النتائج 1 إلى 4 من 4

الموضوع: شبهات حول الإسلام

  1. #1
    ~ [ نجم صاعد ] ~
    تاريخ التسجيل
    Oct 2006
    الدولة
    السعودية/نجران
    المشاركات
    49

    شبهات حول الإسلام

    الدّين هل استنفد أغراضه؟
    ظن كثير من الغربيين في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر في نشوة الانتصارات العلمية، أن الدين قد استنفد أغراضه، وأخلى مكانه للعلم!
    وعلى هذا الظن معظم " علماء " الاجتماع و " علماء " النفس في العالم الغربي. فهذا فرويد مثلاً يقسم حياة البشرية إلى ثلاث مراحل سيكلوجية: الأولى مرحلة الخرافة، والثانية مرحلة التدين، والثالثة والأخيرة هي مرحلة العلم!
    وقد شرحنا في المقدمة الأسباب والملابسات التي أدت بعلماء أوربا إلى اعتناق هذه النظرة المعادية للدين، المنفرة منه، وقلنا أن الصراع الذي قام بين الكنيسة والعلماء قد جعلهم يشعرون - بحق - أن ما تقول الكنيسة رجعية وانحطاط وتأخر وخرافة. وأنه يجب أن يخلي مكانه للعلم، حتى يتاح للبشرية أن تتقدم في طريق المدنية.
    ثم كانت عدوى التقليد في الشرق الإسلامي المغلوب على أمره، هي التي خيلت للمساكين من أهله، أن طريقهم الوحيد إلى التقدم هو طريق أوربا الظافرة - لأنها اليوم ظافرة! - وأن عليهم أن ينبذوا دينهم، كما نبذت أوربا دينها، وإلا فسيظلون سادرين في الرجعية والانحطاط والتأخر والخرافة!
    ولكن علماء أوربا وكتابها مع ذلك ليسوا كلهم من أعداء الدين! وفيهم قوم معقولون تحررت نفوسهم من مادية أوربا الملحدة، وعرفوا ان العقيدة حاجة نفسية وحاجة عقلية في ذات الوقت. ومن أبرز أمثلتهم جيمس جينز العالم الفلكي الذي بدأ حياته ملحداً شاكاً، ثم انتهى عن طريق البحث العلمي إلى أن مشكلات العلم الكبرى لا يحلها إلا وجود إله! وجينز برج عالم الاجتماع الشهير الذي يشيد بالدين الإسلامي خاصة لجمعه بين المادي والروحي في فكرة واحدة ونظام واحد. ثم ها هو ذا الكاتب المشهور سومرست موم يقول كلمته الصادقة البارعة: " إن أوربا قد نبذت اليوم إلهها، وآمنت بإله جديد هو العلم، ولكن العلم كائن متقلب، فهو يثبت اليوم ما نفاه بالأمس، وهو ينفي غداً ما يثبته اليوم، لذلك تجد عبّاده في قلق دائم، لا يستقرون "!
    إنها حقيقة. هذا القلق الدائم الذي يعيش فيه الغرب المضطرب، القلق الذي يفسد أعصاب الناس هناك، ويصيبهم بمختلف الأمراض النفسية والعصبية، هو نتيجة الصراع الدائم في الأرض، دون الاستناد إلى قوة ثابتة في الأرض أو السماء. كل شيء من حولهم يتغير. النظم الاقتصادية تتغير. والنظم السياسية تتغير. وعلاقات الدول والأفراد تتغير. وحقائق العلم تتغير. فإذا لم تكن هناك قوة ثابتة يستند إليها الأفراد في صراعهم الجبار مع الحياة والناس والأشياء، فهناك نتيجة حتمية واحدة: هي القلق والاضطراب.
    ولو لم يكن للعقيدة مهمة تؤديها في حياة البشر إلا هذا الأمن الذي يجده الإنسان في رحاب الله، وهو يتوجه إليه بأعماله، ويقاوم قوى الشر والطغيان ابتغاء مرضاته، ويكدح لتعمير الأرض تنفيذاً لإرادته وانتظاراً لمثوبته، لكفى ذلك مبرراً للتمسك بالعقيدة، والتزود منها بخير زاد.
    وما الإنسان بغير عقيدة؟ ما هو بغير الإيمان بعالم آخر خالد الحياة؟
    إنه لا بد أن يستولي عليه شعور الفناء. الشعور بقصر العمر وضآلته بالقياس إلى أحلام الفرد وآماله. وعندئذ يندفع وراء شهواته، ليحقق في حياته القصيرة أكبر قدر من المتاع. ويتكالب على الأرض، ومنافع الأرض، وصراع الأرض الوحشي، ليحقق في هذه الفرصة الوحيدة المتاحة له كل ما يقدر عليه من نفع قريب …
    ويهبط الناس. يهبطون في أحاسيسهم وأفكارهم، ويهبطون في تصوراتهم لأهداف الحياة ووسائل تحقيقها. يهبطون إلى عالم الصراع البغيض الذي لا ينبض بآصرة إنسانية رفيعة، ولا تخطر فيه خاطرة من ود أو رحمة أو تعاون صادق. ويهبطون إلى نزوات الجسد وضرورات الغريزة، فلا يرتفعون لحظة إلى عاطفة نبيلة ولا معنى إنساني كريم.
    ولا شك أنهم - في الطريق، في صراعهم الجبار - يحققون شيئاً من النفع، وشيئاً من المتاع. ولكنهم يفسدون ذلك كله بالتكالب الذي يتكالبونه على النفع والمتاع. فأما الأفراد فإن الشهوات تتملكهم إلى الحد الذي يصبحون فيه عبيداً لها، خاضعين لنزواتها، محكومين بتصرفاتها، لا يملكون أنفسهم منها، ولا يخلصون من سلطانها. وأما الأمم فمصيرها إلى الحروب المدمرة التي تفسد المتاع بالحياة، وتحول العلم - تلك الأداة الجبارة الخطيرة - من نفع الإنسانية إلى التحطيم المطلق، والدمار الرهيب.
    فلو لم يكن للعقيدة مهمة تؤديها في حياة البشرية إلا الفسحة التي تمنحها للأحياء، والأمل في حياة خالدة يحققون فيها كل آمالهم، ويستمتعون فيها بكل ما يخطر في نفوسهم من متاع … ولو لم يكن لذلك من نتيجة إلا تخفيف حدة الصراع في الأرض، وإتاحة الفرصة لمشاعر الحب والمودة والرحمة والإخاء، لكفى ذلك مبرراً للتمسك بالعقيدة والتزود منها بخير زاد.
    وأصحاب المبادئ العليا والأفكار الإنسانية والعقائد الرفيعة، من ذا الذي يهبهم الصبر على الكفاح، والصمود لقوى الشر والطغيان في سبيل هذه المبادئ والأفكار؟ وما النفع الذي ينتظرونه؟ لقد يقضي بعضهم - بل أغلبهم - حياته دون أن يحصل على النفع المنشود. ولن تفلح العقيدة المبنية على النفع الشخصي إلا ريثما يتحقق هدفها الصغير، ثم تكتسحها الأعاصير، لانها تقوم بغير جذور.
    ليس النفع القريب إذن هو الدافع إلى الصبر والصمود.
    حقيقة أن بعض " المصلحين " يستمدون القوة والصبر من الأحقاد! أحقادهم الشخصية، أو أحقاد طائفة من الناس، أو أحقاد الجيل كله الذي يعيشون فيه. ولقد يصلون إلى بعض أهدافهم في " الإصلاح ". ولقد تكون أحقادهم من الحدة والعنف بحيث يحتملون كل عذاب في سبيل الهدف الذي ينشدون. ولكن العقائد المبنية على الحقد - لا على الحب - لا يمكن أن تسير بالبشرية إلى الخير الحق. قد تحل مشكلة موقوتة. وقد ترفع ظلماً واقعاً. ولكنها لن تكون قط علاجاً صالحاً لكل ما تعانيه البشرية من الآلام، ولا بد أن تنحرف - بما فيها من أحقاد وسخائم - فتستبدل شراً بشر، وظلماً بظلم، وهبوطاً بهبوط.
    العقيدة التي لا تقوم على النفع القريب، والتي لا تستمد غذاءها من السخائم والأحقاد، والتي تستهدف الحب النبيل والإخاء الحق، والتي تحارب الشر لأنها تحب للناس الخير.. هذه العقيدة وحدها هي التي تنفع الناس، وتدفع بهم إلى الأمام في ركب المدنية.
    فكيف السبيل إليها بغير الإيمان " بالحب " الأكبر المنبثق من حب الله، و " الخير " الأكبر الموصول بالله، و " الحق " الأكبر الذي تقاس به حقائق الحياة؟ وكيف السبيل إليها بغير الإيمان بالعالم الآخر الذي ينفي عن الروح خاطر الفناء في الأرض، ويمنحها الإحساس بالدوام والخلود، وينفي عنها الإحساس بضياع الجهد بلا ثمرة، وضياع المشاعر النبيلة بلا جزاء؟
    هذا عن العقيدة.. كل عقيدة في الله واليوم الآخر.
    ولكن الإسلام له حساب آخر.
    والذين يخطر في بالهم أن الإسلام قد استنفد أغراضه، لا يعرفون لماذا جاء الإسلام.
    إنهم - كما حفظوا في دروس التاريخ التي وضعها الاستعمار لتدرس في المدارس المصرية ( ) - يعرفون أن الإسلام قد نزل لمنع عبادة الأصنام وتوجيه الناس إلى عبادة الله الواحد. وكان العرب يعيشون قبائل متفرقة متناحرة فألف بينهم، وجعلهم أمة واحدة. وكانوا يشربون الخمر، ويلعبون الميسر ويرتكبون المفاسد الخلقية، فنهاهم عن ذلك، وحرمه عليهم. كما حرم عليهم بعض العادات السيئة، كالأخذ بالثأر ووأد البنات و … الخ. ودعا الإسلام المؤمنين به لنشر الدعوة فقاموا بنشرها، وقامت الحروب والغزوات التي انتهت بانتشار الإسلام إلى حدوده المعروفة اليوم.
    فقط. تلك كانت مهمة الإسلام! وإذن فهي مهمة تاريخية قد انتهت اليوم واستنفدت أغراضها.. ليس في العالم الإسلامي اليوم من يعبد الأصنام. والقبائل قد ذابت - قليلاً أو كثيراً - في أمم وشعوب. والخمر والميسر والمسائل الخلقية متروك أمرها " لتطور " المجتمع. وقد وجدت رغم تحريم الأديان لها، فلا فائدة من المحاولة.. ونشر الدعوة قد انتهى، ولم يعد له مكان في التاريخ الحديث.. وإذن فقد استنفد الإسلام أغراضه، وعلينا اليوم أن نتجه إلى " المبادئ الحديثة " ففيها وحدها الغناء.
    ذلك وحي الدراسات التي ندرسها لأبنائنا في المدارس، وهو كذلك وحي ما يسمونه " الأمر الواقع " كما يتبدى في الأذهان الضعيفة والنفوس المستعبدة لسلطان الغرب.
    ولكن هؤلاء وأولئك لا يدركون فيم نزل الإسلام.
    إن الإسلام في كلمة واحدة هو " التحرر ". التحرر من كل سلطان على الأرض، يقيد انطلاق البشرية أو يقعد بها عن التقدم الدائم في سبيل الخير ( ).
    التحرر من سلطان الطغاة الذين يستعبدون البشر لأنفسهم، ويستذلونهم بالقهر والتخويف. فيفرضون عليهم ما يخالف الحق، ويسلبون كرامتهم أو أعراضهم أو أموالهم أو أنفسهم. التحرر من طغيانهم برد السلطان كله إلى الله وحده، وتقرير تلك الحقيقة العظمى التي ينبغي أن تكون بديهية في أذهان الناس وضمائرهم، وهي أن الله وحده مالك الملك، وهو وحده القاهر فوق عباده، وكلهم عباده، لا يملكون لأنفسهم نفعاً ولا ضراً، وكلهم آتيه يوم القيامة فرداً. عند ذلك يتحرر الناس من خوف بشر مثلهم لا يملك من أمر نفسه شيئاً، وهو وإياهم خاضع لإرادة الواحد القهار.
    والتحرر من سلطان الشهوة - حتى شهوة الحياة - وهي السلاح الذي يستخدمه الطغاة عن قصد أو عن غير قصد في استذلال البشر. فلولا حرص الناس على هذه الشهوات ما قبلوا الذل، ولا قعدوا عن مقاومة الظلم الذي يقع عليهم. ولذلك عني الإسلام عناية شديدة بتحرير الناس منها، ليقفوا من الشر موقف القوي المجاهد، لا موقف الخانع المستخذي: " قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله، فتربصوا حتى يأتي الله بأمره، والله لا يهدي القوم الفاسقين " ( ).
    وبذلك يجمع الشهوات كلها في كفة، ويضع في الكفة الأخرى حب الله - الذي يتمثل فيه الحب والخير والحق - والجهاد في سبيل الله، وفي سبيل هذه المعاني النبيلة كلها. ثم يجعل حب الله راجحاً لهذه الشهوات، ويجعل ذلك شرط الإيمان!
    وليس التحرر من سلطان الشهوات مقصوداً لمقاومة الطغاة والجبارين فحسب، ولكنه إلى جانب ذلك هدف شخصي لكل فرد، لينقذ نفسه من استعباد الغرائز والوقوع تحت سلطانها الجائر المذل.
    إن الذي يغرق في شهواته يظن بادئ الأمر أنه يستمتع بلذائذ الحياة أكثر مما يستمتع غيره. ولكن هذا الظن الخاطئ يسلمه بعد قليل إلى عبودية لا خلاص منها، وشقاء لا راحة فيه. فالشهوة لا تشبع أبداً بزيادة الانكباب عليها، ولكنها تزداد تفتحاً واستعاراً، وتصبح الشغل الشاغل لمن تملكه فلا يستطيع التخلص من ضغطها عليه، فضلاً عن التفاهة التي يهبط إليها حين يصير همه كله أن يستجيب لصياح الشهوات. والحياة لا يمكن أن تتقدم، والبشرية لا يمكن أن ترتفع، إلا حين تتخلص من ضغط الضرورة، لتعمل في الميدان الطليق. سواء كان عملها علما ييسر الحياة، أو فنا يجملها، أو عقيدة ترتفع بها إلى آفاق المشاعر العليا.
    ومن هنا كان حرص الإسلام الشديد على تحرير البشر من شهواتهم، لا بفرض الرهبنة عليهم، ولا بتحريم الاستمتاع بطيبات الحياة، وإنما بتهذيب استجابتهم إليها، وإتاحة القسط المعقول من المتاع، الذي يرضي الضرورة ويطلق الطاقة الحيوية تعمل لإعلاء كلمة الله في الأرض. وكان الإسلام في ذلك يهدف إلى فائدة شخصية للفرد بتحقيق قسط من المتعة وراحة البال، وفائدة أخرى للمجتمع كله، يتوجيه طاقته إلى الخير والتقدم والارتقاء، حسب نظريته الكبرى في التوفيق بين الفرد والمجتمع في نظام( ).
    وتحرير العقل من الخرافة.. فقد كانت البشرية غارقة في خرافات عدة، بعضها صنعه البشر ونسبوه إلى آلهتهم التي صنعوها بأيديهم، وبعضها صنعه رجال الدين ونسبوه إلى الله! وكلها نشأ من الجهالة التي كان يعيش فيها العقل البشري في طفولته، فجاء الإسلام ليخلص البشرية من الخرافة ممثلة في الآلهة المزعومة، وفي أساطير اليهود وخرافات الكنيسة، ويردهم إلى الله الحق، في صورة بسيطة يفهمها العقل ويدركها الحس ويؤمن بها الضمير؛ ويدعوهم إلى إعمال عقلهم لتفهم حقائق الحياة، ولكن في صورة فريدة لا تقيم خصومة بين العقل والدين، ولا بين الدين والعلم. لا تضطر الإنسان إلى الإيمان بالخرافة ليؤمن بالله، ولا تضطره إلى الكفر بالله ليؤمن بحقائق العلم. وإنما تقر في ضميره في استقامة ووضوح أن الله قد سخر للناس ما في الكون جميعاً. وأن كل حقيقة علمية يهتدون إليها، أو نفع مادي يحصلون عليه فإنما هو توفيق من الله، يستحق أن يشكروا الله من أجله ويحسنوا عبادته، وبذلك يجعل المعرفة جزءاً من الإيمان، لا عنصراً مخالفاً للإيمان.
    وتلك كلها أهداف لم تستنفد أغراضها، ولا يمكن أن تستنفد أغراضها ما دام البشر على الأرض!
    فهل تخلصت البشرية من الخرافة؟ هل تخلصت من سلطان الطغاة والجبارين؟ هل تخلصت من ضغط الجسد وصراخ الشهوات؟
    نصف سكان العالم ما يزالون وثنيين يعبدون الأصنام، في الهند والصين والقبائل المتفرقة في أنحاء الأرض. وما يقرب من نصفهم يعبدون خرافة أخرى لا تقل انحرافاً بالناس عن الحق، ولا إفساداً لضمائرهم ومشاعرهم وعلاقات بعضهم ببعض، بل ربما كانت أكثر انحرافاً وأشد خطراً: تلك الخرافة هي العلم!!
    العلم أداة جبارة من أدوات المعرفة، وقد خطا بالبشرية كلها خطوات واسعة في سبيل التقدم والرقي، ولكن إيمان الغرب به على أنه الإله الأوحد، وإغلاق كل منافذ المعرفة سواه، قد ضلل البشرية عن مقصدها، وضيق آفاقها وحصر مجالها في الميدان الذي يستطيع العلم التجريبي أن يعمل فيه، وهو ميدان الحواس. ومهما يكن من سعة هذا الميدان فهو ضيق بالنسبة لطاقات البشرية؛ ومهما يكن من رفعته فهو أدنى مما يستطيع الإنسان أن يرتفع إليه، حين يرتفع بفكره وروحه جميعاً، فيتصل بحقيقة الألوهية ويقبس من نور المعرفة الحقة ببصره وبصيرته في آن. وذلك فضلاً عن الخرافة التي تخيل للمؤمنين بها أن العلم يستطيع أن يصل بهم إلى كل أسرار الكون والحياة، والتي تخيل لهم أن ما يثبته العلم هو وحده الحق، وأن ما لا يستطيع إثباته هو الخرافة! والعلم ما يزال في طفولته، وما يزال يضطرب في كثير من الحقائق بين النفي والإثبات، وما يزال عاجزاً عن النفاذ إلى حقائق الأشياء، يكتفي بوصف مظاهرها دون كنهها. ولكن عبّاده يتعجلون أمرهم وأمره، فينفون وجود الروح، وينفون قدرة هذا المخلوق البشري المحدود الحواس على تخطي حواجز المادة، والاتصال بالغيب المجهول في ومضة من ومضات التليباثي ( )، أو في رؤيا صادقة، لا لأن هذا ليس حقيقة، ولكن لأن العلم التجريبي لم يستطع بعد إثباته! ولما كان الله - سبحانه - لا يخضع للبحث التجريبي فقد استغنوا عنه، وأعلن بعضهم أنه غير موجود!!
    فما أحوج العالم اليوم إلى الإسلام، كما كان محتاجاً إليه قبل ألف وثلاثمائة عام! ما أحوجه إليه ينقذه من الخرافة، ويرفع عقله وروحه من التردي فيها، سواء كانت الخرافة هي عبادة الأوثان، أو عبادة العلم على الصورة الزرية التي يمارسها أهل الغرب " المتقدمون ". بل ما أحوجه إليه يعيد السلم بين الدين والعلم، ليعيد الاستقرار إلى الكائن البشري الذي تمزقه عقائد الغرب الفاسدة، فتفصل بين عقله ووجدانه، وتخالف بين حاجته إلى العلم وحاجته إلى الله!
    ما أحوجه إليه يزيل بقية الروح الإغريقية الخبيثة، التي ورثتها أوربا الحديثة من تاريخها القديم في عصر الإحياء، والتي كانت تصور العلاقة بين البشر والآلهة علاقة خصام وصراع، وتجعل كل سر من أسرار المعرفة أو كل خير يتوصل إليه بشر، شيئا منتزعا من الآلهة قسراً عنهم، لو استطاعوا لمنعوه، وبذلك يعتبر كل كشف علمي انتصاراً على هؤلاء الآلهة وتشفيا فيهم!
    تلك الروح الخبيثة ما تزال في العقل الباطن الأوربي والغربي عامة، تتبدى حيناً في بعض تعبيراتهم مثل " قهر الإنسان للطبيعة " أو " العلم ينتزع الأسرار ".. الخ. وتتبدى في طريقة إحساسهم بالله، وشعورهم بأن عجز الإنسان هو - وحده - الذي يضطره للخضوع لله، فكل كشف علمي يتوصل له الإنسان يرفعه درجة، ويخفض الإله درجة، وهكذا حتى يعرف الإنسان كل أسرار العلم، ويخلق الحياة (وهو الحلم الذي يخايل " للعلماء " اليوم) وعندئذ يتخلص نهائيا من الخضوع لله، ويصبح هو الإله!
    ما أحوج العالم للإسلام اليوم، ينقذه من هذه الضلالة، ويرد لروحه الأمن والسلام. ويشعره بعطف الله عليه ورحمته، وأن كل معرفة يصل إليها أو خير يصيبه إنما هو منحة من الله يمنحها له، وهو راض عنه - مادام يستخدمها في خير المجموع - وأن الله في الإسلام لا يغضب على الناس حين " يعرفون " ولا يخشى منافستهم له سبحانه! وإنما يغضب عليهم فقط حين يستغلون معرفتهم في الضرر والإيذاء.
    وما أحوج الناس إلى الإسلام اليوم ينقذهم من الطغاة والجبارين كما كان ينقذهم منهم قبل ألف وثلثمائة عام!
    والجبارون اليوم كثيرون، بعضهم ملوك، وبعضهم أباطرة، وبعضهم رأسماليون يمتصون دماء الكادحين ويقهرونهم بذل الفقر والحاجة، وبعضهم دكتاتوريون يحكمون بالحديد والنار والتجسس، ويقولون: إنهم ينقذون إرادة الشعوب أو إرادة البروليتاريا!
    والإسلام ينقذ الناس من الجبابرة في عالم الواقع لا في عالم الأحلام. ولقد يطيب لبعض الناس أن يسأل: فما بال الإسلام لم ينقذ أهله من حكامه الجبابرة الذين ما يزالون يكتمون أنفاسه ويمتصون دماءه وينتهكون حرماته، باسم الإسلام؟
    والجواب أن الإسلام لا يحكم في هذه البلاد، وأن أهلها ليسوا مسلمين إلا بالاسم، ينطبق عليهم قوله تعالى: " ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون " ( ) وقوله تعالى: " فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم، ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليما " ( ).
    والإسلام الذي ندعو إليه ليس بطبيعة الحال ذلك الإسلام الذي يزاوله الحكام في الشرق الإسلامي، ويخالفون به كل شرائع الله، ويحكمون بدساتير أوربا مرة، وبنظرية الحق الإلهي مرة، ولا يعدلون بين الناس في هذا ولا ذاك.
    الإسلام الذي ندعوا إليه هو الإسلام الذي يهز العروش، ويطيح من فوقها بجبابرتها، وينزلهم على حكمه أو ينفيهم من الأرض: " فأما الزبد فيذهب جفاء، وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض " ( ).
    وحين يحكم هذا الإسلام - وهو لا بد حاكم بإذن الله وتأييده - فلن يكون جبار في أرض الإسلام، لأن الإسلام لا يقبل الجبابرة، ولا يسمح لأحد أن يحكم بأمره في الأرض. وإنما بأمر الله ورسوله. والله يأمر بالعدل والإحسان.
    وحين يحكم هذا الإسلام، أي حين يتربى جيل من الشباب يؤمن به ويجاهد في سبيله، لن يكون للحاكم إلا تنفيذ شريعة الله، وإلا فلا طاعة له على الناس بصريح قول الخليفة الأول: " أطيعوني ما أطعت الله فيكم، فإن عصيت الله فلا طاعة لي عليكم ". ولن يكون للحاكم حق في المال أو في التشريع زائد على حقوق أي فرد من أفراد الشعب، ولن يتولى ذلك الحاكم سلطانه إلا بانتخاب الناس له انتخاباً حراً طليقاً من كل قيد، إلا قيد الرشد والعدل والإحسان.
    وحين يحكم هذا الإسلام فلن يخلص المسلمين من الجبروت الداخلي فحسب، بل يخلصهم كذلك من الطغيان الأجنبي في صورة استعمار أو تهديد بالاستعمار. ذلك أن الإسلام دين عزة ومنعة، يأبى الخضوع لهذا الاستعمار ويستنكره، ويجعل حساب الله عسيراً على الرضا به أو الخنوع لسلطانه. ويدعو لمقاتلته بكل ما في الطاقة من وسائل الجهاد.
    فما أحوجنا إلى الإسلام اليوم، نقف تحت رايته، فنطهر أرضنا من دنس الاستعمار، ونستخلص من قبضته الخبيثة أرواحنا وأموالنا وأعراضنا وعقائدنا وأفكارنا، لنصير جديرين باسم الله الذي نعبده، وبدينه الذي ارتضاه لنا يوم قال سبحانه: " اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا " ( ).
    ولكن دور الإسلام لا يقف عند هذا الحد، فتحرير هذا الجزء من العالم من قبضة الطغاة في الداخل والخارج لا يقتصر أثره على أهله فحسب، بل هو نعمة كبرى للعالم كله، المثخن بجراح الحرب، والذي تتهدده الحرب القادمة بالفناء المدمر الرهيب.
    فهذا العالم اليوم قد انقسم كتلتين كبيرتين، الكتلة الرأسمالية من جانب، والكتلة الشيوعية من جانب، وهما تتنازعان النفوذ والموارد والنقط الاستراتيجية، ولكنهما في الواقع تتنازعاننا نحن... نحن هذا العالم الممتد من المحيط للمحيط، الغني بالموارد المادية والبشرية والنقط الاستراتيجية، وهما تتصارعان علينا، كأننا كمٌّ مهمل لا يحسب له حساب، وإنما ينقاد للظافر انقياد العبيد، وينتقل من ملكية سيد لسيد، كما ينتقل المتاع والأشياء.
    ولو استرد العالم الإسلامي كيانه - وهو في طريقه إلى ذلك بإذن الله - لبطل الصراع الجبار الذي يهدد الأرض بالخراب، ولبرزت في العالم كتلة ثالثة تمسك ميزان القوة الدولية من منتصفه، وتملك بموقفها أن ترجح قوة هذه الكتلة أو تلك. عندئذ لا تتصارع علينا روسيا وأمريكا في وقاحة كما تصنعان اليوم، وإنما تتسابق كلتاهما إلى استرضاء الإسلام والمسلمين.
    وإذن فالعالم اليوم في حاجة إلى انتصار الإسلام، ولو لم يؤمن به إلا أهله القائمون اليوم؛ لأن انتصاره يريح العالم من الخوف الدائم من الحرب، والفزع المقلق للأعصاب.
    * * *
    للمراسلة
    [email protected] أو [email protected]

  2. #2
    | إبداع الصمت | الصورة الرمزية خالد المصرى
    تاريخ التسجيل
    Jun 2006
    الدولة
    القاهره
    المشاركات
    1,468
    الف الف اخى الكريم وبارك الله فيك

    بارك الله فيك بارك الله فيك

    وجزاك الله خير الجزاء

    وجعل هذا الموضوع الرائع والقيم والمميز فى ميزان حسناتك

    اخى الكريم كل المواضيع التى تكتنها رائعه ومميزه وفيها من العلم الكثير بارك الله فيك وفى علمك

    ولكن طويله جدا واننى منذ فتحت الحهازك اقر فى موضوع الامس وهذا الموضوع اخذ منى اكثر من ساعه

    ارجو منك الاختصار فى مره القادمه لكى يستفيد الجميع من علمك

    ولك جزيل الشكر
    وقال تعالى \\ وما اوتيتم من العلم الا قليلا \\

    وقال تعالى \\وان تطع اكثر من فى الارض يضلوك عن سبيل

    الله ان يتبعون الا الظن وان هم الا يخرصون \\

    وقال تعالى \\قل ان صلاتى ونسكى ومحياى ومماتى لله رب العالمين \\

    ------

  3. #3
    ~ [ نجم صاعد ] ~ الصورة الرمزية الحسيني 900
    تاريخ التسجيل
    Oct 2006
    المشاركات
    38
    الله يجزاك خير

    فعلا موضوع مفيد

    أثابك الله أخي الكريم

  4. #4
    ~ [ نجم صاعد ] ~
    تاريخ التسجيل
    Oct 2006
    الدولة
    السعودية/نجران
    المشاركات
    49
    مشكوووووووووووووووووووووو ووووور
    للمراسلة
    [email protected] أو [email protected]

معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

المواضيع المتشابهه

  1. شبهات من يتعلق بالمولد النبوي .
    بواسطة الـحجاز في المنتدى المنتدى الإسلامي
    مشاركات: 4
    آخر مشاركة: 09-03-2007, 04:11 PM
  2. كيف أخدم الإسلام ؟
    بواسطة هادي2006 في المنتدى المنتدى الإسلامي
    مشاركات: 8
    آخر مشاركة: 02-12-2006, 07:27 PM
  3. شبهات دين الله -- او شبهات على الحجاب
    بواسطة خالد المصرى في المنتدى المنتدى الإسلامي
    مشاركات: 18
    آخر مشاركة: 28-11-2006, 10:22 PM
  4. رأي الإسلام في التدخين
    بواسطة king8 في المنتدى المنتدى الإسلامي
    مشاركات: 6
    آخر مشاركة: 30-11-2004, 08:26 PM
  5. ( إتحاف الأخيار ببراءة الشيخ ربيع من شبهات الأشرار )
    بواسطة الرئيسة في المنتدى منتدى الأخبار
    مشاركات: 7
    آخر مشاركة: 08-09-2003, 05:08 PM

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •