مقدمة:
لقد سئمت التمرد على قلمي ومحاولة الإبداع فهاهو القلم يشيخ - بالرغم من مشاعري لاتزال شابة - , وقد بدأ يجف حبره - مع أن حب الكتابة في قلبي ينبوع لايجف أبدا- .... تبا لهذا القلم وتبا لدواة الحبر , لازال فيّ نبض يريد الكتابة . ولازالت لديّ أفكار لم أكتب عنها بعد . سأحاول وبإذن الله أنجح .
أفكار .... أفكار .... ماهذا الجحيم ......
جلس قرب المدفأة القديمة , رفعها ونظر بإمعان إلى فتحة صغيرة بها .. قام من مكانه وخرج من الغرفة الوحيدة في بيته , أو لنقول إنها هي المنزل بأكملة بالإضافة إلى دهليز صغير يفضي إلى الباب المطل على الشارع . عاد مرة أخرى وبيده آنية حديدية ذات صنبور له لسان يغلق ويفتح حسب تحكم الشخص به ... ُكتب على جانبه " Gazz " ...
سكب قليلا منه في المدفأة ثم أحكم إغلاق غطاء الآنية وفتحة المدفأة ..... أخرج علبة الكبريت من جيبه , وسحب منها عود ثقاب , وشخط بالعود ليحتك بظهر العلبة الخشن فتظهر منه شرارة توقد النار في العود لينقله بيده اليمنى إلى المدفأة بينما تعبث يده اليسرى بحلقة متحركة تتحكم بخروج كميات من الغاز لتلامس النار المنبعثة من عود الثقاب فتقدح النار وتدفئ جسده البارد .. وتبعث قليلا من الحرارة إلى الغرفة اللتي قاربت في الشبة إحدى الثلاجات الكبيرة .......
خطر في باله سؤال ... (( لماذا أنا فقر ؟ .... لماذا لم أكن غنيا ؟ ....... ))
ضحك وقال في نفسه ... (( تعيس الحظ , لاتتعدل أحواله أبدا ...... )) ..... (( لكن لو كنت غنيا ... ههل يمكن أن تنسيني كثرة الأموال أيام الفقر ومدفأة الغاز وبيتي الصغير هذا ؟ .... أو حتى إبريق الشاي اللذي أمسك به الآن ؟ ... )) ....... وضع قليلا من السكر .... ورفع يده إلى حبل قصير , ُعلقت عليه بعض من أكياس الشاي المجففه بعد إستعمالها .... سحب كيسا منها ووضع الإبريق على المدفأة ... فهو لايمكن أن يستهلك الغاز في امرين بينما يمكنه الإستغناء عن أحدهما .... فلا يجب أن يستخدم دافوره بينما المدفأة تخرج نفس كمية الحرارة .......
(( يالله . حتى التمتع بإعداد إبريق شاي .. يخضع للعديد من الحسابات الإقتصادية لئلا تشكل عبئا جديدا علي ... لا أطيق إحتماله .. )) .... (( ليتني كنت غنيا . لكنت الآن آمر بإعداد بحيرة من الشاي وأضع فيها أرتالا من السكر وأكياس شاي جديدة دون حمل هم المصاريف ... ))
رفع الإبريق بعد أن أعلن غضبه وبدأ يزبد ويرعدد من جراء تحرك الماء به وغليانه .....
سكب بعضا من ما يسميه هو مجازا " شاي " , وأسميه أنا . ماءا وسكرا ..
في فنجان لاأدري كيف إستطاع تحمل كل هذه السنين دون أن ينكسر فهو بالغ القدم .....
إرتشف قليلا منه ولكن شرخا بسيطا في الفنجان كان كفيلا بجرح في شفته السفلى , بحث عن منديل , وأضناه البحث , فأخرج قطعة قماشية كان قد إتخذها ممسحة له من ثياب قديمة بالية ......
مسح قطيرات الدم اللتي خرجت منه , ثم نظر لتلك القطعة القماشية وهو يقول في نفسه (( ربما لو أنني ثري لكنت الآن في مستشفى كبير ومجموعة متكاملة من أمهر الأطباء يعالجون هذا الجرح البسيط ... يالي من غبي .. فناجين الأغنياء لاتتكسر وإن حدث وكسرت فهم لايعودون لإستخدامها مرة أخرى ... ))
وضع رأسه على متكأ صغير كان قد إشتراه قبل أربع سنوات من الحراج ..... والأفكار تدور في رأسه ....
(( غدا ماذا سأفعل ؟ ....... آه سامر على صديقي صالح لقد سمعت انه مريض .. ياله من مسكين هذا الرجل إنه لايكف عن العمل ليل نهار ..... الحمد لله أنني لست متزوجا وإلا لكنت الآن مثله ... أو أكثر سوءا من حالته فلا زوجة أبحث عن تأمين لقمة العيش لها ولا عيال يبكون من الجوع والحرمان ..... ))
أرخى برأسه إلى الوراء ..... إختفت الأفكار من رأسه فكل ماكان يشغل باله قد فكر فيه .... قال لنفسه (( ماذا لو كنت غنيا هل ستكون الأفكار كثيرة ..... نعم إنها ستكون أكثر مما أتصور .... فالغني يبحث عن ماينمي أمواله ويحافظ عليها والفقير يبحث عن ما يحسن دخله ليقتات منه ..... ))
قال في نفسه بعد أن إبتسم إبتسامه هادئة ...... (( صحيح في هذه الدنيا ... لا يوجد أحد مرتاح ........))
وأغفى في نومة هانئة .........
أبوقهر
رد مع اقتباس
