرينا
أطفالك
يا ست الكل .
الكدب ما يجيبش همه
إحنا مش أطفال
وكنا فاكرينا أبطالك