أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


بسم الله الرحمن الرحيم

هذه أيها الأحبة مقالة جديدة لشيخنا أبي عبد الله حمزة النايلي (حفظه الله)، نفعنا الله وإياكم بها.

العزة والتمكين لأولياء الله الصالحين

الحمد لله رب العالمين و الصلاة والسلام على أشرف المرسلين،نبينا محمد و على آله،وصحبه أجمعين.
أما بعد:
لقد منَّ علينا ربنا العلام بنعم لا تعد ولا تحصى أيها الكرام،وإن من أنفعها لنا في الدنيا والآخرة أن فضلنا على كثير من الأنام،فهدانا سبحانه بفضله للإسلام،قال تعالى:(كنتم خير أمة أخرجت للناس ...)[آل عمران:110]
قال الشيخ السعدي –رحمه الله- :" يمدح تعالى هذه الأمة ويخبر أنها خير الأمم التي أخرجها الله للناس،وذلك بتكميلها لأنفسهم بالإيمان المستلزم للقيام بكل ما أمر الله به،وبتكميلهم لغيرهم بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر المتضمن دعوة الخلق إلى الله وجهادهم على ذلك، وبذل المستطاع في ردهم عن ضلالهم وغيهم وعصيانهم،فبهذا كانوا خير أمة أخرجت للناس".تفسير السعدي (ص143)
إن الناظر أيها الأفاضل في سير سلفنا الصالح من الصحابة ومن تبعهم بإحسان يجد أنهم حافظوا على هذه النعمة العظيمة وبذلوا في ذلك أغلى ما يملكون فضحوا بأنفسهم وأولادهم وأموالهم من أجل إعلاء كلمة الدين ورفع راية المسلمين فضربوا بذلك أروع الأمثلة وسطروا أزكى المعاني و العبر فأصبحت قصصهم بعد ذلك تذكر وبطولاتهم تروى حتى على لسان الأعداء وتسطر، والمتمعن لسيرهم العطرة وأخبارهم النيرة لا يستغرب منهم ذلك، لماذا؟!
لأنهم عرفوا أنه لا عزة ولا تمكين لهم في هذه الدنيا الفانية إلا بالتمسك بالدين واتباع هدي خير المرسلين عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم،يقول أمير المؤمنين عمر الفاروق-رضي الله عنه- :"إنا كنا أذلَّ قوم،فأعزنا الله بالإسلام،فمهما نطلبُ العزةَ بغير ما أعزَّنا الله به أذَلَّنا الله". رواه الحاكم في المستدرك(1/130)وصححه الشيخ الألباني-رحمه الله-في السلسلة الصحيحة(51)
لكن مع مرور الأعوام وانقضاء الليالي والأيام وبالأخص في أيامنا الحاضرات تعلق كثير من المسلمين والمسلمات بالملذات و أصبحت قلوبهم تلهث وراء الشهوات وانتشرت بينهم البدع و المحدثات، فصار أمر الدين عندهم من آخر الأولويات!إن لم يكن أمره يعد أصلا من الاهتمامات!!ولا حول ولا قوة إلا بالله رب البريات.
لكن المؤمن الغيور على دينه،المتمسك بهدي نبيه صلى الله عليه وسلم،والمتبع لنهج سلفه الصالح مهما يرى من ترك المسلمين تعاليم الإسلام،وتأثر كثير منهم بفكر الغرب الهدام،وتضييع أكثر الواجبات ومن ذلك الصلوات، وانتشار المنكرات وارتكاب المحرمات،وتعلق الناس بأمور الدنيا الفانيات ونسيانهم لهاذم اللذات، وتَسلط أعداء الدين من الكفار والمنافقين على المسلمين! ولا حول ولا قوة إلا بالله رب العالمين.
فإنه يعلم أولا أن هذا الأمر إنما هو ابتلاء قد قضاه الله جل وعلا لحكمة منه سبحانه قبل أن يخلق الخلق بخمسين ألف سنة، وذلك حتى يتبين المؤمن من المنافق والصادق من الكاذب والخبيث من الطيب،قال تعالى:(ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب وما كان الله ليطلعكم على الغيب ولكن الله يجتبي من رسله من يشاء فآمنوا بالله ورسله وإن تؤمنوا وتتقوا فلكم أجر عظيم)[آل عمران : 179 ]
قال الإمام ابن كثير –رحمه الله- :"أي لابد أن يعقد شيء من المحنة يظهر فيه وليه، ويفضح به عدوه، يعرف به المؤمن الصابر والمنافق الفاجر...". تفسير ابن كثير ( 1/433)
لكن مع هذا يستعين برب الأرباب ويجتهد في بذل الأسباب ويسعى لحث الناس على الرجوع لدين العزيز الوهاب لأن في ذلك الخير والصواب ورضى التواب.
ويعلم أن العزة والتمكين لا تنال إلا بالتمسك بأوامر ربنا القوي المتين،وبذل التضحية في سبيل نشر هذا الدين, وأنه لابد أن يؤذى من خلال دعوته لدين ربه سبحانه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم ومنهج سلفه الصالح,فيصبر على ذلك ويحتسب,ويعلم أن ما يقدمه لا يساوي إلا جزءا يسيرا من تضحيات من سبقه من الصالحين الغيورين على شرع رب العالمين،يقول شيخ الإسلام ابن تيمية-رحمه الله-:"فإنه لابد من أذى لكل من كان في الدنيا، فإن لم يصبر على الأذى في طاعة الله، بل اختار المعصية، كان ما يحصل له من الشر أعظم مما فر منه بكثير (ومنهم من يقول ائذن لي ولا تفتني ألا في الفتنة سقطوا)[التوبة:49]،ومن احتمل الهوان والأذى في طاعة الله على الكرامة والعز في معصية الله،كما فعل يوسف عليه السلام وغيره من الأنبياء والصالحين،كانت العاقبة له في الدنيا والآخرة، وكان ما حصل له من الأذى قد انقلب نعيما وسرورا، كما أن ما يحصل لأرباب الذنوب من التنعم بالذنوب ينقلب حزنا وثبورا". مجموع الفتاوى (15/ 132)
وليتذكر المؤمن أن السعادة الحقيقة ليست في هذه الدنيا الفانية وإنما في الجنة التي قطوفها دانية،ويصبره على ذلك قول نبيه صلى الله عليه وسلم :"بدأ الإسلام غريبا وسيعود كما بدأ غريبا،فطوبى للغرباء ".رواه مسلم ( 145) من حديث أبي هريرة –رضي الله عنه-.
في رواية عند أبي عمرو الداني في كتابه السنن الواردة في الفتن(3/633)من حديث عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه-:قيل من هم يارسول الله؟ قال :"الذين يُصْلِحُونَ إذا أفسد الناس ". وصححها الألباني –رحمه الله- في السلسلة الصحيحة (1273)
قال التوربشتي -رحمه الله-: "يريد أن الإسلام لما بدأ في أول الوهلة نهض بإقامته والذب عنه ناس قليلون من الصحابة فشردوهم عن البلاد فأصبحوا غرباء،أو فيصبح أحدهم معتزلاً مهجوراً كالغرباء ثم يعود آخراً إلى ما كان عليه لا يكاد يوجد من القائلين به إلا الإفراد" .مرقاة المفاتيح (1/361)
قال الإمام ابن القيم-رحمه الله-:"فهؤلاء هم الغرباء الممدوحون، المغبوطون، ولقلتهم في الناس جدا سموا غرباء فإن أكثر الناس على غير هذه الصفات فأهل الإسلام في الناس غرباء،والمؤمنون في أهل الإسلام غرباء،وأهل العلم في المؤمنين غرباء،وأهل السنة الذين يميزونها من الأهواء والبدع فهم غرباء،والداعون إليها الصابرون على أذى المخالفين هم أشد هؤلاء غربة،ولكن هؤلاء هم أهل الله حقا، فلا غربة عليهم". مدارج السالكين(3/ 195)
فيا أيها المتمسك بدينه المتبع لنهج سلفه الصالح رغم تكالب الأعداء وقلة الأعوان الأوفياء اصبر وصابر ولا تحزن لقلة الأتقياء ولا تغتر بكثرة الأشقياء،قال الإمام الفضيل بن عياض-رحمه الله-:"اتبع طرق الهدى ولا يضرك قلة السالكين، وإياك وطرق الضلالة ولا تغتر بكثرة الهالكين". الاعتصام للشاطبي ( 1/83)
يقول الإمام ابن القيم–رحمه الله-:"وإياك أن تغتر بما يغتر به الجاهلون،فإنهم يقولون لو كان هؤلاء على حق لم يكونوا أقل الناس عددا،والناس على خلافهم فاعلم أن هؤلاء هم الناس ومن خالفهم فمشبهون بالناس وليسوا بناس، فما الناس إلا أهل الحق وإن كانوا أقلهم عددا ". مفتاح دار السعادة (1/147)
واعلم - سددك الله- أن صبرك وثباتك على دينك في أيام الفتن والبلايا والمحن أجره كبير وخيره كثير عند رب كريم غفور، قال صلى الله عليه وسلم:"إن من وَرَائِكُمْ أَيَّامَ الصَّبْرِ، الصَّبْرُ فيه مِثْلُ قَبْضٍ على الْجَمْرِ لِلْعَامِلِ فِيهِمْ مِثْلُ أَجْرِ خَمْسِينَ رَجُلًا يَعْمَلُونَ مِثْلَ عَمَلِهِ، فقيل يا رَسُولَ اللَّهِ أَجْرُ خَمْسِينَ منهم؟ قال :"أَجْرُ خَمْسِينَ مِنْكُمْ". رواه أبو داود (4341) من حديث أبي ثعلبة الخشني –رضي الله عنه- ، وصححه الشيخ الألباني –رحمه الله- بمجموع طرقه في السلسلة الصحيحة (957)
قال المناوي –رحمه الله- :"شبه المعقول بالمحسوس أي الصابر على أحكام الكتاب والسنة يقاسي بما يناله من الشدة والمشقة من أهل البدع والضلال مثل ما يقاسيه من يأخذ النار بيده ويقبض عليها،بل ربما كان أشد وهذا من معجزاته فإنه إخبار عن غيب وقد وقع".فيض القدير ( 6/456)
وتيقن -وفقك الله- أن الباطل وإن كان له جولة فإن للحق دولة ولأهله العزة والتمكين من رب العالمين حتى بعد مماتهم ، فالعاقبة في الدنيا والآخرة بإذن الله دائما للتقوى، ولا عدوان إلا على الظالمين.
فالله أسأل بأسمائه الحسنى وصفاته العليا أن يثبتنا وإياكم على دينه، وأن يجعلنا ممن يبذل الغالي و النفيس من أجل نصرة الحق ورفع رايته، وأن يحفظ أهل الحق والإتباع في كل مكان وزمان من شر الكائدين من الكفار والمنافقين ، ويثبتهم على الحق وينفع بهم الإسلام والمسلمين،فهو سبحانه رب العالمين وولي الصالحين المتقين.

وصلِّ اللهم وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.

أبو عبد الله حمزة النايلي